إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1299 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> الآلات الفصل الرابع والثلاثون الموسيقى 1300-1564 1- الآلات


1299

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> الآلات

الفصل الرابع والثلاثون


الموسيقى


1300-1564


1- الآلات


إن شعبية الموسيقى في تلك القرون لتصحح وتلطف من النغمة الكئيبة الحزينة التي يميل التاريخ إلى أن يضفيها على تلك الحقبة ويقرنها بها. وأنا لنسمع الناس، من آن لآن، يغنون في غمرة الثورة الدينية وما اتسمت به من إثارة ومرارة. وكتب صاحب المطبعة العاطفي آتيين دولية "إني لا أعبأ بشيء من ملذات الطعام والألعاب، والحب، ولكن الموسيقى وحدها... تأسرني وتأخذ بمجامع قلبي، وتذيبني في نشوتها"(1). ومن النغمات الصافية المنبعثة من صوت إحدى الآنسات أو مزمار جيد، إلى فن مزج الألحان المتعددة الأصوات عند دبريه Depres أو بالسترينا، عوضت كل الأمم وكل الطبقات بالموسيقى عن الروح التجارية وعن اللاهوت في ذاك العصر. ولم يغن كل فرد فحسب، ولكن فرانسيسكو لاندينو شكا من أن كل فرد لحن وألف(2). وبين الأغاني الشعبية البهيجة أو الحزينة في القرية إلى القداسات الكبيرة المهيبة في الكنيسة، ظهرت مئات الأشكال الموسيقية التي استخدمت إيقاعاتها في الرقص والحفلات والولائم والمغازلات والبلاط والمواكب والمهرجانات والصلوات. لقد غنى العالم بأسره.
وكان يواكب تجار أنتورب كل يوم إلى السوق المالية فرقة موسيقية. ودرس الملوك الموسيقي، لا باعتبارها امتيازاً لطيفاً أو ميكانيكياً، بل لأنها


سمة المدنية ومنبع من منابعها. وتحمس ألفونسو العاشر ملك أسبانيا وثابر على جمع الأغاني للسيدة العذراء، وتودد جيمس الرابع ملك اسكتلنده إلى مارجريت تيودور بموترة المفاتيح (آلة موسيقية تعتبر الأصل الذي نطور عنه البيانو Clavichord) والمزهر (العود). واصطحب شارل الثامن ملك فرنسا معه فرقة المنشدين الملكية في حملاته على إيطاليا. وغنى شارل الثاني عشر بأعلى صوته مع فرقة المنشدين في البلاط. وألف ليو العاشر بعض الأغاني الفرنسية(3). أما هنري الثامن وفرانسوا الأول فقد تودد كل منهما إلى الآخر وتحداه باستخدام فرق المنشدين المتنافسة في ساحة Cloth of Gold .ووصف لويس ميلان البرتغال في 1540 بأنها "بحر حقيقي من الموسيقى"(4). وكان لبلاط ماتياس كورفينوس في بودا فرقة منشدين قدروا أنها تعادل فرقة البابا، وكان في كراكاو على عهد سجسمند الثاني مدرسة عظيمة للموسيقى، وكانت ألمانيا تعج بالغناء عندما كان لوثر شاباً. كتب الإسكندر أجريكولا 1484 يقول: "إن عندنا هنا في هيدلبرج مغنيين يرأسهم رجل يستطيع أن يلحن لثمانية أصوات أو أثنى عشر صوتاً"(5). وفي ماينز ونورمبرج وأجزبورج وغيرها من المدن ظل " راعي الشعر والموسيقى" يزين الأغاني الشعبية والقطع الإنجليزية بأبهة المتحذلقين وزخارف فن مزج الألحان، وربما كانت الأغاني الشعبية الألمانية أفضل مثيلاتها في أوربا. وكانت الموسيقى في كل مكان مهما التقى وشرك الحب.
وعلى الرغم من أن كل الموسيقى تقريباً كانت في هذا العصر صوتيه، فإن الآلات المصاحبة كانت متنوعة قدر تنوعها في الفرق الموسيقية الحديثة. وكانت هناك آلات وترية مثل الشنطير (آلة موسيقية قديمة تشبه القانون)، والقيثار، والقانون، والشوم (آلة موسيقية خشبية قديمة)، والعود، والفيول (وهو نوع من الكمان). ثم آلات النفخ مثل الناي، والمزمار،

والزمخر (مزمار ذو أنبوبة خشبية مزدوجة وفم معدني ملتو)، والبوق، والمترددة (الترومبون) والبوق (شكل قديم آخر) ومزمار القرب، ثم آلات النقر مثل الطبل والجرس، والمصفقة والمخشخشة والصنوج بأنواعها، ثم الآلات ذات المفاتيح مثل الأرغن، وموترة المفاتيح، والبيان القيثاري، والسبينت (تشبه البيان)، والعذراوية (شبيهه ببيان صغير ليس له قوائم)، وكانت هناك أنواع أخرى كثيرة، وكان للعديد منها متنوعات فاتنة شتى اختلفت باختلاف الزمان والمكان، وكان في كل بيت مثقف واحدة أو أكثر من الآلات الموسيقية. وكان في بعض البيوت خزائن خاصة لحفظها. وكثيراً ما كانت هذه الآلات تحفاً فنية منقوشة نقشاً محبباً يرضى الخيال والذوق، تتوارثها الأسرات جيلاً بعد جيل بوصفها ذخائر وتذكارات ثمينة. وكانت بعض الأراغين مصنوعة بشكل بارع محكم، قدر البراعة والإحكام في واجهات الكاتدرائيات القوطية. وخلد ذكر الرجال الذين صنعوا الأراغين لبعض الأسرات الحاكمة الألمانية في نورمبرج لمدة قرن من الزمان. وكان الأرغن هو الآلة الموسيقية الرئيسية المستخدمة في الكنيسة، وإن لم تكن الوحيدة، بل كان هناك أيضاً المزمار، وموسيقى القرب والطبول والمترددة (الترومبون)، بل حتى الطبلة النقارية، وكلها تدعو بأصواتها المتنافرة إلى الصلاة والعبادة.
وكان العود هو الآلة المفضلة لمصاحبة مغن واحد، وهو من أصل آسيوي، شأنه في ذلك شأن كل الآلات الوترية، جاء مع المغاربة إلى أسبانيا، وهناك، مثل الفهيولا، (نوع من الكمان) ارتفع شأنه حتى صار الآلة الوحيدة المستعملة، التي ألفت من أجلها أقدم موسيقى آلية خالصة معروفة. وصنع جسمه عادة من الخشب والعاج، على شكل الكمثرى، وزود تجويفه بثقوب على شكل وردة، وكان له ستة،

وفي بعض الأحيان اثنا عشر زوجاً من الأوتار تنفر بواسطة الأصابع، وكان عنقه مقسماً بعتبات من النحاس إلى سلم مدرج، وملواه منحرف إلى الخلف من العنق. وإذا أمسكت غادة حسناء بالعود في حضنها وداعبت أوتاره بأناملها وأضافت صوتها إلى أنغامه لاستطاع كيوبيد أن يوفر سهماً. ومهما يكن من أمر فقد كان من العسير الاحتفاظ في العود بدرجة النغم الصحيحة لأن استمرار شد الأوتار يسبب التواءها وتشويهها. وقال أحد الظرفاء إن عازف عود بلغ من العمل ثمانين عاماً، قضى منها ستين عاماً في ضبط النغم في عوده(6).
واختلف الكمان (الفيول) عن العود في امتداد أوتاره على مشط، وأن العزف عليه بواسطة قوس، ولكن القاعدة الأساسية واحدة فيهما- ذلك أن ذبذبات الشد ترتطم بالأوتار فوق صندوق ذي ثقوب لتعميق الصوت. وصنعت الفيول على ثلاثة أحجام: الكبير وهو باس فيولا داجامبا"، وكانوا يمسكون به بين الأرجل مثل البديل الحديث له - الفيولونسيل Violoncello ، والصغير وهو الفيول العالي النغم (فيولا دابراكسيو)، ويمسكون به على الذراع. وأخيراً الفيول المثلث، وفي القرن السادس عشر تطور النوع الثاني (فيولا دابراكسيو) إلى الكمان. وفي القرن الثامن عشر بطل استعمال الفيولا.
وكان الاختراع الأوربي الوحيد في الآلات الموسيقية هو لوحة المفاتيح التي تطرق بواسطتها الأوتار بطريق غير مباشر، بدلا من نقرها أو حنيها مباشرة، وأقدم الأشكال المعروفة، وهي موترة المفاتيح Clavichord ظهرت لأول مرة في القرن الثاني عشر، وقد عمرت حتى عدلها جوهان سباستيان باخ. وأقدم نموذج باق لها (1537) محفوظ في متحف المتروبوليتان في نيويورك، وصنع في القرن الخامس عشر نوع أقوى هو


البيان القيثاري harpsichord، وقد مكن من تعديل الأنغام باختلافات الضغط، وأضيف في بعض الأحيان لوحة ثانية للمفاتيح، لتوسيع سلم النغم، وساعدت الوقفات والتفرقات على إبداع معجزات الصوت، وكان الأسبينت Spinet والعذراوية Virginal - والأول إيطالي والثانية شبه إنجليزية - شكلين مختلفين من البيان القيثاري، وكانت الآلات ذات المفاتيح مثل الفيول والعود، تحظى بأعظم التقدير لجمالها ونغماتها معاً. وكانت تشكل عنصراً جميلاً من عناصر البهجة والزينة في بيوت الأغنياء.
ولما تقدمت الآلات من حيث مدى النغم ونوعيته، ومن حيث تعقد عملها، تطلب النجاح في العزف عليها المزيد من المران والمهارة، وازداد عدد الجمهور في الحفلات التي يكون العزف فيها على آلة واحدة أو أكثر، دون أن يكون فيها غناء، وبرز عازفون على الأرغن والعود. وارتحل كونرادبومان Paumann (المتوفى 1473) عازف الأرغن الضرير في نورمبرج من بلاط إلى بلاط، وأقام حفلات موسيقية، استحق لبراعته وامتيازه فيها لقب فارس. وشجعت أمثال هذه التطورات على تأليف الموسيقى من أجل الآلات وحدها. ومن الواضح حتى القرن الخامس عشر، أن كل الموسيقى الآلية تقريباً كان قد قصد بها أن تصاحب الغناء أو الرقص، ولكن هناك في هذا القرن عدة لوحات تعرض بعض الموسيقيين يعزفون دون أن يرى فيها أثر لغناء أو رقص، وأقدم ما بقي من الموسيقى للآلات وحدها هي "جاميسانى Gamisandi" (1452)، وهي لكنراد بومان، وقد ألفت في الأصل لتوجيه العزف على الأرغن، ولكنها شملت أيضاً عدداً من القطع للعزف المنفرد، وأنقض تطبيق أتافيانو دي بتروسكي للحروف المعدنية المتحركة في طبع الموسيقى (1501) تكاليف نشر تأليف الموسيقى الآلية وغيرها، واقتصرت الموسيقى الموضوعة للرقص على عروض مستقلة، ومن ثم كان تأثير أشكال الرقصات على الموسيقى الآلية. وأدت ألحان "الحركات"

المؤلفة لسلسة متعاقبة من الرقصات إلى ظهور السيمفونية والموسيقى الرباعية، التي احتفظت أجزاؤها أحياناً بأسماء الرقصات، وفضل العود والفيول والأرغن والبيان القيثاري للعزف المنفرد أو عزف الأوركسترا، وتمتع ألبرتو داريبا في بلاط فرنسوا الأول وهنري الثاني بشهرة عظيمة كعازف على العود، إلى حد عندما توفي أنشد شعراء فرنسا الترانيم الحزينة على قبره.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق