إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1312 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الفن في عصر هولبين -> الفن والإصلاح البروت الفصل السادس والثلاثون الفن في عصر هولبين 1517 - 1564


1312

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الفن في عصر هولبين -> الفن والإصلاح البروت

الفصل السادس والثلاثون


الفن في عصر هولبين


1517 - 1564


1- الفن، والإصلاح البروتستنتي، والنهضة


لقد فرض على الفن أن يقاسي من جراء حركة الإصلاح البروتستنتي، ولو لمجرد إيمان البروتستنتية بالوصايا العشر. ألم يقل الرب الإله، "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض" (خروج 20-4) فأنى للفن التصويري أن يعيش بعد هذا التحريم الشامل؟ فأما اليهود فقد صدعوا بالأمر وأغفلوا الفن. وأما المسلمون فكادوا يغفلونه، واكتفوا بجعل فنهم فناً زخرفياً، تجريدياً إلى حد كبير، يمثل في أغلبه الأشياء، وقل أن يمثل الأشخاص، ولا يمثل الله أبداً. واتبعت البروتستنتية هذا الخط السامي بعد أن كشف العهد القديم من جديد، وأما الكاثوليكية التي طغى تراثها اليوناني الروماني على أصلها اليهودي فقد تجاهلت هذا التحريم المرة بعد المرة. وشكل النحت القوطي القديسين والآلهة من الحجر، وصور الرسم الإيطالي قصة الكتاب المقدس، ونسيت النهضة كل النسيان هذه الوصية الثانية وسط ازدهار الفن التصويري ازدهاراً رائعاً. فلعل هذا الخطر القديم قصد به تحريم التصوير لأغراض السحر؛ وكان لرعاة الفن في إيطالية النهضة من الفطنة وسلامة الإدراك ما جعلهم يضربون صفحاً عن تحريم بدائي لم يعد له الآن معنى.


وكانت الكنيسة، وهي أعظم رعاة الفن قاطبة، قد استخدمت الفنون لتنشئ غير المتعلمين على عقائد الإيمان وأساطيره. وبدا ذا الاستخدام أمراً معقولاً في نظر رجل الدولة الكنسي، الذي شعر بأن الأساطير ضرورة لا غنى عنها للأخلاق. ولكن حين احتالت الكنيسة بأساطير- كأسطورة المطهر- لتجمع المال الذي تنفقه في مختلف وجوه الإسراف والفساد، تمرد المصلحون- ولهم العذر- على التصوير والنحت اللذين يثبتان الأساطير في عقول الناس. وفي هذا الأمر كان لوثر معتدلاً، حتى إذا اضطره الأمر لمراجعة الوصايا. "أنا لا أزعم أن على الإنجيل أن يدمر كل الفنون كما يعتقد بعض المؤمنين بالخرافات. فأنا على العكس أتمنى أن أرى جميع الفنون.... تخدمه تعالى وهو الذي خلقها ووهبنا إياها. إن ناموس موسى لم يحرم سوى تمثال الله"(1). وفي عام 1526 دعا أتباعه إلى "مهاجمة... الوثنيين الذين يعبدون عدو المسيح (بابا روما) بالتصوير"(2). وحتى كالفن، الذي كان أتباعه أشد محطمي الأصنام حماسة، وافق على التماثيل موافقة محدودة فقال: "لست شديد التزمت بحيث أحكم بتحريم كل التماثيل... ولكن بما أن فن التصوير والنحت... آت من الخالق، فإني أريد أن تصان ممارسة الفن نقية مشروعة. لذلك يجب ألا يرسم أو ينحت شيء إلا ما يرى بالعين(3)". ولكن المصلحين الأقل إنسانية من لوثر، والأقل حذراً من كالفن، آثروا تحريم الصور والنحت الدينيين بتاتاً، وتجريد كنائسهم من الزخارف إطلاقاً. وأقصى "الصدق" الجمال لأنه كافر. أما في إنجلترا وإسكتلندة وسويسرة وشمالي ألمانيا فكان التدمير بالجملة وبلا تمييز. وأما في فرنسا فقد صهر الهيجونوت أوعية الذخائر والنفائس الدينية وغيرها من الآنية التي عثروا عليها في الكنائس التي وقعت في أيديهم. وعلينا أن نتصور غيرة رجال خاطروا بحياتهم ليصلحوا الدين قبل أن نستطيع فهم سورة


الغضب التي دمرت في لحظات الانتصار تلك التماثيل التي عاونت على إخضاعهم. لقد كان التخريب وحشياً وهمجياً، ولكن الذنب فيه يجب أن يلقي على تلك المؤسسة التي ظلت قروناً تضع العقبات في طريق إصلاح ذاتها.
وانتهت حياة الفن القوطي في هذه الفترة، ولكن حركة الإصلاح البروتستنتي لم تكن سوى سبب واحد من أسباب موته. صحيح أن الانتقاض على الكنيسة الوسيطة رافقه زهد في طرز العمارة والزخرفة التي طالما اقترنت بهذه الكنيسة. بيد أن الفن القوطي كان يحتضر حتى قبل أن يتكلم لوثر. كان يشكو في فرنسا الكاثوليكية شكواه في ألمانيا وإنجلترا المتمردتين؛ لقد احترق في وهج ناره، وكانت النهضة كما كانت حركة الإصلاح البروتستنتي كارثة عليه. ذلك أن النهضة أقبلت من إيطاليا التي لم تحب القوطي قط، والتي سخرت منه حتى وهي تقتبسه، وقد انتشرت النهضة أكثر ما انتشرت بين المتعلمين الذين لم يستطع تشككهم المهذب أن يتفهم ذلك الإيمان المشبوب، إيمان الحروب الصليبية وعهد القوط، وإذ تقدمت حركة الإصلاح البروتستنتي، أصاب الكنيسة ذاتها، التي وجدت في العمارة القوطية التعبير الفني الأسمى لها، فقر شديد من جراء فقدها بريطانيا وألمانيا وإسكندناوة، ومن جراء الغارات التي شنها الملوك الكاثوليك على دخلها بحيث لم تقو على تمويل الفن بالسخاء الذي مولته به من قبل، أو على تقرير الذوق والطراز الفني. وراحت النهضة- تلك الحركة ذات التأثير الدنيوي والوثني-تؤكد يوماً بعد يوم ميولها ونزعاتها الكلاسيكية التي تغلبت على التقاليد المقدسة، تقاليد الإيمان والشكل الوسيطين. وتخطى الناس-في غير تقوى-قروناً من التقوى والخوف ليستعيدوا من جديد مشاعر العصر القديم الشبوبة، مشاعر حب العالم وحب اللذة. وأعلنت الحرب على الفن القوطي بوصفه


فن الهمج الذين دمروا الإمبراطورية، وعاد إلى الحياة الرومان المغلوبون، فبنوا معابدهم من جديد، وأخرجوا من ظلام الإهمال تماثيل آلهتهم، وأمروا إيطاليا أولاً، ثم فرنسا وإنجلترا، أن تستأنف ذلك الفن الذي تجسد فيه مجد اليونان وعظمة الرومان. وهكذا هزمت النهضة الفن القوطي، أما في فرنسا فقد هزمت الإصلاح البروتستنتي.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق