إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1282 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> العثمانيون 5- العثمانيون 1288-1517


1282

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> العثمانيون

5- العثمانيون


1288-1517


يبدأ التاريخ بعد اختفاء الأصول. فلا أحد يعرف أين نشأ الأتراك. "فذهب بعض الناس إلى أنهم كانوا قبيلة فنلندية أوجرية Finno-Ugric (شعب أسيوي شرقي الأورال) من الهون، وأن اسمهم يعني "خوذة" وهي في إحدى اللهجات التركية Durko. وقد شكلوا لغاتهم من اللغتين المغولية والصينية، وأدخلوا بعد ذلك ألفاظاً فارسية أو عربية، وهذه اللهجات التركية هي الوسيلة الوحيدة لتصنيف المتكلمين منهم بوصفهم أتراكاً. واتخذت واحدة من هذه العشائر اسمها من اسم زعيمها سلجوق. ونمت بالنصر تلو النصر، وتكاثرت سلالتها، وحكموا في القرن الثالث عشر فارس والعراق وسوريا وأسيا الصغرى. وفرت عشيرة أخرى من أقرباء العشيرة الأولى، بقيادة زعيمها طغرل، أر، من خراسان في نفس القرن، حتى لا يكتسحها طوفان المغول. واستخدمها سلجوق أمير قونية بآسيا الصغرى، في الأعمال الحربية، وأقطعها جزءاً من الأرض لرعي ماشيتها.
وفي 1288 (؟) مات أرطغرل، فاختير ابنه عثمان، وهو إذ ذاك في الثلاثين من عمره، ليخلف أباه، ومنه اشتق اسم "العثمانيين". ولم



يطلقوا على أنفسهم اسم الأتراك قبل القرن التاسع عشر، بل أطلقوه على الشعوب شبه الهمجية في تركستان وخراسان. وفي 1290 رأى عثمان أن السلجوقيين أضعف من أن يقفوا في طريقه، فأعلن نفسه أميراً مستقلاً على ولاية صغيرة في الشمال الغربي من آسيا الصغرى، وفي 1299 تقدم بقواته غرباً إلى بني شير. ولم يكن عثمان قائداً عظيماً، ولكنه كان مثابراً صبوراً، وكان جيشه صغيراً، ولكنه مكون من رجال ألفوا في ديارهم ركوب الخيل أكثر مما ألفوا السير على الأقدام، رجال أرادوا أن يغامروا بحياتهم الشاقة من اجل الأرض أو الذهب أو النساء أو السلطان، وكانت تقع بينهم وبين بحر مرمرة مدن بيزنطية ناعسة سيئة الحكم هزيلة الدفاع. فحاصر عثمان واحدة منها وهي بروسه، وأخفق أول الأمر في الاستيلاء عليها، ولكنه عاود الكرة بعد الكرة، حتى استسلمت المدينة أخيراً لابنه أورخان، في الوقت الذي كان يرقد فيه عثمان على فراش الموت في بني شير (1326).
واتخذ أورخان من بروسه، التي تقدست برفات أبيه، عاصمة جديدة للعثمانيين. وساقته الرغبة في المزيد من السلطان إلى البحر المتوسط، المركز العتيق للتجارة والثروة والمدنية. وفي نفس العام سقطت فيه بروسه، انتزع نيقوميديا التي صارت فيما بعد أزميد، وفي 1330 استولى على نيقية التي أصبحت أزنيق، وفي 1336 استولى على برجاموم التي أصبحت برجامه. وكانت تلك المدن العريقة في القدم والتي تفوح منها رائحة التاريخ، مراكز للحرف والتجارة، وقد اعتمدت في المواد الغذائية والأسواق اللازمة لها على الجماعات الزراعية المحيطة بها والتي كان العثمانيون قد استولوا عليها في ذاك الحين، وكان على هذه المدن أن تعيش على هذه البقاع الداخلية أو أن تموت جوعاً. فلم تقاوم طويلاً، لأنها كانت قد عانت من ظلم حكامها البيزنطيين، كما سمعت بأن أورخان لم يثقل الكواهل بالضرائب، وأنه رخص في حرية العقيدة - وكان كثير من هؤلاء المسيحيين في الشرق الأدنى هراطقة مرهقين:

نساطرة أو من القائلين بأن للمسيح طبيعة واحدة. وسرعان ما ارتضى العقيدة الإسلامية جزء كبير من الأراضي المفتوحة، وهكذا تحل الحرب المشاكل اللاهوتية، على حين كانت هذه المشاكل قبل الحرب تقف عاجزة محيرة. ومذ وسع أورخان ملكه على هذا الشكل، فقد اتخذ لنفسه لقب سلطان العثمانيين. وعقد أباطرة بيزنطة أواصر السلام معه، واستأجروا جنوده، وسمحوا لابنه سليمان في بناء معاقل على أرض أوربا. وقضى أورخان نحبه وهو في الواحدة والسبعين من عمره، بعد أن خلد ذكراه بين جوانح شعبه.
وكون خلفاؤه من بعده أسرة قل أن يوجد لها في التاريخ مثيل، في هذا المزيج من القوة الحربية والمهارة والمقدرة الإدارية والقسوة الوحشية، والإخلاص الرفيع للآداب والعلوم والفنون. وكان مراد الأول أقل أفراد هذه الأسرة جاذبية، ولما كان أمياً فإنه كان يبصم بأصابعه المغموسة في المداد على الوثائق، على غرار القتلة المغمورين. ولما قاد ابنه صاوندجي ثورة إجرامية فاشلة ضده، فقأ مراد عينيه وقطع رأسه، وأرغم آباء الثوار على قطع رءوس أبنائهم (32). ودرب مراد جيشاً لا يكاد يقهر، وفتح معظم أراضي البلقان، ويسر خضوعهم له بأن أقام لهم حكومة أقدر من تلك التي عرفوها على عهد السيطرة المسيحية.
وورث بايزيد الأول عرش أبيه في ميدان القتال في قوصوه (1389). ذلك أنه بعد أن قاد الجيش إلى النصر أمر بإعدام أخيه يعقوب الذي كان قد قاتل ببسالة في ذاك اليوم العصيب. واصبح قتل الأخوة على هذا النحو قاعدة منتظمة عند سلاطين آل عثمان بعد الجلوس على العرش، طبقاً للمبدأ القائل بأن التمرد على الحكومة يؤدي إلى التمزق، إلى حد أنه يجدر التخلص في أول فرصة ممكنة ممن يحتمل أن يطالبوا بالعرش. وأحرز بايزيد لقب


"بلدرم أي الصاعقة"، لسرعته في خططه الحربية، ولكن أعوزه فن الحكم الذي تميز به أبوه، وأضاع بعض طاقته الجبارة في المغامرات النسائية، وقدم ستيفن لازارفتش، حاكم الصرب من قبل السلطان، أخته لتنضم إلى حريم السلطان، وأصبحت هذه السيدة دسبوانا زوجته الأثيرة لديه، وغرست فيه الولع بشرب الخمر وإقامة المآدب السخية، وربما أضعفت عن غير عمد حيويته كرجل. وتألق غروره وكبرياؤه حتى سقوطه. وبعد أن هزم بايزيد فرسان أوربا في نيقوبوليس، أطلق سراح كونت نفرز Nevers مع دعوة ممتازة للمبارزة، رواها أو عدل فيها فروسار Froissor، قال:
"أي جون، إني أعلم جيداً أنك سيد عظيم في بلدك، وأنك ابن سيد عظيم. أنت شاب يافع، وربما تلاقي بعض اللوم أو العار لأنك وقعت في هذه المغامرة في بداية عهدك بالفروسية ، وأنك تخلصاً من اللوم وإنقاذاً لشرفك" ربما تحشد قوة من الرجال لمحاربتي. ولو ساورني الشك أو الخوف قبل رحيلك، لأجبرتك على أن تقسم بشريعتك وعقيدتك، أنك لا أنت ولا أحد من زمرتك، سوف تشهر السلاح ضدي ولكني لن ألزمك أو ألزم أحداً من أتباعك بمثل هذا القسم أو الوعد. ولكني سأفعل ذلك عندما تعود إلى وطنك وإلى مسراتك، لتجمع من القوة ما تشاء، ولا تدخر وسعاً، واخرج إلى قتالي، ولسوف تجدني دوماً على أهبة الاستعداد لاستقبالك واستقبال عصيتك.. واطلع من تشاء على هذا الذي أقول لك، فإني قادر على القتال، ومستعد على الدوام للتوغل في العالم المسيحي"(33).
ولما أسر تيمورلنك السلطان بايزيد عامله بكل إجلال واحترام؛


على الرغم من الرسائل المهينة التي كانا قد تبادلاها على مدى عام، وأمر تيمور بفك أغلال السلطان وأجلسه إلى جانبه، وأكد له أنه سيبقى على حياته، واصدر تعليماته بأن تنصب ثلاث خيام فخمة لحاشيته، ولكن عندما حاول بايزيد الهرب، احتجز في غرفة ذات نوافذ مسدودة بالحواجز، وقد بالغت الأساطير فقالت إنها قفص من حديد. ومرض بايزيد، فدعا تيمورلنك أحسن الأطباء لمعالجته، وأرسل السيدة دسبوانا لتسهر على رعايته ومواساته ، ولم تجد هذه المساعدات شيئاً لبعث القوى الحيوية في السلطان المحطم ومات بايزيد بعد عام من هزيمته.
وأعاد ابنه محمد الأول تنظيم حكومة العثمانيين وقوتهم، وعلى الرغم من أنه فقأ عيني أحد المطالبين بالعرش وقتل آخر، فإنه اكتسب لقب السيد المهذب، بفضل سلوكه الكيس اللطيف وحكمه العادل، وسنوات السلم العشر التي منحها للعالم المسيحي، وكان لمراد الثاني مثل هذه المشارب، فآثر الشعر على الحرب، ولكن، ولكن عندما نصبت القسطنطينية مزاحماً له ليخلعه، ونقضت المجر عهد السلم، أثبت مراد الثاني في وارنه (1444) أنه قائد كأحسن ما يكون القواد. ثم عاد إلى مغنيسيا في آسيا الصغرى، حيث عقد مرتين في كل أسبوع اجتماعاً للشعراء والعلماء، وقرأ الشعر وتحدث في العلوم والفلسفة. واقتضت ثورة في أدرنه عودته إلى أوربا، فأخمدها، وقهر هونياد في قوصوه. وعندما مات في 1451، بعد أن قضى في الحكم ثلاثين عاماً، وضعه المؤرخون المسيحيون في مصاف أعظم حكام عصره. وقد أمر في وصيته بأن يدفن في بروسه في مصلى متواضع غير مسقوف، "حتى تنزل عليه رحمة الله وبركاته مع شروق الشمس والقمر، وسقوط المطر والندى على جدته"(34).
وتساوى محمد الثاني مع أبيه في الثقافة والفتوحات والفطنة السياسية وطول الحكم، وليس في العدل ولا في النبل. فنقض المعاهدات الوثيقة،


ولطخ انتصاراته بالمذابح غير الضرورية. وكان يتسم في مفاوضاته واستراتيجيته بدهاء الشرق. وسئل يوماً عن خططه فأجاب: "لو أن شعرة من لحيتي عرفت لانتزعتها"(35). وتحدث السلطان بخمس لغات، وكان واسع الاطلاع في عديد من الآداب، بارعاً في الرياضيات والهندسة ورعى الفنون، وأجرى معاشات على ثلاثين شاعراً عثمانياً، وبعث بالهدايا الملكية إلى شعراء في فارس والهند. وجاء بعده في المرتبة الثانية كنصير للأدب والفن وزيره الأكبر محمود باشا، فأعان هو وسيده كثيراً من الكليات والمؤسسات الدينية، حتى أطلق على السلطان "أبو الأعمال الخيرية". وكان محمد أيضاً "أبا الانتصارات". فقد خرت القسطنطينية له ولمدافعه، وبفضل مدافعه أصبح البحر الأسود بحيرة عثمانية، وأمام جيوشه ودبلوماسيته وقعت دول البلقان في أسر العبودية. ولكن هذا الفاتح الذي لا يقاوم، لم يتغلب على نفسه أو يكبح جماحها، فما أن بلغ الخمسين حتى كان قد أنهك قواه بكل ألوان الإفراط الجنسي، ولم تجد العقاقير نفعاً في تجديد حيويته، حتى أدرجه حريمه آخر الأمر في عداد الأموات. وقضى نحبه في سن الواحدة والخمسين في اللحظة التي بدا فيها أن جيشه على وشك غزو إيطاليا وضمها إلى العالم الإسلامي.
وأدى النزاع بين أبنائه إلى تولى بايزيد الثاني العرش. ولم يكن بالسلطان الجديد نزوع إلى الحرب، ولكن عندما استولت البندقية على قبرص وتحدت سيطرة الأتراك على شرق البحر المتوسط، أفاق السلطان وضلل مخادعيه بميثاق للسلام، حتى بنى أسطولاً من 270 سفينة ودمر أسطول البندقية بعيداً عن شواطئ اليونان. وأغار جيش تركي على شمال إيطاليا حتى وصل غرباً إلى فيشنتزا (1502). فتوسلت البندقية لعقد الصلح ومنحها بايزيد شروطاً سخية، ثم ركن إلى الشعر والفلسفة من


جديد. وخلعه ابنه سليم على العرش (1512) ولم يلبث بايزيد أن مات، وقيل إنه مات مسموماً.
إن التاريخ، من بعض الوجوه، ليس إلا تعاقباً لموضوعات متعارضة، فإن الطباع والأشكال السائدة في عصر ينكرها ويبرأ منها العصر الذي يليه، والذي يضيق ذرعاً بالتقاليد، ويتحرق لهفاً إلى التجديد: فالكلاسيكية تنجب الرومانتيكية، وهذه تلد الواقعية، وهذه تأتي بالتأثرية، كما تدعو فترة إلى الحرب العدوانية. فقد ازدرى سليم الأول بسياسة السلم التي انتهجها والده. وكان سليم قوى الجسم قوى الإرادة، عزوفاً عن المسرات وأسباب المتعة ، ولوعا بالصيد والقنص وحياة المعسكر، واستحق لقب "العبوس" لأنه شنق تسعة من ذوى قرباه منعاً لأية فتنة أو تمرد، وشن الحرب تلو الحرب من أجل الفتح والغزو. ولم تزعجه إغارة إسماعيل الصفوي شاه فارس على الحدود التركية. فقطع سليم على نفسه عهداً بأن يشيد ثلاثة مساجد ضخمة في القدس، وبودا وروما، إذا من الله عليه بالنصر على الفرس (36). وإذ أثار النعرة الدينية في شعبه إلى حد القتال. فإنه تقدم نحو إسماعيل، واستولى على تبريز، وجعل من شمالي أرض الجزيرة ولاية عثمانية. وفي 1515 حول مدافعه ورجاله الانكشارية إلى المماليك، وضم سوريا وبلاد العرب ومصر إلى مملكته (1517). وحمل من القاهرة إلى القسطنطينية أسيراً مكرماً هو "خليفة المسلمين"وهو أكبر مقام ديني عند المسلمين. وأصبح سلاطين العثمانيين بعد ذلك - مثل هنري الثامن - أصحاب السلطة الدينية كما كانوا أصحاب السلطة الزمنية (سادة الدين والدولة).
وفي أوج مجد قواته وعظمتها، جهز سليم لغزو رودس والعالم المسيحي. فلما تمت كل الاستعدادات، أصيب بالطاعون فقضى عليه (1520). وأمر ليو العاشر الذي كان قد ارتعد فرقاً لنقدم سليم أكثر مما ارتعد لظهور مارتن لوثر - أمر الكنائس المسيحية بإقامة الصلوات شكراً لله.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق