إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1281 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> المماليك 4- المماليك 1340-1517






1281


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> المماليك

4- المماليك


1340-1517

بينما كان الإسلام في آسيا يعاني الغزو المتكرر والثورات، استغل سلاطين المماليك (1250-1517) مصر التي سادها استقرار نسبي إذ ذاك. وقضى الموت الأسود على ازدهار البلاد لفترة من الزمن، ولكن في أثناء هذه التقلبات استمر المماليك يوفقون بين الإدارة القادرة والمصالح الفنية من جهة والاختلاسات والفظائع من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر، فإنه في 1318 بدأت بالسلطان الملك الناصر بن برقوق أسرة المماليك البرجية التي ساد عهدها الترف والدسائس والعنف والانحلال الاجتماعي، وخفضوا قيمة النقد، حتى على عادة الحكومات، وفرضوا الضرائب الباهظة على ضروريات المعيشة، وأساءوا استغلال احتكار الدولة



لسكر والفلفل. وفرضوا في الإسكندرية رسوماً باهظة على تجارة أوربا مع الهند، مما دعا تجار الغرب إلى البحث عن طريق إلى الهند حول أفريقية. وخسرت مصر على مدى جيل بعد رحلة فاسكوداجاما (1498) كثيراً من نصيبها الذي كان يوماً هائلاً، من التجارة بين الشرق والغرب، وأوقعت هذه الكارثة الاقتصادية البلاد في حالة من الفقر المدقع إلى درجة أن السلطان سليم الأول لم يلق إلا مقاومة ضعيفة، حين أنهى حكم المماليك، وجعل من مصر ولاية عثمانية.
وظلت القاهرة من 1258 حتى 1453 أجل وأزهى مدن العالم الإسلامي وأكثرها ازدحاماً بالسكان. ووصفها ابن بطوطة وصفاً رائعاً في 1326، وقال عنها ابن خلدون الذي زارها 1383 إنها "عاصمة الكون، جنة الدنيا، مكتظة بجميع أجناس البشر، عرش الملكية، مدينة ازدانت بالقصور والدور الفخمة والرهبنات والأديار والكليات، مضيئة بنجوم العلم والمعرفة، جنة يرويها النيل حتى ليبدو أن الأرض تقدم ثمارها إلى الناس على سبيل الهدية والتحية"(30) - وربما كان الفلاحون المنهوكون يعترضون على هذا.
وعكست مساجد مصر في ذاك العصر قساوة الحكم أكثر مما عكست ألوان السماء. فلم يكن هنا إيوانات أو بوابات من الطوب المصقول أو القرميد الملون، كما كان الحال في آسيا الإسلامية، بل كانت جدران حجرية ضخمة جعلت من المسجد قلعة أكثر منه بيتاً للعبادة. وكان مسجد السلطان حسن (1356-1363) عجيبة عصره، ولا يزال أفخم آثار الفن المملوكي. وذهب المقريزي المؤرخ إلى أنه "فاق كل ما بنى من مساجد(31)" ولكنه كان قاهرياً محباً لوطنه. وتروى أسطورة غير مؤكدة كيف أن السلطان جمع مشاهير المهندسين من بلاد كثيرة، وطلب إليهم أن يذكروا له أعلى صرح على البسيطة، وأمرهم بأن يشيدوا صرحاً أعلى منه، فذكروا له قصر خسرو الأول في مدينة طيسفون (مدينة بابلية على نهر دجلة) الذي يرتفع الجزء الباقي من مدخله 105 من الأقدام فوق سطح الأرض. فبنى العمال



جدران المسجد الجديد، بعد أن سرقوا حجارة الأهرام المتهدمة، على ارتفاع مائة قدم، وزادوا فوقها إفريزاً (كورنيش) بارتفاع 13 قدماً وشيدوا في أحد الأركان مئذنة بارتفاع 280 قدماً. وإن هذا المبنى الشاهق ليترك انطباعاً في نفوس الغربيين، ولكنه قل أن يسر الناظرين منهم. ومهما يكن من شيء فإن أهل القاهرة كانوا فخورين به، إلى حد أنهم ابتدعوا أو استعاروا خرافة تقول بأن السلطان قطع يد المهندس حتى لا يصمم تحفة رائعة تضارع هذه، وكأن المهندس يصمم بيده وكانت مساجد المقابر أكثر فتنة وجذباً للأنظار، رغم الغرض الذي بينت من أجله، وقد بناها سلاطين المماليك خارج أسوار القاهرة لتضم رفاتهم. من ذلك أن السلطان الظاهر برقوق الذي بدأ حياته عبداً شركسياً، انتهى أمره في مجد صامت، راقداً في مقبرة من أفخم هذه المقابر.
وكان قايتباى أعظم البناة بين المماليك البرجية، فبالرغم من أن الحرب مع الأتراك أنهكته، فقد دبر الأموال لتشييد المباني النفيسة في مكة والمدينة والقدس، وجدد في القاهرة قلعة صلاح الدين والجامع الأزهر، وبنى داخل العاصمة مسجداً ذا زخارف منسقة. وتوج قايتباى أعماله في أخريات أيامه، بمسجد تذكاري من الجرانيت والرخام، ذي زخرفة رائعة ومئذنة عالية ذات شرفات، وقبة مزينة بنقوش هندسية، مما جعل هذا المسجد مأثرة من المآثر الأقل قيمة للفن الإسلامي.
وانتشرت الفنون الصغيرة في عهد المماليك. وصنع النقاشون على العاج والعظام والخشب ألفاً من المنتجات الجميلة، من صناديق الأقلام إلى المنابر، وهي منتجات كان يتخيلها الذوق، ويقوم على تنفيذها العمل المتواصل والمهارة. وحسبك في هذا أن تلقي نظرة على منبر مسجد قايتباى خارج أسوار المدينة في متحف فكتوريا وألبرت. وبلغ التطعيم بالذهب والفضة

ذروته أيام هذه الأسرات الدموية. أما مصانع الخزف المصري التي كانت قد ابتدعت ألفاً من البدع والأشياء الغربية في آلاف السنين السحيقة في القدم، فإنها أخرجت الآن للعالم الزجاج المطلي بالمينا ومصابيح المساجد والكؤوس والزهريات المزدانة بالصور أو الزخرفة التشكيلية من المينا الملونة، والمرصعة بالذهب أحياناً. وبمثل هذه الطرق وبكثير غيرها لا يحصيها العد، خلع الفنانون المسلمون على الجمال شكلاً خالداً، وبذلك عوضوا عن وحشية ملوكهم أو كفروا عنها.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق