إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 30 أبريل 2014

1345 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأيرلندة 8- إليزابث وإيرلندة





1345


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> الملكة العظيمة -> إليزابث وأيرلندة

8- إليزابث وإيرلندة


غزا الإنجليز إيرلندة بين عامي 1169-1171، ووضعوا أيديهم عليها منذ ذلك الوقت، على أساس أنها، بغير ذلك، سوف تستخدمها فرنسا وأسبانيا كقاعدة لشن الهجمات على إنجلترا. وعند اعتلاء العرش كان الحكم الإنجليزي المباشر في إيرلندة مقصوراً على الساحل الشرقي، حول دبلن وفي جنوبها "The Pale". أما باقي الجزيرة فكان يحكمه شيوخ القبائل الايرلنديون الذين اعترفوا لإنجلترا بالسيادة الاسمية فقط. وعوق الصراع الدائم مع الإنجليز الإدارة القبلية التي كانت قد جلبت لإيرلندة الفوضى والعنف، ولكنها كذلك هيأت لها الشعراء والعلماء والقديسين، وكانت الغابات والمستنقعات تغطي معظم الأرض، وكان النقل والمواصلات بمثابة مغامرات بطولية، وعاش السكان الأصليون الكلتيون وعددهم نحو 800.000 نسمة، في بؤس على حافة الهمجية لا يكاد يسود فيهم قانون. وكاد الإنجليز في إقليم "البال" أن يكونوا على مثل هذه الحال من الفقر، وازدادت مشكلة إليزابث سوءاً بفسوقهم وإختلاساتهم وجرائمهم، ودأبوا على اغتصاب أموال حكومة لندن، مثل دأبهم على سلب الفلاحين الايرلنديين. وأثناء حكم إليزابث أخرج المستوطنون الإنجليز ملاك الأراضي والمستأجرين عن أراضيهم عن طريق "بيوع التصفية"، وناضل من انتزعت أملاكهم إلى حد ارتكاب جريمة القتل، وأصبحت حياة الغالبين والمغلوبين، على حد سواء، جحيماً لا يطاق من العنف والكراهية. وذهب سيسل نفسه إلى حد القول بأن "الفلمنكيين لم يكن لديهم ما يحملهم على الثورة على ظلم الأسبان، مثل ما كان لدى الايرلنديين للثورة ضد الحكم الإنجليزي(91)".
وقامت سياسة إليزابث في إيرلندة على اقتناعها بأن أيرلندة الكاثوليكية سوف



تكون خطراً يهدد إنجلترا البروتستانتية، فأمرت بفرض البروتستانتية فرضاً كاملاً في أنحاء الجزيرة. وحرم القداس، وأغلقت الأديرة وتوقفت الصلوات العامة خارج إقليم "البال" الضيق. وظل القساوسة مختفين عن الأنظار، وأدوا الأسرار المقدسة لقليل من الناس خفية. وكادت الأخلاق أن تختفي بعد الحرمان من الدين والسلام، وانتشر القتل والسرقة والزنى والاغتصاب والسلب، وغير الرجال زوجاتهم دون تذمر أو وخز من الضمير، واستصرخ الزعماء الايرلنديون البابا وملك أسبانيا لحمايتهم أو نجدتهم. وخشي فيليب الثاني أن يغزو إيرلندة حتى لا يغزو الإنجليز الأراضي الوطيئة ويساعدوا ثوارها، ولكنه أسس مراكز وكليات للاجئين الايرلنديين في أسبانيا. وبعث بيوس الرابع إلى إيرلندة بجزويتي أيرلندي (1560) هو دافيد ولف الذي جمع بين الشجاعة والإخلاص اللذين تميز بهما النظام الجزويتي. وأسس ولف بعثات سرية، واستقدم أفراد آخرين من الجزويت متنكرين واستعاد للكاثوليكية تقواها وآمالها، وتحمس شيوخ القبائل وثاروا، الواحد بعد الآخر، ضد الحكم الإنجليزي.
وكان أقوى الشيوخ هو شين (أي جن) أونل أوف تيرون. وكان رجلاً يمكن أن تتغنى به الأساطير ويقاتل الأيرلنديون من أجله. ولقد دافع بضراوة عن لقبه (أونل) ضد أخ مغتصب. وتجاهل كل "الوصايا" وعبد الكنيسة، وأحبط كل جهود الإنجليز لإخضاعه. وغامر برأسه ليزور لندن ويكسب التحالف مع إليزابث وتأييدها له، وعاد ظافراً ليحكم ألستر كما كان يحكم نيرون، واشتبك في حرب ضروس مع عشيرة "أودونل" المنافسة، وأخيراً هزم أمامها (1567)، عندما التجأ إلى آل مكدونال، وهم المهاجرون الاسكتلنديون الذين سبق له أن هاجم مستوطنتهم في أنتريم.
وكان تاريخ إيرلندة بعد موته عرضاً من الثورات والمذابح والمندوبين السامين (ممثلي الملك). وخدم سير هنري سدني (والد فيليب) إليزابث في هذا المنصب الجحود تسع سنين. واشترك في هزيمة أونل، وتعقب روري أو مور حتى الموت، واستدعي في 1578 لأن انتصاراته كانت باهظة التكاليف. وفي عامين من تولي

والتر دفريه-وكان ارل اسكس من قبل-هذا المنصب، اشتهر اسمه بمذبحة في جزيرة راتلين بعيداً عن شاطئ انتريم. وكان الثوار هناك-وهم آل مكدونل السابق ذكرهم، وقد أبعدوا زوجاتهم وأطفالهم وشيوخهم ومرضاه، حرصاً على سلامتهم، مع حرس يحميهم. وأرسل اسكس قوة للاستياء على الجزيرة. وعرضت الحامية الاستسلام إذا سمح لها بالإبحار إلى إسكتلندة. ورفض هذا العرض، واستسلمت الحامية. فأعمل السيف فيهم وفي النساء والأطفال والشيوخ والمرضى. وكان عددهم نحو ستمائة شخص (1575)(92).
أما الثورة العظمى التي قامت في أثناء حكم الملكة في إيرلندة فهي ثورة عشيرة جيرالدين في مونستر Munster فان جيمس فتزموريس فتزجرالد وقد في الأسر وهرب مرات كثيرة، استطاع بعدها أن يعبر إلى القارة، حيث شكل فرقة من الأسبان والإيطاليين والبرتغاليين والفلمنكيين والإنجليز والكاثوليك المهاجرين، ونزل بهم على ساحل كري Kerry (1579)، وكل الذي حدث أنه لقي حتفه في قتال طارئ نشب بينه وبين عشيرة أخرى. وقاد الثورة من بعده ابن عمه جيرالد فتزجيرالد-الارل الخامس عشر لدسموند Desmond، ولكن عشيرة بتلر المجاورة بزعامة ارل أورمند البروتستانتي انحازت إلى إنجلترا. ونظم الكاثوليك في إقليم البال جيشاً وهزموا قوات نائب الملكة الجديد، آرثر لورد جراي (1580). ولكنه بعد أن وصلته الإمدادات حاصر قوات دسموند الرئيسية براً وبحراً من نتؤ جبل خليج سمروك Smerwick. ولما وجد الثوار الباقون على قيد الحياة وعددهم نحو 600، أنهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم ضد مدفعية جراي، استسلموا والتمسوا العطف والرحمة، ولكن كان مصيرهم القتل، رجالاً ونساء، اللهم إلا بعض الضباط الذين يمكن أن يعدوا بدفع فدية كبيرة(93). وخربت مونستر الحرب بين الإنجليز والايرلنديين. وبين العشائر بعضها البعض، إلى درجة قال عنها كاتب حوليات أيرلندي: "لم يسمع خوار بقرة أو صوت رجل يحرث الأرض طوال هذه السنة من دنجل إلى صخرة كاشل". وكتب أحد الإنجليز (1582): "أودت المجاعة بحياة 30 ألفاً في مونستر في أقل من نصف عام، غير


الذين شنقوا وقتلوا(94)، وكتب مؤرخ إنجليزي كبير "إن قتل أيرلندي من أهالي هذه المنطقة لم يكن ينظر إليه إلا على أنه قتل كلب مسعور(95)". وكادت مونستر أن تخلى من الايرلنديين وقسمت إلى مستعمرات ومزارع للمستوطنين الإنجليز (1586)، ومنهم ادموند سبنسر الذي أكمل هناك رواية The Faerie Queen.
وثار الأيرلنديون اليائسون مرة أخرى في 1593، وانضمت قوات هيو أودونل إلى قوات هيو أونل ارل تيرون الثاني. ووعدت أسبانيا بالمساعدة، حيث كانت آنذاك في حرب مكشوفة مع إنجلترا. وفي فترة خلا فيها منصب نائب الملكة هزم اونل جيشاً إنجليزياً هزيمة نكرة في أرماغ، واستولى على بلاكووتر، وهو معقل إنجليزي في الشمال (1598)، وأرسل قوة تعمل على إشعال الثورة من جديد في مونستر، ولاذ المستعمرون الإنجليز بالفرار تاركين مزارعهم، وعم الأمل والفرح إيرلندة، بل إن الإنجليز توقعوا أن تسقط دبلن نفسها.
تلك هي الأزمة التي عينت فيها إليزابث الشاب روبرت ديفريه ارل اسكس الثاني نائباً للملكة في إيرلندة (مارس 1599). وزودته بجيش قوامه 17.500 رجل، وهو أكبر جيش أرسلته إنجلترا إلى الجزيرة. وأمرته بمهاجمة أونل في تيرون، وألا يعقد صلحاً إلا بعد استشارتها، وألا يعود إلا بترخيص منها. وضيع ديفريه الوقت سدى أثناء الربيع، وقام بمناوشات قليلة، وفني جيشه بسبب الأمراض، ووقع مع أونل هدنة لم يكن لديه السلطة لإبرامها، وعاد إلى إنجلترا في سبتمبر 1599، ليفسر للملكة أسباب إخفاقه. وسرعان مل خلفه في منصبه شارل بلونت، لورد مونتجوي الذي واجه في بسالة وبراعة تكتل أونل الداهية مع أود ونل غير الهياب، وأسطولاً راسياً في كنسال Kinsale يحمل جنوداً وأسلحة من أسبانيا، وغفراناً من البابا كليمنت الثامن لكل من يدافع عن إيرلندة وعن العقيدة. وأسرع مونتجوي إلى الجنوب ليقابل الأسبان، فهزمهم في معركة فاصلة إلى حد أن أونل استسلم، وانهارت الثورة وصدر عفو عام أدى إلى سلام مزعزع (1603) وفي تلك الأثناء كانت إليزابث قد ماتت.
وانتقص سجل تاريخ إليزابث في إيرلندة من مجدها وعظمتها. لقد أساءت تقدير صعوبة الغزو في بلد تكاد تنعدم فيه الطرق، وسط شعب لا يربطه بالحياة


وبالوقار إلا حبه لبلده ولعقيدته. وأنحت باللائمة على نوابها لإخفاقهم الذي كان من أسبابه تقتيرها هي، حيث عجزوا عن دفع رواتب الجند الذين وجدوا أنه من الأربح لهم أن يسلبوا الإيرلنديين من أن يحاربوهم. وتذبذبت بين المهادنة والإرهاب، ولم تلتزم قط سياسة واحدة إلى نقطة حاسمة. وأسست كلية ترنتي وجامعة دبلن (1591) ولكنها تركت الإيرلنديين أميين كما كانوا من قبل. وبعد إنفاق عشرة ملايين من الجنيهات، تمخض السلام الذي أمكن الوصول إليه عن بيداء قاحلة غطت نصف الجزيرة الجميلة، وعن روح كراهية لا توصف سادت الجزيرة بأسرها، تنتظر الفرصة الملائمة لتستأنف القتل والتخريب من جديد.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق