إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1298 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك 4- آداب السلوك


1298

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> حياة الناس -> آداب السلوك

4- آداب السلوك


كان الحكم على الناس آنذاك، مثل ما هو حادث اليوم، بعادتهم أكثر منه بأخلاقهم. لقد تجاوز الناس، بقدر أكبر من طيب النفس، عن الخطايا التي ارتكبت بأقل قدر من الوحشية. وأعظم قدر من الكياسة. وفي هذا المجال كانت إيطاليا هي الرائدة، شأنها في كل شيء باستثناء المدفعية واللاهوت. وكان الناس شمال جبال الألب، فيما عدا القشرة الرقيقة الخارجية في سكان فرنسا وإنجلترا، أفظاظاً غلاظاً، إذا قورنوا بالإيطاليين في هذا، كثير من الفرنسيين الذين سحرت ألبابهم فتوحاتهم في إيطاليا في ميادين الحرب وآداب السلوك، ولكن المتبربرين الهمجيين كانوا يتوقون إلى التمدن وارتقاء سلم الحضارة. وحذا رجال البلاط وسيداته والشعراء والمفسدون في الأرض من الفرنسيين حذو الإيطاليين ونهجوا نهجهم. وسار الإنجليز الهوينا خلفهم. وترجم كتاب كاستليونى " رجل البلاط" (1528) إلى الفرنسية في 1537، وإلى الإنجليزية في 1561، واختلفت الدوائر الأدبية

على تعريف الرجل المهذب. ولقيت كتيبات آداب السلوك رواجاً كبيراً. ولقد ألف إرزم واحداً منها. وأصبح الحديث فناً في فرنسا، كما كان فيما بعد في حانة مرميد في لندن (كان يجتمع فيها بن جونسون وشكسبير وغيرهما من الكتب. في عصر اليزابيث). وعبرت مباريات الأجوبة البارعة السريعة جبال الألب من إيطاليا حول الوقت الذي انتقل فيه كذلك فن المبارزة بالسيف. وكان الحديث أكثر صقلاً وتهذيباً في فرنسا عنه في ألمانيا. وكان الألمان يسحقون الرجل بالفكاهة، أما الفرنسيون فكانوا يخزونه في ذكاء وفطنة. وكانت حرية الكلام وسيطاً أساسياً في ذاك العصر.
ومنذ كان تحسين المظهر الخارجي أيسر من تهذيب النفس، فإن الطبقات الصاعدة في المدنيات الناشئة في الشمال أولت ملابسها قسطاً أكبر من العناية. وارتدى عامة الناس ملابس بسيطة للغاية - كما نرى في جماهير بروجل (مصور فلمنكي): قبعات على شكل الفنجان، وبلوزات فضفاضة ذوات أكمام منتفخة، وسراويل (بنطلونات) ضيقة تصل إلى الأحذية المريحة، ويتركز هذا التشكيل البشع على حقيبة قبيحة، مزدانة بزخارف براقة، تتدلى أمام انفراج ساقي الرجل. أما الرجال الموسرون في ألمانيا فقد غلفوا أجسامهم الجبارة في طيات كثيرة فضفاضة من القماش، تعلوها قبعات عريضة تبدو فوق الرأس وكأنها فطيرة ذات مصاطب أو طبقات. أما نساء ألمانيا، فالظاهر أنه كان محرماً عليهن أن يلبسن إلا زي مديرات المنزل أو الطباخات. وفي إنجلترا أيضاً ملابس الرجال أجمل وأكثر بهجة من ملابس النساء، حتى جاءت الملكة اليزابيث فبزتهم بما ارتدته من أزياء لا يحصها العد. وجرى هنري الثامن شوطاً بعيداً في الإسراف في ملابسه، وكان يجملها وزينها بالألوان والحلي والأنسجة الثمينة. ويقول هولنشد إن دوق بكنجهام كان يرتدي- في زواج الأمير آثر من كاترين أوف أراجون- عباءة

من شغل الإبرة، مغطاة بفراء النمور، قدرت بنحو 1500 جنيه (150.000 دولار؟)، وحرمت القوانين على أي رجل دون رتبة فارس، أن يقلد فخامة الملابس التي يرتديها من هم أعلى منه مكانة. وغطت الإنجليزيات أجسامهن بالملابس الضيقة من العنق إلى أخمص القدم، ذات أكمام تصل إلى المعصم، مع زركشة بالفراء على حروف الثياب، وأحزمة مثبتة بحلي معدنية، وقلادة أو مسبحة، وكانت النساء بصفة عامة تلبس من المجوهرات أقل مما يلبس الرجال.
وفي عهد فرانسوا الأول الذي كان يقدر الشيء حق قدره، فتحت النساء الفرنسيات الجزء الأعلى من ثيابهن وكشفن عن صدورهن المنتفخة، وشققن أرديتهن إلى آخر فقرة من ظهورهن. وإذا لم ينتفخ الصدر الطبيعي إلى حد كاف، وضعن عليه مشداً يجعله عالياً منتفخاً(72)، وضيقت الملبس وأحكمت فيما تحت الثديين، وضغطت على الخصر(73)، مع أكمام منتفخة، وانتشرت من التنورة أسلاك من الخلف وعلى الحافة. واضطرتهن الأحذية العالية الكعوب إلى المشية المتبخترة الرشيقة. وكان يباح للمرأة ذات المكانة العالية - وليس لغيرها- أن يكون لثوبها ذيل، وكلما ارتفع قدرها زاد طول الذيل. وقد يطول الذيل، إذا سمحت مرتبة الشرف، إلى سبع ياردات، وكان يمشيٍ وراء السيدة وصيفة أو خادم ليمسك به ويرفعه عن الأرض. وفي طراز آخر الأزياء قد تغطي السيدة رقبتها بطوق أحكم شده بأسلاك. وعذب الرجال أنفسهم بشيء غريب مماثل في المناسبات الرسمية، وفي 1535 لحظ سرفيتس "أنه لنساء أسبانيا عادة قد يظن في فرنسا أنها همجية، تلك هي أنهن كن يثقبن آذانهن ويعلقن فيها أقراطاً ذهبية غالباً ما تكون مرصعة بالأحجار الكريمة"(74). وما جاءت سنة 1550 حتى كانت نساء تلبس الأقراط، بل حتى الرجال كذلك(75). واستمرت الجواهر والحلي

محتفظة سلطانها منذ زمن سحيق. وارتدى الرجال في فرنسا قمصاناً من الحرير مع صادرات من القطيفة، وحشوا أكتافهم، وكسوا أرجلهم بسراويل قصيرة ضيقة، وحافظوا على رجولتهم بحقيبة منضدة بالأشرطة أو الجواهر أحيانا. وعلى النقيض من عادات القرن الخامس عشر قصروا شعر الرأس وأرخوا لحاهم. أما النساء فقد احتفظن بشعرهن في تصفيفات متنوعة لا تشجع على وصفها. فكان مضفراً معقوصاً ملفوفاً في شباك، مليئاً بالضفائر العارية، مزداناً بالأزهار، براقاً بالجواهر، متضمخا بالزيوت العطرية، مصبوغاً ليتمشى مع الأناقة وأسلوب العصر، ومرفوعاً على شكل أبراج أو أهرام فوق الرأس. وكان من غير الممكن أن تستغني السيدة الأنيقة عن الحلاق في هذا الزمان، فإن تقدم العمر بدا آنذاك قدراً محتوماً أسوأ من الموت.
وإلى أي حد كانت الأجسام نظيفة تحت هذه اللفائف والزخارف؟ لقد تحدث كتاب من القرن السادس عشر عنوانه "مقدمة للسيدات الشابات" عن "نساء لم يعنين قط بنظافة أجسامهن، اللهم إلا الأجزاء التي يمكن أن تقع عليها العين... أما ما تحت قمصانهن الكتانية فقد بقي قذراً(76). وثمة مثل ساخر يقول بأن العاهرات هن الوحيدات اللائى غسلن أكثر من وجوههن وأيديهن(77). وربما ازدادت النظافة بازدياد الفسق والفجور. فقد كشفت النساء من أجسامهن عن أجزاء أكثر من ذي قبل، وجعلنها نهباً لأنظار الكثير من الناس. ومن ثم اتسع نطاق النظافة. وأصبحت آنذاك كثرة الاستحمام، مع تفضيل الماء المعطر، وخاصة في فرنسا، جزءاً من العادات الطيبة. وقل عدد الحمامات العامة يتضاعف عدد الحمامات الخاصة، ولم تكن هذه عادة مزودة بالمياه الجارية، بل اعتمد فيها على السلطانية (الكوز) والحوض. وظلت شائعة مستحبة في القرن


السادس عشر ، حمامات البخار التي كانت قد جاءت إلى أوربا الغربية بعودة الصليبيين إليها في القرون الثالث عشر.
وفي البلاد البروتستانتية حل البيت تقريباً محل الكنيسة، كمركز للعبادة والصلوات. وأدى الوالد مهمة الكاهن في الصلوات اليومية وتلاوة الإنجيل والترانيم، وعلمت الأم أبناءها مبادئ العقيدة الدينية. وفي الطبقات المتوسطة سارت الرفاهية جنباً إلى جنب مع التقوى والتدين. فهذا هو العصر الذي تطورت فيه المنضدة ذات الحوامل والألواح الخشبية الملتحمة بعضها ببعض إلى وحدة ذات أرجل متينة، وتطور المقعد الخشبي والوسائد إلى كرسي مريح "منجد" وسرير منقوش ذي أربعة قوائم، فوقه مظلة - وأصبح كل أولئك رمزاً للاستقرار الأدبي واليسار المالي. وصنع الأثاث والأطباق المعدنية محل الأطباق الخشبية، كما حلت الملاعق المصنوعة من القصدير أو الفضة محل تلك المصنوعة من الخشب. وكانت البيوت واسعة فسيحة لأن الأسرات كانت كبيرة، لأن النساء كن يلدن في كل عام تقريباً، ولكن دون جدوى، لأن نسبة الوفيات بين الأطفال كانت عالية. وكان جون كولت أكبر اثنين وعشرين طفلاً. وحين بلغ سن الثانية والثلاثين، كان كل أخوته قد ماتوا. وكان لأنطون كوبرجر صاحب المطبعة في نورمبرج - خمسة وعشرون طفلاً، وقد عمر هو بعد موت اثني عشر منهم، وكان ديرر واحداً من ثمانية عشر طفلاً، يبدو أن ثلاثة منهم فقط بلغوا سن الرشد(78). واستكمالاً للأسرة كانت هناك حيوانات منزلية مدللة كثيرة قدر كثرة عدد الأولاد تقريباً.وكانت الببغاوات قد جاءت من جزر أليفة أثيرة في البيت(79). وكان هناك كثير من الكتب التي تعلم النساء والأطفال طرق العناية بالكلاب والطيور وتربيتها.


وكانت وجبات الطعام هائلة. ولم تكن الخضراوات مستساغة، بل كان الناس يزدرونها، ثم أقبلوا عليها شيئاً فشيئاً. وشاع آنذاك أكل الكرنب والجزر والراوند والبطاطس والفول والفريز. وكانت الأكلة الرئيسية في الساعة الحادية عشرة صباحاً وتأخر العشاء إلى السابعة مساء، وكلما سمت الطبقة تأخرت ساعة تتناول العشاء. وكانت الجعة والنبيذ هما المشروبان الرئيسيان في كل وجبات الطعام حتى الإفطار. وكان من طرق توماس مور إلى الشهرة أنه تناول الماء بديلاً عنهما. وحوالي 1550 استحضر الأسبان الشكولاته (الكاكاو) من المكسيك، ولم يكن البن قد تقاطر بعد من بلاد العرب إلى أوربا الغربية. وفي 1512 حددت أسرة دوق نور ثمبرلاند ربع جالون من الجعة لكل فرد فيها في كل وجبة طعام حتى للأولاد في سن الثامنة. وكان استهلاك الجعة في كوفنتري في القرن السادس عشر ربع جالون يومياً لكل رجل وامرأة وولد(80). وقد اشتهرت مصانع الجعة في ميونيخ منذ القرن الرابع عشر(81). وكان شرب الخمر شائعاً في إنجلترا حتى جاءت "ماري اللعينة" (ماري تيودور 1516-1558) فاستهجنته. ولكنه ظل مألوفاً في الدنيا، وتناول الفرنسيون الخمر في اتزان اكثر، لأن الجو عندهم لم يكن بارداً إلى هذا الحد.
وعلى الرغم من الفقر والظلم، استمر الناس يتمتعون بكثير من نعم الحياة، وحتى الفقراء أنفسهم كان لهم حدائق، وأصبحت زهرة التيوليب هواية وطنية في هولندة، وكان قد أحضرها لأول مرة حوالي 1550 بوسبك سفير الإمبراطور في القسطنطينية. وكانت البيوت الريفية نمطاً ساراً في إنجلترا وفرنسا. وظل القرويون يحتفلون بأعيادهم الموسمية في عيد الربيع (أول مايو)، عيد الحصاد، عيد كل القديسين، وغيرها كثير، واحتفل الملوك بعيد الربيع وتوجوا أنفسهم بأكاليل


الزهور، وكان فيما يتسلى به سراة القوم أحياناً مهرجانات مثيرة للفقراء، من ذلك عندما دخل هنري الثامن ليون في احتفال مهيب في 1548، وربما كان جمهور الشعب يشهد على مسافة معقولة، اللوردات في مباريات السيوف - وقد بطلت هذه الرياضة بعد موت هنري الثاني. وأصبحت المواكب الدينية أكثر وثنية، عند اقتراب عهد هنري الثامن من عصر إليزابث. وفي القارة أباحت الأخلاقيات المتساهلة للنساء العرايا أن يمثلن بعض الشخصيات التاريخية أو الأسطورية، واعترف ديرر بأنه هو نفسه افتتن بمثل هذا العرض في أنتورب 1521(82).
وكانت هناك الألعاب. وقد أفرد رابليه فصلاً لتسجيلها، فعلية أو خيالية، وصور بروجل نحو مائة منها في إحدى لوحاته. وكان في تعذيب الدببة ومصارعة الثيران الديكة تسلية للجمهور، وروضت كرة القدم ولعبة الكرات الخشبية والملاكمة والمصارعة شباب العامة، وطردت عنهم الأرواح الشريرة، وكان في باريس وحدها، للطبقة الأرستقراطية، فيها 1502 من الملاعب للتنس، في القرن السادس عشر(83). ومارست كل الطبقات الصيد، ولعبت الميسر ولعبت بعض السيدات النرد. ولعب بعض الأساقفة الورق بنقود(84). وتجول الممثلون المهرجون والبهلوانات واللاعبون في الريف، وعرضوا أفانينهم وألعابهم على اللوردات نظير جعل يتقاضونه. وفي داخل البيوت لعب الناس الورق والشطرنج والنرد وعشرات من الألعاب غيرها، وكان الرقص أحب أنواع التسلية. ويقول رابليه "وذهب الجميع بعد العشاء إلى الأبكة، الممتلئة بالصفصاف، يلاحق بعضهم بعضاً، وهناك على العشب الأخضر، على الأنغام الشجية من المزمار وموسيقى القرب رقص الجميع برشاقة، فكانت رياضة لطيفة سماوية يلذ للإنسان مشاهدتها(85).وفي يوم عيد الربيع في إنجلترا كان أهل القرية يتجمعون حول "عمود مايو"


المزين بالأزهار والأشرطة بشكل بهيج، ورقصوا رقصاتهم الساذجة الممتلئة حيوية، ويبدو أنهم بعد ذلك راحوا يقبلون ويعانقون بعضهم بعضاً مما يذكر بعيد فلورا إلهة الزهور عند الرومان. وكانت ألعاب عيد مايو في عهد هنري الثامن تشمل "الرقص العربي" الذي كان قد جاء من عرب أسبانيا عن طريق الرقصة الإسبانية "فندنجو" بالصنوج. ورقص الطلبة في أكسفورد وكمبردج في مرج بالغ الصخب، إلى درجة أنه كان لا بد من أن يحرم وليم ويكهام هذا العبث بالقرب من تماثيل الكنيسة. وأقر لوثر الرقص، واستساغ بنوع خاص "الرقصة التربيعية"، مع الانحناءات الودية والعناق والتمايل الرقيق، بين المشتركين في الحلبة"(86) ورقص ملانكنون الوقور . وفي ليزج في القرن السادس عشر أقام الآباء في المدينة بانتظام حفلات راقصة حتى يتمكن الطلبة من التعرف على "أشرف وأجمل بنات ذوي المكانة وأعضاء السناتو والمواطنين"(87). وكثيراً ما ترأس شارل السادس حفلة الرقص في البلاط الفرنسي. واستقدمت كاترين دي مديتشي إلى فرنسا راقصات إيطاليات، وهناك في أخريات أيام الملكة الأم التعسة ظهرت رقصات أرستقراطية جديدة. وقال جان تابور، في كتاب من أقدم الكتب عن فن من أقدم الفنون: "إن الناس كانوا يمارسون الرقص ليروا هل يتمتع الحبيبان بصحة جيدة، وهل يتناسب كل منهما الآخر، وفي نهاية الرقص كان يسمح للشاب أن يقبل خطيبته ليستوثق من أن رائحة أنفاسها طيبة... وبهذه الطريقة يصبح الرقص ضرورياً لبساس المجتمع سياسة حسنة(88). وتطورت الموسيقى بفضل مصاحبة الرقص، من الأشكال الصوتية وجوقة المنشدين إلى استخدام الآلات وتأليف الألحان، مما جعلها فناً بارزاً ذا شأن في عصرنا.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق