إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1279 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> حافظ الشيرازي 2- حافظ الشيرازي 1320-1389





1279


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> حافظ الشيرازي

2- حافظ الشيرازي


1320-1389


ما كان أكثر من ينظم القصيد في فارس. وكان الملوك يكرمون الشعراء اللذين لم يتقدم عليهم في الحظوة بهذا التكريم والتبجيل إلا الحظايا والحظاظون والقواد. وفي زمن حافظ طبقت الآفاق شهرة عشرين من الشعراء، وذاع صيتهم من البحر المتوسط إلى نهر الكنج، ومن اليمن إلى سمرقند، ولكنهم جميعاً، على أية حال، أحنوا رءوسهم إجلالاً لشمس الدين محمد- المشهور باسم حافظ الشيرازي - وأكدوا له أنه بز "الشيخ سعدي" الشاعر الرخيم نفسه. وارتضى حافظ هذا التقدير، وأخذ يحدث نفسه في احترام قائلاً:
"قسماً بالقرآن الذي تعيه في صدرك يا حافظ، لم أر قط أجمل من شعرك"(6).
"وحافظ" لفظة معناها "الذكور" الذي يحفظ ويتذكر، وهو لقب



أطلق على كل من حفظ القرآن كله - مثل شاعرنا - ولم يعرف تاريخ ميلاده، وأبواه غير معرفين. وسرعان ما أقبل على الشعر. وكان أول من رعى الشاعر واحتضنه هو "أبو إسحق " الذي عينه غازان خان حاكماً على جنوب إيران. وأولع أبو إسحق بالشعر أيما ولع، وأهمل شئون الحكومة. ولما جاءه النذير بأن بعض القوات المعادية تعد العدة لمهاجمة عاصمة "شيراز"، قال إنه لسفيه ذلك الرجل الذي يضيع مثل هذا الربيع الجميل في الحرب، ولكن قائداً متلبد الشعور هو "مبارز الدين محمد بن المظفر" استولى على شيراز وقتل أبا إسحق (1352)، وحرم شرب الخمر وأغلق كل حانة في المدينة. وفي هذا كتب حافظ مرثية حزينة قال فيها:
"ولو أن الخمر تبعث السرور، والريح تنشر أريج الورود،

لا تشربوا الخمر على أنغام القيثارة لأن المحتسب يقظ،

وخبئوا الطاس في أكمام عباءاتهم المرقعة،

لأن الزمن يسفك الدماء، كما ينسكب الخمر من عين الإبريق الدامعة،

واغسلوا بدموعكم ما تلطخ بالخمر من أرديتكم

لأن هذا موسم الورع وزمن التقشف والتعفف"(7).

ولما وجد خليفة ابن المظفر أن تحريم الخمر أمر غير عملي، أو تبين أن شاربي الخمر أسلس قياداً وأيسر حكماً من المتطهرين المتزمتين، أعاد فتح أبواب الحانات، وخلد حافظ اسمه.
وسار شاعرنا على تقاليد الفرس في نظم من القصائد في الخمر، واعتبر في بعض الأحيان أن زجاجة من الخمر "تسمو على تقبيل العذارى"(8)، ولكن حتى الكروم تجف وتذوى بعد ألف مقطع من الشعر، وسرعان ما تبين حافظ أن الحب، عذرياً كان أو عملياً، لا يستغنى عنه الشعر.



"هل تعرف ما هو الحظ السعيد؟ إنه الظفر بنظرة إلى غادة

هيفاء، إنه التماس صدقة منها في زقاقها، وازدراء أبهة الملك"(9).

وبدا له الآن أن الحرية ليست حلوة مثل حلاوة العبودية في الحب.

"إن عمرنا قصير، ولكن طالما أننا قد نفوز

بالمجد وهو الحب، فلا تحتقر

الاصغاء إلى توسلات القلب،

فإن سر الحياة سوف يبقى فيما وراء العقل.

فاهجر عملك إذن وقبل حبيبتك الآن.

إنى لأمنح العالم كله هذه النصيحة الغالية،

عندما تتفتح أزهار الربيع، وتهجر الريح الطاحون

وتنزلق برفق لتقبل الغصن المورق.

أى حسناء شيراز، امنحيني أمنية الحب،

ومن أجل شامتك - تلك الحبة من الرمل العالقة

بصفحة خد من اللؤلؤ - سوف يمنحك حافظ

كل بخاري، وكل سمرقند.

آه لو دخلت مع القدر في رهان مرة،

لحاولت برمية واحدة، مهما كان الثمن،

لألتقط أنفاسي، أيها الحب اجمع بيننا،

فما حاجتي بعد ذلك إلى الجنة،

إن الذي خلق غدائر شعرك من ذهب وفضة،

وجمع بين الوردة الحمراء والوردة البيضاء

وأسلم إليهما خدك في شهر العسل

أليس بقادر على أن يمنحني الصبر، وأنا ابنه (10)".


ويبدو أنه آخر الأمر، قد هدأت نفسه بالزواج، فلو فسرنا قصائده الرقيقة تفسيراً صحيحاً، فإنه وجد زوجة وأنجب عدة أطفال، قبل أن يحزم أمره بين النساء والخمر. ويبدو أنه في بعض أشعاره يرثيها ويتألم لفراقها:
"سيدتي، يا من حولت بيتي

إلى فردوس حين حللت به،

من عند الله أحاطها بعنايته، كانت طاهرة، مبرأة من الثم،

جميلة المحيا مثل القمر، عاقلة،

وعيناها ذواتي النظرة العطوفة الناعمة

كانتا تشعان فتنة لا حدود لها

ثم حدثني قلبي: هنا سوف يستقر بي المقام!

فإن هذه المدينة تتنفس بحبها في كل ركن منها.

ولكنها نقلت إلى عالم بعيد قصي،

للأسف لم يعرفه قلبي، وا أسفاه أيها القلب المسكين

إن نجماً خبيثاً شريراً أعمل أثره

فأرخى قبضة يدي التي كانت تمسك بها، ووحدها بعيداً

رحلت من كانت تسكن في صدري"(11).

ومهما يكن من أمر فقد ألف المقام، وركن إلى العزلة الهادئة، وقلما ارتحل إلى خارج شيراز، وقال إنه يترك لقصائده أن تجوب الأرض بدلاً من شخصه، وكم دعى إلى بلاط كثير من الملوك والأمراء. واقنع للحظة وجيزة بقبول دعوة من السلطان أحمد بالاقامة في القصر الملكي في بغداد(12)،

ولكن حبة لشيراز أبقاه حبيساً بها، وكان يشك في أن بالجنة نفسها مثل هذه الأنهار الفاتنة أو مثل هذه الورود الحمراء في شيراز. وكان بين الحين والحين يوجه قصائد المديح إلى أمراء الفرس في عصره أملا في عطايا أو جوائز تخفف من ألم الفقر الذي كان يعاني منه، لأنه لم يكن في فارس ناشرون لينقلوا نفثات البراع عبر البحار، وكان على الفنان (أى الشاعر) أن ينتظر على أبواب النبلاء والملوك. والحق أن شاعرنا "حافظ" كاد أن يرحل يوماً إلى الخارج، ذلك أن أحد أمراء الهند لم يبعث إليه بالدعوة فحسب، بل زوده كذلك بالمال اللازم لنفقات الرحلة، فأقلع حافظ ووصل إلى هرمز على الخليج الفارسي، وكان على وشك الركوب في السفينة فهبت عاصفة هوجاء حولته عن عزمه، وحببت إليه الاستقرار. فعاد أدراجه إلى شيراز، وبعث إلى الأمير الهندي بقصيدة بدلاً من شخصه.
ويضم ديوان حافظ 693 قصيدة معظمها غنائية، وبعضها رباعيات، وبعضها الآخر شذرات غير واضحة المعنى. وهي أصعب في ترجمتها من أشعار دانتى، زاخرة بقواف كثيرة مما يجعل منها في الانجليزية شعراً غير مصقول محطم عقول الوزن، كما تعج بالاشارات والتلميحات المبهمة التي كانت تبهج عقول الناس في ذاك الزمان، ولكنها الآن ثقيلة على السمع في الغناء، والأفضل أن توضع نثراً في الغالب:
"كاد الليل أن ينصرم، حين جذبني أريج الورود، فدلفت إلى

الحديقة، مثل العندليب، أفتش عن بسم للحمى التي انتابتني،

وهناك في الظل تألقت وردة، وردة حمراء كأنها مصباح محجب،

فحدقت النظر في محياها،

إن الوردة فاتنة لمجرد أن وجه محبوبتي فاتن.... وماذا يكون

عبير المروج، والنسيم الذي يهب في الحديقة، إذا لم يكونا


لخد محبوبتي الذي يشبه الخزامى (التيوليب)؟

وفي ظلمة الليل حاولت أن أطلق قلبي من رباط غدائر شعرك

ولكني أحسست بلمسات خدك ورشفت رحيق شفتيك، وضممتك

إلى صدري. ولفني شعرك وكأنه لهب. وألصقت شفتي

بشفتيك، وأسلمت قلبي ونفسي لك كأنهما فدية (13).

وكان حافظ إحدى النفوس الموهوبة الصادية المنهوكة، التي تستجيب وتتأثر - عن
طريق الفن والشعر والمحاكاة والرغبة شبه اللاواعية، تستجيب وتتأثر بالجمال إلى حد الرغبة في عبادته، فترغب بالعينين وبالألفاظ وبأطراف الأنامل، أن تعبد أي شكل جميل، سواء كان نحتاً على حجر أو رسماً أو آدمياً أو زهرة، ونعاني في صمت مكبوت كلما ألم بها الجمال. ولكن هذه النفوس أيضاً تجد فيما تفاجأ به كل يوم من فتنة أو سمو أو جمال جديد، بعض المغفرة لقصر عمر الجمال ولسلطان الموت. ولذلك خلط حافظ التجديف بالعبادة، وانساق في هرطقة غاضبة حتى في الوقت الذي كان فيه يثنى على "الواحد الأحد الخالد" وهو المصدر الذي يفيض منه كل جمال على الأرض.
والتمس كثير من الناس أن يضفوا عليه احتراماً ووقاراً، بتفسير خمرة بأنها نشوة روحية، وحاناته بأنها أديار، ولهبه بأنها "النار المقدسة". صحيح أنه أصبح متصوفاً وشيخاً، وارتدى ملابس الدراويش، ونظم قصائد صوفية غامضة، ولكن معبوداته الحقيقية كانت الخمر والنساء والغناء، وبدأت حركة لمحاكمته بوصفه زنديقاً كافراً، ولكن أفلت منها بالتوسل بأن قصائد الهرطقة كان يقصد بها أن يعبر عن آراء المسيحيين، لا عن آرائه هو. ومع ذلك كتب يقول:
"أيها التحمس، لا تظن أنك بمنجاة من خطيئة الكبرياء،

فليس الفرق بين المسجد وكنيسة الكفار سوى الغرور"(14).

والكافر هنا بطبيعة الحال هو المسيحي. وبدا في بعض الأحيان لحافظ أن "الإله " ما هو إلا شيء اختلقته آمال الإنسان:
"وهذا الذي يسوقنا في هذه الأيام التي تمر كوميض البرق،

هذا الذي نعبده رغم معرفتنا بمن يفنيه أو يذبحه،

أنه هو نفسه قد يتولاه الحزن والأسى، لأننا حين نفترق

سيختفي هو أيضاً في هذا اللهيب نفسه"(15).

ولما مات حافظ كانت عقيدته مشكوكاً فيها، وكان مذهب المتعة عنده لاصقاً به إلى حد الاعتراض على تشييع جنازته في احتفال ديني، ولكن أصدقاءه أنقذوا الموقف بتفسير أشعاره بالمجاز والاستعارة. وجاء بعد ذلك جيل دفن رفاقه في حديقة أطلقوا عليها "الحافظية" تزدان بورود شيراز، وتحققت نبوءة الشاعر بأن قبره سيكون "مزاراً يحج إليه عشاق الحرية من جميع أنحاء العالم". وعلى لوح مقبرة حافظ المصنوع من المرمر نقشت إحدى قصائده، وهي عامرة بالروح الدينية العميقة أخيراً. وفيها:
"أين أنباء الوحدة؟ حتى أنهض

من التراب، سوف أصحو لأرحب بك !

إن نفسي مثل الطائر الزاجل، حنيناً منها إلى الجنة،

سوف تصحو وتتوجع من شرور العالم التي أطلقت من عقالها.

وعندما يهتف بي صوت حبك لأكون عبداً لك

سوف أصحو إلى ما هو أعظم كثيراً من السيادة

على الحياة والعيش، والزمن والعمر الفاني.

صب يا إلهي من سحب نعمتك الهادية

شآبيب الرحمة التي تسرع إلى قبري

قبل أن أنهض، مثل التراب الذي تذروه الرياح من مكان إلى مكان،

إلى ما وراء علم الإنسان.



وعندما تعرج بقدميك المباركتين إلى قبري،

سوف تحضر بيدك الخمر والإغراء إلي،

ولسوف يرن صوتك في طيات ملاءتي الملفوفة،

ولسوف أنهض وأرقص على غناء قيثارتك.

ورغم شيخوختي، ضمني ليلة إلى صدرك،

فإني، عندما ينبثق الفجر ليوقظني،

بنضارة الشباب في خدي، من بين أحضانك سوف أنهض.

انهض! دع عيني تسح وتمرح في نعمتك العظيمة!

أنت الهدف الذي حاول كل الناس الوصول إليه،

أنت المحبوب الذي يعبده حافظ، ووجهك

سوف يأمره أن ينبعث من الدنيا ومن الحياة ويصحو(16).

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق