إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1278 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الأيلخانات في فارس 1- الأيلخانات في فارس 1265- 1337


1278

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> عبقرية الإسلام -> الأيلخانات في فارس

1- الأيلخانات في فارس


1265- 1337


عندما سار ماركوبولو في 1271 عبر فارس ليرى الصين على عهد قبلاي خان، وجد نفسه إمبراطورية المغول. ولم يكن التاريخ قد سجل من قبل قط مملكة مترامية الأطراف مثلها. ففي الغرب لامست شواطئ نهر الدنيير في روسيا، وفي الجنوب شملت القرم والعراق وفارس والتبت والهند حتى ضفاف نهر الكنج. وفي الشرق طوقت الهند الصينية والصين وكوريا، وفي الشمال كان يقع موطنهم الأصلي منغوليا. وفي كل هذه البلاد تعهد حكام المغول الطرق، ونهضوا بالتجارة، وقاموا على حماية السائحين والمسافرين، وأطلقوا حرية العبادة لمختلف العقائد.
لقد أسس هولاكو حفيد جنكيزخان، بعد تدمير بغداد 1258، عاصمة جديدة اسمها المراغة شمال غربي فارس. ولما مات 1265 أصبح ابنه "أباقا" خان أو أمير فارس، وخضع خضوعاً غير ثابت لقبلاي خان، على بعد الشقة بينهما. ومن هنا بدأت أسرة الأيلخانية التي حكمت فارس والعراق حتى 1337. وكان أعظم أفراد هذه الأسرة هو غازان خان، الذي كاد أن يكون أقصر رجال جيشه قامة، ولكن أرادته كانت أقوى من أسلحتهم. وطرح غازان ولاءه للخان للأكبر في منغوليا أو الصين وجعل من دولته مملكة مستقلة، واتخذ من تبريز عاصمة لها، وقدم إليه الرسل من الصين والهند ومصر وإنجلترا وأسبانيا. وقد أصلح الإدارة، وثبت العملة، وحمى الفلاحين من ملاك الأرض ومن اللصوص، وساد الرخاء بدرجة تذكر ببغداد في أزهى أيامها. وشيد في تبريز مسجداً ومدرستين وأكاديمية للفلسفة ومرصداً ومكتبة ومستشفى. ووقف دخول أراض معينة، وقفاً دائماً للإنفاق على هذه المنشآت ، ووفر لها أعظم العلماء والأطباء ورجال



العلم في ذاك العصر. وكان هو نفسه واسع الثقافة. وكان يعرف عدة لغات، واضح أن من بينها اللاتينية(1). وشيد لنفسه مقبرة بلغت من الفخامة والضخامة مبلغاً ظن معه أن موته (1304) كان بمثابة دخوله ظافراً منتصراً إلى مقر أشرف وأعظم.
ووصف ماركو بولو تبريز بأنها "مدينة عظيمة متألقة". وقال عنها فرا أودريك Fra Oderic، (1320) "إنها أجمل مدينة في العالم للتجارة، فهنا توجد أية سلعة بكميات وفيرة ...." ويقول المسيحيون هنا "إن الدخل الذي كانت تدفعه المدينة لحاكمها يفوق ما تدفعه فرنسا كلها لمليكها "(2) هذا بالإضافة إلى "المباني الأنيقة والمساجد الفخمة"، "وأروع الحمامات في العالم"(3). وقدر أودريك أن عدد سكانها يبلغ مليوناً من النفس.
وتابع أولجايتو السياسة المستنيرة التي انتهجها أخوة غازان. وشهد عصره بعضاً من أروع العمارة والزخرفة في تاريخ فارس، وان سيرة قاضي قضاته رشيد الدين فضل الله لتوضح ازدهار التعليم والثقافة والآداب في هذا العصر. وولد رشيد الدين سنة 1247 في همذان، وربما كان أبواه من اليهود، كما قال أعداؤه، مستشهدين بسعة اطلاعه وعلمه بالشريعة الموسوية. ولقد خدم رشيد الدين الخان أباقا كطبيب له، وغازان بوصفه كبيراً للوزراء، وأولجايتو بوصفه صاحب بيت المال. وشيد في إحدى الضواحي شرقي تبريز حياً جديداً أسماه "ربع الرشيد"، وهو مركز جامعي فسيح. وفي رسالة له محفوظة في مكتبة كمبردج يصف هذا المركز فيقول:
"لقد شيدنا نزلاً شاهقاً يناطح السحاب، و 1500حانوت تفوق الأهرام في رسوخها، و 30.000 منزل فاتن، كما

شيدت فيها الحمامات الصحية والحدائق الغناء والمخازن والمطاحن ومصانع النسيج والورق. ونزح الناس من كل حدب وصوب إلى هذا الربع، وكان من بينهم مائتان من قراء القرآن. وزودنا بالمساكن 400 آخرين من العلماء ورجال اللاهوت ورجال القانون وعلماء الحديث، في شارع سمي "شارع العلماء". وأجرينا على هؤلاء جميعاً رواتب يومية وأرزاقاً ومخصصات سنوية للملابس، ومبالغ من المال لشراء الصابون والحلوى. وأتينا كذلك بألف طالب، وأصدرنا الأوامر بصرف الأرزاق والمخصصات اليومية لهم، حتى يتفرغوا في راحة وأمان، لطلب العلم ونفع الناس به. كما حددنا كذلك، من الطلبة، وكم منهم يدرسون مع كل أستاذ أو معلم. وبعد التحقق من صلاحية كل طالب وقدرته على فرع الدراسة الذي يريد التخصص فيه، أمرناه بأن يتعلمه.
وأولينا عنايتنا ورعايتنا بصفة خاصة وبطرق شتى، لخمسين طبيباً ماهراً جاءوا من الهند والصين ومصر وسوريا. فأمرنا بأن يترددوا على دار الشفاء كل يوم، وأن يتعهد كل منهم عشرة طلاب صالحين لدراسة الطب، ويدربهم على ممارسة هذا الفن الجليل. كما أمرنا بأن يعهد إلى أطباء النظارات والجراحين وأطباء العظام الذين يعملون بدار الشفاء، بخمسة من أبناء موظفينا وحاشيتنا ليتعلموا طب العيون والجراحة وطب العظام. ولكل هؤلاء الرجال شيدنا حياً خلف دار الشفاء... سمي "شارع الأطباء". كذلك استقرت كل جماعة من أرباب الحرف ورجال الصناعة الذين أتينا بهم من مختلف البلاد، في شارع سمي باسمها" (4).

وخليق بنا أن يتولانا أشد العجب والدهشة لرجل وجد، مع إسهامه النشيط إدارة شئون المملكة، من الوقت والمعرفة ما استطاع معه تدوين خمسة كتب في اللاهوت، وأربعة في الطب وفي نظم الحكومة، وكتاباً من عدة مجلدات في تاريخ العالم. وفوق ذلك يؤكد لنا أحد المسلمين المعجبين أن رشيد الدين استطاع أن يخصص لتأليفه فترة ما بين صلاة الفجر وشروق الشمس. ومهما يكن من أمر فإن هناك أياماً تتلبد فيها السماء بالغيوم حتى في أذربيجان. وقضى رشيد الدين سبع سنين في كتاب "جامع التواريخ" ونشره في مجلدين ضخمين، ويقتضي نشره بالإنجليزية سبع مجلدات. وضمنه بيانات جوهرية عن المغول من جنكيزخان إلى غازان، وعن مختلف الدول والأسرات الإسلامية في شرقي العالم الإسلامي وغربيه، وعن فارس واليهود قبل بعثة الرسول وبعدها، وعن الصين والهند، مع دراسة مستفيضة لبوذا والبوذية، مع موجز مبسط لأعمال وأفكار ملوك أوربا وبابواتها وفلاسفتها، ويشهد كل الذين قرءوا هذه المجلدات- ولو أنها لم تترجم بعد إلى أية لغة أوربية- بأنها أقيم عمل في النثر الأدبي في فارس. ولم يستفد رشيد الدين من محفوظات حكومته فحسب، ولكنه استخدم كذلك علماء من الصين ليؤمنوا له المعاهدات الصينية وغيرها من الوثائق، ويبدو أنه قرأها مع غيرها من المراجع العربية والعبرية والتركية والمغولية، والتركية والمغولية، كل في لغته الأصلية(5).
ورغبة في نقل هذه المجموعة الوافية من التواريخ إلى الأعقاب رغم الزمن والحرب، أرسل رشيد الدين نسخاً من هذا الكتاب إلى المكتبات هنا وهناك، وترجم إلى العربية ووزع. وخصص أموالاً لكتابة نسخة بالعربية وأخرى بالفارسية في كل عام، لإهدائها إلى إحدى المدن في العالم الإسلامي. على أن كثيراً من هذا الكتاب مع مؤلفاته الأخرى قد ضاع، وربما يرجع هذا إلى الكارثة السياسية التي حلت به. ذلك أنه في سنة 1312 أشرك الأمير أو لجابتو على شاه مع رشيد الدين في الإشراف على بيت المال. وفي زمن "أبى سعيد"


الذي خلف أولجابتو، نشر على شاه مختلف الاتهامات ضد زميله رشيد الدين، وأغرى الخان بأن رشيد الدين وأبنه إبراهيم كانا قد دسا السم لأولجابتو. فعزل المؤرخ (رشيد الدين) وسرعان ما أعدم (1318) وهو في سن السبعين، مع أحد أبنائه، وصودرت ممتلكاته، وحرمت مؤسساته من العطايا والمنح، ونهبت ضاحية "ربع رشيد" ودمرت.
وقام أبو سعيد بترضية متأخرة، ذلك أنه عين ابنا آخر من أبناء المؤرخ وزيراً له، ونهج غياث الدين سبيل الحكمة والعدالة في إدارة دفة الحكومة. وأعقب موت أبى سعيد فترة من الفوضى، ووضعت نهاية لحكم أسرة الأيلخانية، وانقسمت مملكتهم إلى ولايات صغيرة دمرتها الحرب، وخلصها الشعر.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق