إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1261 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> إدوارد السادس وماري -> حماية وارويك 2- حماية وارويك (1549-53)





1261


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> إدوارد السادس وماري -> حماية وارويك

2- حماية وارويك


(1549-53)


كان أعداء سومرست رقيقي الحاشية بمقاييس ذلك العهد. وحرم من الأملاك التي اكتسبها إبان وصايته على العرش، وأطلق سراحه يوم 6 فبراير سنة 1550، واسترد عضويته في المجلس الملكي في مايو. ولكن وارويك كان وقتذاك حامي المملكة.
وكان مكيافيليا صريحاً، وعلى الرغم من أنه كان ينزع في أعماق نفسه إلى الكاثوليكية إلا أنه سلك نهجاً بروتستانتياً لأن خصمه سوثهامبتون كان الزعيم الذي ارتضاه الكاثوليك لهم، وكان أغلب النبلاء مرتبطين مالياً بالعقيدة الجديدة. وقد تعلم جيداً فن الحرب ولكنه أدرك أنه لن يستطيع أن يحتفظ ببولونيا أمام فرنسا التي تملك ضعف موارد إنجلترا، معتمداً على حكومة مفلسة وشعب معدم، وسلم المدينة إلى هنري الثاني ووقع معاهدة صلح مهينة كان لابد منها (1550).
وفي ظل سيطرة ملاك الأراضي من النبلاء أو العامة وافق المجلس النيابي (1549) على قانون يعاقب بشدة على ثورة الفلاحين. وأيد قانون صريح وجود الأراضي المسورة، وألغيت الضرائب التي كان سومرست قد فرضها على الأغنام والصوف لكي تفتر همة الناس في إقامة الحظائر. ونص القانون على عقوبات صارمة توقع على العمال الذين يتحدون لرفع أجورهم(4). وأعلن عدم شرعية الاجتماعات التي تعقد لمناقشة تخفيض الإيجارات أو الأسعار، ومصادرة ممتلكات الأشخاص الذين يحضرونها. وشنق روبرت


كت وأخوه، واشتد الفقر، بيد أن دور البر التي اكتسحتها الثورة الدينية لم تنشأ دور بدلاً منها، وأصبح المرض متوطناً، ولكن المستشفيات كانت مهجورة. وتضور الناس جوعاً، ولكن العملة خفضت قيمتها مرة أخرى وارتفعت الأسعار. ثم إن ملاك الأراضي في إنجلترا الذين كانوا أقوياء في يوم من الأيام أخذوا يهلكون، وكان أفقر الفقراء يغرقون في بحر الهمجية(5). وكانت الفوضى الدينية لا تقل عن الفوضى الاقتصادية، وظلت أغلبية الناس كاثوليكية(6)، بيد أن انتصار وارويك على سوثهامبتون تركهم بلا قائد وشعروا بضعف موقف الذين يظاهرون الماضي. وأدى انهيار سلطة القساوسة الروحية والأدبية، وكذلك عدم استقرار الحكومة وفسادها إلى السماح لا بازدياد الفجور فحسب، ولكن إلى استفحال الهرطقة، بصورة أفزعت الكثالكة والبروتستانت على السواء. ووصف جون كليمنت (1551) "الأنواع العجيبة من الطوائف التي احتشدت في كل مكان لا من أنصار البابوية فحسب... ولكن من الآريوسيين المنكرين للتعميد وكل صنوف الهراطقة الآخرين أيضاً... بعضهم ينكر أن الروح القدس هو الرب، والبعض ينكر الخطيئة الأولى، والبعض الآخر ينكر القدر... وعدد لا يحصى من أمثال هؤلاء، يقصر بنا المقام عن ذكرهم(7). وكتب روجر هتشنسون (حوالي عام 1550) عن "الصدوقيين والفاسقين (أحرار الفكر)، الذين يقولون: "إن الشيطان" ليس إلا... غرام دنس بالجسد... وأنه ليس هناك موضع للطمأنينة أو العذاب بعد هذه الحياة الدنيا، وأن الجحيم ليس إلا ضميراً يائساً يعذب صاحبه، وأن الجنة ضمير مبتهج ساكن مرح(8)".
وتحدث جون هوبر، أسقف جلوسستر البروتستانتي فقال: "هناك مَن يقول إن روح الإنسان ليست أفضل من روح حيوان، وأنها فانية وهالكة، وهناك أشقياء يتجاسرون في اجتماعاتهم على القول بأن


المسيح ليس هو المخلص لنا، بل يذهبون إلى أن الطفل المبارك مؤذ ومحتال(9)".
وأفاد الناس من الحرية التي منحها لهم سومرست فطعن جناح متهور من البروتستانتية في الدين القديم طعناً قاسياً وتهكم طلبة جامعة أكسفورد بالقداس بمحاكاته في مسرحياتهم الهزلية، ومزقوا كتب القداس إرباً، واختطفوا الخبز المقدس من المذبح ووطئوه بالأقدام. وأطلق وعاظ لندن على هؤلاء القساوسة اسم: "عفاريت بغى بابل" - أي البابا(10). والتقى رجال الأعمال في مؤتمرات بكاتدرائية سانت بول، واجتمع هناك الشبان من ذوي النخوة وقاتلوا وقتلوا. وكانت الحماية الجديدة وقتذاك بروتستانتية على التحقيق. وعين المصلحون الدينيون في أسقفيات بشرط أن يحولوا جانباً من دار الأسقفية إلى رجال الحاشية الذين كان لهم الفضل في تعيينهم(11)، وقضى المجلس النيابي (1550) بإزالة كل اللوحات والتماثيل من أي كنيسة في إنجلترا ما عدا "الصور التذكارية للملوك أو النبلاء الذين لم يسلكوا قط في عداد القديسين" وأتلفت كل كتب الصلاة(12) ما عدا كتاب كرانمر. وصودرت أو بيعت ووهبت الثياب الكهنوتية والقباءات وكسوة المذبح، وسرعان ما ازدانت بها بيوت النبلاء(13). وأصدر المجلس أمراً بمصادرة كل آنية مخصصة للتبرعات بقيت في الكنائس بعد عام 1550 لصالح الخزنة. وانتزع المجلس النيابي فيما بعد للحكومة العملات التي في صناديق التبرعات للفقراء بالكنائس(14). ووجدت أموال أخرى للحكومة أو لموظفيها بإلغاء المنح الدراسية للطلبة الفقراء ومنع الأستاذيات المعانة من الدولة بالجامعات، والتي أنشأها هنري الثامن(15). وأوصى المجلس النيابي لعام 1552 بأن يبقى رجال الأكليروس بلا زواج ولكنه أذن لهم بالزواج إذا ثبت أن العفة تضنيهم.


وكان الاضطهاد الديني للهراطقة، الذي قام به الكثالكة منذ عهد بعيد، قد نهض به وقتذاك البروتستانت في إنجلترا، وكذلك في سويسرة وألمانيا اللوثرية، وذلك بمطاردة الهراطقة والكثالكة. وأعد كرانمر بياناً بالهرطقات التي يعاقب مرتكبوها بالإعدام إذا لم يرتدوا عنها، وتضمنت تأكيد وجود المسيح حقاً في القربان المقدس أو السيادة الكنسية للبابا، وإنكار الوحي في العهد القديم، أو الطبيعتين في المسيح أو التزكية بالإيمان(16). وذهبت جوان بوشر الكونتيسة إلى المحرقة لشكها في تجسد الإقنوم الثاني (1550). وقالت لريدلي: أسقف لندن البروتستانتي الذي توسل إليها أن تتراجع عما تقول: "لقد أحرقتم آن أسكيو منذ عهد غير بعيد من أجل قطعة من الخبز (لإنكارها التجسد)، ومع ذلك حدث أن آمنتم بالعقيدة التي أحرقتموها من أجلها، وأنتم سوف تحرقونني الآن من أجل قطعة من اللحم (تشير إلى العبارة الواردة في الإنجيل الرابع). "لقد صنعت الكلمة لحماً، وسوف تؤمنون بهذا أيضاً آخر الأمر(17)". ولم يحرق في عهد إدوارد إلا هرطقيان، ومهما يكن من أمر فإن كثيراً من الكثالكة سجنوا لحضورهم القداس أو لانتقادهم علناً العقيدة المحافظة المقبولة(18). وأقيل القساوسة الكاثوليك المتشبثون بآرائهم من مناصبهم وأرسل بعضهم إلى سجن البرج(19)، وعرض على جاردنر، وكان لا يزال هناك، الحرية إذا وافق على التبشير بالعقيدة التي يقول بها أنصار الإصلاح الديني. وعندما رفض نقل إلى "مسكن أحقر" في البرج وحرم من الورق والقلم والكتب. وفي عام 1552 أصدر كرانمر كتابه الثاني عن الصلاة العامة وفيه أنكر وجود المسيح حقاً في القربان المقدس، ونبذ تقديم القربان المقدس بالمسيح المغالى فيه، وراجع في ظروف أخرى الكتاب الأول باتجاه بروتستانتي.
ووافق المجلس النيابي وقتذاك على قانون ثان بشأن التجانس، اقتضى


أن يحضر جميع الأشخاص بانتظام وألا يحضروا سوى الصلوات الدينية التي تقام طبقاً لما ورد في كتاب الصلاة العامة هذا، وكل مَن يخالف هذا القانون ثلاث مرات، يعاقب بالإعدام، وفي عام 1553 أصدر المجلس الملكي اثنين وأربعين "مادة في الدين" وضعها كرانمر وجعلها إلزامية على كل الإنجليز.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه الفضيلة والمحافظة على العقيدة بمثابة قانون تميزت حماية وارويك بفسادها في عصر فاسد، ولم يمنع هذا إدوارد الشاب المطاوع من تعيين وارويك دوقاً لنورثمبرلاند (4 أكتوبر سنة 1551). وبعد بضعة أيام كفر الدوق عن خطيئته التي ارتكبها بقيامه بعمل من أعمال حسن التصرف - إطلاق سراح سومرست - وذلك باتهام سلفه بالقيام بمحاولة لاستعادة السلطة لنفسه. وقبض على سومرست وحوكم وأدين في الغالب بناء على دليل قدمه سير توماس بالمر، وزيف أمر صادر من الملك بالدعوة إلى إعدام سومرست، وفي 22 يناير سنة 1552 لقي حتفه بشجاعة وإباء. وعندما واجه نورثمبرلاند الإعدام بدوره، اعترف أن سومرست قد اتهم زوراً بفضل وسائله، واعترف بالمر قبل وفاته أن الدليل الذي أقسم على صحته كان من اختراع نورثمبرلاند(20).
ونادراً ما كانت الإدارة في إنجلترا قد وصلت إلى هذا الحد من الكراهية، فقد انقلب البروتستانت ضد الحامي الجديد الذي أثنوا عليه شكراً منهم لتأييده وذلك بسبب ازدياد جرائمه. وكان الملك إدوارد يقترب من الموات وقد عينت ماري تيودور بمقتضى قانون أصدره المجلس النيابي ولية للعهد إذا ظل إدوارد بلا ذرية. وإذا قدر لماري أن تصبح ملكة فإنها سوف تنتقم في الحال من هؤلاء الذين حولوا إنجلترا عن العقيدة القديمة. وشعر نورثمبرلاند بأن حياته معرضة للخطر. وكان عزاؤه الوحيد أن وكلاءه قد دربوا إدوارد على طاعته. وأغرى الملك المحتضر بأن يقرر التاج لليدي جين جراي، ابنة الدوق سفولك وحفيدة شقيقة

هنري الثامن، وفضلاً عن هذا فإن جين كانت قد تزوجت حديثاً من ابن نورثمبرلاند. ولم يكن إدوارد قد خول مثل أبيه السلطة من المجلس النيابي لتعيين خلفه، وكانت إنجلترا بأسرها تقريباً ترى أن ارتقاء الأميرة ماري العرش أمر لا مفر منه وعادل. واحتجت جين بأنها لم ترغب قط في أن تكون ملكة. وكانت امرأة نالت قسطاً غير عادي من التعليم: وكتبت باليونانية ودرست العبرية وتراسلت مع بولينجر بلغة لاتينية لا تقل جمالاً عن لغته. ولم تكن قديسة، وكان في وسعها أن تنتقد الكثالكة بشدة، وسخرت من التجسيد. ولكن نسب إليها من الآثام أكثر مما أثمت. وحسبت في أول الأمر أن خطة حميها من قبيل الدعابة، وعندما أصرت حماتها قاومت جين. وأمرها زوجها في آخر الأمر أن تقبل العرش فأطاعت "دون أن تختار أن تعصي زوجها" كما قالت، وأعد نورثمبرلاند وقتذاك العدة للقبض على كبار أنصار ماري وإيداع الأميرة نفسها في البرج حيث يمكن أن تتعلم التنازل.
وأوشك الملك على نهايته في أوائل يوليه، وسعل وبصق دماً، وتورمت ساقاه تورماً مؤلماً، وتفشى الطفح على جسده، وسقط شعره، ثم سقطت أظافره، ولم يستطع أحد أن يجزم بالمرض الغريب الذي يعاني منه، وراود الشك الكثيرين أن نورثمبرلاند قد سممه. وأخيراً مات إدوارد بعد أن عانى كثيراً (6 يوليو سنة 1553) ولم يتعد الخامسة عشرة من عمره، وأصغر كثيراً من أن يشارك فيما ارتكب في عهده من آثام.
وفي صباح اليوم التالي ركب نورثمبرلاند إلى هنسدون للقبض على الأميرة. بيد أن ماري هربت، بعد أن حذرت، إلى أصدقاء كاثوليكيين في سفولك، وعاد نورثمبرلاند إلى لندن دون أن يحصل على فريسته. وأقنع المجلس الخاص بالوعود أو التهديدات أو الرشاوى بالانضمام إليه في المناداة


بجين جراي ملكة، وأغمي عليها، وعندما أفاقت ظلت تحتج على أنها لا تصلح للشرف المحفوف بالمخاطر، الذي أكرهت عليه. وتوسل إليها أقاربها بحجة أن حياتهم تتوقف على قبولها. وفي التاسع من يوليو أقرت في نفور أنها ملكة إنجلترا.
ولكن في العاشر من يوليو وصلت إلى لندن أنباء تقول إن ماري قد نادت بنفسها ملكة، وإن النبلاء في الشمال كانوا يتقاطرون لتأييدها، وأن قواتهم كانت تزحف على العاصمة. وحشد نورثمبرلاند سريعاً ما استطاع جمعه من جنود، وقادهم لتقرير مصير المعركة. وأبلغه جنوده في بورى أنهم لن يسيروا خطوة أخرى للقتال ضد عاهلتهم الشرعية. وأرسل نورثمبرلاند أخاه، مزوداً بالذهب والمجوهرات والوعد بكاليه وجينس ليرشوا هنري الثاني ملك فرنسا، للقيام بغزو إنجلترا تتويجاً لجرائمه. وعلم المجلس الخاص بالمهمة ومنعها، وأعلن ولاءه لماري. وانطلق الدوق أف سفولك إلى غرفة جين وأبلغها أن حكمها الذي استمر عشرة أيام قد انتهى. فرحبت بالأنباء وسألت ببراءة هل تستطيع الآن أن تذهب إلى البيت، ولكن المجلس، الذي كان قد أقسم على خدمتها أمر بسجنها في البرج. وسرعان ما سجن هناك أيضاً نورثمبرلاند وأخذ يطلب الصفح عما ارتكب، وإن أخذ يترقب موته.
وبعث المجلس برسل ينادون بأن ماري تيودور ملكة وتلقت إنجلترا الأخبار بفرح وحشي. وظلت النواقيس تقرع والمشاعل تتوهج طوال تلك الليلة من ليالي الصيف. وجلب الناس موائد الطعام وأولموا في الخلاء ورقصوا في الشوارع.
وبدا أن الأمة آسفة على الإصلاح الديني، وأنها تتطلع بشغف إلى ماضٍ كان في الإمكان وقتذاك أن يعد نموذجاً، طالما أنه لن يعود. والحق أنه الإصلاح الديني لم يظهر حتى الآن إلى جانبه المرير لإنجلترا: لم يكن تحريراً


من المذهبية ومحاكم التفتيش والطغيان، بل كان تثبيتاً لها، ولم يكن انتشاراً للاستنارة، بل كان سلباً للجامعات وإغلاق مئات المدارس، ولم يكن توسعاً في الرقة، بل كان تقريباً قضاء على البر، ورقعة بيضاء للجشع، ولم يكن تخفيفاً للفقر، بل كان سحقاً للفقراء بلا رحمة لم تعرفه إنجلترا منذ قرون - ولعلها لم تعرفه قط(21). وكان كل تغيير يكاد يلقى ترحيباً ما دام يؤدي إلى تخليصهم من نورثمبرلاند وطغمته.
ثم إن الأميرة ماري المسكينة، التي ظفرت بحب إنجلترا في الخفاء بفضل صبرها على الإذلال طوال اثنين وعشرين عاماً - هذه المرأة المهذبة سوف تكون ولا شك ملكة رقيقة.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق