إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1301 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> الموسيقى والإصلاح ال 3- الموسيقى والإصلاح الديني


1301

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> الموسيقى والإصلاح ال

3- الموسيقى والإصلاح الديني


كان الإصلاح الديني ثورة في الموسيقى، قدر ما كان ثورة في اللاهوت والطقوس وعلم الأخلاق والفن. لقد كانت الطقوس الكاثوليكية


أرستقراطية، أو شعائر فخمة متأصلة في تقاليد منيعة لا تنتهك حرمتها، متعالية تعالياً صريحاً عن الشعب، في اللغة والملابس والرموز والموسيقى. وبهذه الروح، عرف رجال الدين أنفسهم بأنهم الكنيسة، وذهبوا إلى أن الناس قطيع يساق إلى حسن الخلق والخلاص بالخرافات والأساطير والعظات والمسرحيات وكل الفنون. وبهذه الروح كان القداس سراً خفياً مقصوراً فهمه على فئة قليلة، واتصالاً خارقاً بين الكاهن والرب.وكان الكاهن يرتل القداس، ومعه فرقة المنشدين من الذكور، منعزلة عن المصلين. ولكن في الإصلاح الديني فرضت الطبقات الوسطى وجودها وحقوقها، واصبح الشعب هو الكنيسة، ورجال الدين ممثليه، والقداس باللغة الوطنية، وكان لا بد أن تكون الموسيقى واضحة مفهومة، يمكن أن تقوم فيها جماعة المصلين بدور فعال، أصبح في آخر الأمر قيادياً.
وأحب لوثر الموسيقى، وقدر فن تعدد الأصوات والطباق الموسيقي، وفي 1538 كتب متحمساً يقول:
"إذا شحذ الفن الموسيقى الطبيعية وصقلها يبدأ الإنسان يدرك

في عجب ودهشة حكمة الله العظيمة البالغة حد الكمال، في

موسيقاه الرائعة، حيث يقوم صوت واحد بدور بسيط، ويغني

حوله ثلاثة أو أربعة أو خمسة أصوات أخرى، تثب وتنطلق هنا

وهناك، تزين الدور البسيط، وكأنها رقصة تربيعية في السماء.

إن هذا الذي لا يجد في هذا معجزة تفوق الوصف من عند الله،

ليس إلا غبياً حقيراً لا يستحق أن يعتبر إنساناً"(10).

وكان لوثر في نفس الوقت تواقاً إلى موسيقى دينية يمكن أن تحرك مشاعر الناس، بالتحام الإيمان بالغناء عن طريق الموسيقى. وفي 1524 تعاون مع جوهان والتر، رئيس فرقة المنشدين في الكنيسة لدى الأمير


فردريك الحكيم لإنتاج أولى التراتيل البروتستانتية التي وسعت وأدخل عليها تحسينات كثيرة في الطبعات المتعددة. وكان جزء من كلماتها مأخوذاً من الترانيم الكاثوليكية، وجزء آخر مقتبساً من أغاني رئيس فرقة المنشدين، وجزء ثالث مكتوباً بقلم لوثر الشاعري تقريباً، وجزء آخر مأخوذاً من الأغاني الشعبية بعد نقلها إلى موضوعات دينية. ويقول لوثر "ليس للشيطان حق في كل الألحان الجيدة(11). وألف لوثر بعض الموسيقى، وألف والتر جزءاً آخر، واقتبس قسم ثالث من المقطوعات الكاثوليكية المعروفة آنذاك. واستمرت الكنائس اللوثرية لمدة قرن تقريباً، تدخل القداسات المتعددة الأصوات في طقوسها، ولكن حلت اللغة الوطنية محل اللاتينية شيئاً فشيئاً، ونقص دور القداس، وزاد غناء المصلين، وانتقلت أغاني فرقة المنشدين من الطباق إلى شكل إيقاعي متناسق ايسر، سعت فيه الموسيقى إلى متابعة الكلمات وتفسيرها، ومن موسيقى فرقة المنشدين التي ألفها لوثر ومعاونوه لمصاحبة تلاوة قصص الإنجيل، جاءت الموسيقى العظيمة في الكنيسة البروتستانتية في القرن الثامن عشر، وبلغت الذروة في موشحات هاندل وقداساته وموشحات جوهان سباستيان باخ وتراتيله.
ولم يكن كل مؤسسي البروتستانتية يحبون الموسيقى مثلما أحبها لوثر، فإن زونجلي، ولو أنه نفسه موسيقار، استبعد الموسيقى كلية من الصلوات الدينية، وحرم كلفن كل الموسيقى الكنسية، فيما عدا غناء المصلين المتساوي النغمات. ولكنه أباح الغناء الطباقي المتعدد الأصوات في البيت، فاستمد أتباعه الهيجونوت في فرنسا جزءاً من قوتهم وشجاعتهم من إنشاد المزامير والترانيم على أنغام الموسيقى بأصوات متعددة. ولما ترجم كليمنت مارو المزامير إلى اللغة الفرنسية شعراً، أعجب بها كلفن إلى حد أنه تجاوز عن المقطوعات الطباقية التي وضعها كلود جوديمل، وقد أضفت حقيقة أن هذا الملحن البروتستانتي لقي حتفه في مذبحة سانت برثلميو،

مزيداً من القدسية على كتاب مزاميره المقدس. وبعد مارو بعام، لم يخف أسقف كاثوليكي حسده للدور الذي كانت قد لعبته هذه الترجمات والمقطوعات في الإصلاح الديني الفرنسي. "وكان حفظ المزامير عن ظهر قلب، لدى الهيجونوت سمة الطائفة التي ينتمون إليها، وفي المدن التي يكثر عددهم فيها، يمكن أن تسمع النغمات المنبعثة من أفواه للعمال، ومن القرى من أفواه الكادحين الذين يفلحون الأرض(12)".لقد ميزت الصبغة الديمقراطية التي صبغت بها الموسيقى الدينية البلاد التي عم فيها الإصلاح الديني حيث سترت هذه الصبغة الديموقراطية قيام العقيدة ببهجة الموسيقى التي تسري عن النفس.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق