إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 30 أبريل 2014

1349 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> في العمل الفصل الثاني إنجلترا المرحة 1558 - 1603 1- في العمل





1349


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> بداية عصر العقل -> ابتهاج غامر في إنجلت -> إنجلترة المرحة -> في العمل

الفصل الثاني


إنجلترا المرحة


1558 - 1603


1- في العمل


أي نوع كانت إنجلترا تلك التي أمدت إليزابث بالقوة وهيأت لها النصر، ووهبت شكسبير اللغة والإلهام؟ وأي صنف من الناس كان هؤلاء الإنجليز في عصر إليزابث، أولئك المغامرون في تهور، الصرحاء الممتلئون حيوية ونشاطاً؟ كيف عاشوا وعملوا ولبسوا وفكروا، وأحبوا وشادوا وغنوا؟
في 1581 بلغ عدد السكان نحو خمسة ملايين، معظمهم مزارعون، ومعظم هؤلاء يفلحون الأرض لمصلحة المالك نظير جزء من المحصول، وبعضهم يستأجر الأرض مقابل إيجار محدد يدفعه، وكان ثمة عدد متزايد من صغار المزارعين الأحرار الذين يمتلكون الأرض ملكية مطلقة، وبقيت مساحات من الأرض على المشاع حيث ثبت أن أرض المراعي تدر ربحاً أكثر من الأرض المحروثة، وكاد الرقيق أن ينقرض، ولكن طرد المستأجرين عن طريق المساحات المشتركة المسورة وعن طريق الضم كان يخلق طبقة بائسة من العمال الذين غامروا ببيع عضلاتهم من مزرعة إلى مزرعة، ومن حانوت إلى حانوت في المدن الآخذة في التوسع (التنقل من أجل الحصول على عمل نظير أجر).
وباستثناء العاصمة، كانت المدن لا تزال صغيرة، على أية حال، وزاد عدد السكان قليلاً عن عشرين ألفاً في كل من نوروك Norwich وبرستول، وهما أكبر مدينتين بعد لندن. وكان لهذه المسألة جانبها المشرق: ذلك أن سكان المدن كانوا متوادين متحابين ينعمون بحسن الجوار. وحتى في لندن نفسها، كان لمعظم البيوت


حدائق، أو أنها كانت قريبة من الحقول المكشوفة، ومن ثم يمكن جمع مختلف أنواع الأزهار التي ترنم بها شكسبير. وحصلت البيوت على التدفئة بإحراق الخشب، واستخدمت معظم المصانع الفحم لتوليد الطاقة، ولكن أسعار خشب التدفئة ارتفعت كثيراً في القرن السادس عشر، وحدا ازدياد الطلب على الفحم بملاك الأراضي إلى التنقيب عن الرواسب في أراضيهم. وجيء بالعمال الألمان لتحسين التعدين وعلم المعادن. وحرمت إليزابث استخدام الفحم في لندن، ولكن ثبت أن أوامرها كانت أقل حسماً من الضرورة الاقتصادية(2). وزادت محلات النسيج واتسعت بعد لجوء النساجين والقصارين إلى إنجلترا هرباً من جور دوق ألفا في الأراضي الوطيئة، وجلب الهيجونوت من فرنسا مهاراتهم الحرفية والتجارية، على أن رجلاً إنجليزياً هو الكاهن الموقر "وليم لي" هو الذي اخترع (1589) "جهاز الجوارب" شبه الآلي للحياكة. وكان صيد السمك أكثر الصناعات ازدهاراً، لأن الحكومة شجعتها بغية تعويد الناس على ركوب البحر والملاحة، ومن ثم تهيئ احتياطياً للبحرية. ومن انحنت ثم إليزابث إجلالاً للكنيسة الكاثوليكية، وأمرت رعاياها أن يمتنعوا عن أكل اللحم يومين في الأسبوع، وأيام الصوم التقليدية في الصوم الكبير.
وكانت نقابات التجار والصناع قد سلبتها القوة والفعالية قيود العصور الوسطى وتوجيهاتها، ومن ثم ظلت النقابات تفقد أسواقها في عصر النزعة الفردية والتجديد. وجمع المتعهدون المهرة رأس المال، واشتروا المواد الخام، ووزعوها على المتاجر والأسرات، واشتروا الإنتاج، ثم باعوه، قدر ما تحتمل ظروف التجارة والمقايضة. وبدأت الرأسمالية في إنجلترا في البيت، بعمل الأب والأم والابنة والابن، للمقاول أو الملتزم. أما وقد نشأ الآن "هذا النظام المنزلي" فقد سار حتى أواخر القرن الثامن عشر. وكان كل بيت تقريباً، بمثابة مصنع مصغر ينسج فيه النساء، ويغزلون الكتان والصوف، ويحكن ويطرزن، ويقمن بتحضير الأدوية من الأعشاب وتقطير المشروبات، ونجحن إلى حد كبير في النهوض بفن الطبخ، في إنجلترا.
وسنت حكومة إليزابث القوانين للاقتصاد بمثل ما سنت به للعقيدة، من غيرة



وحماس. وأدركت أن القيود البلدية على الصناعة والتجارة، تعوق النشاط التجاري والصناعي، فاستبدلت بأنظمة الوحدات الإدارية نظاماً قومياً واحداً. وقرر تشريع "التلمذة الصناعية" المشهور (1563) مجموعة قواعد ومبادئ هامة للرقابة والإلزام الحكوميين، وقد ظل قانون لإنجلترا حتى 1815. ومذ كان القانون يهدف إلى القضاء على الخمول والتعطل، فانه تطلب من كل شاب قوي الجسم قادر على العمل أن يخدم كتلميذ لمدة سبع سنوات، لأن الرجل "حتى يبلغ الثالثة والعشرين، يكون في أغلب الأحوال، وليس دائماً، متهور طائشاً لا يحسن التمييز، لم يؤت من التجربة والخبرة ما يستطيع معه أن يحكم نفسه(3)". وكل متعطل عن عمد قبل الثلاثين من العمر، ليس له دخل سنوي مقداره أربعون شلناً، يمكن إجباره على العمل، وفقاً لتوجيه السلطات المحلية. وكل الأصحاء الذين لم يبلغوا الستين في الريف يمكن إلزامهم بالعمل في جمع المحاصيل. ويجب تأجير العمال بعقود سنوية نظير نوع من أجر سنوي مضمون. وخول القضاة الصلح سلطة تحديد الحد الأقصى والحد الأدنى لمكافأة كل عمل في المنطقة التي يعمل بها كل نهم. وحدد أجر العامل في لندن بتسعة بنسات يومياً. وفرضت غرامة قدرها أربعون شلناً على أصحاب العمل الذين يفصلون العمال بشكل تعسفي. أما المستخدمون الذين يتركون أعمالهم بغير سبب مشروع فكان يزج بهم في السجن. وكان محظوراً على أي مستخدم أن يترك مدينته أو أبرشيته دون إذن من رب العمل أو الحاكم المحلي، وحددت ساعات العمل باثنتا عشرة ساعة يومياً في الصيف، وبساعات ضوء النهار في الشتاء. وكان الاضطراب أياً كان نوعه محظوراً، وكانت عقوبته السجن أو الغرامة الثقيلة(4).
وعموماً كان لهذا التشريع مفعوله في حماية أرباب العمل ضد من يستخدمون من العمال، والزراعة ضد الصناعة، والدولة ضد الثورة الاجتماعية. وكتبت نقابة البناءين بالأجر في مدينة هل في صدر قانونها المحلي هذه العبارة: "كل الناس متساوون بالطبيعة، خلقهم خالق واحد من طينه واحدة". ولكن لم يؤمن بهذا أحد، وفي أقل القليل سيسل وإليزابث، ويحتمل أن يكون سيسل هو الذي


وجه التشريع الاقتصادي في 1563 ومن نتائجه بالنسبة للطبقات العاملة انه جعل الفقر أمراً إجبارياً. واقترح إعادة تحديد الأجور بصفة دورية وفقاً لأسعار المواد الغذائية الأساسية، ولكن الحكام المكلفين بهذا العمل كانوا ينتسبون إلى طبقة المستخدمين (أرباب العمل). وارتفعت الأجور، ولكن بمعدل أبطأ كثيراً من الأسعار. وفيما بين عامي 1580 و1640 ارتفعت الأسعار بنسبة 100%، على حين ارتفعت الأجور في نفس الفترة 20% فقط(6).
وفي خلال القرن من الزمان الذي يمتد من 1550 إلى 1650 كانت أحوال المهنيين تزداد سوءاً يوماً بعد يوم(7). وامتلأت ضواحي لندن "بطبقة فقيرة نسبياً، شريرة غالباً، تقطن في أحقر المساكن(8)"، تعيش في بعض الأماكن على السرقة والتسول، وفي جنازة ارل شروزبري (1591) جاء نحو عشرين ألفا من المتسولين يلتمسون الصدقات(9).
وشنت الحكومة حملات على هذه الرذائل بمجموعة من القوانين الصارمة ضد التسول والاستجداء، وبمجموعة إنسانية نسبياً من "قوانين الفقراء" (1563-1610) التي اعترفت بمسئولية الدولة عن حماية رعاياها من الموت جوعاً. وفي كل وحدة إقليمية جمعت ضريبة لرعاية الفقراء غير القادرين على العمل، وتشغيل القادرين على العمل في مصانع تديرها الدولة.
وتبين إن ارتفاع الأسعار كان حافزاً للصناعة والتجارة قدر ما كان مأساة وكارثة على الفقراء. والأسباب الرئيسية في هذا هو استخراج الفضة في أوربا، واستيراد المعادن النفيسة من أمريكا، وغش الحكومات للعملة (تخفيض قيمتها بزيادة ما تحتويه من معدن خسيس) وفيما بين سنتي (1501-1544) كانت جملة مقادير الفضة المستوردة أو المستخرجة في أوربا تساوي نحو 150 مليوناً من الدولارات بمعدلات 1957، وفيما بين عامي 1545-1600 نحو 900 مليون(10). وكافحت إليزابث بشرف غش النقد الإنجليزي، وتقبلت نصيحة مستشارها البعيد النظر، سير توماس جريشام، الذي حذرها (1560) في عبارة أصبحت "قانون جريشام"، وهي


أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، وأن العملة التي تحتوي على النسبة الصحيحة من المعدن النفيس قد تختزن أو ترسل إلى الخارج، على حين أن العملة التي لا تحتوي على النسبة المقررة الصحيحة من المعدن تستعمل لسائر الأغراض الأخرى، وبخاصة في تسديد الضرائب أي "أن يدفع للحكومة النقد الذي سكته هي (وغشته)"، وأصلحت إليزابث وسيسل النقد الذي كان قد غشه أبوها وأخوها، وأعادت إلى العملة الإنجليزية النسبة الصحيحة من الذهب أو الفضة. وارتفعت الأسعار على الرغم من هذا، لأن تدفق الذهب والفضة أو إنتاجهما، وتداول العملة، فاقا سرعة إنتاج السلع.
وأسهمت الاحتكارات في رفع الأسعار. ورخصت إليزابث في احتكار صناعة أو بيع الحديد والزيت والخل والفحم والرصاص ونترات البوتاسيوم أو الصوديوم (الملح الصخري) والنشا والخيوط والجلد، والجلود المدبوغة والزجاج، ولقد مكنت هذه التراخيص، من جهة لتشجيع رأس المال على تحسين الإنتاج، وإقامة صناعات جديدة، ومن جهة أخرى كتعويض أو مكافأة للوظائف والخدمات التي لا تحصل بدونها (أي تراخيص الاحتكار) على أجر كاف. ولما ارتفعت الشكوى من هذه الاحتكارات إلى حد أن البرلمان كاد أن يثور، وافقت إليزابث على وقفها حتى يتم التحقيق فيها والتصديق عليها (1601)، ومن ثم كان الاحتفاظ ببعضها.
ونتيجة لهذا التعويق نمت التجارة الداخلية بخطى أبطأ من تقدم التجارة الخارجية. وفيما عدا المناسبات والأعياد، لم يكن يسمح لأي إنسان أن يبيع السلع في أية مدينة لا يكون هو من سكانها، وكانت هذه المناسبات دورية في كثير من المراكز، وبلغت أكثر من مائة يوم في السنة. وكان أكثرها شيوعاً، "يوم القديس برثلميو" الذي يقام في شهر أغسطس من كل عام بالقرب من لندن، ومع "سيرك" يجذب الناس إلى السلع، وكان انتقال البضائع على الماء أكثر منه بالبر، وكانت الأنهار تعج بالحركة، وكانت الطرق رديئة، ولكنها آخذة في التحسن. ويمكن السير فيها ركوباً لمسافة مائة ميل في اليوم، وقطع الرسول الذي حمل إلى ادنبره نبأ وفاة إليزابث


162 ميلاً في يومه الأول. وكانت الخدمات البريدية التي أنشئت في 1517 مقصورة على الحكومة وحدها. أما البريد الخاص فكان يرسل مع الأصدقاء أو الرسل أو السعاة أو أي مسافرين آخرين. وكان معظم السفر بالبر على ظهور الخيل، أما المركبات فأدخلت حوالي 1564، وظلت حتى 1600 لوناً من الترف لدى قلة من الناس، وما جاءت سنة 1634 حتى كثر عددها إلى حد إصدار بلاغ بتحريم استخدام الأفراد لها استخداماً خاصاً، بسبب ازدحام حركة المرور(11). وكانت الأنزال (الفنادق) الحسنة، كذلك كانت النادلات فيها، اللهم إلا عند الدفع. لكن كان ينبغي على عابر السبيل أن يحرص على كيس نقوده، وأن يخفي وجهته(12). لقد كان على المرء في إنجلترا على عهد إليزابث أن يكون نشيطاً حذراً مستعداً.
ونمت التجارة الخارجية بتقدم الصناعة. وكان تصدير المنتجات الكاملة الصنع هو الوسيلة المفضلة لتسديد ثمن ما يستورد من المواد الخام وماد الترف الشرقية. وتوسعت السوق من الوحدة الإقليمية إلى الأمة بأسرها، ثم إلى أوربا، بل حتى إلى آسيا وأمريكا. واتسعت مجالات الحكومات الوطنية وأهدافها وسلطانها مع اتساع مدى التجارة ومشاكلها، وقد رغبت إنجلترا-مثلما رغبت أسبانيا وفرنسا-وفي تصدير السلع واستيراد الذهب. لأن "النظريات التجارية " التي سادت آنذاك، كانت تقيس ثروة الأمة بمقدار ما لديها من المعادن النفيسة. وواضح أن فرانسيس بيكون كان أول من تحدث عن "ميزان تجاري(13)" مرض، قصد به زيادة الصادرات على الواردات ومن ثم امتصاص الفضة أو الذهب، أو تسربهما إلى داخل البلاد. وأعلن سيسل عن هدفه بقوله: "يجب، بكل الوسائل، أن نقصر استخدامنا للسلع الأجنبية على ما هو ضروري لنا(14)" ولقد أدرك أن الفضة والذهب لا يؤكلان ولا يلبسان، ولكنهما كانا نقداً دولياً، يمكن أن نشتري به عند الضرورة

أي شيء تقريباً، حتى الأعداء، وتجب حماية الصناعة الوطنية زمن السل، حتى لا تعتمد الأمة على المنتجات الأجنبية زمن الحرب، ومن ثم عوقت الحكومات الاستيراد عن طريق الرسوم الجمركية، وشجعت التصدير عن طريق الاعانات،وتكونت "شركات التجارة" لبيع المنتجات الإنجليزية في الخارج وهيأ "التجار المغامرون". الإنجليز منفذاً للصادرات في همبرج. ورأس أنطوني جنكنسون بعثة تجارية إلى روسيا (1557) وأخرى إلى إيران (1562)، وذهبت بعثة أخرى إلى الهند (1583-1591). وأنشئت لجنة إنجليزية تركية (1581). وأسست الشركة المسكوفية في 1595، وشركة الهند الشرقية الشهيرة في التاريخ في 31 ديسمبر 1600، وكان المسرح ممهداً لهستنجز وكليف. وقام عشاق البحر أو المال بمغامرات فبر المحيطات بحثاً عن طرق جديدة للتجارة. وكان علم الجغرافيا، من بعض النواحي، نتيجة غير مقصودة لحماستهم. وقامت حركة ضخمة لبناء السفن، بحثاً عن الأسواق والمستعمرات. وتحولت أخشاب غابات إنجلترا إلى سفن وصوار. وشرعت بريطانيا تتحكم في الأمواج وتحكم البحار. وولدت الإمبراطورية البريطانية قولاً وعملاً.
ولما انتشرت التجارة واتسع مجالها، تطورت النظم المالية لتيسير عملياتها وتعجيلها. وتضاعف عدد المصارف. وفي 1553 أنشأ "التجار المغامرون" شركة مساهمة مشتركة للتجارة مع روسيا، أصدرت 240 سهماً قيمة كل منها 25 جنيهاً، وكانت الأرباح توزع بعد كل جولة. ويعاد رأس المال المستثمر(15). ومولت شركة الهند الشرقية رحلاتها بمثل هذه الطريقة. وأدت الأرباح التي بلغت 2slash1 87% في أول رحلة إلى اندفاع المساهمين إلى الاشتراك في المشروع أو المغامرة الثانية-ومنهم رجال البلاط، والقضاة، ورجال الدين، والفرسان، والأرامل، والعوانس، والحرفيون. وأحب الرجال والنساء آنذاك حباً جماً، كما هو الحال اليوم تماماً. وكان قد حرم الفوائد على القروض حتى 1552، بوصفها "رذيلة ما أقبحها(16)"، ولكن القوة المتزايدة لرجال الأعمال في مجلس العموم، أدت إلى صدور "قانون الربا" في 1571، وقد ميز هذا القانون بين الفائدة والربا،

وأجاز نسبة 10% سعراً الفائدة. ولما ازداد التعامل في الأسهم أنشئت سوق الأوراق المالية (البورصة) لتبادل ملكية الأسهم والبضائع. وسك مزيد من النقود المتداولة ليتسنى شراء السلع وبيعها. وفي 1566 أسس جريشام "البورصة الملكية" لتقوم بمثل هذه العمليات التجارية والمالية. وفي 1583 أصدرت أقدم "بوليصة" تأمين على الحياة(17).
ونمت الروح التجارية مذ أصبحت لندن واحدة من أسواق ومراكز العالم المزدهرة. وتألقت الشوارع غير المضاءة بما تكدس فيها من بضائع. وحكم جواب آفاق طاف بأقطار كثيرة، بأن منشئات الصياغ في لندن أفخم مثيلاتها في أي مكان آخر في العالم(18). وجن جنون أصحاب الأعمال للحصول على دور لهم، واستعمل بعضهم صحن كاتدرائية سانت بول مقراً مؤقتاً لمكاتبهم، وكلهم ثقة بأن "المسيح" كان قد غير رأيه منذ ظهر كلفن، وهناك تعامل المحامون مع عملائهم، وأحصى الناس المال فوق المقابر، وفي الفناء باع الباعة المتجولون الخبز واللحم والسمك والفاكهة والجعة والبيرة، وتدافعت حشود المشاة والباعة المتجولون والمركبات وعربات النقل في الشوارع الضيقة الموحلة. واستخدم نهر التايمز كطريق رئيسي تمر به مراكب نقل البضائع والمعديات ومراكب النزهة، وكاد يوجد في كل نقطة فيه مجدف أو معد معه قارب، مستعد لنقل البضائع أو الركاب عبر النهر، ضد التيار، أو مع التيار. ومن ثم كانت صيحاتهم العالية (نداءاتهم للركاب): "شرقاً" أو "غرباً"، التي أخذت عنها عنوانات "روايات جاكوب". وكان النهر، إذا زالت عنه رائحته-نعمة كبرى للتجارة والنزهة والعشاق، وخليقة للمشاهد المسرحية الفخمة والمساكن الفاخرة. وكان جسر لندن الذي بني في 1209 مفخرة المدينة، والطريق الوحيد بين طرفيها الشمالي والجنوبي. وتخصص الجنوب في الحانات والمسارح والمواخير والسجون. أما الشمالي فكان المركز الرئيسي الأعمال. وهنا كان التاجر هو السيد، وكان اللورد صاحب اللقب يدخل بعد السماح له بالدخول. وكانت الشخصيات الملكية والنبلاء يقطن معظمهم في قصور خارج لندن. وكان حي وستمنستر، مقر البرلمان آنذاك، مدينة منفصلة. وهناك أيضاً أجبرهم رجل الأعمال


على سماع صوته، وما وافت سنة 1600 حتى بات في مقدوره أن يزعج الملكة، وبعد نصف قرن تقريباً (حوالي 1650) قطع رأس الملك.


يتبع
 يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق