إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1300 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> سيطرة الموسيقى الفلم 2- سيطرة الموسيقى الفلمنكية 1430-1590


1300

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> الموسيقى -> سيطرة الموسيقى الفلم

2- سيطرة الموسيقى الفلمنكية


1430-1590


كانت الأغاني والرقصات الشعبية هي المعين الذي لا ينضب الذي اشتقت منه أشكال الموسيقى غير الكنسية أصولها وصيغها وموضوعاتها الرئيسية حتى القداسات، ربما اشتقت منها بعض الأغاني القصيرة مثل "وداعاً يا أحبائي"، وتنوعت الأغاني الفرنسية من الأغاني التوقيعية للمغنين في الشوارع، وأغاني الشعراء الغنائيين البسيطة (التروبادو) إلى أغاني غليوم دي ماشو وجوسكوين دبريه المعقدة المتعددة الأصوات.
وكان ماشو (1300-1377)سيد ذلك" الفن الجديد "الذي كان قد بسطه وشرحه فيليب دي فيتدي في 1325- وهو عبارة عن موسيقى استخدمت الإيقاع الثنائي بالإضافة إلى الإيقاع الثلاثي، وهو ما أقره "الفن القديم" والكنيسة. وكان ماشو شاعراً وعالماً وموسيقياً وكاهناً في كاتدرائية ريمس، وربما كان كذلك رجلاً مملوءاً حماسة وغيرة، لأنه كتب بعض قصائد الحب الغنائية التي لم تهدأ حرارتها بعد. وبرع في أثنى عشر شكلاً موسيقياً من الأغاني الراقصة والعاطفية، والقصائد الغنائية ذات اللازمة المتكررة والقصائد الغزلية، والقصائد الدينية، وموسيقى القداس، ويعزى إليه أقدم قداس متعدد الأصوات - لحنه رجل واحد. ولو أنه من


رجال الكنيسة، في حركة صبغ الموسيقى المتعددة الأصوات بالصبغة العلمانية وإخراجها من حيز إيقاع القصائد الدينية والقداس إلى الإيقاع الأكثر انطلاقاً ومرونة في موسيقى الأغاني العلمانية.
وفي تلك القرون كان الإنجليز موسيقيين، ولكنهم لم ينافسوا الإيطاليين في اتساق الأصوات في اللحن (ومن ذا الذي ينافسهم؟)، ولا الفلمنكيين في تعدد الأصوات، ولكن أغانيهم، بين الحين والحين، بلغت من العذرية والرقة حداً لا يضارعهم فيه إلا أعمق الأغاني الفرنسية. وقوبل المغنون الإنجليز في مجلس كنستانس بالتهليل والهتاف، وفي هذا الجيل ألف هنري الخامس بطل أجنكورت، قداساً لا يزال يحتفظ بعظمته وقداسته. وكانت المقطوعات التي ألفها جون دنستابل (1370-1453) تعزف في كل البقاع من اسكتلنده إلى روما. ولعبت دوراً في تشكيل أسلوب المدرسة الفلمنكية.
وكما كانت الفلانذر قد استهلت فن التصوير في القرن الخامس عشر، كذلك شهدت الموسيقى فيها عصراً من أبهى وأعظم عصورها، في وسط النبلاء والمواطنين الأثرياء المحبين للفنون. وكتب جوهانس فوير Johannes Verwere حوالي 1490 يقول: "عندنا اليوم - إلى جانب العدد الكبير من مشاهير المغنيين، يظهر إلى الوجود، عدد لا حصر له تقريباً، من الملحنين الذين تتميز أعمالهم بعذوبة الصوت، وما سمعت أو نظرت إلى تأليفهم إلا ابتهج قلبي(7)". وربما وضع المعاصرون دوفاي وأوكيجم ودبريه في مرتبة سواء من سلم العبقرية والخير، مع جان فان إيك وكلو سلوتر وروجيبر فاندرويدن، وهنا في تعدد الأصوات في المدرسة الفلمنكية، عاشت أوربا الغربية آخر طور من أطوار الروح القوطية في الفن: الورع الديني الذي لطفه المرح الدنيوي والأشكال المتينة في قاعدتها وتركيبها،

الغضة الرقيقة في تطويرها وزخرفتها. وحتى إيطاليا التي كانت معادية للفن القوطي، انضمت إلى أوربا الغربية في الاعتراف بتفوق الموسيقي الفلمنكية وسموها، وفي الاسترشاد بالفلاندرز في تحسين موسيقى فرق المرتلين الأسقفية، وفرق بلاط الأمراء. والف الإمبراطور مكسيمليان الأول، وقد سحرته موسيقى بروكسل، فرقة للمرتلين في فيينا، على نسق الفرق الفلمنكية، وأخذ شارل الخامس موسيقيين فلمنكيين إلى أسبانيا، وأخذ الأرشيدوق فرديناند نفراً منهم إلى النمسا، وأخذ كريستيان الثاني مجموعة أخرى منهم إلى الدنمرك. وقال كافللو البندقي "إن منبع الموسيقى في الأراضي المنخفضة"(8). وبهذه السيطرة الفلمنكية اجتازت الموسيقى الاحترافية الحدود الضيقة التي وضعتها القومية في ذاك العصر.
وقاد الطريق غليوم دوفاي، الذي ولد في هينوت Hainaut (1399) وتدرب كتلميذ منشد في كاتدرائية كمبراي، وسما بفرقتها إلى مراتب الشهرة العالمية. وكانت القداسات التي أنشدها هناك، تنشدها كل الأوساط الموسيقية في جميع أنحاء العالم المسيحي اللاتيني. وقد تبدو الألحان الباقية منها ثقيلة بطيئة في الآذان المرهفة الإحساس بخفة الحياة الحديثة وسرعتها، ولكنها ربما كانت صالحة في الكاتدرائيات الضخمة وفرق المنشدين البابوية المهيبة. وهناك أغنية أكثر التئاماً مع ذوقنا، وهي أغنية متعددة الأصوات تنساب أنغامها الحزينة انسياباً رقيقاً "ولى النهار" The Day is going to sleep وقد نتخيل فرقة بملابسها الرسمية تغني مثل هذه الأغنية في الأروقة القوطية في كمبراي، أو إيبر أو بروكسل أو بروجز أو غنت أو ديجون، ونحس أن العمارة والتصوير والملابس والموسيقى وآداب السلوك في ذاك العصر الحماسي الزاهي النابض بالحياة، شكلت جميعها كلاً متراكباً فنياً متسقاً، على حين أنها جميعها متنوعات تنتشر فيها فكرة رئيسية واحدة.


وتطورت أساليب درفاي وأذاعها في كل أنحاء أوربا أعظم معلمي الموسيقى أثراً، ربما في أي عصر من العصور، جوهانس أوكيجيم، الذي ولد في فلاندرز (1430)، وقضى معظم سني حياته يقدم الموسيقى ويعلمها في بلاط فرنسا. وكان يهيم شغفاً بمقطوعة اسمها "canon" وهي شكل من أشكال الفوجة، يشكل فيه الصوت (المغني) الأول الكلمات واللحن، ويتلوه بعض الفواصل، ثم يكرره الصوت الثاني، ويتلوه فاصل، ثم الصوت الثالث وهكذا، في طباق منساب، تحدي تعقيده المجهد المغنين، وسحر الملحنين، وقد هرع إليه هؤلاء وأولئك من كل أقطار العالم الكاثوليكي لينهلوا من فيض مهارته الفنية وينقلوها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وكتب مؤرخ قديم: "لقد نقل عن طريق تلاميذه إلى جميع الأقطار فن تعدد الأصوات الطباقي وشكل الفوجة سالف الذكر canon وينبغي أن يعتبر أوكيجم- لأن ذلك يمكن إثباته بالتسلسل "الأسلوبي"- يعتبر مؤسس كل المدارس ابتداء من مدرسته إلى مدارس العصر الحالي (9). ولكن مذ كتب هذا في 1833، فإن أوكيجم لا يعتبر مسئولاً عن موسيقى القرن العشرين، وعند وفاته 1495 ألف موسيقيو أوربا مقطوعات حزينة تخليداً لذكراه، وكتب له إرزم مرثية. إن الأسماء، حتى أسماء الخالدين، مكتوبة على الماء.
وأصبح تلاميذ أوكيجم زعماء الموسيقى في الجيل التالي، وقد قدم جوسكين دبريه من هينوت إلى باريس، وتتلمذ لعدة سنوات على أوكيجم، ثم اشتغل "رئيس فرقة الكنيسة" في فلورنسه وميلان وفيرارا، وكتب للدوق أركول الأول مقطوعة اسمها Miserere سرعان ما دوى صيتها في كل أوربا الغربية، وبعد سنوات ست قضاها في فرقة كنيسة سستين عاد إلى باريس (1494) ليعمل رئيساً لفرقة لويس الثاني عشر. ومن أنبل أعماله "الحزن على جوهانس أوكيجم" وهي رثاء لأستاذه المتوفى، وقد حذا


حذوه لبعض الوقت في تلحين القداسات والقصائد الدينية في شكل الفوجة التي أسلفنا ذكرها، وهو يجمع الصوت على الصوت، فيما يشبه المسائل الرياضية من حيث التتابع والاتساق. فلما اكتملت مهارته. واستتبت له السيادة في "فن الموسيقى" بلا منازع، ترك التقنية، وكتب قصائد وتراتيل دينية وأغنيات علمانية في طراز من الألحان أكثر بساطة، أعقبت فيه الموسيقى الكلمات وزينتها، بدلا من إرهاقها، في فوجة سريعة التغير، أو بدلاً من مد المقطع إلى أغنية، ولما قضى المعلم وتلميذه نحبهما، اصبح من العادة أن يسمى أوكيجم "دوناتللو"، وأن يسمى دبريه "ميكل أنجيلو" الفن الموسيقي.
ورعى البلاط الفرنسي الموسيقى وشجعها باعتبارها زهرة الثروة والقوة، ولقد صورت سجادة قديمة يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 1500، وهي الآن محفوظة في متحف جوبلين في باريس، أربعا من السيدات وثلاثة من الشبان وراهباً أصلع، مجتمعين في بستان حول نافورة، وكان أحد الصبية يعزف على العود، وإحدى البنات على القيثار، وكانت سيدة وقورة تعزف على أرغن سهل الحمل، ولقد قصد الشعراء الفرنسيون أن تكون قصائدهم صالحة للغناء. وخصصت "أكاديمية القصر" لإحكام الاتحاد بين الموسيقى والشعر، وحتى في عصرنا هذا، لا يبدو الواحد منهما كاملاً بدون الآخر، وتفوق كليمنت جانكين- وهو أحد تلاميذ دبريه - في الأغاني الوصفية. ولا تزال أغنيته "أغنية القبرة" (1521) تصدح فوق عدة قارات.
وعكست الموسيقى الأسبانية تقوى الشعب وبسالته، لقد تراوح هذا الفن- بعد تهجينه وإخصابه بما دخل عليه مؤثرات عربية وإيطالية وبروفانسية وفرنسية وفلمنكية - تراوح بين القصائد الأندلسية الحزينة التي ينشدها صوت واحد (المونودية)، وللقداسات العظيمة المتعددة الأصوات بالأسلوب الفلمنكي. وسما واحد من أعظم ملحني القرن السادس عشر،

هو كريستوبال مورال بفن تعدد الأصوات إلى درجة عالية، ونقل فنه إلى تلميذه الأكثر شهرة توماس لويس دي فكتوريا. وسار كل في اتجاه مضاد، فأنتج التراث العربي الألحان الصالحة للعود، ولحن لويس دي ميلان ومجول دي فونللانا Miguel de Fuenllana للكمان، وعزف عليها أغنيات زاحمت الأغاني الألمانية في مداها وقوتها.
واستمر الموسيقيون الفلمنكيون يقتحمون إيطاليا حتى ظهر بالسترينا. واستقدم لورنزو دي مديتشي إلى فلورنسه هنريخ إيزاك بعد أن استوعب فن الطباق الموسيقي في الفلاندرز، ليعلم أبناء العظماء، ومكث هناك أربع سنوات، وألف موسيقى لأغاني لورنزو. ولما اقض مضجعه الغزو الفرنسي لإيطاليا، انتقل إلى خدمة مكسيمليان الأول في أنسبروك، حيث ساهم في تشكيل الأغنية الألمانية، وعاد إلى إيطاليا في عام 1502، وخصص له الإمبراطور ليو العاشر تلميذه السابق معاشاً، ووضعت قداساته وقصائده الدينية وأغانيه في مرتبة أعظم موسيقى العصر، وعلى الأخص ثمان وخمسين مقطوعة ذات أربعة أجزاء، لاحتفالات القداس طوال السنة الدينية.
وسما أورلاندو دي لاسو بالمدرسة الفلمنكية إلى الذروة، وضرب بتوفيقه في مهنته وحياته أروع الأمثال، لاتساع مجال الموسيقيين في عصر النهضة وارتفاع مستواهم الاجتماعي. وعندما كان تلميذاً في فرقة المنشدين في موطنه هينوت سحر سامعيه، إلى حد أن خطفه مرتين أولئك الذين تمنوا أن يستفيدوا من صوته، وأخيراً، وهو في سن الخامسة عشرة (1545؟)، سمح أبواه لفرديناند جونزاجا أن يصحبه معه إلى إيطاليا. وفي سن الرابعة والعشرين أصبح رئيس فرقة المنشدين في كنيسة سانت جون لاتيران في روما. وفي 1555 استقر به المقام في أنتورب، ونشر "أول كتاب في القصائد الغزلية الإيطالية"، وهي قصائد غنائية علمانية أضفى عليها كل

زخارف فن مزج الألحان الفلمنكي. وفي نفس العام أصدر مجموعة من أغان من أصل نابوليتاني (من مدينة نابلي) ومن الأغاني الفرنسية، وأربع قصائد دينية قصيرة، ولقد عكست هذه المجموعة التقلب المتسم بالحكمة في حياة دى لاسو، بين المتعة الدنيوية والقوة الشجية، وأنا لنجد لمحة عن بيئته في أنتورب في إهدابه إحدى قصائده إلى الكاردينال بول، وأخرى إلى الكاردينال جرانفيل هو الذي هيأ للملحن الشاب العمل في إدارة فرقة المنشدين للدوق في ميونخ (1556). وأحب أورلاندو بافاريا قدر حبه إيطاليا، واتخذ له زوجة من أحد البلدين، كما اتخذ اسمه من البلد الآخر، وعمل لدى أدواق بافاريا حتى الممات.
وضاعف أورلاندو السعيد، موزار القرن السادس عشر، الألحان الستمائة والستة والعشرين التي ألفها نظيره. ودرس سلم النغم في كل الأشكال الموسيقية السائدة، وأحرز في كل منها شهرة فائقة في كل أنحاء أوربا. وبدا أنه على نفس القدر من المعرفة والبراعة في غزليات الحب النقي، وأغاني الحب الطائش، وقداسات الورع الصوفي. وعين في 1563 رئيس فرقة المنشدين في الكنيسة، وألف آنذاك لألبرت الخامس لحناً موسيقياً لمزامير التوبة السبعة، وأعجب الدوق بهذه الموسيقى حتى أنه كلف الفنانين بتسجيلها على الورق "البرشمان" وزخرفتها بالمنمنمات، وتجليدها بجلد الماعز الأحمر الفاخر في مجلدين من القطع الكبير، محفوظين الآن ضمن أثمن مقتنيات مكتبة الدولة في مدينة ميونيخ المحبة للفنون.
واجتذبت أوربا كلها النجم الجديد. وعندما زار دي لاسو باريس (1571) عرض عليه شارل التاسع 1200 جنيه سنوياً (30.000 دولار؟) سنوياً، ليبقى عنده، فرفض، ولكنه أهدى شارل وكاترين دي مديتشي


كتاباً في الأغاني الفرنسية، يقول عنه برانتوم إنه من أعذب ما سمعت باريس، وقد روت إحدى الأغنيات مناقب العاصمة الفرنسية في حبها للعدالة والسلام- وكان هذا قبل مذبحة سانت برثلميو بعام واحد. ولما عاد دي لاسو إلى ميونيخ أهدى آل "uggers" مجموعة من القصائد اللاتينية القصيرة والغزليات الإيطالية والأغاني الألمانية والأغاني الفرنسية، إن هذا الملحن لم يكن صعلوكاً رومانتيكياً، بل كان خبيراً بأساليب الحياة في الدنيا. وفي عام 1574 سافر إلى رومه على نفقة الدوق البرت، وأهدى جريجوري الثالث عشر مجلداً من القداسات، وتسلم منه "وسام المهماز الذهبي" بل إن الله خص أعمال دي لاسو بأعظم التقدير، ذلك أنه في يوم عيد الجسد (1584) هبت عاصفة هوجاء هددت بإلغاء الموكب الديني الذي اعتاد اجتياز شوارع ميونيخ، وعندما عزمت فرقة المنشدين مقطوعة أورلاندو "تأمل وانظر كيف أن الله كريم"، انقطع المطر وأشرقت الشمس. وفي مثل هذا اليوم، فيما بعد، كانت تلك المقطوعة تعزف، لنضمن سماحة السموات.
وفي 1585 عندما كبرت سن دي لاسو، وثاب إلى التوبة، نشر "كتابه الخامس في الغزليات" الذي طبق فيه الشكل على الموضوعات الروحية، وهي من أعظم ألحانه إثارة للمشاعر. وبعد ذلك بخمس سنوات، التاث عقله وغاب عنه وعيه، فلم يعد بعرف زوجته. وكاد لا يتحدث في شيء إلا الموت، ويوم الحساب الأخير، وزيادة الراتب. وحظي بهذه الزيادة، ومات (1594) فائزاً ظافراً مخبولاً.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق