إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1275 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> أمراء موسكو 2 - أمراء موسكو


1275

قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> توحيد روسيا -> أمراء موسكو

2 - أمراء موسكو


ظلت موسكو مغمورة حتى عهد دانيال اسكندروفتش في أواخر القرن الثالث عشر, ووسعت رقعتها الداخلية حتى جعلت منها إمارة صغيرة, ويعزو الادراك التاريخي المتأخر (6) - نمو موسكو إلى موقعها على نهر موسكو الصالح للملاحة الذي كان متصلا عن طريق ممر بري قصير, بنهر الفولجا شرقاً، وأنهار أوكا والدون والدنيبر جنوبا و غرباً. وطمع يوري دانيال فتش بن دانيال أمير موسكو في الاستيلاء على إمارة سوزدال المجاورة،


وكانت عاصمتها فلاديمير غنية نسبياً، كما طمع في ذلك ميكائيل أمير تفر Tver. واقتتل الفريقان للحصول على الجائزة فكانت الغلبة لموسكو، وقتل ميكائيل وضم إلى قائمة القديسين. ونمت موسكو، واتخذ إيفان الأول، أخر يوري لقبي أمير موسكو العظيم، ودوق فلاديمير العظيم.
وكان إيفان الأول، بوصفه جامعاً للجزية الروسية لحساب خان التتار، يتقاضى أكثر مما كان يرسله أو يحوله، ومن ثم أثرى وازدهر بطريقة شريرة مؤذية. وجعله جشعة للمال ينبز بلقب "Kalita" ومعناه "حقيبة المال". ولكنه بذلك حمى الامارات من حملات التتار لمدة ثلاث عشرة سنة نعمت فيها بالهدوء. وتوفي إيفان سنة 1341 على أنه راهب حليق شعر الرأس، وأطلقوا من حوله بخور القداسة. وورث عنه ابنه سيميون المتكبر ميله إلى جمع الضرائب. ولما كان يدعى السلطان على كل الولايات فإنه أطلق على نفسه اسم الأمير الأعظم على كل الروس، ولكن هذا لم يحل بينه وبين الموت بالطاعون (1353)، وكان إيفان الثاني حاكماً وديعاً يؤثر السلام، وفي عهده اجتاحت روسيا حرب قتل فيها الأخ أخاه. وتميز ابنه ديمتري بكل الصفات التي تتطلبها الحرب والقتال، فهزم كل منافس له وتحدى خان التتار. وفي 1380 جميع ماماي خان جيشاً من التتار والمرتزقة الجنوبيين وغيرهم من المتعطلين المتشردين، وتقدم به نحو موسكو. وقابل ديمتري وحلفاؤه الروس هذا الجحفل عند كوليكوفو Kulikovo قرب نهر الدون وأنزلوا به الهزيمة (1380)، وفاز بلقب دونسكوى Donskoi وعاود التتار الكرة بعد عامين بمائة ألف رجل، ولكن الروس، وقد غرتهم وأرهقتهم نشوة النصر، لم يستطيعوا أن يواجهوا التتار بقوة مماثلة. واستولى التتار على موسكو، وذبحوا أربعة عشرة ألفاً من السكان وأحرقوا المدينة برمتها. وعقد فاسيلى الأول، ابن ديمتري، صلحاً مع التتار، وضم نجنى نفجرد، وأرغم نوفجورود وفياتكا على قبوله أميراً عليها.

واقتبس أمراء موسكو العظام أساليب الطغيان والاستبداد عند التتار، وربما كان هذا بديلا عن فوضى الجهل، وأدارت دفة الحكم على الأسلوب البيزنطي بيروقراطية في ظل حكومة فردية مطلقة طابعها العنف والدهاء، خاضعة لمجلس من أبناء الطبقة العليا ذوى الامتيازات (Boyars) الذين كانوا يقدمون مشورتهم وخدماتهم للأمير، وكانوا في نفس الوقت قادة الجيش وحكام الأقاليم والقائمين على التنظيم، والحماة والمستغلين للفلاحين شبه الأحرار الذين كانوا يفلحون الأرض. وهاجر مستعمرون مغامرون الى الأقاليم غير المستقرة وجففوا المستنقعات وأخصبوا الأرض بحرق الغابات والأدغال واستهلكوا الأرض نتيجة اسرافهم وقصر نظرهم في فلحها، ثم انصرفوا عنها ضرباً في الأرض حتى وصلوا البحر الأبيض وجبال الأورال، واتخذوا سبيلهم سرباً إلى سيبريا، وفي السهول المترامية الأطراف بلا نهاية كانت المدن كثيرة ولكنها صغيرة، وكانت البيوت مبنية من الخشب والطين، وكان مقدراً لها أن تحترق وتنقض على مدى عشرين سنة على الأكثر. وكانت الطرق غير معبدة وأقل إزعاجاً في الشتاء حيث كانت تكسوها الثلوج وتملؤها الزحافات والأحذية العالية. وآثر التجار الأنهار على الطرق، ونقلوا تجارتهم في بطئ على الماء أو الجليد بين الشمال والجنوب، مع بيزنطة والمسلمين وعصبة الهانسا (وقد تكونت من بعض المدن الحرة في شمال ألمانيا والدول المجاورة، تكونت في العصور الوسطى بقصد التجارة). وربما كانت هذه التجارة المنتشرة هي التي تغلبت على النزعة الفردية لدى الأمراء وفرضت توحيد روسيا. وكان فاسيلى الثاني (1425-1462) الملقب باسم تمنى Temny - الأعمى- لأن أعداءه فقأوا عينيه - هو الذي قضى على تمرد العصاة وألزمهم الطاعة، عن طريق التعذيب وبتر الأطراف والجلد، وترك لابنه روسيا قوية إلى درجة تضع معها نهاية لمخازي حكم التتار.

وصار إيفان الثالث هو (العظيم)، لأنه هو الذي أنجز هذه المهمة، ووحد روسيا. لقد خلق للشدائد، وكان مجرداً من المبادئ الخلقية، لا يتورع عن شىء، حاد الذهن ماكراً حذراً عنيداً قاسياً، وكان يقود جيوشه إلى النصر على مسافات بعيدة، وهو مستقر في مكانه في الكرملين، وكان يعاقب على العصيان أو العجز والقصور عقاباً وحشياً، بأن يعذب أو يضرب بالسياط أو يبتر أطراف حتى أعضاء المجلس، أو يقطع رأس طبيب أخفق في علاج ابنه، وهكذا بمثل هذه الصرامة كان يسيطر على حاشيته، حتى أن النساء ليغمى عليهن لمجرد نظرة منه. وأطلقت عليه روسيا اسم "الرهيب" حتى التقت بحفيده.
وكانت إمارة نفجرد أيسر فتوحاته، وكان ينظر في تطلع جشع إلى هذه السوق المزدهرة الخاضعة للضريبة، ولقد حرضه تجار موسكو على القضاء على منافسيهم في الشمال (7). وسيطر الأمير العظيم على السهول الممتدة بين موسكو ونفجرد، حيث كانت الجمهورية التجارية تشتري المواد الغذائية اللازمة لها وتبيع بضاعتها، ولم يكن على إيفان إلا أن يغلق هذا المخزن المورد للحبوب وتلك السوق، لكى تقع المدينة الدولة في ضائقة وتفلس، أو تخضع وتستسلم. وبعد ثمان سنوات توالت فيها الحرب والهدنة، تنازلت الجمهورية عن استقلالها (1478) ونقل 7000 من صفوة سكانها إلى سوزدال، وطردت عصبة الهانسا، وورث تجار موسكو أسواق نفجرد، وورث أميرهم دخلها.
وما أن ضم إيفان مستعمرات الجمهورية المندثرة حتى بسط حكمه على فنلندة والمنطقة المتجمدة والأورال. وخضعت بسكوف في الوقت المناسب حفاظاً على الأشكال الجمهورية فيها تحت سيادة الأمير العظيم. وتلمست تفر أسباب الحماية عن طريق التحالف مع لتوانيا، ولكن إيفان سار إلى المدينة بنفسه واستولى عليها دون أن يضرب ضربة واحدة، وتبعتها روستوف Rostov

واياروسلافل laroslavl. ولما مات أخوة إيفان رفض أن تؤول مخصصاتهم إلى ورثتهم، وضمها الى ممتلكاته، وانحاز أخ له - أندريه - إلى لتوانيا فقبض عليه واعتقله، ومات أندريه في السجن، فبكى إيفان، ولكنه صادر أملاكه. إن السياسة لا قلب لها.
وبدا أن التحرر من ربقة التتار مستحيل، ولكن ثبت أنه أمر يسير . ذلك أن بقايا الغزاة المغول - الأتراك كانوا قد استقروا في ثلاث جماعات متنافسة متنافرة، وتركزوا في سراى Sarai وقازان Kazan وفي القرم، وكان إيفان يضرب كلا منها بالأخرى حتى وثق أنها لن تتحد ضده. وفي 1480 امتنع إيفان عن دفع الجزية، وقاد خان أحمد جيشاً كبيراً من الفولجا حتى ضفاف نهري أوكا وأوجرا جنوب موسكو. وقاد إيفان جيشاً قوامه 150.000 رجل إلى الضفاف المقابلة، وواجه العدوان بعضهما بعضاً لعدة شهور دون أن تقع بينهما معركة. وتردد إيفان في أن يغامر بعرشه وحياته في رمية واحدة، كما خشى التتار مدفعيته التي أدخل عليها تحسينات. ولما تجمدت الأنهار، ولم تعد تحمى الجيوش بعضها من بعض، أصدر إيفان أوامره بالانسحاب، وبدلا من تعقب الجيش المنسحب، انسحب التتار كذلك، حتى وصلوا إلى سراى (1480)، وكان انتصاراً هائلاً ولكنه مضحك، ومنذ ذلك الحين لم تدفع موسكو جزية إلى التتار. وسمى الأمير العظيم نفسه الحاكم المطلق، أى الذي لا يدفع الجزية لأحد. واستدرج الخانات المتنافسون إلى محاربة بعضهم بعضاً، وهزم أحمد وذبح، وانقضى سلطان المغول في سراى، واندثرت "القبيلة الذهبية".
وبقيت لتوانيا. ولم يطق الأمير العظيم ولا مطران موسكو الصبر على السلام، ما دامت أواكرانيا وكييف وروسيا الغربية تحتفظ بقوة تهدد موسكو دوما، وتدعو الأرثوذكس إلى المسيحية اللاتينية. وزعم إيفان أن ثمة مؤامرة لاغتياله، واتخذ من ذلك ذريعة لشن حرب مقدسة لتخليص



المديريات المغرر بها (1492). فما كان من أمراء لتوانيا الذين استشعروا القلق في ظل اتحاد الرومان الكاثوليك البولندي إلا أن فتحوا أبوابهم أمام جيوش إيفان. وتوقف الاسكندر أمير لتوانيا العظيم في فدروشا Vedrosha وهزم (1500). ورتب البابا الاسكندر السادس هدنة لمدة ست سنوات. وفي نفس الوقت احتفظت موسكو بالأقاليم التي كسبتها - إلى الغرب من نهر سوز Sozch بما في ذلك شر نيجوف Chernigov حتى سمولنسك تقريباً وكان إيفان الثالث قد بلغ آنذاك الثالثة والستين فترك تخليص البقية لحفدته.
إن حكم إيفان الذي دام ثلاثا وأربعين سنة يعدل في أهميته أى حكم آخر في تاريخ روسيا قبل القرن العشرين. وسواء كان مدفوعاً بشهوة المال وحسب السيطرة أو بإيمانه الراسخ بأن أمن الروس وازهارهم يتطلبان توحيد روسيا، فإن إيفان الثالث حقق لبلده ما كان يؤيده لويس الحادى عشر لفرنسا، وهنري السابع لانجلترا، وفرديناند وايزابلا، لأسبانيا، والاسكندر السادس للولايات البابوية، ولقد كشف تزامن هذه الأحداث عن تقدم القومية والملكية، الأمر الذي قضى على سلطان البابوية الأسمى فوق الأمم والقوميات. وفقد أبناء الطبقة العليا استقلالهم، وأرسلت الامارات الجزية إلى موسكو، واتخذ إيفان لقب "ملك روسيا بأسرها". ويحتمل أن زوجته الاغريقية أوصته بأن يتخذ كذلك لقب "قيصر"، وهو لقب روماني إغريقي. ولقد اتخذ النسر الامبراطوري المزدوج شعاراً قومياً، وادعى وراثة السلطة السياسية والدينية لبيزنطة الغابرة، واقتبست من بيزنطة نظريات الحكومة وأعيادها ومراسمها، وكذلك فعلت الكنيسة، بوصفها من أدوات الدولة، بعد أن دخلت إلى روسيا المسيحية البيزنطية والأبجدية البيزنطية الاغريقية وأشكال الفن البيزنطي، وبقدر ما كانت بيزنطة شرقية لقربها من آسيا، فإن روسيا التي كانت قد اصطبغت بالصبغة الشرقية بسب حكم التتار لها، أصبحت من وجوه كثيرة مملكة شرقية مغايرة للغرب غريبة عنه غامضة لديه.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق