إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1229 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> التقدم البروتستانتي الفصل العشرون العقائد في حرب (1525 - 1560) 1- التقدم البروتستانتي 1525 - 1530





1229


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> العقائد في الحرب -> التقدم البروتستانتي

الفصل العشرون


العقائد في حرب


(1525 - 1560)


1- التقدم البروتستانتي


1525 - 1530


أي تحالف بين القوى والظروف مكن للبروتستانتية الوليدة من أن تعيش في مواجهة عداء البابوية والإمبراطوريّة؟ إن الورع الصوفي والدراسات الإنجيلية والإصلاح الديني والتطور الفكري وجرأة لوثر لم تكن كافية، فقد كان من الممكن أن يصرف عنها النظر أو تتم السيطرة عليها. ولعل العوامل الاقتصادية هي التي كانت حاسمة: الرغبة في الحفاظ على الثورة في ألمانيا، والرغبة في تحرير ألمانيا من السيطرة البابوية والاستبداد الإيطالي، وتحويل أملاك الكنيسة بحيث تستخدم للوفاء بالأغراض الدنيوية، ودرء الاعتداءات الإمبراطوريّة إلى السلطة الإقليمية والقضائية والمالية للأمراء والمُدن والحكومات. أضف إلى هذا بعض الظروف السياسية التي سمحت بنجاح البروتستانت، فبعد أن فتحت الإمبراطوريّة العثمانية القسطنطينية ومصر، أخذت في مد رقعتها بدرجة خطرة في بلاد البلقان وأفريقيا. وابتلعت نصف هنغاريا، وحاصرت فيينا، وهددت بإغلاق البحر الأبيض المتوسط في وجه تجارة العالم المسيحي، وأصبح شارل الخامس والأرشيدوق فرديناند في حاجة ماسة إلى توحيد ألمانيا والنمسا - أموالاً ورجالاً من البروتستانت والكاثوليك على السواء - لمقاومي هذا التهديد الاسلامي، الذي يوشك أن يكتسح أمامه كل شيء. وكان الإمبراطور عادة مشغولاً بشئون أسبانيا أو

الفلاندرز أو إيطاليا، أو منهمكاً في صراع مميت مع فرانسس الأول ملك فرنسا، ولم يكن لديه متسع من الوقت أو فائض من الأموال لشن حرب أهلية في ألمانيا. واتفق في الرأي مع أرازموس، الذي كان يحصل منه على معاش، في أن الكنيسة في حاجة ماسة إلى الإصلاح، وكان في فترات متقطعة على خلاف مع كليمنت السابع وبول الثالث، حتى فيما يختص بالسماح لجيشه بنهب روما. ولم يستطع الإمبراطور والبابا محاربة الثورة الدينية باقتدار، إلا عندما أصبحا صديقين.
أن حل عام 1527 حتى كانت "الهرطقة اللوثرية" قد أصبحت مذهباً للمحافظين في نصف ألمانيا، ووجدت المُدن أن البروتستانتية تعود عليها بالفائدة وقال ميلانكتون في أسى "إنهم لا يبالون، ولو قليلاً، بالدين، وهم لا يتطلعون إلا إلى وضع الأملاك بين أيديهم، وأن يتحرروا من أشراف الأساقفة"(1). ونجوا بتغيير طفيف للمسوح الدينية من الضرائب والمحاكم. واستطاعوا أن ينزعوا أجزاء لا بأس بها من أملاك الكنيسة(2)، ومع ذلك يبدو أن رغبة صادقة في دين يتميز بالبساطة والإخلاص، قد أثارت الكثير من المواطنين. ففي ماجديبرج اجتمع عدد من أعضاء أبرشية سانت أولريخ في فناء الكنيسة، واختاروا ثمانية رجال، ولكي ينتخبوا بدورهم الواعظ، وليديروا شئون الكنيسة (1524) وسرعان ما كانت كل الكنائس في المدينة تناول العشاء الرباني بالطريقة اللوثرية. وكانت أوجسبورج شديدة الحماسة للبروتستانتية، إلى حد أن العامة لقبوا كامبيجيو، عندما وصل هناك بصفته قاصداً رسولياً للبابا، بأنه خصم للمسيح (1524). وتقبل معظم أهالي ستراسبورج اللاهوت الجديد من ولفجانج فابريسيوس كابيتو (1523)، وحمل ماتن بوسر الذي خلفه هناك في أولم على اعتناق الدين الجديد أيضاً. وفي نورمبرج كسب كبار رجال الأعمال أمثال لازاروس شبينجلر وهيرونيموس باومجيرتنر، مجلس المدينة إلى

صف العقيدة اللوثرية (1526)، وحولت كنيسة زيبالدوس وكنيسة مورنز الشعائر التي تقام فيهما لتكون وفق هذه العقيدة، بينما احتفظنا بفنهما الكاثوليكي. وانتشرت مؤلفات لوثر انتشاراً واسعاً في برونزفيك، ورتلت أناشيده علناً، ودرست نسخته عن العهد الجديد عن اهتمام وجد، حتى أن المصلين قاموا بتصحيح خطأ وقع فيه قسيس، وهو يستشهد بفقرات منها، وفي نهاية الأمر أصدر مجلس المدينة أمراً إلى كل رجال الدين بألا يرددوا في عظاتهم إلا ما وجد في نصوص الكتب المقدسة، وأن يقوموا بمراسيم العماد باللغة الألمانية وأن يناولوا القربان المقدس بكلا الشكلين (1528). وما أن حل عام 1530 حتى كان المذهب الجديد قد كسب إلى صفه هامبورج وبريمن وروستوك ولوبيك وسترالزوند ودانزج ودوربات وريجا وريفال وكل المُدن الإمبراطوريّة في سوابيا تقريباً، وشبت ثورات لتحطيم الأصنام في أوجسبورج وهامبورج وبرونزفيك وسترالزوند. ولعل جانباً من هذا العنف كان رد فعل لاستخدام رجال الدين للتماثيل والصور الزيتية، لغرض أساطير مضحكة، تعود عليهم بالربح، في عقول الناس.
وليس من شك قي أن الأمراء الذين تبنوا باغتباط القانون الروماني، الذي يجعل الحاكم الزمني قادراً على الكثير باعتباره مفوضاً من "الشعب صاحب السيادة"، قد رأوا في البروتستانتية ديناً لا يرفع من شأن الدولة فحسب، بل جعلها تمتثل لأوامرها أيضاً، وأصبح في وسعهم وقتذاك أن يكونوا سادة روحيين وزمنيين على السواء، ويمكن أن يديروا الكنيسة بأسرها أو يستمتعوا بها. وقبل جون الحازم الذي خلف فريدريك الحكيم كأمير مختار لساكسونيا (1525) أن يعتنق بصفة نهائية العقيدة اللوثرية، وهو ما لم يفعله فريدريك قط، وحينما مات جون (1532) فإن ابنه جون فريدريك أبقى البروتستانتية موطدة في سكسونيا الانتخابية، وكون فيليب الشهم لاندجراف هس مع جون حلف جوثا وتورجا لحماية اللوثرية
ونشرها، وانخرط في سلك اللوثرية أمراء آخرون: أرنست اللونيبرجي، وأوتو وفرانسس أمير برونزفيك لونيبرج، وهنري أمير ميكلينبورج وأولريخ أمير فريتتيمبرج. واستمع ألبرت، البروسي كبير رهبان دير الفرسان التيوتونيين، إلى نصيحة لوثر، وتخلى عن عهوده الرهبانية، وتزوج وخصص الأراضي التي تملكها طائفته للأغراض الدنيوية، ونصب نفسه دوقاً على بروسيا (1525). ورأى لوثر نفسه، فيما يبدو، بقوة شخصيته وفصاحته فحسب، يكسب إلى صفه نصف ألمانيا.
ولما كان الكثيرون من الرهبان والراهبات يتركون أديرتهم وقتذاك، وبدا أن الجمهور لا يريد أن يؤيد مَن بقى منهم، فإن الأمراء اللوثريين اضطهدوا كل الأديرة الواقعة في أقاليمهم، ولم يستثنوا إلا قلة كان نزلاؤها قد اعتنقوا العقيدة البورتستانتية، ووافق الأمراء على أن يتقاسموا الأملاك المصادرة والدخول مع النبلاء والمُدن وبعض الجامعات، ولكن هذا التعهد نقض في تراخ. وندد لوثر بتخصيص الثروة الكنسية لغير الأغراض الدينية أو التعليمية، وأدان استيلاء طبقة النبلاء المتسم بالتهور على مباني الكنيسة وأراضيها. وتم التنازل عن جانب متواضع من الغنائم للمدارس وللتفريج عن الفقراء، أما الباقي فقد احتفظ به الأمراء والنبلاء، وكتب ميلانكتون (1530) يقول: "تحت ستار الإنجيل كانت نية الأمراء متجهة إلى سلب الكنائس فحسب"(2). وأخذ التحول العظيم يسير قدماً إلى الأمام للخير أو للشر، لأغراض روحية أو مادية، واعتنقت مقاطعات بأكملها - أيست فريزلاند وسيليزيا وشليزفيج وهولستين - البروتستانتية بالإجماع تقريباً، ولا شيء يمكن أن يوضح مدى ما وصلت إليه الكاثوليكية المحتضرة خير من هذا. وحيثما بقي القساوسة استمروا في تأييدهم لاتخاذ حظايا(4)، ورفعوا عقائرهم بالصياح، مطالبين بالسماح لهم بالزواج الشرعي، كما يفعل رجال الدين من أتباع لوثر(5). وأبلغ الأرشيدوق فرديناند البابا بأن الرغبة في الزواج تكاد تكون عامة بين رجال الدين الكثالكة من غير الرهبان، وأنه لا يكاد يوجد واحد من بين كل مائة من القسس

لم يتزوج علناً أو سراً. وتوسل الأمراء الكاثوليك للبابا وأبلغوه أن إلغاء العزوبة المفروضة على رجال الدين قد أصبحت ضرورة أخلاقية(6). وشكا كاثوليكي مخلص (1524) من أن الأساقفة استمروا في إقامة الولائم الفخمة(7)، على الرغم من أن الثورة كانت تطرق أبوابهم. وكتب مؤرخ كاثوليكي، وهو يتحدث عن ألبرخت كبير أساقفة ماينز، يصف "الشقق الفاخرة الأثاث التي استغلها هذا الأمير الدنس من أمراء الكنيسة لمضاجعة عشيقته سراً"(8). ويقول نفس المؤرخ: "لقد اصبح كل إنسان يناصب القسس العداء، إلى حد أنهم يقابلون بالسخرية، ويتعرضون للمضايقات أينما ذهبوا"(9)، وكتب أرازاموس (31 يناير عام 1530) يقول: "إن الناس في كل مكان يؤيدون العقائد الجديدة"(10). ومهما يكن من أمر فقد كان هذا صحيحاً في شمال ألمانيا فقط، وحتى هناك أصر الدوق جوج أمير ساكسونيا والأمير المختار جواكيم البراندنبورجي على أن يظلا كاثوليكيين أما جنوب ألمانيا وغربها، اللذان كانا جزءاً من الإمبراطوريّة الرومانية القديمة، وتلقى أهلها شيئاً من الثقافة اللاتينية، فإنهما ظلا في معظم أجزائهما يدينان بالولاء للكنيسة، وآثر جنوبها الطرق المرحة الملونة التي تنحو نحو التساهل في المسائل الجنسية، والتي تميزت بها الكاثوليكية، وفضلتها على فلسفة الرواقية التي تقول بالجبر، وتسود في الشمال. وحافظ كبيرو الأساقفة المختارون الأقوياء في ماينز وترير وفي كولونيا (الى عام 1543) على أن تسود الكاثوليكية في بلادهم، وأنقذ البابا أرديان السادس بافاريا بمنح دوقاتها خمس دخل الكنيسة في ولاياتهم، لصرفه على شئونهم الدنيوية. وهدأت منحة مماثلة من دخول الكنيسة من سورة غضب فرديناند في النمسا.
ودخلت هنغاريا إلى المسرح بصورة جوهرية. وكان ارتقاء لويس الثاني للعرش قبل الأوان، وهو في العاشرة من عمره، ووفاته أيضاً في سن مبكرة، من العوامل التي أسهمت في تكوين المأساة الهنغارية. بل إن مولده حدث قبل الأوان وأنقذ الأطباء في ذلك العهد حياة الطفل الضعيف

بوضعه داخل الجثث الدافئة للحيوانات التي كانت تذبح، لتوفر له الحرارة. وترعرع لويس وأصبح شاباً وسيماً رقرق الفؤاد كريماً، ولكنه اعتاد التبذير وإقامة الولائم رغم موارده الهزيلة، وسط حاشية فاسدة تفتقر إلى الكفايات. وعندما أرسل السلطان سليمان سفيراً إلى بودا رفض النبلاء أن يستقبلوه، وطافوا به حول البلد وجدعوا أنفه، وصلموا أذنه، وأعادوه إلى سيده(11). فما كان من السلطان الحانق إلا أن غزا هنغاريا، واستولى على معقلين من أعظم معاقلها حيوية، وهما ساباكس وبلغراد (1521). وبعد تمهل طويل ووسط خيانة نبلائه وجبنهم جهز لويس جيشاً قوامه 25.000 من الرجال، وزحف في بطولة متهورة ليواجه 100.000 تركي في ميدان قرب موهاكس (30 أغسطس 1526). وقتل الهنغاريون عن بكرة أبيهم تقريباً. وغرق لويس نفسه، بعد أن كبا به جواده، وهو يحاول الفرار. ودخل سليمان مدينة بودا منتصراً ونهب جيشه العاصمة الجميلة وأحرقها، ودمر كل مبانيها العظيمة ما عدا القصر الملكي، وأشعل النيران في الجانب الأكبر من مكتبة ماتياس كورنفينوس الثمينة.
وانتشر الجيش المنتصر في النصف الشرقي من هنغاريا، وأخذ يحرق وينهب، واستاق سليمان 100.000 أسير مسيحي إلى القسطنطينية.
وانقسم الأقطاب، الذين بقوا على قيد الحياة، فرقاً وأحزاباً، يناصب بعضها بعضاً العداء، ورأت جماعة أن المقاومة مستحيلة، فاختارت جون زابوليا ملكاً وخولته سلطة توقيع معاهدة استسلام، وسمح له سليمان أن يحكم في بودا، باعتباره تابعاص له، أما النصف الشرقي من هنغاريا فقد ظل في الواقع نحت سيطرة الأتراك حتى عام 1686. واتخذ حزب آخر مع النبلاء في بوهيميا لمنح فرديناند تاج كل من هنغاريا وبوهيميا، وذلك بأمل ضمان الحصول على مساعدة الإمبراطوريّة الرومانية المقدسة وأسرة هابسبورج القوية. وعندما عاود سليمان الهجوم (1529)، وسار 135 ميلاً من

بودا على طول نهر الدانوب إلى أبواب فينا دافع فرديناند بنجاح عن عاصمته، ولكن في خلال هذه السنوات الحرجة كان شارل الخامس قد أكره على مهادنة البروتستانت، حتى لا تسقط أوربا كلها في أيدي الاسلام، وليس من شك في أن تقدم الأتراك غرباً قد وفر الحماية للبروتستانتية حتى أن فيليب الهسي كان يطرب لانتصارات الأتراك. وعندما فشل سليمان في اقتحام فينا عاد إلى القسطنطينة، وبذلك أصبح الكثالكة والبروتستانت أحراراً ليدخلوا من جديد في صراع من أجل روح ألمانيا.



يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق