إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1322 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض 3- ماجلان وكشف الأرض



1322


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> ماوراء الستار -> العلم في عصر كوبرنيق -> ماجلان وكشف الأرض

3- ماجلان وكشف الأرض


تقدم ارتياد الأرض بخطى أسرع من رسم خريطة السماء، وكان لهذا التقدم تقريباً نفس التأثيرات المزعجة على الدين والفلسفة. أما الجيولوجيا فكانت أقل من غيرها تقدماً، لأن نظرية الخلق كما وردت في الكتاب المقدس أصبحت في مأمن من الشك بفضل الإيمان بمصدرها الإلهي. قال المصلح الإيطالي-الإنجليزي بيتر مارتر فرميلي "لو شاع

بين الناس رأي خاطئ عن الخليقة كما وردت في سفر التكوين لبطلت كل وعود المسيح وفقد ديننا حياته كلها"(49). وأهم كتب الجيولوجيا التي صدرت في النصف الأول من القرن السادس عشر كتاب ألفه جروج أجريكولا (هذا فضلاً عن آراء ليوناردو المبعثرة هنا وهناك). تأمل هذه الفقرة من كتابه De ortu et causis subterranoerum (بال 1546) عن منشأ الجبال: "تتكون التلال والجبال بفعل قوتين، إحداهما قوة المياه، والأخرى قوة الرياح، ويجب أن نضيف إليهما النار التي في باطن الأرض... ذلك أن السيول تجرف أولاً التربة اللينة، ثم تحمل التربة الأكثر صلابة، ثم تدحرج الصخور، وهكذا تحفر السهول أو السفوح في بضع سنوات و... ونتيجة لهذا الحفر في عصور كثيرة يتكون مرتفع ضخم... هو الأنهار... والأنهار تحدث نفس النتيجة باندفاعها وجرفها، ولذا كثيراً ما ترى جارية بين جبال شامخة كونتها هذه الأنهار، أو بقرب الساحل الذي يحفها... وتكون الرياح تلالاً وجبالاً بطريقتين... إما بتحريك الرمال وإثارتها بعنف، وإما بكفاحها للخروج بقوة.... بعد أن تكون قد دفعت إلى شقوق الأرض الخفية"(50).
أما كتاب أجريكولا De natura fossilium، (1546) فأول بحث منسق عن علم المعادن، ويحتوي مقاله De metallica على أول بحث نسقي عن علم الطبقات، وفيه كما رأينا أول تعليل للرواسب المعدنية.
أما الأثنوغرافيا (علم نشوء الأعراق) فقد أتحفتنا بكتابين كبيرين: أولهما Cosmographia universalis (1544)، لسباستيان مونستر، وثانيهما Descriptio Africa، (1550) لليو الأفريقي Leo Africanus. كان الحسن بن محمد الوزان مسلماً من غرناطة، وقد تنقل في أرجاء أفريقيا ووصل جنوباً إلى السودان


يحدوه ولع شديد بالأسفار كولع ابن بطوطة. وقد أسره القراصنة المسيحيين وبعثوا به إلى روما هدية للبابا ليو العاشر الذي أعتقه ورتب له معاشاً بعد أن أعجب بما حصله من علم وثقافة. واستجاب لهذا العطف باعتناقه المسيحية واتخاذ "ليو" اسماً له. ثم أنفق الثلاثين السنة التالية في تأليف كتابه هذا بالعربية أولاً ثم بالإيطالية. وقبل الفراغ من طبعه الكتاب عاد إلى تونس، وهناك مات عام 1552 على دين آبائه فيما يبدو.(51)
وكان العصر مثيراً بالنسبة للجغرافيا. فقد جاءت الأنباء والتقارير تتري، من المبشرين والفاتحين الأسبان والملاحين والرحالة، مضيفة إضافات هائلة إلى معرفة أوربا بالكرة الأرضية. وكان الأسبان الذين فتحوا المكسيك وكاليفورنيا وأمريكا الوسطى وبيرو في هذه الفترة مغامرين وطلاب ثراء أولاً، سئموا الفقر والحياة الرتيبة في وطنهم، واقتحموا المخاطر في تلك الأقطار النائية الغريبة. وفي غمرة الشدائد التي عانوها في مغامراتهم المستهترة نسوا قيود الحضارة، واعتنقوا بصراحة أخلاقيات المدافع المتفوقة، واقترنوا عملاً من أعمال السطو والغدر والقتل لا يغتفر، إلا أن يرى طرف ذو مصلحة أن نتيجته النهائية كانت كسباً للحضارة. ومع ذلك فما من شك في أن المغلوبين كانوا في ذلك الوقت أعظم تحضراً من الغالبين الفعليين. وحسبك أن تتأمل حضارة ألمانيا التي وجدها هرنانديز القرطبي في يوكاتان (1517)، وإمبراطورية المونتزوميين الأزتيكية التي غزاها هرناندو كورتيز (1521)، وحضارة الإنكا الاشتراكية التي دمرت إبان فتح فرانشسكو بيزارو لبيرو (1526-32). ولا ندري أي صور نبيلة أو خسيسة كانت هذه الحضارات متطورة إليها لو أتيح لها سلاح تدافع به عن نفسها.

ومضى الكشف الجغرافي المثير قدماً. فارتاد سبستيان كابوت تحت الراية الأسبانية الأرجنتين وأورجواي وبراجواي. واخترق دي سوتو فلوريدا وولايات الخليج حتى بلغ أوكلاهوما. واكتشف بدرو دي الفرادو إمبراطورية تكساس، واخترق فرانشسكو دي كورنادو أريزونا وأوكلاهوما حتى بلغ كانزاس. وبدأت مناجم بوتوزي في بوليفيا تبعث بفضتها إلى أسبانيا (1545)، وكانت خريطة العالم الجديد ترسم سنة بعد سنة بالذهب والفضة والدم. وتخلف الإنجليز والفرنسيون في هذه القارة الكبرى لأن أرجاء أمريكا الشمالية التي تركها لهم الأسبان والبرتغال كانت فقيرة في معادنها النفيسة، وعرة في غاباتها. وأبحر جوت رت بحذاء ساحل نيوفوندلند ومين. وبعث فرانسوا الأول بجوفاني دا فيرانانو ليبحث عن مسلك شمالي غربي إلى آسيا، فرساً على كارولينا الشمالية، ودخل ميناء نيويورك (التي تذكره بتمثال عند بطاريتها)، ودار حول رأس كود حتى وصل مين. وأبحر جاك كارتييه وهو يرفع على فرنسا مصعداً في السانت لورنس حتى بلغ مونتريال، مدعماً بذلك دعوى فرنسا بحقها في امتلاك كندا.
على أن أعظم المغامرات إثارة في هذا الجيل الثاني من أجيال الارتياد فيما وراء المحيط هي الدوران حول الكرة الأرضية. كان فرناو دي ماجالايس برتغالياً قد شارك بنشاط في كثير من الرحلات والغزوات البرتغالية، ولكنه انتقل إلى خدمة أسبانيا بعد أن غضبت عليه حكومته، وفي عام 1518 أقنع شارل الأول (الخامس) بأن يمول بعثة تبحث عن ممر جنوبي غربي آسيا. ولم يكن الملك الشاب قد أصاب يومها ما أصاب من ثراء بعد هذا، لذلك كانت السفن الخمس التي أعطاها لماجلان عتيقة بالية حتى أن أحد القباطنة


حكم بعد صلاحيتها للملاحة. وكانت حمولة أكبرها 120 وطناً، وأصغرها 75 طناً. وعاف الملاحون الخبيرون بالبحر التطوع بين بحارة هذه المراكب، واقتضى الأمر اختيار معظم بحارتها من بين حثالة أهل الساحل. وفي 20 سبتمبر 1519 أقلع الأسطول من نهر الوادي الكبير عند سان لوكار. وكان يتمتع بميزة الإبحار من الصيف في الأطلنطي الشمالي إلى الصيف في الأطلنطي الجنوبي، ولكن الشتاء أدركه في مارس 1520، فألقت المراكب مراسيها، وأنفق الملاحون خمسة شهور مملة في بتاجونيا. أما الوطنيون العمالقة الذين زاد طول الواحد منهم في المتوسط على ستة أقدام فقد أبدوا نحو الأسبان القصار القامة بالقياس لهم وداً فيه تلطف وتنازل، ولكن كثرة المشاق واستمرارها حملا بحارة ثلاث من السفن الخمس على التمرد، وأكره ماجلان على مقاتلة رجاله ليجبرهم على المضي في هذه المغامرة. على أن سفينة منها تسللت عائدة إلى أسبانيا، وتحطمت أخرى على حاجز صخري. وفي أغسطس 1520 استؤنفت الرحلة، وكان ماجلان يستطلع كل خليج يمر به عسى أن يكون مصباً لطريق مائي وراء المحيط. وفي 28 نوفمبر تكلل البحث بالنجاح، ودخل الأسطول الذي تناقص عدد سفنه المضايق التي تحمل اسم ماجلان. وهكذا استغرقت رحلة 320 ميلاً من البحر إلى البحر ثلاثة وثمانين يوماً.
ثم بدأ الأسطول عبوراً كئيباً موحشاً للمحيط الهادي الذي لم تبد له نهاية. ولم يقع نظر الملاحين خلال ثمانية وتسعين يوماً إلا على جزيرتين صغيرتين. وتناقصت المؤن بشكل خطر، وأصيب الملاحون بالإسقربوط. وفي 6 مارس 1521 مست السفن ساحل جوام، ولكن عداء الوطنيين حمل ماجلان ورجاله على مواصلة الإبحار. وفي 6 أبريل وصلوا إلى الفلبين، وفي اليوم السابع رسوا على جزيرة


كيبو. ورغبة في ضمان الحصول على المؤن من الجزيرة اتفق ماجلان مع الحاكم المحلي على أن يساعده في حربه مع أعدائه المجاورين. فشارك في حملة على جزيرة ماكتان، وقتل في المعركة التي دارت هناك في 27 أبريل 1521. وهكذا لم يدر ماجلان حول الأرض، ولكنه كان أول من حقق حلم كولومبس في الوصول إلى آسيا بالإبحار غرباً(52).
كان عدد الملاحين قد هبط الآن بعد موت من مات منهم بحيث لم يكف إلا لتزويد سفينتين فقط بالرجال. أما إحدى السفينتين فقد قفلت عائدة عبر المحيط الهادي، ربما سعياً وراء الذهب الأمريكي. ولم يبق من سفن الأسطول غير "فكتوريا". واضطلع بقيادتها جوان سبستيان ديلكانو، فقاد السفينة الصغيرة التي لم تزد حمولتها على خمسة وثمانين طناً مخترقاً جزر البهار، عابراً المحيط الهندي، دائراً حول رأس الرجاء الصالح، مصعداً في ساحل أفريقيا الغربي. وأرسى الملاحون السفينة تجاه إحدى جزر الرأس الأخضر وهم يتحرقون شوقاً للزاد والمئونة، ولكن البرتغاليين هاجموهم، وأودع السجن نصفهم. وأفلح الباقون وعددهم اثنان وعشرون في الهروب. وفي 8 سبتمبر 1522 بلغت السفينة فكتوريا إشبيلية وهي لا تحمل سوى ثمانية عشر رجلاً (والباقون من أهل الملايو) هم كل من بقي من 280 رجلاً أقلعوا من أسبانيا قبل ثلاث سنوات تقريباً. وسجلت يومية السفينة هذا التاريخ باعتباره 7 سبتمبر. وعلل الكاردينال جاسبارو كونتاريني الفرق باتجاه الرحلة الغربي. لقد كانت المغامرة من أجرأ المغامرات في التاريخ، ومن أحفلها بالثمار للجغرافيا.
وبقي على الجغرافيين واجب اللحاق بالرواد. وقد يسر لهم جيامياتستا راموزيو- وهو ها كلويت الإيطالي- هذه المهمة بجمعه

خلال ثلاثين عاماً القصص والأخبار التي جلبها الرحالة وغيرهم من المسافرين، وقد ترجمها وعلق عليها، ثم نشرت في ثلاثة مجلدات (1550-59) بعد موته بثلاثة عشر عاماً. ويظهر التقدم الذي حققه الجغرافيون في عشر سنوات إذا قارنا بين الكرة الأرضية كما رسمت عام 1520، المحفوظة بالمتحف القومي الألماني في نورمبرج، والتي تبدو فيها جزر الهند الغربية دون أثر لقارة أمريكية، ثم تقفز هذه الجزر فوق محيط ضيق إلى آسيا، وبين ثلاث خرائط رسمها (1527-29) ديوجو ريبيرو، وقد ظهرت فيها شواطئ أوربا وأفريقيا وجنوب آسيا مرسومة بدقة عظيمة، والساحل الشرقي للأمريكتين من نيوفوندلند حتى مضايق ماجلان، والساحل الغربي من بيرو إلى المكسيك، ولعل "خريطة راموزيو" (البندقية 1534) البديعة للأمريكتين، المحفوظة بمكتبة نيويورك العامة، منقولة عن ريبيرو هذا. وفي نفس "المكتبة الأم" خريطة قديمة وخاطئة رسمها جرهادوس مركاتور (1538) أطلق فيها على أمريكا الشمالية والجنوبية اسمها هذا لأول مرة. (أما "خريطة نركاثور البارزة" فترجع إلى عام 1569). وأضاف بيتر أبيان (1524) إلى علم الجغرافيا بمحاولته إخضاع المسافات الجغرافية لمقاييس مضبوطة.
وقد ظهرت آثار هذه الارتيادات في كل منحى من مناحي الحياة الأوربية. فرحلات 1420-1560 زادت وجه الكرة المعروفة للبشر أربعة أضعاف تقريباً. وكان للجديد من الحيوان والنبات، والأحجار الكريمة والمعادن، والأطعمة والعقاقير، الفضل في إثراء نبات أوربا وحيوانها وجيولوجيتها وموائدها وعقاقيرها. وتساءل الناس كيف وجد ممثلو الأنواع الجديدة كلها مكاناً في فلك


نوح. وتغير الأدب، فأخلت قصص الفروسية القديمة مكانها لقصص الأسفار أو المغامرات في القطار النائية، وحل البحث عن الذهب محل البحث عن الكأس المقدسة في رمزية لا شعورية للمزاج الجديد. وفتحت أعظم ثورة تجارية في التاريخ (قبل أن تبلغ الطائرة مرحلة النضج) المحيط الأطلنطي وغيره من المحيطات للتجارة الأوربية، وخلفت البحر المتوسط في حالة ركود تجاري، ومن ثم ركود ثقافي تبعه بعد قليل. وانتقلت النهضة من إيطاليا إلى دول الأطلنطي. وراحت أوربا، التي كانت تملك سفناً ومدافع أفضل وسكاناً أصلب وأشد رغبة في التملك والمغامرة، راحت تفتح-وأحياناً تستعمر-البلد تلو البلد من الأقطار المكتشفة. وأكره السكان الوطنيون على العمل المتصل الشاق الذي لم يتعودوه لإنتاج السلع لأوربا، وأصبح الرق نظاماً راسخاً. وغدت أصغر القارات تقريباً أعظمها ثراءً. وبدأت حركة صبغ الكرة الأرضية بالطابع الأوربي، وهي الحركة التي قلبت قلباً حاداً في عصرنا. ووجد عقل الرجل الغربي حافزاً قوياً في بعد الشقة بينه وبين الأقطار الجديدة وفي ضخامتها وتنوعها. وربما كان لبعض تشكك مونتيني جذور في سحر الدخيل المجلوب من العادات والعقائد. واتخذت العوائد والأخلاق نسبية جغرافية أوهنت القديم من العقائد القطعية واليقينية. وكان لزاماً أن ينظر إلى المسيحية ذاتها في منظور جديد بوصفها دين قارة صغيرة تقوم وسط عالم من العقائد المنافسة. وكما أن المذهب الإنساني كشف عالماً قبل المسيح، وكما أن كوبرنيق أماط اللثام عن ضآلة الأرض الفلكية، كذلك كشف ارتياد الأراضي الجديدة وما تلاه من تجارة عن أقطار شاسعة تقوم وراء المسيحية دون اكتراث لوجودها. وتزعزعت مكانة أرسطو وغيره من اليونان حين ظهرت قلة ما عرفوا عن هذا الكوكب. واضمحل


إعجاب النهضة الأعمى باليونان، واستعد الإنسان، التياه بكشوفه الجديدة تيه أهل النهضة، لنسيان حجمه الفلكي المتناقص أمام اتساع معارفه وتجارته. وظهر العلم والفلسفة العصريان، واضطلعا بمهمة خطيرة، مهمة تصور العالم من جديد.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق