إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

1286 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الإسلام في أفريقية الفصل الحادي والثلاثون سليمان القانوني 1520-1566 1- الإسلام في أفريقية 1200- 1566





1286


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> الثورة الدينية -> سليمان القانوني -> الإسلام في أفريقية

الفصل الحادي والثلاثون


سليمان القانوني


1520-1566


1- الإسلام في أفريقية


1200- 1566


إنه من العسير علينا، نحن المحصورين في العالم المسيحي، أن ندرك أنه منذ القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر، كان الإسلام متفوقاً على أوربا من النواحي الثقافية والسياسية والعسكرية. وحتى في أيام اضمحلاله في القرن السادس عشر، ساد من دلهي وما وراءها حتى كازابلنكا، ومن أدرنه إلى عدن، ومن تونس إلى تمبكتو. ويحدثنا ابن بطوطة الذي زار السودان 1353 أنه وجد هناك حضارة مشرفة تحت راية الإسلام، وكتب بعد ذلك مؤرخ من السود هو عبد الرحمن السعدي (1650)، تاريخاً كشافاً بارعاً، يصف مكتبات خاصة تضم 1600 مجلد في تمبكتو، ويصف المساجد الضخمة التي تشهد أطلالها بمجد غابر.
وحققت أسرة الماريني (1195-1270) الاستقلال لبلاد المغرب ونهضت بفاس ومراكش إلى مصاف المدن الكبرى، وكان في كل منهما مداخل جليلة ومساجد مهيبة ومكتبات عامرة بذخائر العلم والمعرفة، ومدارس قائمة وسط أعمدة ظليلة، وأسواق صاخبة يمكن أن يشتري المرء منها أي شيء بنصف الثمن. وكان يقطن فاس في القرن الثالث عشر نحو 125.000 نسمة، وربما كان هذا أكبر من سكان أية مدينة في أوربا، باستثناء القسطنطينية ورومه وباريس. وفي مسجد القيروان وهو مقر أقدم جامعة في المغرب درس الدين والعلوم جنباً إلى جنب، وقد جذبت هذه الجامعة إليها الطلبة المتعطشين من كل بقاع الإسلام في أفريقية، والمعلمين



والمحامين ورجال الدين ورجال الحكم ، ليدرسوا مناهج شاقة لمدة تتراوح بين ثلاث سنين واثنتي عشرة سنة. وكان الأمير يعقوب الثاني الذي حكم بين 1269-1286 من فاس أو من مراكش، من أكثر الأمراء استنارة في قرن تقدمي. ونأى حاكماً عادلاً ومحسناً خيراً حكيماً، لطفي الدين بالفلسفة، ونأى بنفسه عن التعصب الأعمى، وشجع الاتصال الودي بالأوربيين. واستقبلت هاتان المدينتان كثيراً من اللاجئين من أسبانيا، وأحضر هؤلاء معهم حوافز جديدة للاستزادة من العلوم والفنون والصناعة. وإن ابن بطوطة الذي كان قد رأى معظم العالم الإسلامي المترامي الأطراف ليسمى مراكش "جنة الدنيا".
ويدهش السائح الحديث في طريقه من فاس إلى وهران، عندما يجد في تلمسان بقايا متواضعة لما كان في القرن الثالث عشر مدينة تضم 125.000 نسمة. وكان بها 64 مسجداً بقي منها ثلاثة فقط: الجامع الكبير (1136)، ومسجد أبى الحسن (1298) ومسجد الحلاوي (1353) وهي من أجمل المساجد في العالم الإسلامي، فيها أعمدة الرخام والفسيفساء المعقدة، والمحاريب الرائعة، الساحات ذوات العقود والخشب المحفور والمآذن السامقة، وهي باقية لتكون شاهداً على العظمة الغابرة التي كادت أن تنسى. وهنا احتفظت أسرة عبد الواحد لمدة ثلاثة قرون (1248-1337، 1359-1553) بحكم كفل للمسيحيين واليهود الحرية الدينية، كما رعت الآداب والفنون، وبعد أن استولى الأتراك على المدينة، فقدت أهميتها كمركز للتجارة، واضمحلت وانزوت في ظلال التاريخ.
وإلى الشرق من المغرب، ازدهرت الجزائر بفضل مزيج من التجارة والقرصنة. وقام ثغر الجزائر الجميل، نصف مختبئ في خليج نصف دائري تحف به الصخور، المؤلف من طبقات بعضها فوق بعض من شقق



وقصور تمتد من البحر المتوسط إلى كسبه، نقول هيا هذا الثغر القرصان ومراكبهم مخبأ آمناً مفضلاً لديهم، وحتى منذ أيام بومبي كان قرصان هذا الشاطئ يغيرون على المراكب العزل.ومنذ 1492 أصبحت الجزائر ملجأ للمغاربة المسلمين الفارين من أسبانيا. وقد التحق كثير منهم بسفن القراصنة، وانقضوا بسورة الانتقام على أية سفن مسيحية يتربصون لها. وتضاعف عدد القرصان واشتدت جرأتهم، فكونوا أساطيل قوية في مثل قوة الأساطيل الوطنية وأغاروا على الشواطئ الشمالية للبحر المتوسط، وطرابلس (1509-1510).
ودخل الميدان في 1516 قرصان جبار نشيط، أطلق عليه الإيطاليون لقب بربروسه، بسبب لحيته الحمراء، واسمه الحقيقي خير الدين خضر. وكان يونانياً من لسبوس حضر مع أخيه هورش Horash لينخرط في سلك القرصان. وعلى حين وصل بنفسه إلى مرتبة القيادة في الأسطول، قاد هورش جيشاً ضد الجزائر، وطرد الحامية الأسبانية ونصب نفسه حاكماً على المدينة، ومات أثناء القتال (1518)، فاحتل خير الدين مكان أخيه، وأدار شئون الحكم بقوة ومهارة. وقصد خير الدين، رغبة منه في تثبيت مركزه، إلى القسطنطينية حيث عرض على السلطان سليم الأول السيادة على طرابلس وتونس والجزائر في مقابل قوة تركية كافية للاحتفاظ بسلطانه بوصفه حاكماً من قبل السلطان على هذه الأقاليم. ووافق سليم، وأكد سليمان هذه الاتفاقية. وفي 1533 أصبح خير الدين بطل الإسلام في الغرب بأن هيأ لسبعين ألفاً من المغاربة العبور إلى أفريقية من أسبانيا القاسية غير المضيافة. ولما عين بربروسه أول قائد عام للأسطول التركي برمته، أغار بأربع وثمانين سفينة تحت إمرته على المدينة على شواطئ صقلية وإيطاليا، وأسر آلافاً من المسيحيين بيعوا بيع الرقيق. ورسا بربروسه قرب نابلي،

وكاد ينجح في أسر جيوليا جنزوجا كولونا التي اشتهرت بأنها أجمل سيدة في إيطاليا، إلا أنها فرت شبه عارية ممتطية جواداً، وبمعيتها فارس واحد بوصفه حارساً لها، فلما وصلت إلى المكان المقصود أمرت بإعدامه لأسباب أغفلت ذكرها ويمكن استنتاجها.
ولكن بربروسه كان يهدف إلى غنيمة أبقى على الأيام من سيدة جميلة، فأنزل إلى البر جنوده الانكشارية، وتقدم نحو تونس (1534). وكانت أسرة بني النفيس قد حكمت تلك المدينة حكماً صالحاً منذ 1326، وازدهرت الآداب والفنون تحت رعايتهم، ولكن مولى حسن الذي كان أميراً آنذاك ، كان قد باعد بينه وبين الأهالي بوحشيته وقساوته، وما أن اقترب بربروسه حتى لاذ الأمير بالفرار فسقطت تونس دون إراقة الدماء. وضمت إلى ملك آل عثمان، وأصبح بربروسه سيد البحر المتوسط.
ووقع العالم المسيحي في محنة ثانية، لأن الأسطول التركي كان يستطيع في أية لحظة أن يهيء للإسلام الدخول إلى جنوب إيطاليا. ومن الغريب حقاً أن فرانسوا الأول (ملك فرنسا) كان متحالفاً إذ ذاك مع تركيا، كما كان البابا كليمنت السابع حليفاً لفرنسا. ومن حسن الحظ أن كليمنت قضى نحبه (25 سبتمبر 1534) فخلفه البابا بول الثالث الذي تعهده لشارل الخامس بالمال اللازم لمهاجمة بربروسه، وعرض أندريه دوريا تعاون أسطول جنوده تعاوناً كاملاً في هذه الحملة. وفي ربيع 1535 جمع شارل الخامس في كاجلياري في سردينيا 400 سفينة وقوة قوامها ثلاثون ألف رجل. وعبر البحر المتوسط، وحاصر لاجولتا، وهو حصن يسيطر على خليج تونس، وسقط الحصن بعد قتال دام شهراً، وتقدم الجيش الإمبراطوري نحو تونس. وحاول بربروسه وقف تقدمه، ولكنه هزم ولاذ بالفرار. وحطم الأرقاء المسيحيون في تونس أغلالهم وفتحوا الأبواب ، ودخل شارل المدينة دون مقاومة، وأباح لجنوده السلب

والنهب لمدة يومين، حتى لا يتمردوا. فلقي آلاف من المسلمين حتفهم. ودمرت حصيلة قرون من الفنون في يوم أو يومين ، وحرر الأرقاء المسيحيون وسط مظاهر الابتهاج، ووقع في براثن العبودية من بقى من السكان المسلمين. وأعاد شارل الأمير مولى حسن كحاكم تابع يؤدي له الجزية، وأبقى حامية في كل من بونا ولاجولتا، وعاد هو إلى أوربا.
فر بربروسه إلى القسطنطينية، وبنى بأموال من سليمان أسطولاً جديداً مكوناً من مائتي سفينة. وفي يولية 1537 ألقت هذه القوات مراسيها في تارنتو، وضرب الحصار على العالم المسيحي ثانية. وتشكلت "العصبة المقدسة" من جديد من البندقية والبابوية والإمبراطورية، وجمعت مائتي سفينة بعيداً عن كورفو، وفي 27 سبتمبر اشتبك الإسطولان المتصارعان في القتال عند مدخل خليج أمبراسيا، في نفس المياه التي التقى فيها أنطونيوس وكيلوباترة مع أكتافيوس في معركة أكتيوم. وكانت الغلبة لبربروسه، وأصبح مرة أخرى سيد البحار، وسار شرقاً واستولى في طريقه على ممتلكات البندقية في بحر إيجة واليونان بعضها إثر بعض، وأرغم البندقية على عقد لصلح منفرد.
وحاول شارل أن يكسب بربروسه للالتحاق بخدمته بما أغدق عليه من هدايا، وبما عرض عليه من أن يكون ملكاً نابعاً له على شمالي أفريقية، ولكن خير الدين آثر جانب الإسلام وإغراءه. وفي أكتوبر 1541 قاد شارل ودوريا حملة ضد الجزائر، ولكن جيش بربروسه أوقع بها الهزيمة في البر كما هبت عليها عاصفة مدمرة في البحر، ورد بربروسه على العدوان بالمثل، بالإغارة على كالابريا والنزول في أوستيا ثغر مدينة رومه، وارتعدت العاصمة الكبيرة في عقر دارها فرقاً، ولكن بول الثالث كان آنذاك على علاقات حسنة مع فرانسوا فعوض بربروسه، ادعاء بمجاملة حليفه عن كل ما أخذه من أوستيا نقداً، ورحل عنها في سلام(1). وابحر إلى طولون،

حيث لقى أسطوله ترحيباً ممن كانوا في الواقع فرنسيين، وطلب أن تكف أجراس الكنيسة عن القرع طالما كانت "سفن الله" في الميناء لأن أصواتها تقض مضجعة، وكان مطلبه قانوناً. واشترك مع أسطول فرنسي في الاستيلاء على نيس وفيلفرانش من الإمبراطور. وفي سن السابعة والسبعين اعتزل القرصان المنتصر الظافر تحيط به كل مظاهر الإجلال والتكريم، ليقضي نحبه في فراشه 1546، وقد بلغ الثمانين.
وسقطت بونا ولاجولتا ثانية في أيدي المسلمين. ووصلت الإمبراطورية العثمانية من الجزائر إلى بغداد. ولم تجرؤ سوى دولة إسلامية واحدة على تحدي سيطرتها على العالم الإسلامي.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق