إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 11 فبراير 2013

100 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المستظهر بالله ابو العباس




100


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المستظهر بالله ابو العباس


المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدى بالله ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة وبويع له عند موت أبيه وله ست عشرة سنة وشهران قال ابن الأثير كان لين الجانب كريم الأخلاق يحب اصطناع الناس ويفعل الخير ويسارع في اعمال البر حسن الخط جيد التوقعات ولا يقاربه فيها احد ويدل على فضل غزير وعلم واسع سمحا جوادا محبا للعلماء والصلحاء ولم تصف له الخلافة بل كانت أيامه مضطربة كثيرة الحروب وفي هذه السنة من أيامه مات المستنصر العبيدى صاحب مصر وقام بعده ابنه المستعلى أحمد وفيها أخذت الروم بلنسية وفي سنة ثمان وثمانين قتل أحمدخان صاحب سمرقند لأنه ظهر منه الزندقة فقبض عليه الأمراء واحضروا الفقهاء فأتفقوا بقتله فقتل لا رحمه الله وملكوا ابن عمه وفي سنة تسع وثمانين اجتمعت الكواكب السبعة سوى زحل في برج الحوت فحكم المنجمون بطوفان يقارب طوفان نوح فاتفق أن الحجاج نزلوا في دار المناقب فأتاهم السيل غرق اكثرهم وفي سنة تسعين قتل السلطان أرسلان ارغون بن ألب أرسلان السلجوقى صاحب خرسان فتملكها السلطان بركياروق ودانت له البلاد والعباد وفيها خطب للعبيدى بحلب وأنطاكية والمعرة وشيزر شهرا ثم اعيدت الخطبة العباسية وفيها جاءت الفرنج فأخذوا نيقية وهو أول بلد اخذوه ووصلوا إلى كفر طاب واستباحوا تلك النواحى فكان هذا أول مظهر الفرنج بالشام قدموا في بحر القسطنطينية في جمع عظيم وانزعجت الملوك والرعية وعظم الخطب فقيل إن صاحب مصر لما رأى قوة السلجوقية واستيلاءهم على الشام كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجىء إلى الشام ليملكوها وكثر النفير على الفرنج من كل جهة وفي سنة اثنتين وتسعين انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وفيها اخذت الفرنج بيت المقدس بعد حصار شهر ونصف وقتلوا به أكثر من سبعين الف منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد وهدموا المشاهد وجمعوا اليهود في الكنيسة واحرقوها عليهم وورد المستنفرون إلى بغداد فأوردوا كلاما أبكى العيون واختلفت السلاطين فتمكنت الفرنج من الشام واللأبيوردى في ذلك مزجنا دماء بالدموع السواجمفلم يبق منا عرصة للمراحم وشر سلاح المرء دمع يفيضهإذا الحرب شبت نارها بالصوارم فإيها بني الإسلام إن وراءكموقائع يلحقن الذرى بالمناسم أنائمة في ظل أمن وغبطةوعيش كنوار الخميلة ناعم وكيف تنام العين ملء جفونهاعلى هبوات أيقظت كل نائم وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ظهور المذاكى أو بطون القشاعم تسومهم الروم الهوان وأنتمتجرون ذيل الخفض فعل المسالم فكم من دماء قد ابيحت ومن دمى توارى حياء حسنها بالمعاصم بحيث السيوف البيض محمرة الظباوسمر العوالى داميات اللهازم يكاد لهن المستجن بطيبةينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم أرى أمتى لا يشرعون إلى العدىرماحهم والدين واهى الدعائم ويجتنبون النار خوفا من الردى ولا يحسبون العار ضربة لازم أنرضى صناديد الأعراب بالأذىوتغضى على ذل كماة الأعاجم فليتهم إذا لم يذودوا حميةعن الدين ضنوا غيرة بالمحارم وفيها خرج محمد بن ملكشاه على أخيه السلطان بركياروق فانتصر عليه فقلده الخليفة ولقبه غياث الدنيا والدين وخطب له ببغداد ثم جرت بينهما عدة وقعات وفيها نقل المصحف العثمانى من طبرية إلى دمشق خوفا عليه وخرج الناس لتلقيه فآووه في خزانة بمقصورة الجامع وفي سنة أربع وتسعين كثر أمر الباطنية بالعراق وقتلهم الناس واشتد الخطب بهم حتى كانت الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم وقتلوا الخلائق منهم الرويانى صاحب البحر وفيها أخذ الفرنج بلد سروج وحيفا وأرسوف وقيسارية وفي سنة خمس وتسعين مات المستعلى صاحب مصر وأقيم بعده الآمر بأحكام الله منصور وهو طفل له خمس سنين وفي سنة ست وتسعين جرت فتن للسلطان فترك الخطباء الدعوة للسلطان واقتصروا على الدعوة للخليفة لا غير وفي سنة سبع وتسعين وقع الصلح بين السلطانين محمد وبركياروق وسببه أن الحروب لما تطاولت بينهما وعم الفساد وصارت الأموال منهوبة والدماء مسفوكة والبلاد مخربة والسلطنة مطموعا فيها واصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قاهرين دخل العقلاء بينهما في الصلح وكتبت العهود والأيمان والمواثيق وارسل الخليفة خلع السلطنة إلى بركياروق وأقيمت له الخطبة ببغداد وفي سنة ثمان وتسعين مات السلطان بركياروق فأقام الأمراء بعده ولده جلال الدولة ملكشاه وقلده الخليفة وخطب له ببغداد وله دون خمس سنين فخرج عليه عمه محمد واجتمعت الكلمة عليه فقلده الخليفة وعاد إلى أصبهان سلطانا متمكنا مهيبا كثير الجيوش وفيها كان ببغداد جدرى مفرط مات فيه خلق من الصبيان لا يحصون وتبعه وباء عظيم وفي سنة تسع وتسعين ظهر رجل بنواحى نهاوند فادعى النبوة وتبعه خلق فأخذ وقتل وفي سنة خمسمائة أخذت قلعة اصبهان التى ملكها الباطنية وهدمت وقتلوا وسلخ كبيرهم وحشى جلده تبنا فعل ذلك السلطان محمد بعد حصار شديد فالله الحمد وفي سنة إحدى وخمسمائة رفع السلطان الضرائب والمكوس ببغداد وكثر الدعاء له وزاد في العدل وحسن السيرة وفي سنة اثنتين عادت الباطنية فدحلوا شيرز على حين غفلة من اهلها فملكوها وملكوا القلعة وأغلقوا الأبواب وكان صاحبها خرج يتنزه فعاد وابادهم في الحال وقتل فيها شيخ الشافعية الرويانى صاحب البحر قتله الباطنية في بغداد كما تقدم وفي سنة ثلاث أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سنين وفي سنة اربع عظم بلاء المسلمين بالفرنج وتيقنوا استيلاءهم على أكثر الشام وطلب المسلمون الهدنة فامتنعت الفرنج وصالحوهم بألوف دنانير كثيرة فهادنوا ثم غدروا لعنهم الله وفيها هبت بمصر ريح سوداء مظلمة أخذت بالأنفاس حتى لا يبصر الرجل يده ونزل على الناس رمل وايقنوا بالهلاك ثم تجلى قليلا وعاد إلى الصفرة وكان ذلك من العصر إلى ما بعد المغرب وفيها كانت ملحمة كبيرة بين الفرنج وبين ابن تاشفين صاحب الأندلس نصر فيها المسلمون وقتلوا وأسروا وغنموا مالا يعبر عنه وبادت شجعان الفرنج وفي سنة سبع جاء مودود صاحب الموصل بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس فوقع بينهم معركة هائلة ثم رجع مودود إلى دمشق فصلى الجمعة يوما في الجامع وإذا بباطنى وثب عليه فجرحه فمات من يومه فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتابا فيه وإن أمه قتلت عميدها في يوم عيد في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها وفي سنة إحدى عشرة جاء سيل عرم غرق سنجار وسورها وهلك خلق كثير حتى إن السيل اخذ باب المدينة فذهب به عدة فراسخ واختفى تحت التراب الذي جره السيل وظهر بعد سنين وسلم طفل في سرير له حمله السيل فتعلق السرير بزيتونة وعاش وكبر وفيها مات السلطان محمد وأقيم بعده ابنه محمود وله اربع عشرة سنة وفي سنة اثنتى عشرة مات الخليفة المستظهر بالله في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الأول فكانت مدته خمسا وعشرين سنة وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة وصلى عليه ابنه المسترشد وماتت بعده بقليل جدته أرجوان والدة المقتدى قال الذهبي ولا يعرف خليفة عاشت جدته بعده إلا هذا رأت ابنها خليفة ثم ابن ابنها ثم ابن ابن ابنها ومن شعر المستظهر أذاب حر الهوى في القلب ما جمدالما مددت إلى رسم الوداع يدا وكيف أسلك نهج اصطبار وقدارى طرائق في مهوى الهوى قددا إن كنت أنقض عهد الحب ياسكنىمن بعد هذا فلا عاينتكم ابدا وللصارم البطائحى مدحا أصبحت بالمستظهر بن المقتدىبالله ابن القائم ابن القادر مستعصما أرجو نوال أكفهوبأن يكون على العشيرة ناصرى فيقر مع كبرى قرارى عندهويفوز من مدحى بشعر سائر فوقع المستظهر بجائزتين بخير بين الصلة والانحدار والمقام والإدرار وقال السلفى قال لى ابو الخطاب بن الجراح صليت بالمستظهر في رمضان فقرأت إن ان ابنك سرق رواية رويناها عن الكسائى فبما سلمت قال هذه قراءة حسنة فيها تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب مات في أيامه من الأعلام أبو المظفر السمعانى ونصر المقدسى وابو الفرج وشيذلة والرويانى والخطيب التبريزى والكيا الهراسى والغزالى والشاشى الذي صنف له كتاب الحلية وسماه المستظهرى والأبيوردى اللغوى

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

99 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المقتدي بأمر الله أبو القاسم





99


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المقتدي بأمر الله أبو القاسم


المقتدى بأمر الله ابو القاسم عبدالله والخطيب والبغدادي وابن رشيق صاحب العمدة وابن عبدالبر بن محمد بن القائم بأمر الله مات ابوه في حياة القائم وهو حمل فولد بعد وفاة ابيه بستة أشهر وأمه أم ولد اسمها أرجوان وبويع له بالخلافة عند موت جده وله تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبى إسحاق الشيرازى وابن الصباغ والدامغانى وظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلدان وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة بخلاف من تقدمه ومن محاسنه انه نفى المغنيات والخواطى ببغداد وأمر أن لا يدخل احد الحمام إلا بمئزر وخرب أبراج الحمام صيانة لحرم الناس وكان دينا خيرا قوى النفس عالى الهمة من نجباء بنى العباس وفي هذه السنة من خلافته أعيدت الخطبة للعبيدى بمكة وفيها جمع نظام الملك المنجمين وجعلوا النيروز أول نقطة من الحمل وكان قبل ذلك عند حلول الشمس نصف الحوت وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم وفي سنة ثمان وستين خطب للمقتدى بدمشق وأبطل الأذان بحى على خير العمل وفرح الناس بذلك وفي سنة تسع وستين قدم بغداد أبو نصر بن الأستاذ أبى القاسم القشيرى حاجا فوعظ بالنظامية وجرى له فتنة كبيرة مع الحنابلة لأنه تكلم على مذهب الأشعرى وحط عليهم وكثر اتباعه والمتعصبون له فهاجت فتن وقتلت جماعة وعزل فخر الدولة بن جهير من وزارة المقتدى لكونه شذ عن الحنابلة وفي سنة خمس وسبعين بعث الخليفة الشيخ أبا إسحاق الشيرازى رسولا إلى السلطان يتضمن الشكوى من العميد بسائر البلاد وارتفع الغلاء وفيها ولي الخليفة أبا الشجاع محمد بن الحسين الوزارة ولقبه ظهير الدين وأظن ذلك اول حدوث التلقيب بالإضافة إلى الدين وفي سنة سبع وسبعين سار سليمان أبى الفتح بن ابى الليث عميد العراق وفي سنة سبع وسبعين رخصت الأسعار بن قتلمش السلجوقى صاحب قونية وأقصراءبجيوشه إلى الشام فأخذ أنطاكية وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وارسل إلى السلطان ملكشاه يبشره قال الذهبى وآل سلجوق هم ملوك بلاد الروم وقد امتدت أيامهم وبقى منهم بقية إلى زمن الملك الظاهر بيبرس وفي سنة ثمان وسبعين جاءت ريح سوداء ببغداد بعد العشاء واشتد الرعد والبرق وسقط الرمل وتراب كالمطر ووقعت عدة صواعق في كثير من البلاد فظن الناس أنها القيامة وبقيت ثلاث ساعات بعد العصر وقد شاهد هذه الكائنة الإمام أبو بكر الطرطوشى وأوردها في أماليه وفي سنة تسع وسبعين أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المقتدى يطلب أن يسلطنه وأن يقلده ما بيده من البلاد فبعث إليه الخليفة الخلع والأعلام والتقليد ولقبه بأمير المسلمين ففرح بذلك وسر به فقهاء المغرب وهو الذي أنشأ مدينة مراكش وفيها دخل السلطان ملكشاه بغداد في ذى الحجة وهو أول من دخوله إليها فنزل بدار المملكة ولعب بالكرة وقد تقاوم الخليفة ثم رجع إلى اصبهان وفيها قطعت خطبة العبيدى بالحرمين وخطب للمقتدى وفي سنة إحدى وثمانين مات ملك غزنة المؤيد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتين وقام مقامه ابنه جلال الدين مسعود وفي سنة ثلاث وثمانين عملت بغداد مدرسة لتاج الملك مستوفى الدولة بباب أبرز ودرس بها أبو بكر الشاشى وفي سنة أربع وثمانين استولت الفرنج على جميع جزيرة صقلية وهى أول ما فتحها المسلمون بعد المائتين وحكم عليها آل الأغلب دهرا إلى أن استولى العبيدى المهدى على المغرب وفيها قدم السلطان ملكشاه بغداد وأمر بعمل جامع كبير بها وعمل الأمراء حوله دورا ينزلونها ثم رجع إلى أصبهان وعاد إلى بغداد في سنة خمس وثمانين عازما على الشر وأرسل إلى الخليفة يقول لا بد أن تترك لى بغداد وتذهب إلى أى بلد شئت فانزعج الخليفة وقال أمهلنى ولو شهرا قال ولا ساعة واحدة فأرسل الخليفة إلى وزير السلطان يطلب المهلة إلى عشرة أيام فاتفق مرض السلطان وموته وعد ذلك كرامة للخليفة وقيل إن الخليفة جعل يصوم فإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فاستجاب الله دعاءه وذهب إلى حيث ألقت ولما مات كتمت زوجته تركان خاتون موته وأرسلت إلى الأمراء سرا فاستحلفتهم لولده محمود وهو ابن خمس سنين فحلفوا له وأرسلت إلى المقتدى في أن يسلطنه فأجاب ولقبه ناصر الدنيا والدين ثم خرج عليه أخوه بركياروك بن ملكشاه فقلده الخليفة ولقبه ركن الدين وذلك في المحرم سنة سبع وثمانين واربعمائة وعلم الخليفة على تقليده ثم مات الخليفة من الغد فجأة فقيل إن جاريته شمس النهار سمته وبويع لولده المستظهر وممن مات في ايام المقتدى من الأعلام عبدالقادر الجرجانى وابو الوليد الباجى والشيخ ابو إسحاق الشيرازى والأعلم النحوى وابن الصباغ صاحب الشامل والمتولى وإمام الحرمين والدامغانى الحنفى وابن فضالة المجاشعى والبزدوى شيخ الحنفية
 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

98 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) القائم بأمر الله أبو جعفر




98


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

القائم بأمر الله أبو جعفر

القائم بأمر الله أبو جعفر عبدالله بن القادر ولد في نصف ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وأمه أم ولد أرمنية اسمها بدر الدجى وقيل قطر الندى ولى الخلافة عند موت أبيه في يوم الإثنين الحادى عشر من ذى الحجة سنة اثنتين وعشرين وكان ولى عهده في الحياة وهو الذي لقبه بالقائم بأمر الله قال ابن الأثير كان جميلا مليح الوجه أبيض مشربا حمرة حسن الجسم ورعا دينا زاهدا عالما قوى اليقين بالله تعالى كثير الصدقة والصبر له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة مؤثرا للعدل والإحسان وقضاء الحوائج لا يرى المنع من شىء طلب منه قال الخطيب ولم يزل أمر القائم بأمر بالله مستقيما إلى ان قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة وكان السبب في ذلك أن ارسلان التركى المعروف بالبساسيرى كان قد عظم أمره واستفحل شأنه لعدم نظرائه وانتشر ذكره وتهيبته امراء العرب والعجم ودعى له على المنابر وجبى الأموال وخرب القرى ولم يكن القائم يقطع أمرا دونه ثم صح عنده سوء عقيدته وبلغه انه عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة فكاتب الخليفة ابا طالب محمد ابن مكيال سلطان الغز المعروف بطغرلبك وهو بالرى يستنهضه في القدوم ثم احرقت دار البساسيرى وقدم طغرلبك في سنة سبع وأربعين فذهب البساسيرى إلى الرحبة وتلاحق به خلق من الأتراك وكاتب صاحب مصر فأمده بالأموال وكاتب تبال أخا طغرلبك واطمعه بمنصب أخيه فخرج تبال واشتغل به طغرلبك ثم قدم البساسيرى بغداد في سنة خمسين ومعه الرايات المصرية ووقع القتال بينه وبين الخليفة ودعى لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور وزيد في الأذان حى على خير العمل ثم خطب له في كل الجوامع إلا جامع الخليفة ودام القتال شهرا ثم قبص البساسيرى على الخليفة في ذى الحجة وسيره إلى غابة وحبسه بها واما طغرلبك فظفر بأخيه وقتله ثم كاتب متولى غابة في رد الخليفة إلى داره مكرما فحصل الخليفة في مقر عزة في الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وخمسين ودخل بأبهة عظيمة والأمراء والحجاب بين يديه وجهز طغرلبك جيشا فحاربوا البساسيرى فظفروا به فقتل وحمل رأسه إلى بغداد ولما رجع الخليفة إلى داره لم ينم بعدها إلا على فراش مصلاه ولزم الصيام والقيام وعفا عن كل من آذاه ولم يسترد شيئا مما نهب من قصره إلا بالثمن وقال هذه أشياء احتسبناها عند الله ولم يضع رأسه بعدها على مخدة ولما نهب قصره لم يوجد فيه شىء من آلات الملاهى وروى انه لما سجنه البساسيرى كتب قصته وأنفذها إلى مكة فعلقت في الكعبة فيها إلى الله العظيم من المسكين عبده اللهم إنك العالم بالسرائر المطلع على الضمائر اللهم إنك غنى بعلمك وإطلاعك على خلقك عن إعلامى هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها اضغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا وأساء إلينا عتوا وعدوا اللهم قل الناصر واعتز الظالم وأنت المطلع العالم المنصف الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من بين يديه فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك وقد حاكمناه إليك وتوكلنا في أنصافنا منه عليك ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك فاحكم بيننا بالحق وانت خير الحاكمين وفي سنة ثمان وعشرين مات الظاهر العبيدي صاحب مصر واقيم ابنه المستنصر بعده وهو ابن سبع سنين فأقام في الخلافة ستين سنة وأربعة اشهر قال الذهبى ولا أعلم احدا في الإسلام لا خليفة ولا سلطانا أقام هذه المدة وفي أيامه كان الغلاء بمصر الذى ما عهد مثله منذ زمان يوسف فأقام سبع سنين حتى اكل الناس بعضهم بعضا وحتى قيل أنه بيع رغيف بخمسين دينارا بالمغرب وخطب لبنى العباس وفي سنة إحدى وخمسين كان عقد الصلح بين السلطان إبراهيم بن مسعود وفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة قطع المعز بن باديس الخطبة للعبيدي ابن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وبين السلطان جفرى بك بن سلجوق أخى طغرلبك صاحب خراسان بعد حروب كثيرة ثم مات جغرى بك في السنة واقيم مكانه ابنه ألب ارسلان وفي سنة اربع وخمسين زوج الخليفة ابنته لطغرلبك بعد أن دافع بكل ممكن وانزعج واستعفى ثم لان لذلك برغم منه وهذا أمر لم ينله احد من ملوك بنى بويه مع قهرهم الخلفاء وتحكمهم فيهم قلت والآن زوج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان فضلا عن السلطان فإنا الله وإنا إليه راجعون ثم قدم طغرلبك في سنة خمس وخمسين فدخل بابنة الخليفة واعاد المواريث والمكوس وضمن بغداد بمائة وخمسين الف دينار ثم رجع إلى الرى فمات بها في رمضان فلا عفا الله عنه وأقيم في السلطنة بعده ابن اخيه عضد الدولة الب أرسلان صاحب خراسان وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد قال الذهبى وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصارى واستوزر نظام الملك فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الشعرية وانتصر للشافعية واكرم إمام الحرمين وأبا القاسم القشيرى وبنى النظامية قيل وهى اول مدرسة بنيت للفقهاء وفي سنة ثمان وخمسين ولدت بباب الأزج صغيرة لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحدد وفيها ظهر كوكب كأنه دارة القمر ليلة تمامه بشعاع عظيم وهال الناس ذلك وأقام عشر ليال ثم تناقص ضوؤه وغاب وفي سنة تسع وخمسين فرغت المدرسة النظامية ببغداد وقرر لتدريسها الشيخ أبو أسحاق الشيرازى فاجتمع الناس فلم يحضر واختفى فدرس ابن الصباغ صاحب الشامل ثم تلطفوا بالشيخ ابى إسحاق حتى اجاب ودرس وفي سنة ستين كانت بالرملة الزلزلة الهائلة التى خربتها حتى طلع الماء من رؤس الأبار وهلك من أهلها خمسة وعشرون الفا وابعد البحر عن ساحله مسيرة يوم فنزل الناس إلى ارضه يلتقطون السمك فرجع الماء عليهم فأهلكهم وفي سنة إحدى وستين احترق جامع دمشق وزالت محاسنه وتشوه منظره وذهبت سقوفه المذهبة وفي سنة اثنتين وستين ورد رسول امير مكة على السلطان الب ارسلان بأنه اقام الخطبة العباسية وقطع خطبة المستنصر المصري وترك الأذان بحى على خير العمل فأعطاه السلطان ثلاثين الف دينار وخلعا وسبب ذلك ذلة المصريين بالقحط المفرط سنين متوالية حتى اكل الناس الناس وبلغ الإردب مائة دينار وبيع الكلب بخمسة دنانير والهر بثلاث دنانير وحكى صاحب المرآة أن امرأة خرجت من القاهرة ومعها مد جوهر فقالت من يأخذه بمد بر فلم يلتفت إليها احد وقال بعضهم يهنىء القائم وقد علم المصرى ان جنودهسنو يوسف فيها وطاعون عمواس أقامت به حتى استراب بنفسه وأوجس منها خيفة أي إيجاس وفي سنة ثلاث وستين خطب بحلب للقائم للسلطان الب ارسلان لما رأوا قوة دولتهما وإدبار دولة المنتصر وفيها كانت وقعة عظيمة بين الإسلام والروم ونصر المسلمون ولله الحمد ومقدمه السلطان ألب أرسلان واسر ملك الروم ثم أطلقه بمال جزيل وهادنه خمسين سنة ولما أطلق قال للسلطان اين جهة الخليفة فأشار له فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة وفي سنة اربع وستين كان الوباء في الغنم إلى الغاية وفي سنة خمس وستين قتل السلطان الب أرسلان وقام في الملك بعده ولده ملكشاه ولقب جلال الدولة ورد تدبير الملك إلى نظام الملك ولقبه الأتابك وهو أول من لقبه ومعناه الأمير الوالد وفيها اشتد الغلاء بمصر حتى أكلت امرأة رغيفا بألف دينار وكثر الوباء إلى الغاية وفي سنة ست وستين كان الغرق العظيم ببغداد وزادت دجلة ثلاثين ذراعا ولم يقع مثل ذلك قط وهلكت الأموال والأنفس والدواب وركبت الناس في السفن وأقيمت الجمعة في الطيار على وجه الماء مرتين وقام الخليفة يتضرع إلى الله وصارت بغداد ملقة واحدة وانهدم مائة الف دار أو أكثر وفي سنة سبع وستين مات الخليفة القائم بأمر الله ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان وذلك أنه افتصد ونام فانحل موضع الفصد وخرج منه دم كثير فاستيقظ وقد انحلت قوته فطلب حفيده ولى العهد عبدالله بن محمد ووصاه ثم توفى ومدة خلافته خمس وأربعون سنة مات في أيامه من الأعلام أبو بكر البرقانى وأبو الفضل الفلكى والثعلبى المفسر والقدورى شيخ الحنفية وابن سينا شيخ الفلاسفة ومهيار الشاعر وأبو نعيم صاحب الحلية وأبو زيد الدبوسى والبرادعى المالكى صاحب التهذيب وأبو الحسين البصرى المعتزلى ومكى صاحب الإعراب والشيخ ابو محمد الجوينى والمهدوى صاحب التفسير والإفليلى والثمانيني وأبو عمرو الدانى والخليل صاحب الإرشاد وسليم الرازى وأبو العلاء المعري وأبو عثمان الصابونى وابن بطال شارح البخاري والقاضى أبو الطيب الطبري وابن شيطا المقرىء والماوردى الشافعى وابن باب شاذ والقضاعى صاحب الشهاب وابن برهان النحوى وابن حزم الظاهرى والبيهقى وابن سيده صاحب المحكم وأبو يعلى بن الفراء شيخ الحنابله والحضرمى من الشافعية والهذلى صاحب الكامل في القراءات والفريابي

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

97 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) القادر بالله أبو العباس القادر بالله


97

تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

القادر بالله أبو العباس القادر بالله


أبو العباس احمد بن إسحاق بن المقتدر ولد سنة ست وثلاثين وثلثمائة وأمه أمة واسمها تمنى وقيل دمنة بويع له بالخلافة بعد خلع الطائع وكان غائبا فقدم في عاشر رمضان وجلس من الغد جلوسا عاما وهنىء وأنشد بين يديه الشعراء من ذلك قول الشريف الرضى شرف الخلافة يا بنى العباساليوم جدده أبو العباس ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرةمن ذلك الجبل العظيم الراسى قال الخطيب وكان القادر من السترو الديانة والسيدة وإدامة التهجد بالليل وكثرة البرو الصدقات وحسن الطريقة على صفة اشتهرت عنه وعرف بها كل احد مع حسن المذهب وصحة الأعتقاد تفقه على العلامة أبي بشر الهروى الشافعى وقد صنف كتابا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث واورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة اصحاب الحديث بجامع المهدى وبحضرة الناس ترجمة ابن الصلاح في طبقات الشافعية وقال الذهبى في شوال من سنة ولايته عقد مجلس عظيم وحلف القادر وبهاء الدولةكل منهما لصاحبه بالوفاء وقلده القادر ما وراء بابه مما تقام فيه الدعوة وفيها دعا صاحب مكة أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوى إلى نفسه وتلقب بالراشد بالله وسلم عليه بالخلافة فانزعج صاحب مصر ثم ضعف امر أبى الفتوح وعاد إلى طاعة العزيز العبيدي وفي سنة اثنتين وثمانين ابتاع الوزير ابو نصر سابور ازدشير دارا بالكرخ وعمرها وسماها دار العلم ووقفها على العلماء ووقف بها كتبا كثيرة وفي سنة اربع وثمانين عاد الحاج العراقى من الطريق اعتراضهم الأصيفر الأعرابي ومنعهم الجواز إلا برسمه فعادوا ولم يحجوا ولا حج أيضا اهل الشام ولا اليمن إنما حج أهل مصر وفي سنة سبع وثمانين مات السلطان فخر الدولة وأقيم ابنه رستم مقامه في السلطنة بالرى واعمالها وهو ابن أربع سنين ولقبه القادر مجد الدولة قال الذهبى ومن الأعجوبات هلاك تسعة ملوك على نسق في سنتى سبع وثمانين وثمان وثمانين منصور بن نوح ملك ما وراء النهر وفخر الدولة ملك الرى والجبال والعزيز العبيدى صاحب مصر وفيهم يقول أبو منصور عبدالملك الثعالبى ألم ترمذ عامين أملاك عصرنا يصيح بهم للموت والقتل صائح فنوح بن منصور طوته يد الردىعلى حسرات ضمنها الجوانح ويابؤس منصور ففى يوم سرخستمزق عنه ملكه وهو طائح وفرق عنه الشمل بالسمل واغتدى أميرا ضريرا تعتريه الجوائح وصاحب مصر قد مضى بسبيلهووالى الجبال غيبته الضرائح وصاحب جرجانية في ندامةترصده طرف من الحين طامح وخوارزم شاه شاه وجهه نعيمهوعن له يوم من النحس طالح وكان علا في الأرض يخطبها أبو على الى أن طوحته الطوئح وصاحب بست ذلك الضيغم الذىبراثنه للمشرقين مفاتح أناخ به من صدمه الدهر كلكل فلم تغن عنه والمقدر سانح جيوش إذا أربت على عدد الحصى تغص بها قيعانها والصحاصح ودارت على صمصام دولة بويه دوائر سوء سلبهن فوادح وقد جاز والىالجوزجان قناطر الحياة فوافته المنايا الطوامح وذكر الذهبى أن العزيز صاحب مصر مات سنة ست وثمانين وفتحت له زيادة على آبائه حمص حماة وحلب وخطب له بالموصل وباليمن وضرب اسمه فيها على السكة والأعلام وقام بالأمر بعده ابنه منصور ولقب الحاكم بأمر الله وفي سنة تسعين ظهر بسجستان معدن ذهب فكانوا يصفون من التراب الذهب الأحمر وفي سنة ثلاث وتسعين أمر نائب دمشق الأسودالحاكمى بمغربى فطيف به على حمار ونودى عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم ضرب عنقه رحمه الله ولا رحم قاتله ولا أستاده الحاكم وفي سنة اربع وتسعين قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوى قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين وكتب له من شيراز العهد فلم ينظر في القضاء لامتناع القادر من الإذن له وفي سنة خمس وتسعين قتل الحاكم بمصر جماعة من الأعيان صبرا وأمر بكتب سب الصحابة على ابواب المساجد والشوارع وأمر العمال بالسب وفيها أمر بقتل الكلاب وأبطل الفقاع والملوخيا ونهى عن السمك الذى لا قشر له وقتل جماعة ممن باع ذلك بعد نهيه وفي سنة ست وتسعين أمر الناس بمصر والحرمين إذا ذكر الحاكم ان يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الاجتماع وفي سنة ثمان وتسعين وقعت فتنة بين الشيعة واهل السنة في بغداد وكاد الشيخ أبو حامد الإسفراينى يقتل فيها وصاح الرافضة ببغداد يا حاكم يا منصور فأحفظ القادر من ذلك وانفذ الفرسان الذين على بابه لمعاونة اهل السنة فانكسر الروافض وفيها هدم الحاكم بيعة قمامة التى بالمقدس وامر بهدم جميع الكنائس التى بمصر وامر النصارى بأن تحمل في أعناقهم الصلبان طول الصليب ذراع ووزنه خمسة ارطال بالمصري واليهود ان يحملوا في أعناقهم قرم الخشب في زنة الصلبان وان يلبسوا العمائم السود فأسلم طائفة منهم ثم بعد ذلك أذن في إعادة البيع والكنائس واذن لمن أسلم ان يعود إلى دينه لكونه مكرها وفي سنة تسع وتسعين عزل أبو عمرو قاضى البصرة وولى القضاء أبو الحسن ابن ابى الشوارب فقال العصفرى الشاعر عندى حديث طريف بمتله يتغنى عن قاضيين يعزىهذا وهذا يهنى وذا يقول حيراناوذا يقول استرحنا ويكذبان جميعاومن يصدق منا وفيها وهى سلطان بنى أمية بالأندلس وانخرم نظامهم وفي سنة اربعمائة نقصت دجلة نقصانا لم يعهد واكتريت لأجل جزائر ظهرت ولم يكن قبل ذلك قط وفي سنة اثنتين نهى الحاكم عن بيع الرطب وحرقه وعن بيع العنب وأباد كثيرا من الكروم وفي سنة أربع منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلا ونهارا واستمر ذلك إلى ان مات وفي سنة إحدى عشرة قتل الحاكم لعنه الله بحلوان قرية بمصر وقام بعده ابنه على ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله وتضعضعت دولتهم في أيامه فخرجت عنهم حلب واكثر الشام وفي سنة اثنتين وعشرين توفى القادر بالله ليلة الاثنين الحادي عشر من ذى الحجة عن سبع وثمانين سنة ومدة خلافته إحدى وأربعون سنة وثلاثة اشهر وممن مات في أيامه من الأعلام أبو أحمد العسكرى الأديب والرمانى النحوى وابو الحسن الماسرجسى شيخ الشافعية وابو عبيد الله المرزبانى والصاحب بن عباد وهو وزير مؤيد الله وهو أول من سمى بالصاحب من الوزراء والدارقطنى الحافظ المشهور وابن شاهين وابو بكر الأودنى إمام الشافعية ويوسف بن السيرافى وابن زولاق المصري وابن أبى زيد المالكى شيخ المالكية وأبو طالب المكى صاحب قوت القلوب وابن بطة الحنبلى وابن سمعون الواعظ والخطابى والحاتمى اللغوى والأدفوى ابو بكر وزاهر السرخسى شيخ الشافعية وابن غلبون المقرىء والكشميهنى رواى الصحيح والمعافى بن زكريا النهروانى وابن خويز منداد وابن جنى والجوهرى صاحب الصحاح وابن فارس صاحب المجمل وابن منده الحافظ والإسماعيلي شيخ الشافعية واصبغ بن الفرج شيخ المالكية وبديع الزمان أول من عمل المقامات وابن لال وابن ابى زمنين وابو حيان التوحيدى والوأواء الشاعر والهروى صاحب الغريبين وأبو الفتح البستى الشاعر والحليمى شيخ الشافعية وابن الفارض وأبو الحسن القابسى والقاضى أبو بكر الباقلانى وابو الطيب الصعلوكى وابن الأكفانى وابن نباته صاحب الخطب والصيمرى شيخ الشافعية والحاكم صاحب المستدرك وابن كج والشيخ أبو حامد الإسفراينى وابن فورك والشريف الرضى وأبو بكر الرازى صاحب الألقاب والحافظ عبدالغنى بن سعيد وابن مردويه وهبة الله بن سلامة الضرير المفسر وابو عبد الرحمن السلمى شيخ الصوفية وابن البواب صاحب الخط وعبدالجبار المعتزلى والمحاملى امام الشافعية وأبو بكر القفال شيخ الشافعية والأستاذ ابو إسحاق الإسفراينى واللالكائى وابن الفخار عالم الأندلس وعلى بن عيسى الربعى النحوى وخلائق أخرون قال الذهبى كان في هذا العصر رأس الأشعرية ابو إسحاق الإسفراينى ورأس المعتزلة القاضى عبدالجبار ورأس الرافضة الشيخ المقتدر ورأس الكرامية محمد بن الهيصم ورأس القراء ابو الحسن الحمامى ورأس المحدثين الحافظ عبدالغنى بن سعيد ورأس الصوفية ابو عبدالرحمن السلمى ورأس الشعراء أبو عمر بن دراج ورأس المجودين ابن البواب ورأس الملوك السلطان محمود بن سبكتكين قلت ويضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله ورأس اللغويين الجوهرى ورأى النحاة ابن جنى ورأس البلغاء البديع ورأس الخطباء ابن نباتة ورأس المفسرين أبو القاسم بن حبيب النيسابورى ورأس الخلفاء القادر بالله فإنه من أعلامهم تفقه وصنف وناهيك بأن الشيخ تقى الدين ابن الصلاح عده من الفقهاء الشافعية وأورده في طبقاتهم ومدته في الخلافة من أطول المدد

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

96 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) الطائع لله أبو بكر




96


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

الطائع لله أبو بكر


الطائع لله ابو بكر عبدالكريم بن المطيع أمه أم ولد اسمها هزار نزل له أبوه عن الخلافة وعمره ثلاث وأربعون سنة فركب وعليه البردة ومعه الجيش وبين يديه سبكتكين وخلع من الغد على سبكتكين خلع السلطنة وعقد له اللواء ولقبه نصر الدولة ثم وقع بين عز الدولة وسبكتكين فدعا سبكتكين الأتراك لنفسه فأجابوه وجرى بينه وبين عز الدولة حروب وفي ذى الحجة من هذه السنة أي سنة ثلاث وستين وثلثمائة أقيمت الخطبة والدعوة بالحرمين للمعز العبيدى وفي سنة اربع وستين قدم عضد الدولة بغداد لنصرة عز الدولة على سبكتكين فأعجبته بغداد وملكها فعمل عليها واستمال الجند فشغبوا على عز الدولة فأغلق بابه وكتب عضد الدولة عن الطائع إلى الآفاق باستقرار الأمر العضد الدولة فوقع بين الطائع وبين غضد الدولة فقطعت الخطبة للطائع بسبب ذلك ببغداد وغيرها من يوم العشرين من جمادى الأولى إلى أن أعيدت في عاشر رجب وفي هذه السنة وبعدها غلا الرفض وفار بمصر والشام والمشرق والمغرب ونودى بقطع صلاة التراويح من جهة العبيدى وفي سنة خمسة وستين نزل ركن الدولة بن بويه عما بيده من الممالك لأولاده فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان ولمؤيد الدولة الرى وأصبهان ولفخر الدولة همذان والدينور وفي رجب منها عمل مجلس الحكم في دار السلطان عز الدولة وجلس قاضى القضاة ابن معروف وحكم لأن عز الدولة التمس ذلك ليشاهد مجلس حكمه كيف هو وفيها كانت وقعة بين عز الدولة وعضد الدولة وأسر فيها غلام تركى لعز الدولة فجن عليه واشتد حزنه وامتنع من الأكل وأخذ في البكاء واحتجب عن الناس وحرم على نفسه الجلوس في الدست وكتب إلى عضد الدولة يسأله أن يرد الغلام إليه ويتذلل فصار ضحكة بين الناس وعوتب فما ارعوى لذلك وبذل في فداء الغلام جاريتين عوديتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف دينار وقال للرسول إن توقف عليك في رده فزد ما رأيت ولا تفكر فقد رضيت أن آخذه واذهب إلى أقصى الأرض فرده عضد الدولة عليه وفيها أسقط الخطبة من الكوفة لعز الدولة وأقيمت لعضد الدولة وفيها مات المعز لدين الله العبيدى صاحب مصر وأول من ملكها من العبيديين وقام بالأمر بعده ابنه نزاز ولقب العزيز وفي سنة ست وستين مات المنتصر بالله الحكم بن الناصر لدين الله الأموى صاحب الأندلس وقام بعده ابنه المؤيد بالله هشام وفي سنة سبع وستين التقى عز الدولة وعضد الدولة فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا وقتله بعد ذلك وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة وتوجه بتاج مجوهر وطوقه وسوره وقلده سيفا وعقد له لواءين بيده احدهما مفضض على رسم الأمراء والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد اللواء الثانى لغيره قبله وكتب له عهدا وقرىء بحضرته ولم يبق أحد إلا تعجب ولم تجر العادة بذلك إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين فإذا أخذه قال أمير المؤمنين هذا مهدى إليك فاعمل به وفي سنة ثمان وستين أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح والمغرب والعشاء وان يخطب له على منابر الحضرة قال ابن الجوزى وهذان أمران لم يكونا من قبله ولا أطلقا لولاة العهود وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام فسأل المطيع في ذلك فلم يأذن له وما حظى عضد الدولة بذلك إلا لضعف أمر الخلافة وفي سنة تسع وستين ورد رسول العزيز صاحب مصر إلى بغداد وسأل عضد الدولة الطائع أن يزيد في ألقابه تاج الملة ويجدد الخلع عليه ويلبسه التاج فأجابه وجلس الطائع على السرير وحوله مائة بالسيوف والزينة وبين يديه مصحف عثمان وعلى كتفه البردة وبيده القضيب وهو متقلد بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضربت ستارة بعثها عضد الدولة وسأل أن تكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله ودخل الأتراك والديلم وليس مع أحد منهم حديد ووقف الأشراف واصحاب المراتب من الجانبين ثم اذن لعضد الدولة فدخل ثم رفعت الستارة وقبل عضد الدولة الأرض فارتاع زياد القائد لذلك وقال لعضد الدولة ما هذا أيها الملك أهذا هو الله فالتفت إليه وقال هذا خليفة الله في الأرض ثم استمر يمشى ويقبل الأرض سبع مرات فالتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال استدنه فصعد عضد الدولة فقبل الأرض مرتين فقال له ادن إلى فدنا وقبل رجله وثنى الطائع يمينه عليه وامره فجلس على الكرسي بعد أن كرر عليه اجلس وهو يستعفى فقال له أقسمت عليك لتجلسن فقبل الكرسي وجلس فقال له الطائع قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله إلى من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتى واسبابى فتول ذلك فقال يعيننى الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته ثم افاض عليه الخلع وانصرف قلت انظر إلى هذا الأمر وهو الخليفة المستضعف الذي لم تضعف الخلافة في زمن احد ما ضعفت في زمنه ولا قوى أمر سلطان ما قوى أمر عضد الدولة وقد صار الأمر في زماننا إلى ان الخليفة يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معا خارج المرتبة ثم يقوم الخليفة يذهب كأحد الناس ويجلس السلطان في دست مملكته ولقد حدثت ان السلطان الأشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكبا أمامه يحجبه والهيبة والعظمة للسلطان والخليفة كآحاد الأمراء الذين في خدمة السلطان وفي سنة سبعين خرج من همذان عضد الدولة وقدم بغداد فلتقاه الطائع ولم تجر عادة بخروج الخلفاء لتلقى أحد فلما توفيت بنت معز الدولة ركب المطيع إليه فغزاه فقبل الارض وجاء رسول عضد الدولة عضد الدولة فولى الطائع مكانه في السلطنة ابنه صمصام الدولة ولقبه شمس الملة وخلع عليه سبع خلع وتوجه وعقد له لواءين ثم في سنة ثلاث وسبعين يطلب من الطائع أن يتلقاه فما وسعه التأخر وفي سنة اثنتين وسبعين مات مات مؤيد الدولة أخو عضد الدولة وفي سنة خمس وسبعين هم صمصام الدولة أن يجعل المكس على ثياب الحرير والقطن مما ينسج ببغداد ونواحيها ووقع له في ضمان ذلك الف ألف درهم في السنة فاجتمع الناس في جامع المنصور وعزموا على المنع من صلاة الجمعة وكاد البلد يفتن فأعفاهم من ضمان ذلك وفي سنة ست وسبعين قصد شرف الدولة اخاه صمصام الدولة فانتصر عليه وكحله ومال العسكر إلى شرف الدولة وقدم بغداد وركب الطائع إليه يهنئه بالبلاد وعهد إليه بالسلطنة وتوجه وقرىء عهده والطائع يسمع وفي سنة ثمان وسبعين امر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في سيرها كما فعل المأمون وفيها اشتد الغلاء ببغداد جدا وظهر الموت بها ولحق الناس بالبصرة حر وسموم تساقط منه وجاءت ريح عظيمة بفح الصلح حرقت دجلة حتى ذكر أنه بانت أرضها وأغرقت كثيرا من السفن واحتملت زورقا منحدرا وفيه دواب فطرحت ذلك في أرض جوخى فشوهد بعد ايام وفي سنة تسع وسبعين مات شرف الدولة وعهد إلى أخيه أبى نصر فجاءه الطائع إلى دار المملكة يعزيه فقبل الأرض غير مرة ثم ركب أبو نصر إلى الطائع وحضر الأعيان فخلع الطائع على أبى نصر سبع خلع أعلاها سوداء وعمامة سوداء وفي عنقه طوق كبير وفي يده سواران ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف ثم قبل الأرض بين يدى الطائع وجلس على كرسى وقرىء عهده ولقبه الطائع بهاء الدولة وضياء الملة وفي سنة إحدى وثمانين قبض على الطائع وسببه أنه حبس رجلا من خواص بهاء الدولة فجاء بهاء الدولة وقد جلس الطائع في الرواق متقلدا سيفا فلما قرب بهاء الدولة قبل الأرض وجلس على الكرسي وتقدم اصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع من سريره وتكاثر الديلم فلفوه في كساء واصعد إلى دار السلطنة وارتج البلد ورجع بهاء الدولة وكتب على الطائع أيمانا بخلع نفسه وأنه سلم الأمر إلى القادر بالله وشهد عليه الأكابر والأشراف وذلك في تاسع عشر شهر شعبان ونفذ إلى القادر بالله ليحضر وهو بالبطيحة واستمر الطائع في دار القادر بالله مكرما محترما في أحسن حال حتى إنه حمل إليه ليلة شمعة قد أوقد نصفها فأنكر ذلك فحملوا إليه غيرها إلى أن مات ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وصلى عليه القادر بالله في داره وشيعه الأكابر والخدم ورثاه الشريف الرضى بقصيدة وكان شديد الانحراف على آل أبي طالب وسقطت الهيبة في ايامه جدا حتى هجاه الشعراء مات في ايام الطائع من الأعلام ابن السنى الحافظ وابن عدى والقفال الكبير والسيرافى النحوى وأبو سهل الصعلوكى وابو بكر الرازى الحنفى وابن خالوية والأزهرى إمام اللغة وأبو إبراهيم الفارابى صاحب ديوان الأدب والرفاء الشاعر وأبو زيد المروزى الشافعى والداركى وأبو بكر الأبهري شيخ المالكية وأبو الليث السمرقندى إمام الحنفية وأبو على الفارسى النحوى وابن الجلاب المالكى


عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

95 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المطيع لله أبو القاسم




95


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المطيع لله أبو القاسم

المطيع لله ابو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد أمه أم ولد اسمها شغله ولد سنة إحدى وثلثمائة وبويع له بالخلافة عند خلع المستكفى في جمادى الآخرة سنة اربع وثلاثين وثلثمائة وقرر له معز الدولة كل يوم نفقة مائة دينار فقط وفي هذه السنة من خلافته اشتد الغلاء ببغداد حتى أكلوا الجيف والروث وماتوا على الطرق واكلت الكلاب لحومهم وبيع العقار بالرغفان ووجد الصغار مشوية مع المساكين واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم والكر سبعة عشر قنطارا بالدمشقى وفيها وقع بين معز الدولة وبين ناصر الدولة بن حمدان فخرج لقتاله ومعه المطيع ثم رجع والمطيع معه كالأسير وفيها مات الأخشيد صاحب مصر وهو محمد بن طغج الفرغانى والأخشيد ملك الملوك وهو لقب لكل من ملك فرغانة كما أن الأصبهذ لقب ملك طبرستان وصول ملك جرجان وخاقان ملك الترك والأفشين ملك أشر وسنة وسامان ملك سمرقند وكان الأخشيد شجاعا مهيبا ولى مصر من قبل القاهر وكان له ثمانية آلاف مملوك وهو أستاذ كافور وفيها مات القائم العبيدى صاحب المغرب وقام بعده ولى عهده ابنه المنصور بالله إسماعيل وكان القائم شرا من أبيه زنديقا ملعونا أظهر سب الأنبياء وكان منادية ينادى العنوا الغار وما حوى وقتل خلقا من العلماء وفي سنة خمس وثلاثين جدد معز الدولة الإيمان بينه وبين المطيع وأزال عنه التوكيل وأعاده إلى دار الخلافة وفي سنة ثمان وثلاثين سأل معز الدولة أن يشرك معه في الأمر اخاه على ابن بويه عماد الدولة ويكون من بعده فأجابه المطيع ثم لم ينشب أن مات عماد الدولة من عامه فأقام المطيع اخاه ركن الدولة والد عضد الدولة وفي سنة تسع وثلاثين أعيد الحجر الأسود إلى موضعه وجعل له طوق فضة يشد به وزنه ثلاثة آلاف وسبعمائة وستون درهما ونصف وقال محمد بن نافع الخزاعى تأملت الحجر الأسود وهو مقلوع فإذا السواد في رأسه فقط وسائره ابيض وطوله قدر عظم الذراع وفي سنة إحدى وأربعين ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح على انتقلت إليه وامرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها وآخر يدعى أنه جبريل فضربوا فتعززوا بالإنتماء إلى أهل البيت فأمر معز الدولة بإطلاقهم لميله إلى أهل البيت فكان هذا من أفعاله الملعونة وفيها مات المنصور العبيدي صاحب المغرب بالمنصورية التى مصرها وقام بالأمر ولى عهده ابنه معد ولقب بالمعز لدين الله وهو الذي بنى القاهرة وكان المنصور حسن السيرة بعد أبيه وابطل المظالم فأحبه الناس وأحسن أيضا ابنه السيرة وصفت له المغرب وفي سنة ثلاث واربعين خطب صاحب خراسان للمطيع ولم يكن خطب له قبل ذلك فبعث إليه المطيع اللواء والخلع وفي سنة أربع وأربعين زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت ودامت ثلاث ساعات وفزع الناس إلى الله بالدعاء وفي سنة ست وأربعين نقص البحر ثمانين ذراعا وظهر فيه جبال والجزائر وأشياء لم تعهد وكان بالرى ونواحيها زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلا وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الرى واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجرت منها المياه وتقطع بالرى جبل وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف النهار ثم خسف بها وانخرقت الأرض خروقا عظيمة وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم هكذا نقل ابن الجوزى وفي سنة سبع وأربعين عادت الزلازل بقم وحلوان والجبال فأتلفت خلقا عظيما وجاء جراد طبق الدنيا فأتى على جميع الغلات والأشجار وفي سنة خمسين بنى معز الدولة ببغداد دارا هائلة عظيمة أساسها في الأرض ستة وثلاثون ذراعا وفيها قلد القضاء ابا العباس عبدالله بن الحسن بن ابي الشوارب وركب بالخلع من دار معز الدولة وبين يديه الدبادب والبوقات وفي خدمته الجيش وشرط على نفسه أن يحمل في كل سنة إلى خزانة معز الدولة مائتى ألف درهم وكتب عليه بذلك سجلا وامتنع المطيع من تقلده ومن دخوله عليه وأمر ان لا يمكن من الدخول إليه أبدا وفيها ضمن معز الدولة الحسبة ببغداد والشرطة وكل ذلك عقب ضعفة ضعفها وعوفى منها فلا كان الله عافاه وفيها أخذت الروم جزيرة أقريطش من المسلمين وكانت فتحت في حدود الثلاثين والمائتين وفيها توفى صاحب الأندلس الناصر لدين الله وقام بعده ابنه الحاكم وفي سنة إحدى وخمسين كتبت الشيعة ببغداد على ابواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك ومن منع الحسن أن يدفن مع جده ولعنة من نفى أباذر ثم إن ذلك محى في الليل فأراد معز الدولة أن يعيده فأشار عليه الوزير المهلبى أن يكتب مكان ما محى لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرحوا بلعنة معاوية فقط وفي سنة اثنتين وخمسين يوم عاشوراء الزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق وعلقوا عليها المسوح وأخرجوا نساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المأتم على الحسين وهذا أول يوم نيح عليه فيه ببغداد واستمرت هذه البدعة سنين وفي ثانى عشر ذى الحجة منها عمل عيد غدير خم وضربت الدبادب وفي هذه السنة بعث بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما خمس وعشرون سنة والالتصاق في الجنب ولهما بطنان وسرتان ومعدتان ويختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما ولكل واحد كفان وذراعان ويدان وفخذان وساقان وإحليلان وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى المرد ومات أحدهما وبقى أياما واخوه حى فأنتن وجمع ناصر الدولة الأطباء على ان يقدروا على فصل الميت من الحي فلم يقدروا ثم مرض الحى من رائحة الميت ومات وفي سنة ثلاث وخمسين عمل لسيف الدولة خيمة عظيمة الارتفاع عمودها خمسون ذراعا وفي سنة أربع وخمسين ماتت أخت معز الدولة فنزل المطيع في طيارة إلى دار معز الدولة يعزيه فخرج إليه معز الدولة ولم يكلفه الصعود من الطيارة وقبل الأرض مرات ورجع الخليفة إلى داره وفيها بنى يعقوب ملك الروم قيسارية قريبا من بلاد المسلمين وسكنها ليغير كل وقت وفي سنة ست وخمسين مات معز الدولة فأقيم ابنه بختيار مكانه في السلطنة ولقبه المطيع عز الدولة وفي سنة سبع ملك القرامطة دمشق ولم يحج أحد فيها لا من الشام ولا من مصر وعزموا على قصد مصر ليملكوها فجاء العبيديون فأخذوها وقامت دولة الرفض في الأقاليم المغرب ومصر والعراق وذلك أن كافورا الأخشيدي صاحب مصر لما مات اختل النظام وقلت الأموال على الجند فكتب جماعة إلى المعز يطلبون منه عسكرا ليسلموا إليه مصر فأرسل مولاه جوهرا القائد في مائة ألف فارس فملكها ونزل موضع القاهرة اليوم واختطها وبنى دار الإمارة للمعز وهى المعروفة الآن بالقصرين وقطع خطبة بنى العباس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض وأمر ان يقال في الخطبة اللهم صلى على محمد المصطفى وعلى على المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول وصل على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز بالله وذلك كله في شهر شعبان سنة ثمان وخمسين ثم في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين أذنوا في مصر بحى على خير العمل وشرعوا في بناء الجامع الأزهر ففرغ في رمضان سنة إحدى وستين وفي سنة تسع وخمسين انقض بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس وسمع بعد انقضاضه صوت كالرعد الشديد وفي سنة ستين أعلن المؤذنون بدمشق فى الأذان بحى على خير العمل بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز بالله ولم يجسر احد على مخالفته وفي سنة اثنتين وستين صادر السلطان بختيار المطيع فقال المطيع أنا ليس لى غير الخطبة فإن أحببتم اعتزلت فشدد عليه حتى باع قماشه وحمل أربعمائة الف درهم وشاع في الألسنة أن الخليفة صودر وفيها قتل رجل من أعوان الموالى ببغداد فبعث الوزير أبو الفضل الشيرازى من طرح النار من النحاسين إلى السماكين فاحترق حريق عظيم لم ير مثله واحترقت اموال واناس كثيرون في الدور والحمامات وهلك الوزير من عامه لا رحمه الله وفي رمضان من هذه السنة دخل المعز إلى مصر ومعه توابيت آبائه وفي سنة ثلاث وستين قلد المطيع القضاء أبا الحسن محمد بن أم شيبان الهاشمى بعد تمنع وشرط لنفسه شروطا منها ان لا يرتزق على القضاء ولا يخلع عليه ولا يشفع إليه فيما يخالف الشرع وقرر لكاتبه في كل شهر ثلثمائة درهم ولحاجبه مائة وخمسين وللفارض على بابه مائة ولخازن ديوان الحكم والأعوان ستمائة وكتب له عهد صورته هذا ما عهد به عبدالله الفضل المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمى حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء بين أهل مدينة السلام مدينة المنصورة والمدينة الشرقية من الجانب الشرقى والجانب الغربى والكوفة وسقى الفرات وواسط وكرخى وطريق الفرات ودجلة وطريق خراسان وحلوان وقرميسين وديار مضر وديار ربيعة وديار بكر والموصل والحرمين واليمن ودمشق وحمص وجند قنسرين والعواصم ومصر والإسكندرية وجند فلسطين والأردن واعمال ذلك كلها ومن يجرى من ذلك من الأشراف على من يختاره من العباسيين بالكوفة وسقى الفرات واعمال ذلك وما قلده إياه من قضاء القضاة وتصفح أحوال الحكام والاستشراف على ما يجرى عليه أمر الأحكام من سائر النواحى والأمصار التى تشتمل عليه المملكة وتنتهى إليها الدعوة وإقرار من يحمد هديه وطريقه والاستبدال بمن يذم شيمته وسجيته احتياطا للخاصة والعامة وجنوا على الملة والذمة عن علم بأنه المقدم في بيته وشرفه المبرز في عفافته الزكى في دينة وأمانته الموصوف في ورعه ونزاهته المشار إليه بالعلم والحجى المجمع عليه في الحلم والنهى البعيد من الأدناس اللابس من التقى أجمل اللباس النقى الحبيب المحبو بصفاء الغيب العالم بصالح الدنيا العارف بما يفسد سلامة العقبى أمره بتقوى الله فإنها الجنة الواقية وليجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته ويرتب عليه حكمه وقضيته إمامه الذي يفزع إليه وان يتخذ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منارا يقصده ومثالا يتبعه وان يراعى الإجماع وان يقتدى بالأئمة الراشدين وان يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع وأن يحضر مجلسه من يستظهر بعلمه ورأيه وأن يسوى بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه ويوفى كلا منهما من إنصافه وعدله حتى يأمن الضعيف حيفه وييأس القوى من ميله وأمره أن يشرف على اعوامه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه واسبابه إشرافا يمنع من التخطى إلى السيرة المحظورة ويدفع عن الإسفاف إلى المكاسب المحجورة وذكر من هذا الجنس كلاما طويلا قلت كان الخلفاء يولون القاضى المقيم ببلدهم القضاء بجميع الأقاليم والبلاد التى تحت ملكهم ثم يستنيب القاضى من تحت أمره من شاء في كل إقليم وفي كل بلد ولهذا كان يلقب قاضى القضاة ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة ومن عداه بالقاضى فقط أو قاضى بلد كذا واما الآن فصار في البلد الواحد أربعة مشتركون كل منهم يلقب قاضى القضاة ولعل آحاد نواب أولئك كان في حكمه أضعاف ما كان في حكم الواحد من قضاة القضاة الآن ولقد كان قاضى القضاة إذ ذاك أوسع حكما من سلاطين هذا الزمان وفي هذه السنة أعنى سنة ثلاث وستين حصل للمطيع فالج وثقل لسانه فدعاه حاجب عز الدولة الحاجب سبكتكين إلى خلع نفسه وتسليم الأمر الى ولده الطائع لله ففعل وعقد له الأمر في يوم الأربعاء ثالث عشرى ذى القعدة فكانت مدة خلافة المطيع تسعا وعشرين سنة وأشهرا وأثبت خلعه على القاضى ابن أم شيبان وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل قال الذهبى وكان المطيع وابنه مستضعفين مع بنى نويه ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفى لله فانصلح أمر الخلافة قليلا وكان دست الخلافة لبنى عبيد الرافضة بمصر أميز وكلمتهم أنفذ ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم وخرج المطيع إلى واسط مع ولده فمات في المحرم سنة اربع وستين قال ابن شاهين خلع نفسه غير مكره فيما صح عندى قال الخطيب حدثنى محمد بن يوسف القطان سمعت أبا الفضل التميمى سمعت المطيع لله سمعت شيخى ابن منيع سمعت احمد بن حنبل يقول إذا مات أصدقاء الرجل ذل وممن مات في أيام المطيع من الأعلام الخرقى شيخ الحنابلة وأبو بكر الشلبى الصوفى وابن القاص إمام الشافعية وأبو رجاء الأسوانى وأبو بكر الصولى والهيثم بن كليب الشاشى وأبو الطيب الصعلوكى وابو جعفر النحاس النحوى وأبو نصر الفارابى وابو إسحاق المروزى أمام الشافعية وأبو القاسم الزجاجى اللنحوى والكرخى شيخ الحنفية والدينورى صاحب المجالسة وأبو بكر الضبعى والقاضى أبو القاسم التنوخى وابن الحداد صاحب الفروع وأبو على ابن أبى هريرة من كبار الشافعية وأبو عمر الزاهد والمسعودى صاحب مروج الذهب وابن درستويه وأبو على الطبرى أول من جرد الخلاف والفاكهى صاحب تاريخ مكة والمتنبى الشاعر وابن حبان صاحب الصحيح وابن شعبان من أئمة المالكية وأبو على القالى وأبو الفرج صاحب الأغانى

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

94 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المستكفى بالله أبو القاسم


94

تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المستكفى بالله أبو القاسم


المستكفي بالله أبو القاسم عبدالله بن المكتفى بن المعتضد أمه أم ولد اسمها أملح الناس بويع له بالخلافة عند خلع المتقى في صفر سنة ثلاث وثلاثين وعمره أحدى وأربعون سنة ومات تورون في ايامه ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة وحلف العساكر لنفسه فخلع عليه الخليفة ثم دخل أحمد بن بويه بغداد فاختفى شيرزاد ودخل ابن بويه دار الخلافة فوقف بين يدى الخليفة فخلع عليه ولقبه معز الدولة ولقب أخاه عليا عماد الدولة واخاهما الحسن ركن الدولة وضرب ألقابهم على السكة ولقب المستكفى نفسه إمام الحق وضرب ذلك على السكة ثم إن معز الدولة قوى أمره وحجر على الخليفة وقدر له كل يوم برسم النفقة خمسة آلآف درهم فقط وهو أول من ملك العراق من الديلم وأول من أظهر السعاة في بغداد واغرى المصارعين والسباحين فانهمك شباب بغداد في تعلم المصارعة والسباحة حتى صار السابح يسبح وعلى يده كانون وفوقه قدرة فيسبح حتى ينضج اللحم ثم أن معز الدولة تخيل من المستكفى فدخل عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين فوقف والناس وقوف على مراتبهم فتقدم اثنان من الديلم إلى الخليفة فمد يديه إليهما ظنا أنهما يريدان تقبيلهما فجذباه من السرير حتى طرحاه إلى الأرض وجراه بعمامته وهجم الديلم دار الخلافة إلى الحرم ونهبوها فلم يبق فيها شىء ومضى معز الدولة إلى منزله وساقوا المستكفى ماشيا إليه وخلع وسملت عيناه يومئذ وكانت خلافته سنة واربعة أشهر واحضروا الفضل بن المقتدر وبايعوه ثم قدموا ابن عمه المستكفى فسلم عليه بالخلافة وأشهد على نفسه بالخلع ثم سجن إلى أن مات سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة وله ست وأربعون سنة وشهران وكان يتظاهر بالتشيع


عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

93 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المتقى لله أبو إسحاق



93


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المتقى لله أبو إسحاق


المتقى الله أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق طلحة ابن المتوكل بويع له بالخلافة بعد موت أخيه الراضى وهو ابن أربع وثلاثين سنة وأمه أمة اسمها خلوب وقيل زهرة ولم يغير شيئا قط ولا تسرى على جاريته التى كانت له وكان كثير الصوم والتعبد ولم يشرب نبيذا قط وكان يقول لا أريد نديما غير المصحف ولم يكن له سوى الأسم والتدبير لأبى عبدالله أحمد بن على الكوفى كاتب بجكم وفي هذه السنة من ولايته سقطت القبة الخضراء بمدينة المنصورة وكانت تاج بغداد ومأثره بنى العباس وهى من بناء المنصور ارتفاعها ثمانون ذراعا وتحتها إيوان طوله عشرون ذراعا في عشرين ذراعا وعليها تمثال فارس بيده رمح فإذا استقبل بوجهه جهة علم أن خارجيا يظهر من تلك الجهة فسقط رأس هذه القبة في ليلة ذات مطر ورعد وفي هذه السنة قتل بجكم التركي فولى إمرة الامراء مكانه كورتكين الديلمى وأخذ المتقى حواصل بجكم التى كانت ببغداد وهى زيادة على ألف ألف دينار ثم في هذا العام ظهر ابن رائق فقاتل كورتكين ببغداد فهزم كورتكين واختفى وولى ابن رائق إمرة الأمراء مكانه وفي سنة ثلاثين كان الغلاء ببغداد فبلغ كرا الحنطة ثلثمائة وستة عشر دينارا واشتد القحط وأكلوا الميتات وكان قحطا لم ير ببغداد مثله ابدا وفيها خرج أبو الحسين على ابن محمد اليزيدى فخرج لقتاله الخليفة وابن رائق فهزما وهربا إلى الموصل ونهبت بغداد ودار الخلافة فلما وصل الخليفة إلى تكريت وجد هناك سيف الدولة ابا الحسن على بن عبدالله بن حمدان وأخاه الحسن وقتل ابن رائق غيلة فولى الخليفة مكانه الحسن بن حمدان ولقبه ناصر الدولة وخلع على أخيه ولقبه سيف الدولة وعاد إلى بغداد وهما معه فهرب اليزيدى إلى واسط ثم ورد الخبر في ذى القعدة أن اليزيدى يريد بغداد فاضطرب الناس وهرب وجوه أهل بغداد وخرج الخليفة ليكون مع ناصر الدولة وسار سيف الدولة لقتال اليزيدى فكانت بينهما وقعة هائلة بقرب المدائن وهزم اليزيدى فعاد بالويل إلى واسط فساق سيف الدولة إلى واسط فانهزم اليزيدى إلى البصرة وفي سنة إحدى وثلاثين وصلت الروم إلى ارزن وميافارقين ونصيبين فقتلوا وسبوا ثم طلبوا منديلا في كنيسة الرها يزعمون أن المسيح مسح به وجهه فارتسمت صورته فيه على انهم يطلقون جميع من سبوا فأرسل إليهم واطلقوا الأسرى وفيها هاج الأمراء بواسط على سيف الدولة فهرب في البريد يريد بغداد ثم صار إلى الموصل اخوه ناصر الدولة خائفا لهرب أخيه وسار من واسط تورون فقصد بغداد وقد هرب منه سيف الدولة إلى الموصل فدخل تورون بغداد في رمضان فخلع عليه المتقى وولاه أمير الأمراء ثم وقعت الوحشة بين المتقى وتورون فأرسل تورون أبا جعفر بن شيرزاد من واسط إلى بغداد فحكم عليها وامر ونهى فكاتب المتقى بأهله إلى تكريت وخرج ناصر الدولة بجيش كثير من الأعراب والأكراد إلى قتال تورون فالتقيا بعكبرا فانهزم ابن حمدان بالقدوم عليه فقدم في جيش عظيم واستتر ابن شيرزاد فسار المتقى ابن حمدان والمتقى إلى الموصل ثم تلاقوا مرة أخرى فانهزم ابن حمدان والخليفة إلى نصيبين فكتب الخليفة إلى الأخشيد صاحب مصر أن يحضر إليه ثم بان له من بنى حمدان الملل والضجر فراسل الخليفة تورون في الصلح فأجاب وبالغ في الإيمان ثم حضر الأخشيد إلى المتقى وهو بالرقة وقد بلغه مصالحة تورون فقال يا أمير المؤمنين انا عبدك وابن عبدك وقد عرفت الأتراك وفجورهم وغدرهم فالله الله في نفسك سر معى إلى مصر فهى لك وتأمن على نفسك فلم يقبل فرجع الأخشيد إلى بلاده وخرج المتقى من الرقة إلى بغداد في رابع من المحرم سنة ثلاث وثلاثين وخرج للقائه تورون فلتقيا بين الأنبار وهيت فترجل تورون وقبل الأرض فأمر المتقى بالركوب فلم يفعل ومشى بين يديه إلى المخيم الذي ضربه له فلما نزل قبض عليه وعلى ابن مقلة ومن معه ثم كحل الخليفة وأدخل بغداد مسمول العينين وقد أخذ منه الخاتم والبردة والقضيب واحضر تورون عبدالله بن المكتفى وبايعة بالخلافة ولقب المستكفى بالله ثم بايعه المتقى المسمول وأشهد على نفسه بالخلع مع ذلك لعشر بقين من المحرم وقيل من صفر ولما كحل قال القاهر صرت وإبراهيم شيخى عمىلابد للشيخين من مصدر مادام تورون له إمرةمطاعة فالميل في المجمر ولم يحل الحول على تورون حتى مات وأما المتقى فإنه أخرج الى جزيرة مقابلة للسندية فسجن بها فأقام بالسجن خمس وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان سنة سبع وخمسين وفي أيام المتقى كان ابن حمدى اللص ضمنه ابن شيرزاد لما تغلب على بغداد اللصوصية بها بخمسة وعشرين الف دينار في الشهر فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع ويأخذ الأموال وكان اسكورج الديلمى قد ولى شرطة بغداد فأخذه ووسطه وذلك سنة ثنتين وثلاثين مات في أيام المتقى من الأعلام أبويعقوب النهرجورى أحد أصحاب الجنيد والقاضى ابو عبيد الله المحاملى وابو بكر الفرغانى الصوفى والحافظ أبو العباس بن عقدة وابن ولاد النحوى وآخرون ولما بلغ القاهر أنه سمل قال صرنا اثنين نحتاج إلى ثالث فكان كذلك سمل المستكفى


عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ










92 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) الراضى بالله أبو العباس الراضى بالله



92

تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

الراضى بالله أبو العباس الراضى بالله


أبو العباس محمد بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل ولد سنة سبع وتسعين ومائتين وامه أم ولد رومية اسمها ظلوم وبويع له يوم خلع القاهر فأمر ابن مقلة ان يكتب كتابا فيه مثالب القاهر ويقرأ على الناس وفي هذا العام أى عام اثنتين وعشرين وثلثمائة من خلافته مات مرداويج مقدم الديلم بأصبهان وكان قد عظم أمره وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد وأنه مسالم لصاحب المجوس وكان يقول أنا أرد دولة العجم وأمحق دولة العرب وفيها بعث على بن بويه إلى الراضى يقاطعه على البلاد التى استولى عليها بثمان مائة ألف ألف درهم كل سنة فبعث له لواء وخلعا ثم أخذ ابن بويه يماطل بحمل المال وفيها مات المهدى صاحب المغرب وكانت أيامه خمسا وعشرين سنة وهو جد خلفاء المصريين الذين يسمونهم الجهلة الفاطميين فإن المهدى هذا ادعى أنه علوى وإنما جده مجوسى قال القاضى أبو بكر الباقلانى جد عبيدالله الملقب بالمهدى مجوسى دخل عبيدالله المغرب وادعى أنه علوى ولم يعرفه أحد من العلماء النسب وكان باطنيا خبيثا حريصا على إزالة ملة الاسلام أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق وجاء أولاده على اسلوبه اباحوا الخمور والفروج واشاعوا الرفض وقام بالأمر بعد موت هذا ابنه القائم بأمر الله أبو القاسم محمد وفي هذه السنة ظهر محمد بن على الشلمغانى المعروف بابن أبى القراقر وقد شاع عنه أنه يدعى الإلهية وانه يحيى الموتى فقتل وصلب وقتل معه جماعة من أصحابه وفيها توفى أبو جعفر السجزى أحد الحجاب قيل بلغ من العمر مائة واربعين سنة وحواسه جيدة وفيها انقطع الحج من بغداد إلى سنة سبع وعشرين وفي سنة ثلاث وعشرين تمكن الراضى بالله وقلد ابنيه أبا الفضل وأبا جعفر المشرق والمغرب وفيها كانت واقعة ابن شنبوذ المشهورة واستتابته عن القراءة بالشاذ والمحضر الذى كتب عليه وذلك بحضرة الوزير أبى على بن مقلة وفيها في جمادى الأولى هبت ريح عظيمة ببغداد واسودت الدنيا وأظلمت من العصر إلى المغرب وفيها في ذى القعدة انقضت النجوم سائر الليل انقضاضا عظيما ما رؤى مثله وفي سنة اربع وعشرين تغلب محمد بن رائق أمير واسط ونواحيها وحكم على البلاد وبطل أمر الوزارة والدواوين وتولى هو الجميع وكتابه وصارت الأموال تحمل إليه وبطلت بيوت المال وبقى الراضى معه صورة وليس من الخلافة إلا الأسم وفي سنة خمس وعشرين اختل الأمر جدا وصارت البلاد بين خارجي قد تغلب عليها أو عامل لا يحمل مالا وصاروا مثل ملوك الطوائف ولم يبق بيد الراضى غير بغداد والسواد مع كون يد ابن رائق عليه ولما ضعف أمر الخلافة في هذه الأزمان ووهت أركان الدولة العباسية وتغلبت القرامطة والمبتدعة على الأقاليم قويت همة صاح الأندلس الأمير عبدالرحمن بن محمد الأموى المروانى وقال أنا أولى الناس بالخلافة وتسمى بأمير المؤمنين الناصر لدين الله واستولى على أكثر الأندلس وكانت له الهيبة الزائدة والجهاد والغزو والسيرة المحمودة استأصل المتغلبين وفتح سبعين حصنا فصار المسمون بأمير المؤمنين في الدنيا ثلاثة العباسى ببغداد وهذا بالأندلس والمهدى بالقيروان وفي سنة ست وعشرين خرج يحكم على ابن رائق فظهر عليه واختفى ابن رائق فدخل بجكم بغداد فأكرمه الراضى ورفع منزلته ولقبه أمير الأمراء وقلده إمارة بغداد وخراسان وفي سنة سبع وعشرين كتب أبو على عمر بن يحيى العلوى إلى القرمطى وكان يحبه أن يطلق طريق الحاج ويعطيه عن كل جمل خمسة دنانير فأذن وحج الناس وهى أول سنة أخذ فيها المكس من الحجاج وفي سنة ثمان وعشرين غرقت بغداد غرقا عظيما حتى بلغت زيادة الماء تسعة عشر ذراعا وغرق الناس والبهائم وانهدمت الدور وفي سنة تسع وعشرين اعتل الراضى ومات في شهر ربيع الآخر وله إحدى وثلاثون سنة ونصف وكان سمحا كريما أديبا شاعرا فصيحا محبا للعلماء وله شعر مدون وسمع الحديث من البغوى وغيره قال الخطيب للراضى فضائل منها أنه آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة خطب يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدمين وآخر خليفة سافر بزى القدماء ومن شعره كل صفو إلى كدركل أمر إلى حذر ومصير الشباب للموت فيه أو الكدر در در المشيب من واعظ ينذر البشر أيها الآمل الذى تاه في لجة الغرر أين من كان قبلنا ذهب الشخص والأثر رب فاغفر خطيئتى أنت يا خير من غفر ذكر أبو الحسن بن رزقويه عن إسماعيل الخطبي قال وجه إلى الراضى ليلة الفطر فجئت إليه فقال يا اسمعيل قد عزمت في غد على الصلاة بالناس فما الذى أقول إذا انتهيت إلى الدعاء لنفسى فأطرقت ساعة ثم قلت قل يا امير المؤمنين رب أوزعنى أن أشكر نعمتك ألتى أنعمت على وعلى والدى الآية فقال لى حسبك ثم تبعنى خادم فأعطانى أربعمائة دينار مات في أيامه من الأعلام نفطويه وابن مجاهد المقرىء وابن كاس الحنفى وابن أبى حاتم ومبرمان وابن عبدربه صاحب العقد والإصطخرى شيخ الشافعية وابن شنبوذ وأبو بكر الأنبارى


عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


91 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) القاهر بالله أبو المنصور القاهر بالله


91

تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

القاهر بالله أبو المنصور القاهر بالله


أبو منصور محمد بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل أمه أم ولد فتنة لما قتل المقتدر أحضر هو ومحمد بن المكتفى فسألوا ابن المكتفى أن يتولى فقال لا حاجة لي في ذلك وعمى هذا أحق به فكلم القاهر فأجاب فبويع ولقب القاهر بالله كما لقب به في سنة سبع عشرة فأول ما فعل ان صادر آل المقتدر وعذبهم وضرب أم المقتدر حتى ماتت في العذاب وفي سنة إحدى وعشرين شغب عليه الجند واتفق مؤنس وابن مقلة وآخرون على خلعه بابن المكتفى فتحيل القاهر عليهم إلى ان امسكهم وذبحهم وطين على ابن المكتفى بين حيطتين وأما ابن مقلة فاختفى فأحرقت داره ونهبت دور المخالفين ثم أطلق أرزاق الجند فسكنوا واستقام الأمر للقاهر وعظم في القلوب وزيد في ألقابه المنتقم من أعداء دين الله ونقش ذلك على السكة وفي هذه السنة امر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات اللهو وأمر ببيع المغنيات من الجوارى على أنهن سوادج وكان مع ذلك لا يصحو من السكر ولا يفتر عن سماع الغناء وفي سنة اثنتين وعشرين ظهرت الديلم وذلك لأن أصحاب مرداويج دخلوا أصبهان وكان من قواده على بن بويه فاقتطع مالا جليلا فانفرد عن مخدومه ثم التقى هو ومحمد بن ياقوت نائب الخليفة فهزم محمد واستولى ابن بويه على فارس وكان بويه فقيرا صعلوكا يصيد السمك رأى كأنه بال فخرج من ذكره عمود نار ثم تشعب العمود حتى ملأ الدنيا فعبرت بأن أولاده يملكون الدنيا ويبلغ سلطانهم على قدر ما احتوت عليه النار فمضت السنون وآل الأمر على هذا إلى أن صار قائدا لمرداويج ابن زياد الديلمى فأرسله يستخرج له مالا من الكرخ فاستخرج خمسمائة ألف درهم واتى همذان ليملكها فغلق أهلها في وجهه الأبواب فقتلهم وفتحها عنوة وقيل صلحا ثم صار إلى شيراز ثم أنه قل عنده من مال فنام على ظهره فخرجت حية من سقف المجلس فأمر بنقضه فخرجت صناديق ملأى ذهبا فأنفقها في جنده وطلب خياطا يخيط له شيئا وكان أطروشا فظن أنه قد سعى به فقال والله ما عندى سوى اثنى عشر صندوقا لا أعلم ما فيها فأحضرت فوجد فيها مالا عظيما وركب يوما فساخت قوائم فرسه فحفروه فوجدوا فيه كنزا واستولى على البلاد وخرجت خراسان وفارس عن حكم الخلافة وفي هذه السنة قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل النوبختى الذي قد كان اشار بخلافة القاهر ألقاه على رأسه في بئر وطمت وذنبه انه زايد القاهر قبل الخلافة في جارية واشتراها فحقد عليه وفيها تحرك الجند عليه لأن ابن مقلة في اختفائه كان يوحشهم منه ويقول لهم إنه بنى لكم المطامير ليحبسكم وغير ذلك فأجمعوا على الفتك به فدخلوا عليه بالسيوف فهرب فأدركوه وقبضوا عليه في سادس من جمادى الآخرة وبايعوا أبا العباس محمد بن المقتدر ولقبوه الراضى بالله ثم أرسلوا إلى القاهر الوزير والقضاة أبا الحسين بن القاضى أبى عمر والحسن بن عبدالله ابن أبي الشوارب وأبا طالب بن البهلول فجاؤه فقيل له ما تقول قال أنا أبو المنصور محمد بن المعتضد لى في أعناقكم بيعة وفي أعناق الناس ولست أبرئكم ولا أحلكم منها فقوموا فقاموا فقال الوزير يخلع ولا نفكر فيه أفعاله مشهورة وقال القاضي أبو الحسين فدخلت على الراضى وأعدت عليه ما جرى وأعلمته أنى أرى إمامته فرضا فقال انصرف ودعنى وإياه فأشار سيماء مقدم الحجرية على الراضى بسلمه فكحله بمسمار محمى قال محمود الأصبهانى كان سبب خلع القاهر سوء سيرته وسفكه الدماء فامتنع من الخلع فسملوا عينيه حتى سالتا على خديه وقال الصولى كان أهوج سفاكا للدماء قبيح السيرة كثير التلون والاستحالة مدمن الخمر ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وكان قد صنع حربة يحميها فلا يطرحها حتى يقتل بها انسانا قال على بن محمد الخراسانى أحضرنى القاهر يوما والحربة بين يديه فقال أسألك عن خلفاء بنى العباس عن أخلاقهم وشيمم قلت أما السفاح فكان مسرعا إلى سفك الدماء واتبعه عماله على مثل ذلك وكان مع ذلك سمحا وصولا بالمال قال فالمنصور قلت كان أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد أبى طالب وكانوا قبلها متفقين وهو أول خليفة قرب المنجمين وأول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية وكتاب كليلة ودمنة وكتاب إقليدس وكتب اليونان فنظر الناس فيها وتعلقوا بها فلما رأى ذلك محمد بن إسحاق جمع المغازى والسير والمنصور اول من استعمل مواليه وقدمهم على العرب قال فالمهدى قلت كان جوادا عادلا منصفا رد ما أخذ أبوه من الناس غصبا وبالغ في إتلاف الزنادقة وبنى المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى قال فالهادى قلت كان جبارا متكبرا فسلك عماله طريقه على قصر ايامه قال فالرشيد قلت كان مواظبا على الغزو والحج وعمر القصور والبرك بطريق مكة وبنى الثغور كأذنة وطرسوس والمصيصة ومرعش وعم الناس إحسانه وكان في أيامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم وهو أول خليفة لعب بالصولجة ورمى النشاب في البرجاس ولعب بالشطرنج من بنى العباس قال فالأمين قلت كان جوادا إلا أنه انهمك في لذاته ففسدت الأمور قال فالمأمون قلت غلب عليه النجوم والفلسفة وكان حليما جوادا قال فالمعتصم قلت سلك طريقه وغلب عليه حب الفروسية والتشبه بملوك الأعاجم واشتغل بالغزو والفتوح قال فالواثق قلت سلك طريقة أبيه قال فالمتوكل قلت خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقادات ونهى عن الجدال والمناظرات والأهواء وعاقب عليها وأمر بقراءة الحديث وسماعه ونهى عن القول بخلق القرآن فأحبه الناس ثم سأل عن باقى الخلفاء وانا أجيبه بما فيهم فقال لى سمعت كلامك وكأنى أشاهد القوم ثم قام وقال المسعودى أخذ القاهر مؤنس وأصحابه مالا عظيما فلما خلع وسمل طولب بها فأنكر فعذب بأنواع العذاب فلم يقر بشىء فأخذه الراضى بالله فقر به وأدناه وقال له قد ترى مطالبة الجند بالمال وليس عندى شىء والذى عندك فليس بنافع لك فاعترف به فقال اما إذ فعلت هذا فالمال مدفون في البستان وكان قد أنشأ بستانا فيه أصناف الشجر حملت إليه من البلاد وزخرفته وعمل فيه قصرا وكان الراضى مغرما بالبستان والقصر فقال وفي أى مكان المال منه فقال أنا مكفوف ولا أهتدى إلى مكان فاحفر البستان تجده فحفر الراضى البستان واساسات القصر وقلع الشجر فلم يجد شيئا فقال له واين المال فقال وهل عندى مال وإنما كان حسرتى في جلوسك في البستان وتنعمك فأردت أن افجعك فيه فندم الراضى وحبسه فأقام إلى سنة ثلاث وثلاثين ثم اطلقوه وأهملوه فوقف يوما بجامع المنصور بين الصفوف وعليه مبطنة بيضاء وقال تصدقوا على فأنا من قد عرفتم وذلك في أيام المستكفى ليشنع عليه فمنع من الخروج إلى أن مات سنة تسع وثلاثين في جمادى الأولى عن ثلاث وخمسين سنة وكان له من الولد عبدالصمد وأبو القاسم وأبو الفضل وعبدالعزيز ومات في ايامه من الأعلام الطحاوى شيخ الحنفية وابن دريد وأبو هاشم الجبائى وآخرون

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

90 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المقتدر بالله أبو الفضل المقتدر بالله



90


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المقتدر بالله أبو الفضل المقتدر بالله


أبو الفضل جعفر بن المعتضد ولد في رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وأمه رومية وقيل تركية أسمها غريب وقيل شغب ولما اشتدت علة أخيه المكتفى سأل عنه فصح عنده أنه احتلم فعهد إليه ولم يل الخلافة قبله أصغر منه فإنه وليها وله ثلاث عشرة سنة فاستصباه الوزير العباس بن الحسن فعمل على خلعه ووافقه جماعة على أن يولوا عبدالله بن المعتز فأجاب ابن المعتز بشرط أن لا يكون فيها دم فبلغ المقتدر ذلك فأصلح حال العباس ودفع إليه أموالا أرضته فرجع عن ذلك وأما الباقون فإنهم ركبوا عليه في العشرين من ربيع الأول سنة ست والمقتدر يلعب الأكرة فهرب ودخل وأغلقت الأبواب وقتل الوزير بالخلافة ولقبوه الغالب بالله فاستوزر محمد بن داود بن الجراح واستقصى أبا وجماعة وأرسل الى ابن المعتز فجاء وحضر القواد والقضاة والأعيان وبايعوه المثنى أحمد بن يعقوب ونفذت الكتب بخلافة ابن المعتز قال المعافى بن زكريا الجريرى لما خلع المقتدر وبويع ابن المعتز دخلوا على شيخنا محمد بن جرير الطبري فقال ما الخبر قيل بويع ابن المعتز قال فمن رشح للوزارة قيل محمد بن داود قال فمن ذكر للقضاء قيل أبو المثنى فأطرق ثم قال هذا الأمر لا يتم قيل له زكيف قال كل واحد ممن سميتهم متقدم في معناه عالى الرتبة والزمان مدبر والدنيا مولية وما ارى هذا إلا إلى اضمحلال وما ارى لمدته طولا وبعث ابن المعتز إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار محمد بن طاهر لكى ينقل ابن المعتز إلى دار الخلافة فأجاب ولم يكن بقى معه إلا طائفة يسيرة فقالوا يا قوم نسلم هذا الأمر ولا نجرب نفوسنا في دفع ما نزل بنا فلبسوا السلاح وقصدوا المخرم وبه ابن المعتز فلما رآهم من حوله ألقى الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا منهزمين بلا قتال وهرب ابن المعتز ووزيره وقاضيه ووقع النهب والقتل في بغداد وقبض المقتدر على الفقهاء والأمراء الذين خلعوه وسلموا إلى يونس الخازن فقتلهم إلا أربعة منهم القاضى ابو عمر سلموا من القتل وحبس ابن المعتز ثم اخرج فيما بعد ميتا واستقام الأمر للمقتدر فاستوزر أبا الحسن على بن محمد بن الفرات فسار أحسن سير وكشف المظالم وحض المقتدر على العدل ففوض إليه الأمور لصغره واشتغل باللعب واللهو وأتلف الخزائن وفي هذه السنة أمر المقتدر أن لا يستخدم اليهود والنصارى وأن يركبوا بالأكف وفيها غلب أمر المهدى بالمغرب وسلم عليه بالإمامة ودعى له بالخلافة وبسط في الناس العدل والإحسان فانحرفوا إليه وتمهدت له المغرب وعظم ملكه وبنى المهدي وهرب أمير إفريقية زياد الله بن الأغلب إلى مصر ثم أتى العراق وخرجت المغرب على أمر بنى العباس من هذا التاريخ فكانت مدة ملكهم جميع الممالك الإسلامية مائة وبضعا وستين سنة ومن هنا دخل النقص عليهم قال الذهبي اختل النظام كثيرا في أيام المقتدر لصغره وفي سنة ثلاثمائة ساخ جبل بالدينور في الأرض وخرج من تحته ماء كثير أغرق القرى وفيها ولدت بغلة فلوا فسبحان القادر على ما يشاء وفي سنة إحدى وثلثمائة ولى الوزير على بن عيسى فسار بعفة وعدل وتقوى وأبطل الخمور وأبطل من المكوس ما ارتفاعه في العام خمسمائة ألف دينار وفيها أعيد القاضى أبو عمر إلى القضاء وركب المقتدر إلى من داره إلى الشماسية وهى أول ركبة ركبها وظهر فيها للعامة وفيها أدخل الحسين الحلاج مشهورا على جمل إلى بغداد فصلب حيا ونودى عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ثم حبس إلى أن قتل في سنة تسع وأشيع عنه أنه ادعى الإلهية وأنه يقول بحلول اللاهوت في الأشراف ويكتب إلى أصحابه من النور الشعشعانى ونوظر فلم يوجد عنده شىء من القرآن ولا الحديث ولا الفقه وفيها سار المهدى الفاطمى يريد مصر في أربعين الفا من البربر فحال النيل بينه وبينها فرجع إلى الاسكندرية وأفسد فيها وقتل ثم رجع فسار إليه جيش المقتدر إلى برقة وجرت لهم الحروب ثم ملك الفاطمى الاسكندرية والفيوم من هذا العام وفي سنة اثنتين ختن المقتدر خمسة من أولاده فغرم على ختانهم ستمائة ألف دينار وختن معهم طائفة من الأيتام وأحسن إليهم وفيها صلى العيد في جامع مصر ولم يكن يصلى فيه العيد قبل ذلك فخطب بالناس على ابن أبي شيخة من الكتاب نظرا وكان من غلطه أن قال اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون وفيه أسلم الديلم على يد الحسن بن علي العلوي الأطروش وكان مجوسيا وفي سنة أربع وقع الخوف ببغداد من حيوان يقال له الزبزب ذكر الناس أنهم يرونه بالليل على الأسطحة وأنه يأكل الأطفال ويقطع ثدى المرأة فكانوا يتحارسون ويضربون بالطاسات ليهرب واتخذ الناس لأطفالهم مكاب ودام عدة ليال وفي سنة خمس قدمت رسل ملك الروم بهدايا وطلبت عقد هدنة فعمل المقتدر موكبا عظيما فأقام العسكر وصفهم بالسلاح وهم مائة وستون ألفا ويليهم الحجاب وهم سبعمائة حاجب وكانت الستور التي نصبت على حيطان دار الخلافة ثمانية وثلاثين ألف ستر من الديباج والبسط اثنين وعشرين ألفا وفي الحضرة مائة سبع في السلاسل إلى غير ذلك وفي هذه السنة وردت هدايا صاحب من باب الشماسية الى دار الخلافة وبعدهم الخدام وهم سبة آلاف خادم عمان وفيها طير أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغا وفي سنة ست فتح مارستان أم المقتدر وكان مبلغ النفقة فيه في العام سبعة آلاف دينار وفيها صار الأمر والنهى لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر بمثل القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها وفيها عاد القائم محمد بن المهدى الفاطمى إلى مصر فأخذ أكثر الصعيد وفي سنة ثمان غلت الأسعار ببغداد وسبغت العامة لكون حامد بن العباس ضمن السواد وجدد المظالم ووقع النهب وركب الجند فيها وشتتهم العامة ودام القتال أياما وأحرق العامة الحبس وفتحو السجون ونهبوا الناس ورجموا الوزير واختلفت أحوال الدولة العباسية جدا وفيها ملكت جيوش القائم الجزيرة من الفسطاط وأشتد قلق أهل مصر وتأهبوا للحروب وجرت أمور وحروب يطول شرحها وفي سنة تسع قتل الحلاج بإفتاء القاضى أبى عمر والفقهاء والعلماء أنه حلال الدم وله في أحواله السنية أخبار أفردها الناس بالتصنيف وفي سنة إحدى عشرة أمر المقتدر برد المواريث إلى ما حيرها المعتضد من توريث ذوى الأرحام وفي سنة ثنتى عشرة فتحت فرغانة على يد والى خرسان وفي سنة اربع عشرة دخلت الروم ملطية بالسيف وفيها جمدت دجلة بالموصل وعبرت عليها الدواب وهذا بم يعهد وفي سنة خمس عشرة دخلت الروم دمياط وأخذوا من فيها وما فيها وضربوا الناقوس في جامعها وفيها ظهرت الديلم على الرى والجبال فقتل خلق وذبحت الأطفال وفي سنة ست عشرة بنى القرمطى دارا سماها دار الهجرة وكان في هذه السنين قد كثر فساده واخذه البلاد وفتكه بالمسلمين واشتد الخطب به وتمكنت هيبته في القلوب وكثر أتباعه وبث السرايا وتزلزل له الخليفة وهزم جيش المقتدر غير مرة وانقطع الحج في هذه السنين خوفا من القرامطة ونزح أهل مكة عنها وقصدت الروم ناحية خلاط واخرجوا المنبر من جامعها وجعلوا الصليب مكانه وفي سنة سبع عشرة خرج مؤنس الخادم الملقب بالمظفر على المقتدر لكونه بلغه أنه يريد أن يولى إمرة الأمراء هارون بن غريب مكان المؤنس وركب معه سائر جيش الأمراء والجنود وجاءوا إلى دار الخلافة فهربت خواص المقتدر واخرج المقتدر بعد العشاء وذلك في ليلة رابع عشر لمحرم من داره وأمه وخالته وحرمه ونهب لأمه ستمائة ألف دينار وأشهد عليه بالخلع واحضر محمد بن المعتضد وبايعه مؤنس والأمراء ولقبوه القاهر بالله وفوضت الوزارة إلى أبي على بن مقلة وذلك يوم السبت وجلس القاهر بالله يوم الأحد وكتب الوزير عنه إلى البلاد وعمل الموكب يوم الاثنين فجاء العسكر يطلبون رزق البيعة ورزق السنة ولم يكن مؤنس حاضرا فارتفعت الأصوات فقتلوا الحاجب ومالوا إلى دار مؤنس يطلبون المقتدر ليردوه إلى الخلافة فحملوه على اعناقهم من دار مؤنس إلى قصر الخلافة وأخذ القاهر فجىء به وهو يبكى ويقول الله الله في نفسى فاستدناه سوء أبدا إلى لأقاليم بعود الخلافة إلى خلافته وبذل المقتدر الأموال في الجند وقبله وقال له يا أخي أنت والله لا ذنب لك والله لا جرى عليك مني وفي هذه السنة سير المقتدر ركب الحاج مع منصور الديلمى فوصلوا إلى مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطى فقتل الحجيج في المسجد الحرام قتلا ذريعا وطرح القتلى في بئر زمزم وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه واقام بها احد عشر يوما ثم رحلوا وبقى الحجر الأسود عندهم أكثر من عشرين سنة ودفع لهم فيه خمسون الف دينار فأبوا حتى أعيد في خلافة المطيع وقيل إنهم لما أخذوه هلك تحته أربعون جملا من مكة إلى هجر فلما أعيد حمل على قعود هزيل فسمن قال محمد بن الربيع بن سليمان كنت بمكة سنة القرامطة فصعد رجل لقلع الميزاب وانا أراه فعيل صبرى وقلت يا رب ما أحلمك فسقط الرجل على دماغه فمات وصعد القرمطى على باب الكعبة وهو يقول أنا بالله وبالله انايخلق الخلق وأفنيهم أنا ولم يفلح أبو طاهر القرمطى بعدها وتقطع جسده بالجدري وفي هذه السنة هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى وعسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا فقالت الحنابلة معناها يقعده الله على عرشه وقال غيرهم بل هي الشفاعة ودام الخصام واقتتلوا جماعة كثيرة وفي سنة تسع عشرة نزل القرمطى الكوفة وخاف أهل بغداد من دخوله إليها فاستغاثوا ورفعوا أصواتهم والمصاحف وسبوا المقتدر وفيها دخلت الديلم الدينور فسبوا وقتلوا وفي سنة عشرين ركب المؤنس على المقتدر فكان معظم جند مؤنس من البربر فلما التقى الجمعان رمى البربر المقتدر بحربة سقط منها على الأرض ثم ذبحه بالسيف وشل رأسه على رمح وسلب ما عليه وبقى مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له بالموضع ودفن وذلك يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال وقيل إن وزيره اخذ له ذلك اليوم طالعا فقال له المقتدر أي وقت هو قال وقت الزوال فتطير وهم بالرجوع فأشرفت خيل المؤنس ونشبت الحرب وأما البربرى الذي قتله فإن الناس صاحوا عليه فسار نحو دار الخلافة ليخرج القاهر فصادفه حمل شوك فزحمه إلى دكان لحام فعلقه كلاب وخرج الفرس من مشواره من تحته فمات فحطه الناس واحرقوه بالحمل الشوك وكان المقتدر جيد العقل صحيح الرأى لكنه كان مؤثر للشهوات والشراب مبذرا وكان النساء غلبن عليه فأخرج عليهن جميع جواهر الخلافة ونفائسها وأعطى بعض حظاياه الدرة اليتيمة ووزنها ثلاثة مثاقيل واعطى زيدان القهرمان سبحة جوهر لم ير مثلها وأتلف أموالا كثيرة وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الصقالبة والروم والسود وخلف اثنى عشر ولدا ذكرا وولى الخلافة من أولاده ثلاثة الراضى والمتقى والمطيع وكذلك اتفق للمتوكل والرشيد وأما عبدالملك فولى الأمر من أولاده أربعة ولا نظير لذلك إلا في الملوك وكذا قال الذهبي قلت في زماننا ولى الخلافة من أولاد المتوكل خمسة المستعين العباس والمعتضد داود والمستكفى سليمان والقائم حمزة والمستنجد يوسف ولا نظير لذلك وفي لطائف المعارف للثعالبى نادرة لم يل الخلافة من اسمه جعفر إلا المتوكل والمقتدر فقتلا جميعا المتوكل ليلة الأربعاء والمقتدر يوم الأربعاء ومن محاسن المقتدر ما حكاه ابن شاهين ان وزيره على بن عيسى أراد ان يصلح بين ابن صاعد وبين أبى بكر بن ابى داود السجستانى فقال الوزير يا أبا بكر أبو محمد أكبر منك فلو قمت إليه قال لا أفعل فقال الوزير أنت شيخ زيف فقال ابن أبى داود الشيخ الزيف الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من فقال هذا ثم قام ابن ابى داود وقال تتوهم أنى أذل لك لأجل أن رزقى يصل إلى على يدك والله لا أخذت من يدك شيئا أبدا فبلغ المقتدر ذلك فصار يزن رزقه بيده ويبعث به في طبق على يد الخادم مات في أيام المقتدر من الأعلام محمد بن ابى داود الظاهرى ويوسف ابن يعقوب القاضى وابن شريح شيخ الشافعية والجنيد شيخ الصوفية وأبو عثمان الحيرى الزاهد وأبو بكر البرديجى وجعفر الفريابى وابن بسام الشاعر والنسائى صاحب السنن والجبائى شيخ المعتزلة وابن المواز النحوى وابن الجلاء شيخ الصوفية وأبو يعلى الموصلى صاحب المسند والأشنانى المقرىء وابن سيف من كبار قراء مصر وأبو بكر الرويانى صاحب المسند وابن المنذر الإمام وابن جرير الطبرى والزجاج النحوى وابن خزيمة وابن زكريا الطبيب والأخفش الصغير وبنان الجمال وأبو بكر بن أبى داود السجستانى وابن السراج النحوى وأبو عوانة صاحب الصحيح وأبو القاسم البغوى المسند وأبو عبيد بن حربويه والكعبى شيخ المعتزلة وأبو عمر القاضى وقدامة الكاتب وخلائق آخرون

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

89 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المكتفى بالله أبو محمد المكتفى بالله أبو محمد على بن المعتضد



89


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المكتفى بالله أبو محمد المكتفى بالله أبو محمد على بن المعتضد

ولد في غرة ربيع الآخر سنة اربع وستين ومائتين وأمه تركية أسمها جيجك وكان يضرب بحسنها المثل حتى قال بعضهم قايست بين جمالها وفعالهافإذا فإذا الملاحة بالخيانة لا تفى والله لا كلمتها ولو أنهاكالشمس أو كالبدر أو كالمكتفى وعهد إليه أبوه فبويع في مرضه يوم الجمعة بعد العصر لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين قال الصولى وليس من الخلفاء من اسمه على إلا هو وعلى بن أبى طالب رضى الله عنه ولا من يكنى أبا محمد سوى الحسن بن على والهادى والمكتفى ولما بويع له عند موت أبيه كان غائبا بالرقة فنهض بأعباء البيعة الوزير أبو الحسن القاسم بن عبيدالله وكتب له فوافى بغداد في سابع من جمادى الأولى ومر بدجلة في سمارية وكان يوما عظيما وسقط أبو عمر القاضى من الزحمة في الجسر وأخرج سالما ولما نزل المكتفى بدار الخلافة وقالت الشعراء وخلع على القاسم الوزير سبع خلع وهدم المطامير التى اتخذها أبوه وصيرها مساجد وأمر برد البساتين والحوانيت التى أخذها أبوه من الناس ليعملها قصرا إلى أهله وسار سيرة جميلة فأحبه الناس ودعوا له وفي هذه السنة زلزلت بغداد زلزلة عظيمة دامت أياما وفيها هبت ريح عظيمة بالبصرة قلعت عامة نخلها ولم يسمع بمثل ذلك وفيها خرج يحيى بن زكرويه القرمطى فاستمر القتال بينه وبين عسكر الخليفة إلى أن قتل في سنة تسعين فقام عوضه اخوه الحسين وأظهر شامة في وجهه وزعم أنها آيته وجاءه ابن عمه عيسى بن مهرويه وزعم أن لقبه المدثر وأنه المعنى في السورة ولقب غلاما له المطوق بالنور وظهر على الشام وعاث وأفسد وتسمى بأمير المؤمنين المهدى ودعى له على المنابر ثم قتل الثلاثة في سنة إحدى وتسعين وفي هذه السنة فتحت انطالية باللام من بلاد الروم عنوة وغنم منها ما لا يحصى من الأموال وفي سنة اثنتين زادت دجلة زيادة لم ير مثلها حتى خرجت بغداد وبلغت الزيادة أحدا وعشرين ذراعا ومن شعر الصولى يمدح المكتفى ويذكر القرمطى الى أن قال آل عباس أنتمسادة الناس والغرر حكم الله أنكمحكماء على البشر وأولو الأمر منكم قد كفى المكتفي الخليفة ما كان قد حذر صفوة الله والخير من رأى أن مؤمنامن عصاكم فقد كفر أنزل الله ذاكمقبل في محكم السور قال الصولى سمعت المكتفى يقول في علته والله ما آسى إلا على سبعمائة ألف دينار صرفتها من مال المسلمين في أبنية ما احتجت إليها وكنت مستغنيا عنها أخاف أن أسأل عنها وإنى أستغفر الله منها مات المكتفى شابا في ليلة الأحد لاثنتى عشرة ليلة خلت من ذى القعدةة سنة خمس وتسعين وخلف ثمانية أولاد ذكور وثمان بنات وممن مات في أيامه من الأعلام عبدالله بن أحمد بن حنبل وثعلب إمام العربية وقنبل المقرىء وابو عبدالله البوشنجى الفقيه والبزار صاحب المسند وأبو مسلم الكجى والقاضى ابو حازم وصالح جزرة ومحمد بن نصر المروزى الإمام وأبو الحسن النورى شيخ الصوفية وأبو جعفر الترمذى شيخ الشافعية بالعراق ورأيت في تاريخ نيسابور لعبد الغافر عن أبى الدنيا قال لما أفضت الخلافة إلى المكتفى كتبت إليه بيتين إن الحق التأديب حق الأبوهعند أهل الحجى وأهل المروه وأحق الرجال أن يحفظوا ذاك ويرعوه أهل بيت النبوة قال فحمل إلى عشرة آلاف درهم وهذا يدل على تأخر ابن ابى الدنيا إلى ايام المكتفى

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

88 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المعتضد بالله أحمد المعتضد بالله



88


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المعتضد بالله أحمد المعتضد بالله


أحمد أبو العباس ابن ولي العهد الموفق طلحة بن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين وقال الصولي في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ومائتين وأمه أم ولد أسمها صواب وقيل حرز وقيل ضرار وبويع له في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين بعد عمه المعتضد وكان ملكا شجاعا مهيبا ظاهر الجبروت وافر العقل شديد الوطأة من أفراد خلفاء بني العباس وكان يقدم على الأسد وحده لشجاعته وكان قليل الرحمة إذا غضب على قائد أمر بأن يلقى في حفيرة ويطم عليه وكان ذا سياسة عظيمة قال عبدالله بن حمدون خرج المعتضد يتصيد فنزل إلى جانب مقثأة وأنا معه فصاح الناطور فقال على به فأحضر فسأله فقال ثلاثة غلمان نزلوا المقثأة فأخربوها فجيء بهم فضربت أعناقهم من الغد في المقثأة ثم كلمني بعد مدة فقال اصدقني فيما ينكر على الناس قلت الدماء قال والله ماسفكت دما حراما منذ وليت قلت فلم قتلت أحمد بن الطيب قال دعاني إلى الإلحاد قلت فالثلاثة الذين نزلوا المقثأة قال والله ماقتلتهم وإنما قتلت لصوصا قد قتلوا وأوهمت أنهم هم وقال إسماعيل القاضي دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحدث صباح الوجوه روم فنظرت إليهم فلما أردت القيام قال لي أيها القاضي والله ماحللت سروايلي على حرام قط ودخلت مرة فدفع إلى كتابا فنظرت فيه فإذا هو قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء قفلت منصف هذا زنديق فقال أمختلق قلت لا ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعه ومن أباح المتعة لم يبح الغناء وما من عالم إلا وله زلة ومن اخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه فأمر بالكتاب فأحرق وكان المتضد شهما جلدا موصوفا بالرجلة قد لقي الحروب وعرف فضله فقام بالأمر أحسن قيام وهابه الناس ورهبوه أحسن رهبة وسكنت الفتن في ايامه لفرط هيبته وكانت أيامه طيبه كثيرة الأمن والرخاء وكان قد أسقط المكوس ونشر العدل ورفع الظلم عن الرعية وكان يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس وكان قد خلق وضغف وكاد يزول وكان في اضطراب من وقت قتل المتوكل وفي ذلك يقول ابن الرومي يمدحه كما بأبي العباس أنشئ ملككم كذا بأبي العباس أيضا يجدد إمام يظل الأمس يعمل نحوه تلهف ملهوف ويشتاقه الغد وقال في ذلك ابن المعتز أيضا أما ترى ملك بني هاشم عاد عزيزا بعد ما ذللا ياطالبا للملك كن مثله تستوجب هنيئا بني العباس إن إمامكم إمام الهدى والبأس والجود أحمد الملك ن وإلا فلا وفي أول سنة استخلف فيها منع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة وما شاكلها ومنع القصاس والمنجمين من القعود في الطريق وصلى بالناس صلاة الأضحى فكبر في الأولى ستا وفي الثانية واحدة ولم تسمع منه الخطبة وفي سنة ثمانين دخل داعي المهدي إلى القيروان وفشا أمره ووقع القتال بينه وبين صاحب إفريقية وصار أمره في زيادة وفيها ورد كتاب من الدبيل أن القمر كسف في شوال وأن الدنيا أصبحت مظلمة إلى العصر فهبت ريح سوداء فدامت إلى ثلث الليل وأعقبها زلزلة عظيمة وأذهبت عامة المدينة فكان عدة من أخرج من تحت الردم مائة ألف وخمسين ألفا وفي سنة أحدى وثمانين فتحت مكورية في بلاد الروم وفيها غارت مياه الري وطبرستان حتى بيع الماء ثلاثة ارطال بدرهم وقحط الناس وأكلوا الجيف وفيها هدم المعتضد دار الندوة بمكة وصيرها مسجدا إلى جانب المسجد الحرام وفي سنة أثنتين وثمانين ابطل ما يفعل في النيروز من وقيد النيران وصب الماء على الناس وأزال سنة المجوس وفيها زفت إليه قطر الندى بنت خماروية بن أحمد بن طولون فدخل عليها في ربيع الأول وكان في جهازها اربعة آلاف تكة مجوهرة وعشرة صناديق جوهر وفي سنة ثلاث وثمانين كتب إلى الآفاق بأن يورث ذوو الأرحام وأن يبطل ديوان المواريث وكثر الدعاء للمعتضد وفي سنة اربع وثمانين ظهره بمصر حمرة عظيمة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الرجل فيراه أحمر وكذا الحيطان فتضرع الناس بالدعاء إلى الله تعالى وكانت من العصر إلى الليل قال ابن جرير وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية على المنابر فخوفه عبيد الله الوزير اضطراب العامة فلم يلتفت وكتب كتابا في ذلك ذكر فيه كثيرا من مناقب على ومثالب معاوية فقال له القاضي يوسف يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه فقال إن تحركت العامة وضعت السيف فيها قال فما تصنع بالعلويين الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت كانوا إليهم أميل فأمسك المعتضد عن ذلك وفي سنة خمس وثمانين هبت ريح صفراء بالبصرة ثم صارت خضراء ثم صارت سوداء وامتدت في الأمصار وورقع عقبها برد وزنة البردة مائة وخمسون درهما وقلعت الريح نحو خمسمائة نخلة ومطرت قرية حجارة سودا وبيضا وفي سنة ست وثمانين ظهر بالبحرين ابو سعيد القرمطي وقويت شوكته وهو أبوأبي طاهر سليمان الذي يأتى أنه قلع الحجر الأسود ووقع القتال بينه وبين عسكر الخليفة وأغار على البصرة ونواحيها وهزم جيش الخليفة مرات ومن أخبار المعتضد ما أخرجه الخطيب وابن عساكر عن ابي الحسين الخصيبي قال وجه المعتضد إلى القاضي ابي حازم يقول إن لي على فلان مالا وقد بلغني أن غرماءه أثبتوا عندك وقد قسطت لهم من ماله فاجعلنا كأحدهم فقال أبو حازم قل له أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ذاكر لما فقال لي وقت قلدني إنه قد أخرج الأمر من عنقه وجعله في عنقي ولايجوز لي أن احكم في مال رجل لمدع إلا ببينة فرجع إليه فأخبره فقال قل له فلان وفلان يشهدان يعني رجلين جليلين فقال يشهدان عندي وأسأل عنهما فإن زكيا قبلت شهادتهما وإلا امضيت ما قد ثبت عندي فامتنع أولئك من الشهادة فزعا ولم يدفع إلى المعتضد شيئا قال ابن حمدون النديم غرم المعتضد على عمارة البحيرة ستين ألف دينار وكان يخلو فيها مع جواريه وفيهن محبوبته دريرة فقال أبن بسام ترك الناس بحيره وتخلى في البحيرة قاعدا يضرب بالطبل على حر دريره فبلغ ذلك المعتضد فلم يظهر أنه بلغه ثم أمر بتخريب تلك العمارات ثم ماتت دريرة في ايام المعتضد فجزع عليها جزعا شديدا وقال يرثيها ياحبيبا لم يكن يعدله عندي حبيب أنت عن عيني بعيد ومن القلب قريب ليس لي بعدك في شيء من اللهو نصيب لك من قلبي على قبلبي وإن بنت رقيب وخيال منك مذ غبت خيال لايغيب لو تراني كيف لي بعدك عول ونحيب وفؤادي حشوه من حرق الحزن لهيب لتيقنت بأني فيك محزون كئيب ما أراى نفس وإن سليتها عنك تطيب لي دمع ليس يعصيني وصبر ما يجيب وقال بعضهم يمدح المعتضد وهي على جزء جزء طيف ألم بذي سلم بين الخيم يطوى الأكم جاد نعم يشفى السقم ممن لثم وملتزم فيه هضم إذا يضم داوي الألم ثم انصرم فلم أنم شوقا وهم اللوم ذم كم ثم كم لوم الأصم أحمد لم كل الثلم مما أنهدم هو العلم والمعتصم خير النسم خالا وعم حوى الهمم وما احتلم طود اشم سمح الشيم جلا الظلم كالبدر تم رعى الذمم حمى الحرم فلم يؤم خص وعم بما قسم له النعم مع النقم والخير جم إذا ابتسم والماء دم إذا انتقم اعتل المعتضد في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين عله صعبة وكان مزاجه تغير من كثرة إفراطه في الجماع ثم تماسك فقال ابن المعتز طار قلبي بجناح الوجيب جزعا من حادثات الخطوب وحذارا أن يشاك بسوء أسد الملك وسيف الحروب ثم انتكس ومات يوم الاثنين لثمان بقين منه وحكى المسعودي قال شكوا في موت المعتضد فتقدم إليه الطبيب وحبس نبضه ففتح عيينه ورفس الطبيب برجله فتدحاه أذرعا فمات الطبيب ثم مات المعتضد من ساعته ولما احتضر أنشد تمتع من الدنيا فإنك لاتبقى وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولاتأمنن الدهر إني أمنته فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا قتلت صناديد الرجال فلم أدع عدوا ولم أمهل على ظنه خلقا وأخليت دور الملك من كل بازل وشتتهم غربا ومزقتهم شرقا فلما بلغت النجم عزا ورفعة ودانت رقاب الخلق اجمع لي رقا رماني الردى سهما فأخمد جمرتي فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى فأفسدت دنياي وديني سفاهة فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى فياليت شعري بعدموتي ما أرى إلى نعمة لله أم ناره ألقى ومن شعر المعتضد يالاحظي بالفتور والدعج وقاتلى بالدلال والغنج أشكو إليك الذي لقيت من الوجدفهل لي إليك من فرج حللت بالطرف والجمال من الناس محل العيون والمهج وله أنشده الصولي لم يلق من حر الفراق احد كما أنا منه لاق ياسائلي عن طعمة ألفيته مر المذاق جسمي يذوب ومقلتي عبرى وقلبي ذو احتراق مالي أليف بعدكم إلى اكتئابي واشتياقي فالله يحفظكم جميعا في مقام وانطلاق ولابن المعتز يرثيه يادهر ويحك ما أبقيت لي أحدا وأنت والد سوء تأكل الولدا أستغفر الله بل ذا كله قدر رضيت بالله ربا واحدا صما ياساكن القبر في غبراء مظلمة بالظاهرية مقصى الدار منفردا أين الجيوش التي قد كنت تنجبها أين الكنوز التي احصيتها عددا اين السرير الذي قد كنت تملؤه مهابة من رأته عينه ارتعدا اين الأعادي الأولى ذللت مصعبهم أين الليوث التي صيرتها بددا اين الجياد التي حجلتها بدم وكن يحملن منك الضيغم الأسدا أين الرماح التي غديتها مهجا مذمت ماوردت قلبا ولا كبدا أين الجنان التي تجرى جداولها وتسجيب إليها الطائر الغردا أين الوصائف كالغزلان راتعة يسحبن أين الملاهي وأين الراح تحسها ياقوتة كسبت من فضة زردا أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا صلاح ملك بني العباس إذ فسدا من حلل موشية حددا مازلت تفسر منهم كل قسورة وتحطم العالي الجبار معتمدا ثم انقضيت فلا عين ولا اثر حتى كأنك يوما لم تكن أحدا مات في ايام المعتضد من الأعلام ابن المواز المالكي وابن أبي الدنيا وإسماعيل القاضي والحارث بن ابي اسامة وأبو العيناء والميرد وأبو سعيد الخراز شيخ الصوفيه والبحتري الشاعر وخلائق آخرون وخلف المعتضد من الأولارد أربعة ذكور ومن الإناث أحدى عشرة

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

87 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المعتمد على الله أبو العباس



87


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المعتمد على الله أبو العباس


المعتمد على الله أبو العباس وقيل أبو جعفر احمد بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد ولد سنة تسع وعشرين ومائتين وامه رومية اسمها فتيان ولما قتل المهتدى كان المعتمد محبوسا بالجوسق فأخرجوه وبايعوه ثم انه استعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصيرابنه جعفرا ولي عهده وولاه مصر والمغرب ولقبه المفوض إلى الله وانهمك المعتمد في اللهو واللذات واشتغل عن الرعية فكرهه الناس وأحبوا اخاه طلحة وفي ايامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها واخربوها وبذلوا السيف واحرقوا وخربوا وسبوا وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات وامير عسكره في أكثرها الموفق أخوه واعقب ذلك الوباء الذى لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق فمات خلق لا يحصون ثم اعقبه هدات وزلازل فمات تحت الردم ألوف من الناس واستمر القتال مع الزنج من حين تولى المعتمد سنة ست وخمسين إلى سنة سبعين فقتل فيها رأس الزنج لعنه الله وأسمه بهبوذ وكان ادعى انه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وانه مطلع على المغيبات وذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدمي وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلثمائة ألف وكان له منبر في مدينة يصعد عليه ويسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم وكان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن ولما قتل هذا الخبيث دخل برأسه بغداد على رمح وعملت قباب الزينة وضج الناس بالدعاء للموفق ومدحه الشعراء وكان يوما مشهودا وأمن الناس وتراجعوا إلى المدن التي اخذها وهي كثيرة كواسط ورامهرمز وفي سنة ستين من أيامه وقع غلاء مفرط بالحجاز والعراق وبلغ كرالحنطة في بغداد مائة وخمسين دينارا وفيها اخذت الروم بلد لؤلؤة وفي سنة إحدى وستين بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوض إلى الله جعفر ثم من بعده لأخيه الموفق طلحة وولى ولده المغرب والشام والجزيرة وأرمينية وولي أخاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والري وخراسان وطبرستان وسجستان والسند وعقد لكل منهما لواءين أبيض وأسود وشرط إن حدث به حدث أن الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جعفر قد بلغ وكتب العهد وأنفذه مع قاضي القضاه ابن أبي الشوارب ليعلقه في الكعبة وفي سنة ست وستين وصلت عساكر الروم إلى ديار بكر ففتكوا وهرب أهل الجزيرة والموصل وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها وفي سنة سبع وستين استولى أحمد بن عبدالله الحجابي على خراسان وكرمان وسجستان وعزم على قصد العراق وضرب السكة باسمه وعلى الوجه الآخر اسم المعتمد وهذا محل الغرابة ثم إنه في آخر السنة قتله غلمانه فكفى الله شره وفي سنة تسع وستين اشتد تخيل المعتمد من أخيه الموفق فإنه كان خرج عليه في سنة اربع وستين ثم اصطلحا فلما اشتد تخيله منه هذا العام كاتب المعتمد ابن طولون نائبه بمصر واتفقا على أمر فخرج ابن طولون حتى قدم دمشق وخرج المعتمد من سامرا على وجهه التنزه وقصده دمشق فلما بلغ ذلك الموفق كتب إلى إسحاق بن كنداج ليرده فركب ابن كنداج من نصيبين إلى المعتمد فلقيه بين الموصل والحديثة فقال يا أمير المؤمنين أخوك في وجه العدو وأنت تخرج عن مستقرك ودار ملكك ومتى صح هذا عنده رجع عن مقاومة الخارجى فيغلب عدوك على ديار آبائك وفي كلمات أخر ثم وكل بالمعتمد جماعة ورسم على طائفة من خواصه ثم بعث إلى المعتمد يقول ما هذا بمقام فارجع فقال المعتمد فاحلف لى أنك تنحدر معى ولا تسلمنى فحلف له وانحدر من سامرا فتلقاه صاعد بن مخلد كاتب الموفق فسلمه إسحاق إليه فأنزله في دار احمد بن الخصيب ومنعه من نزول دار الخلافة ووكل به خمسمائة رجل يمنعون من الدخول إليه ولما بلغ الموفق ذلك بعث إلى اسحاق بخلع وأموال وأقطعه ضياع القواد الذين كانوا مع المعتمد ولقبه ذا السندين ولقب صاعدا ذا الوزارتين وأقام صاعد في خدمة المعتمد ولكن ليس للمعتمد حل ولا ربط وقال المعتمد في ذلك أليس من العجائب ان مثلى يرى ما قل ممتنعا عليه وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاوما من ذاك شىء في يديه إليه تحمل الأموال طراويمنع بعض ما يجبى إليه وهو أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به ثم أدخل المعتمد واسط ولما بلغ ابن طولون ذلك جمع الفقهاء والقضاة والأعيان وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضى بكار بن قتيبة قإنه قال أنت أوردت على المعتمد كتابا بولايته العهد فأورد على كتابا آخر منه بخلعه فقال إنه محجور عليه ومقهور فقال لا أدري فقال ابن طولون غرك الناس بقولهم ما في الدنيا مثل بكار أنت شيخ قد خرفت وحبسه وقيده واخذ منه جميع عطاياه من سنين فكانت عشرة آلاف دينار فقيل إنها وجدت في بيت بكار يختمها وبلغ الموفق ذلك فأمر بلعن ابن طولون على المنابر ثم في شعبان من سنة سبعين أعيد المعتمد إلى سامرا ودخل بغداد ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته كأنه لم يحجر عليه ومات ابن طولون في هذه السنة فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله وجهزه إلى مصر في جنود العراق وكان خمارويه بن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده فوقع بينه وبين أبي العباس ابن الموفق وقعه عظيمة بحيث جرت الأرض من الدماء وكان النصر للمصريين وفي هذه السنة انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار وفيها نازلت الروم طرسوس في مائة ألف فكانت النصرة للمسلمين وغنموا مالايحصى وكان فتحا عظيما عديم المثل وفيها ظهرت دعوة المهدي عبيد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض في اليمن وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحهم إلى المغرب فكان ذلك أول شأن المهدي وفي سنة إحدى وسبعين قال الصولي ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس فتعاملوا بها على كره ثم تركوها وفي سنة ثمان وسبعين غارنيل مصر فلم يبق منه شء وغلت الأسعار وفيها مات الموفق واستراح منه المعتمد وفيها ظهرت القرامطة بالكوفة وهم نوع من الملاحدة يدعون أنه لاغسل من الجنابة وأن الخمر حلال ويزيدون في آذانهم وأن محمد بن الحنفية رسول الله وأن الصوم في السنة يومان يوم النيروز ويوم المهرجان وأن الحج والقبلة إلى بيت المقدس وأشياء أخرى ونفق قولهم على الجهال واهل البر وتعب الناس بهم وفي سنة تسع وسبعين ضعف أمر المعتمد جدا لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور وطاعة الجيس له فجلس المعتمد مجلسا عاما وأشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده المفوض من ولاية العهد وبايع لأبي العباس ولقبه المعتضد وأمر المعتضد في هذه السنة أن لايقعد في الطريق منجم ولاقصاص واستحلف الوراقين أن لايبيعوا كتب الفلاسفة والجدل ومات المعتمد بعد أشهر من هذه السنة فجأه فقيل إنه سم وقيل بل نام فغم في بساط وذلك ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة إلا أنه كان مقهورا مع أخيه الموفق لاستيلائه على الأمور ومات وهو المحجور عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضا وممن مات في ايامه من الأعلام البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والربيع الجيزي ولربيع المرادي والمزني ويونس بن عبدالأعلى والزبير بن بكار وأبو الفضل الرياشي ومحمد بن يحيى الذهلي وحجاج بن يوسف الشاعر والعجلي الحافظ وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب والسوسي المقريء وعمر بن شبة وأبو زرعة الزازي ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم والقاضي بكار وداود الظاهري وابن دارة وبقي بن مخلد وابن قتيبة وأبو حاتم الرازي وآخرون ومن قول عبدالله بن المعتز في المعتمد يمدحه ياخير من تزجى المطى له ويمر حبل العهد موثقه أضحى عنان الملك مقتسرا بيديك تحبسه وتطلقه فاحكم لك الدنيا وساكنها ماطاش سهم أنت موفقه ومن شعر المعتمد لما حجر عليه اصبحت لا أملك دفعا لما أسام من خسف ومن ذلة تمضي أمور الناس دوني ولا يشعرني في ذكرها قلتي إذا اشتهيت الشيء ولو ابه عني وقالوا ههنا علتي وقال الصولي كان له وراق يكتب شعره بماء الذهب ورثاه أبو سعيد الحسن بن سعيد النيسابوري بقوله لقد قر طرف الزمان النكد وكان سخينا كليلا رمد وبلغت الحادثات المنى بموت إمام الهدى المعتمد ولم يبق لي حذر بعده فدون المصائب فلتجتهد

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

86 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المهتدى بالله المهتدى بالله



86


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المهتدى بالله المهتدى بالله


الخليفة الصالح محمد أبو إسحاق وقيل أبو عبدالله بن الواثق ابن المعتصم بن الرشيد وامه ام ولد تسمى وردة ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وما قبل بيعته احد حتى أتى بالمعتز فقام المهتدى له وسلم عليه بالخلافة وجلس بين يديه فجىء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدى فارتفع حينئذ المهتدى إلى صدر المجلس وكان المهتدى أسمر رقيقا مليح الوجه ورعا متعبدا عادلا قويا في أمر الله بطلا شجاعا لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا قال الخطيب لم يزل صائما منذ ولى إلى أن قتل وقال هاشم بن القاسم كنت بحضرة المهتدى عشية في رمضان فوثبت لأنصرف فقال لى أجلس فجلست وتقدم فصلى بنا ثم دعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغيف من الخبز النقى وفيه أنية فيه ملح وخل وزيت فدعانى إلى الأكل فابتدأت آكل ظانا انه سيؤتى بطعام فنظر إلى وقال ألم تك صائما قلت بلى قال أفلست عازما على الصوم فقلت كيف لا وهو رمضان فقال كل واستوف فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى فعجبت ثم قلت ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمته عليك فقال إن الأمر ما وصفت ولكنى فكرت في أنه كان في بنى أمية عمر بن عبدالعزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بنى هاشم فأخذت نفسى بما رأيت وقال جعفر بن عبدالواحد ذاكرت المهتدى بشىء فقلت له كان أحمد ابن حنبل يقول به ولكنه كان يخالف أشير إلى ما مضى من آبائه فقال رحم الله أحمد ابن حنبل والله لو جاز لى أن أتبرا من أبى لتبرأت منه ثم قال لى تكلم بالحق وقل به فإن الرجل ليتكلم بالحق فينبل في عينى وقال نفطويه حدثنى بعض الهاشمين أنه وجد للمهتدى سفط فيه جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلى فيه وكان قد أطرح الملاهى وحرم الغناء وحسم أصحاب السلطان عن الظلم وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين يجلس بنفسه ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب وكان لا يخل بالجلوس الاثنين والخميس وضرب جماعة من الرؤساء ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد وكره مكانه لأنه نسب عنده إلى الرفض وقدم موسى بن بغا من الرى يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز واخذ اموال أمه ومعه جيشه فصاحت العامة على ابن وصيف يا فرعون قد جاءك موسى فطلب موسى بن بغا الإذن على المهتدى فلم يأذن له فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه وحملوه على فرس ضعيفة وانتهبوا القصر وادخلوا المهتدى إلى دارنا جود وهو يقول يا موسى اتق الله ويحك ما تريد قال والله ما نريد إلا خيرا فاحلف لنا ان لا تملىء صالح بن وصيف فحلف لهم فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالحا ليناظروه على أفعاله فاختفى وندبهم المهتدى إلى الصالح فاتهموه أنه يدرى مكانه فجرى في ذلك كلام ثم تكلموا في خلعه فخرج إليهم المهتدى من الغد متقلدا بسيفه فقال قد بلغنى شأنكم ولست كمن تقدمنى مثل المستعين والمعتز والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفى والله لأضربن به ما استمسكت قائمته بيدى أمادين أما حياء أما دعة لم يكون الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله ثم قال ما أعلم علم صالح فرضوا وانفضوا ونادى موسى بن بغا من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار فلم يظفر به أحد واتفق ان بعض الغلمان دخل زقاقا وقت الحر فرأى بابا مفتوحا فدخل فمشى في دهليز مظلم فرأى صالحا نائما فعرفه وليس عنده احد فجاء إلى موسى فأخبره فبعث جماعة فأخذوه وقطعت رأسه وطيف به وتألم المهتدى لذلك في الباطن ثم رحل موسى ومعه بكيال إلى السن في طلب مساور فكتب المهتدى إلى بكيال ان يقتل موسى ومفلحا احد أمراء الأتراك أيضا أو يمسكهما ويكون هو الأمير على الأتراك كلهم فأوقف بكيال موسى على كتابه وقال إنى لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا فأجمعوا على قتل المهتدى وساروا إليه فقاتل عن المهتدى المغاربة والفراغنة والأسروسنية وقتل من الأتراك في يوم اربعة آلاف ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة وأمسك هو فمصر على خصيتيه فمات وذلك في رجب سنة ست وخمسين فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يوما وكان لما قامت الأتراك عليه ثار العوام وكتبوا رقاعا وألقوها في المساجد يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهى لعمر بن عبدالعزيز ان ينصره الله على عدوه

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

85 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المعتز بالله محمد المعتز بالله محمد



85


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المعتز بالله محمد المعتز بالله محمد


وقيل الزبير ابو عبدالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وأمه ام ولد رومية تسمى قبيحة وبويع له عند خلع المستعين في سنة اثنتين وخمسين وله تسع عشرة سنة ولم يل الخلافة قبله احد أصغر منه وكان بديع الحسن قال على بن حرب أحد شيوخ ابن المعتز في الحديث ما رأيت خليفة أحسن منه وهو أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب وكان الخلفاء قبل يركبون بالحلية الخفيفة من الفضة وأول سنة تولى مات أشناس الذي كان الواثق استخلفه على السلطنة وخلف خمسمائة ألف دينار فأخذها المعتز وخلع خلعة الملك على محمد بن عبدالله بن طاهر وقلده سيفين ثم عزله وخلع خلعة الملك على أخيه أعنى أخا المعتز أبا أحمد وتوجه بتاج من ذهب وقلنسوة مجوهرة ووشاحين مجوهرين وقلده سيفين ثم عزله من عامه ونفاه إلى واسط وخلع على بغا الشرابى وألبسه تاج الملك فخرج على المعتز بعد سنة فقتل وجىء إليه برأسه وفي رجب من هذه السنة خلع المعتز اخاه المؤيد من العهد وضربه وقيده فمات بعد أيام فخشى المعتز أن يتحدث عنه أنه قتله أو احتال عليه فأحضر القضاة حتى شاهدوه وليس به اثر وكان المعتز مستضعفا مع الأتراك فاتفق أن جماعة من كبارهم أتوه وقالوا يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف وكان المعتز يخاف منه فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم فأبت عليه وشحت نفسا ولم يكن بقى في بيت المال شىء فاجتمع الأتراك على خلعه ووافقهم صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وجاءوا إلى دار الخلافة فبعثوا الى المعتز أن أخرج إلينا فبعث يقول قد شربت في الشمس في يوم صائف وهم يلطمون وجهه ويقولون أخلع نفسك ثم أخضروا القاصي ابن الشوارب والشهود وخلعوه ثم أحضورا من بغداد الى دار الخلافة أبعده إلى بغداد فسلم المعتز إليه الخلافة وبايعه ثم إن الملأ أخذوا دواء وأنا ضعيف فهجم عليه جماعة وجروا برجله وضربوه بالدبابيس وأقاموه المعتز بعد خمس ليال من خلعه فأدخلوه الحمام فلما اغتسل عطش فمنعوه الماء ثم اخرج وهو أول ميت مات عطشا فسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين واختفت امه قبيحة ثم ظهرت في رمضان وأعطت صالح ابن وصيف مالا عظيما من ذلك الف الف دينار وثلثمائة الف دينار وسقط فيه مكوك زمرد وسفط فيه لؤلؤ حب كبار وكليجة ياقوت أحمر وغير ذلك فقومت السفاط بألفى ألف دينار فلما رأى ابن وصيف ذلك قال قبحها الله عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار وعندها هذا فأخذ الجميع ونفاها إلى مكة فبقيت بها إلى أن تولى المعتمد فردها إلى سامرا وماتت سنة أربع وستين مات في أيام المعتز من الأعلام سرى السقطى الزاهد وهارون بن سعيد الأيلى والدرامى صاحب المسند والعتبى صاحب المسائل العتبية في مذهب مالك وآخرون رحمهم الله تعالى
 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

84 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المستعين بالله أبو العباس المستعين بالله





84


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المستعين بالله أبو العباس المستعين بالله


أبو العباس احمد بن المعتصم بن الرشيد وهو أخو المتوكل ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وأمه أم ولد اسمها مخارق وكان مليحا أبيض بوجهه أثر الجدري ألثغ ولما مات المنتصر اجتمع القواد وتشاوروا وقالوا متى وليتم احدا من أولاد المتوكل لا يبقى منه باقية فقالوا مالها إلا أحمد بن المعتصم ولد أستاذنا فبايعوه وله ثمان وعشرون سنة واستمر إلى أول سنة إحدى وخمسين فتنكر له الأتراك لما قتل وصيفا وبغا ونفى باغر التركى الذي فتك بالمتوكل ولم يكن للمستعين مع وصيف وبغا أمر حتى قيل في ذلك خليفة في قفصبين وصيف وبغا يقول ما قالا لهكما تقول الببغا ولما تمكر له الأتراك خاف وانحدر من سامرا إلى بغداد فأرسلوا إليه يعتذرون ويخضعون له ويسألونه الرجوع فامتنع فقصدوا الحبس واخرجوا المعتز بالله وبايعوه وخلعوا المستعين ثم جهز المعتز جيشا كثيفا لمحاربة المستعين واستعد أهل بغداد للقتال مع المستعين فوقعت بينهما وقعات ودام القتال أشهرا وكثر القتل وغلت الأسعار وعظم البلاء وانحل أمر المستعين فسعوا في الصلح على خلع المستعين وقام في ذلك إسماعيل القاضى وغيره بشروط مؤكدة فخلع المستعين نفسه في أول سنة اثنتين وخمسين وأشهد عليه القضاة وغيرهم فأحدر إلى واسط فأقام بها تسعة أشهر محبوسا موكلا به امين ثم رد إلى سامرا وأرسل المعتز إلى أحمد بن طولون أن يذهب إلى المستعين فيقتله فقال والله لا أقتل أولاد الخلفاء فندب له سعيد الحاجب فذبحه في ثالث شوال من السنة وله إحدى وثلاثون سنة وكان خيرا فاضلا بليغا أديبا وهو أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة فجعل عرضها نحو ثلاثة أشبار وصغر القلانس وكانت قبله طوالا مات في أيامه من الأعلام عبد بن حميد وأبو الطاهر بن السرح والحرث بن مسكي والبزى المقرىء وأبو حاتم السجستانى والجاحظ وآخرون

 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

83 تاريخ الخلفاء ( السيوطي ) المنتصر بالله محمد أبو جعفر المنتصر بالله محمد





83


تاريخ الخلفاء ( السيوطي )

المنتصر بالله محمد أبو جعفر المنتصر بالله محمد


أبو جعفر وقيل أبو عبدالله بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد أمه أو ولد رومية اسمها حبيشة وكان مليح الوجه أسمر أعين أقنى ربعة جسيما بطينا مليحا مهيبا وافر العقل راغبا في الخير قليل الظلم محسنا إلى العلويين وصولا لهم أزل عن آل أبى طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ورد على آل الحسين فدك فقال يزيد المهلبي في ذلك ولقد بررت الطالبية بعدماذموا زمانا بعدها وزمانا ورددت ألفة هاشم فرأيتهمبعد العداوة بينهم إخوانا بويع له بعد مقتل أبيه في شوال سنة سبع وأربعين ومائتين فخلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد الذى عقده لهما المتوكل بعده وأظهر العدل والإنصاف في الرعية فمالت إليه القلوب مع شدة هيبتهم له وكان كريما حليما ومن كلامه لذة العفو أعذب من لذة التشفى وأقبح أفعال المقتدر الانتقام ولما ولى صار يسب الأتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء فعملوا عليه وهموا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيبا شجاعا فطنا متحرزا فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار في مرضه فأشار بفصده ثم فصده بريشة مسموة فمات ويقال إن ابن طيفور نسى ذلك ومرض فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة فمات أيضا وقيل بل سم في كمثراه وقيل مات بالخوانيق ولما احتضر قال يا أماه ذهبت منى الدنيا والآخرة عاجلت أبى فعوجلت مات في خامس ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين عن ست وعشرين سنة أو دونها فلم يمتع بالخلافة إلا أشهرا معدودة دون ستة أشهر وقيل إنه جلس في بعض الأيام للهو وقد استخرج من خزائن أبيه فرشا فأمر بفرشها في المجالس فرأى في بعض البسط دائرة فيها فارس وعليه تاج وحوله كتابة فارسية فطلب من يقرأ ذلك فأحضر رجل فنظره فقطب فقال ما هذه قال لا معنى لها فألح عليه فقال أناشيرويه بن كسرى بن هرمز قتلت أبى فلم أتمتع بالملك إلا ستة أشهر فتغير وجه المنتصر وأمر بإحراق البساط وكان منسوجا بالذهب وفي لطائف المعرف للثعالبى أعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر فإنه هو وآباؤه الخمسة خلفاء وكذلك أخواه المعتز والمعتمد قلت أعرق منه المستعصم الذي قتله التتار فإن آباءه الثمانية خلفاء قال الثعالبى ومن العجائب أن أعرق الأكاسرة في الملك وهو شيرويه قتل أباه فلم يعش بعده إلا ستة أشهر وأعرق الخلفاء في الخلافة وهو المنتصر قتل أباه فلم يمتع بعده سوى ستة أشهر
 
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ