إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1207 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> ألمانيا قبيل عهد لوث -> أولريخ فون هوتن 7- أولريخ فون هوتن





1207


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> ألمانيا قبيل عهد لوث -> أولريخ فون هوتن

7- أولريخ فون هوتن


لم يكن هناك عمالقة في عالم الأدب الألماني في هذا العهد قبل لوثر، إذ لم يكن هناك سوى حيوية وخصب عجيبين. وكان الشعر يكتب ليقرأ جهرة. ومن ثم يلقى ترحيباً في الكوخ وفي القصر. واستمر تمثيل

مسرحيات العشاء الرباني وآلام المسيح، التي يغشاها ورع شديد مموه باهتمام قوي بالفن الدرامي.
وما أن حل عام 1450 حتى قامت الدراما الشعبية الألمانية قد تحولت نحو التعليق بالدنيا إلى حد كبير. وتضمنت حتى في خلال التمثيليات الدينية، هزليات ساذجة، وأحياناً فاضحة، من "الفارس". وشاع المرح في الأدب وانتشرت نوادر تيل أولنشبيجل وهذره في ألمانيا وقتذاك، وهو المخادع الجوال، (ومعنى اسمه حرفيا مرآة البومة)، ولم ينج من حيله المرحة عامي أو قسيسي؛ ففي عام 1512 نشرت نوادره وأظهر العصر والأدب بل والفن، الرهبان والقسس وهم يسبحون إلى جهنم، وازدهر الهجاء في جميع الأشكال الأدبية.
وأشد هجاء في هذا العهد تضمنته مسرحية سفينة الحمقى بقلم سباستيان برانت، ولم يكن في وسع أحد أن يتوقع عملا يشيع فيه مثل هذا المرح من أستاذ في القانون والأدب الكلاسي في بازيل؛ فقد تخيل برانت أسطولا (نسبة في رحلة وأطلق عليه فيما بعد اسم سفينة) مزوداً برجال بلهاء، ويحاولون أن يشقوا عباب بحر الحياة، ويحاول أبله وراء الآخر أن يسير في اختيار على المسرح، وتتحمل طائفة تلو أخرى سوط لذعات كلمات المحامي الغاضبة - الفلاح والميكانيكي والشحاذ والمقامر والبخيل والمرابي والفلكي والمحامي ومدعي العلم والمحتال والفيلسوف والقسيس. ومثّلت المسرحية أيضاً زهو الرجال الجشعين وكسل الطلبة وخسة التجار وخيانة الأجراء- كل هؤلاء ينالون نصيبهم من الضربات، ويحتفظ برانت باحترامه للكاثوليكي الورع المستمسك بعقيدته والذي يرقب حياته على أساس الظفر بالجنة.
وقد طبع هذا الكتاب طبعة فاخرة، وزين بالصور التي توضع كل فقرة هجاء لاذعة في الحكاية، وحاز الكتاب قصب السبق في غرب أوربا، وترجم

إلى اثنتي عشرة لغة، وكان أوسع الكتب انتشاراً في هذا العهد بعد الكتاب المقدس.
وإذا كان برانت قد مس بسوطه رجال الدين برفق فإن توماس مورنر، وهو راهب فرنشسكاني، هاجم الرهبان والقسس والأساقفة والراهبات بهجاء مقنع فاق ف حدته وغلظته وذكائه هجاء برانت. ولقد قال مورنر إن القس يعني بالمال أكثر مما يعنى بالدين، وهو يتملق رعايا أبرشيته من أجل الحصول على كل دانق، ثم يدفع مقداراً مما جمعه إلى الأسقف التابع له ليسمح له باتخاذ خليلة، أما الراهبات فإنهن يمارسن الحب خفية، والراهبة التي تنجب أكبر عدد من الأولاد تختار رئيسة للدير. ومهما يكن من أمر فإن مورنر اتفق في الرأي مع برانت على وجوب الإخلاص للكنيسة واتهم لوثر بأنه أشد بلاهة. ورثى لضعف الإيمان عند المسيحي والفوضى الضاربة أطنابها في العالم الديني، وذلك في قصيدة مؤثرة بعنوان "ضعف الإيمان عند المسيحيين".
وإذا كانت الشعبية الهائلة التي حظيت بها هذه القصائد الهجائية قد أماطت اللثام عن الاحتقار الذي يكنه حتى الكاثوليكيين المخلصين لرجال الدين، فإن أدب الهجاء العنيف الذي تميز به أولريخ فون هوتن قضى على كل أمل في أن تصلح الكنيسة من نفسها، ودعا إلى الثورة الصريحة. وقد ولد أولريخ من أسرة تنتمس إلى الفرسان في فرانكونيا، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره أرسل إلى دير فولدا على أمل أن يصبح راهباً. وبعد وضعه بست سنوات تحت الاختبار هرب (1505) وعاش عيشة طالب متجول وأخذ يؤلف الشعر ويلقي القصائد يستجدي بها العيش، وكثيراً ما يقضى ليلة بلا مأوى، وإن كان لا يعدم الوسائل لمطارحة فتاة الغرام وهي فتاة تركت بصمتها في دمه. وأنهكت الحمى جسده أو كادت، وكثيراً ما كانت تشل ساقه اليسرى من أثر القروح والأورام، وكان حاد الطبع يستثار بسهولة، مثله في ذلك مثل كل عليل، ومع ذلك وجده أيوبان هسى محبوباً كما هو، واصطحبه أسقف

كريم إلى فيينا حيث رحب به علماء الإنسانيات، ولكنه اختلف معهم وانتقل إلى إيطاليا. ودرس في بافيا وبولونيا، وصوب قذائف من القصائد الساخرة ضد البابا جوليوس الثاني، وانضم إلى جيش ألماني من الغزاة لكي يحصل على الطعام، ثم قفل أدراجه عائدا إلى ألمانيا وهو في أقصى حالات الإعياء.
وابتسم له الحظ إلى حين في ماينز: فقد كتب قصيدة مدح في كبير الأساقفة الشاب ألبرخت فتلقى منه 200 جيلدر (5.000 دولار؟) اعترافاً بالجميل. وكان بلاط ألبرخت وقتذاك يعج بعلماء الإنسانيات، وكان الكثيرون منهم من المفكرين الأحرار الذين لا يتمتعون بالاحترام. وبدأ هوتن هناك يكتب مقالته في كتاب "رسالة من رجال مغمورين"، والتقى هناك أيضاً بأرازموس، وخلب العالم الكبير لبه بسعة اطلاعه وذكائه وسحره. وبدأ مرة أخرى ينشد شمس إيطاليا مستعيناً بالمال الذي حصل عليه من ألبرخت والمعونة التي تلقاها من والده الذي رق لحاله، وكان في كل محطة يتوقف فيها ينسف طائفة علماء اللاهوت والرهبان المنافقين الفاسدين. "وأرسل من عاصمة البابوية إنذار إلى كروتوس روبيانوس هذا نصه: أرجو أن تتخلى يا صديقي عن رغبتك في مشاهدة روما، فإن ما تنشده هناك لم يعد موجودا... قد تعيش من السلب والنهب، وقد ترتكب جريمة قتل أو تنتهك حرمة المعابد... وقد تعربد وتستسلم للشهوات وتنكر وجود الله في السماء، ولكن إذا أتيت إلى روما محملا بالمال فثق بأنك ستلق من الناس أعظم احترام. إن الفضيلة وبركات السماء تباع هنا، بل إن في وسعك أن تشتري الحق في أن ترتكب ما شئت من الخطايا في المستقبل، وليس من شك في أنك تكون معتوهاً لو تمسكت بالأخلاق الطيبة؛ فالناس العقلاء سيكونون أشراراً".
وفي سخرية مرحة أهدى إلى ليو العاشر (1517) طبعة جديدة من رسالة فالا المدمرة عن "هبة قسطنطين" الخيالية، وأكد للبابا أن أغلب أسلافه من البابوات كانوا طغاة مستبدين ولصوصاً ومغتصبين، وأنهم حولوا

الجزاء في العالم الآخر إلى دخل لأنفسهم، وقد وقع هذا العمل في يد لوثر فزاد من سخطه على البابوية.
وعلى الرغم مما تتسم به كثير من قصائد هوتن من عنف وقدح، فإنها حققت له شهرة موزعة على أنحاء ألمانيا. وعندما عاد إلى الوطن عام 1517 أضافه كونراد بويتنجر في نورمبرج وتوج ماكسمليان، بناء على اقتراح هذا العالم الثري، هوتن أميراً للشعراء. وألحقه ألبرخت وقتذاك بخدمته الدبلوماسية وأرسله في بعثات مهمة وصلت إلى باريس. وعندما عاد هوتن إلى ماينز (1518) وجد ألمانيا في ثورة بسبب مقالات لوثر عن صكوك الغفران، ولا بد أنه ابتسم عندما رأى صاحبه كبير الأساقفة المستهين بالأمور متورطاً في موقف لا يحسد عليه. وكان لوثر قد استدعى إلى أوجسبورج لمواجهة الكاردينال كاجيتان، وليدفع عن نفسه تهمة الهرطقة. وتردد هوتن، فقد كان مرتبطاً، عاطفياً ومالياً، بكبير الأساقفة، ولكنه أحس بنداء الحرب في دمه فامتطى جواده وسافر إلى أوجسبورج.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق