18
السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك
ثانياً نظام التدريب والتربية والتعليم للمماليك
11 ـ الشيخ عز الدين عبد السلام بائع أمراء المماليك
رأى الشيخ عز الدين عبد السلام أن المماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب ودفع ثمنهم من بيت مال المسلمين واستغلهم في خدمته وجيشه، وتصريف شئون الدولة يمارسون البيع والشراء وهو تصرف باطل، لأن المملوك لا ينفذ تصرفه، فأخذ سلطان العلماء لا يمضي لهم بيعاً ولا شراء، فضايقهم ذلك وشجر بينهم وبينه كلام حول هذا المعنى فقال لهم بائع الملوك: أنتم الآن أرقاء لا ينفذ لكم تصرف، وإن حكم الرق مستصحب عليكم لبيت مال المسلمين، وقد عزمت على بيعكم فاحتدم الأمر، وبائع الملوك مصمم، لا يصحح لهم بيعاً ولا شراء، ولا نكاحاً، فتعطلت مصالحهم، وكان من جملتهم نائب السلطان الذي اشتاط غضباً، واحمر أنفه، فاجتمع مع شاكلته، وأرسلوا إلى بائع الملوك، فقال: نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع فخرجت من السلطان كلمة فيها غلظة حاصلها الإنكار على الشيخ ـ رحمه الله ـ في دخوله في هذا الأمر، وإنه لا يتعلق به[25]، وهنا أدرك الشيخ العز أن أعوان الباطل تمالؤوا عليه ووقفوا في وجه الحق وتطبيق الشرع، وتنفيذ الأحكام التي لا تفرق ـ في الدين ـ بين كبير وصغير، وحاكم ومحكوم وأمير ومواطن، فلجأ إلى سلاحه الضعيف الباهت في ظاهره القوي الفعال المدمر في حقيقته وجوهره وسنده، وأعلن الإنسحاب وعزل نفسه عن القضاء وقرر الرحيل عن القرية الظالم أهلها والتي ترفض إقامة شرع الله، ونفذ العز قراره فوراً، وحمل أهله، ومتاعه على حماره وركب حماراً آخر وخرج من القاهرة، وما انتشر الخبر بين الناس في مصر حتى تحركت جموع المسلمين وراءه فم تكن إمرأة ولا صبي ولا رجل لا يؤوبه إليه بتخلف، ولا سيما العلماء والصالحين، والتجار، وأمثالهم ولسان حالهم يقول: لا خير في مصر إن لم يكن فيها العز بن عبد السلام وأمثاله، القائمون بالكتاب والسنة والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، والمجاهدين في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، ولا شماتة شامت، ورفعة التقارير حول هذه الظاهرة إلى القاهرة، وكانت التوصيات: متى راح ذهب ملكك فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه، فرجع أن ينادى على ملوك مصر وأمرائها ويبيعهم، وأرسل إليه كبيرهم ـ نائب السلطان ـ بالملاطفة والشيخ لم يتغير، لأنه يريد إنفاذ حكم الله، عندئذ إنزعج نائب السلطان وأصدر قراره بتصفية الشيخ جسدياً وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيفي هذا بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف في يده صلتاً وطرق الباب فخرج إليه ولد الشيخ، فرأى أمراً جلداً، وعاد إلى أبيه، وأخبره الحال، فقال بائع الأمراء ممتلئاً إيماناً بربه، قائلاً لولده: يا ولدي: أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، فلما رآه نائب السلطان اهتزت يده وارتعدت فرائصه وسقط أرضاً، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له قائلاً: يا سيدي، خيراً أي العمل؟ فقال الشيخ أنادي عليكم وأبيعكم، قال نائب السلطان: ففيما تصرف ثمننا؟ قال الشيخ: في مصالح المسلمين قال ناب السلطان: من يقضيه؟ قال الشيخ: أنا وأنفذ الله أمره على يد الشيخ ـ رحمه الله ـ فباع الأمراء منادياً عليهم واحد تلو الآخر وغالى سلطان العلماء في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير التي تعود بالنفع على البلاد والعباد[26]. ومن هنا عرف الشيخ العز بأنه * بائع الملوك * واشتهر أمره في الآفاق، وسجل له التاريخ موقفاً فريداً لم يشهده العالم أجمع، وعلا صوت الحق، وعز العلماء وتم تطبيق شرع الله تعالى، وهزم الباطل وطاشت سهام السلطة والقوة المادية، أمام سلطان الله تعالى، وأحكامه، وصدق على العز حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر[27]". وعاد العز إلى عرينه في كنف الله تعالى ورعايته وهو القائل: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفر" * الحج ، آية : 38 * ، والقائل: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" * يوسف ، آية : 21 * .
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق