إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

54 السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك


54

السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك

ثانياً سلطنة عز الدين آيبك

 1 ـ الخطر الايوبي والصليبي

رفض أمراء بني أيوب الاعتراف بالنظام الجديد في مصر، وانسلخت عنها دمشق والكرك والشوبك والصبية وغيرها من ممتلكاتها التابعة لها في الشام وأصبح في الشرق الأوسط الإسلامي قوتان متنازعتان، ولايات الشام ويهيمن عليها الأيوبيون، ومصر ويحكمها المماليك، وقد اعتبر الأيوبيون أنهم أصحاب السلطة الشرعية وأن المماليك دخلاء عليهم، وأنه لا بد من اتخاذ إجراء حاسم لإعادة المياه إلى مجاريها[3]، وشنوا حملة أعلامية مركزة على المماليك وقالوا بأنهم هم الذين سمحوا للملك الفرنسي بالخروج من مصر حياً طمعاً في الفدية التي أعطاها لهم وتلك التي تعهد بدفعها، وأنه لولا جشعهم لما أفلت لويس من قبضة المسلمين[4]، ولما توجه إلى الإمارات اللاتينية في الشام عمل على بث الخلاف وإثارة الفتن والقلاقل في الشرق الإسلامي، وأما المماليك البحرية فقد وجدوا أنهم أصحاب الفضل الأول في إحراز النصر على لويس والتنكيل به وبقواته على ضفاف النيل، وأنه لولا اجتهادهم في المنصورة وفارسكور ما تم النصر للمسلمين[5]، حتى وصفهم ابن واصل بأنهم كانوا داوية الإسلام[6]، ودافعوا عن اتهام الأيوبيين لهم بإخلاء لويس طمعاً في ماله، بأنهم كانوا يخشون إن قتلوه أو أبقوه في الأسر أن تثور ثائرة العالم المسيحي ويقوم بحملة صليبية جامعة ضد المسلمين قد لا يستطيعون دفعها[7]، خاصة وأن لويس لم يكن محبوباً في فرنسا، فحسب وإنما في أمم الغرب الأوروبي والشرق اللاتيني أيضاً ، ثم هم لم ينسوا بعد مااقترفه "تورانشاه" ابن مولاهم الصالح أيوب في حقهم وفي زوجة أبيه شجرة الدر من إساءات ، كان من الضروري وضع حد لها قبل أن يفلت الزمام من أيديهم ويبطش[8] بهم ، وأنهم بتخلصهم منه إنما انقذوا مصر من مفاسده ومباذله ، ولذا فهم يرون أنهم أحق بالملك من غيرهم[9] .

 أ ـ لويس التاسع واستغلال فرصة النزاع بين المسلمين

ففي هذا الوقت الذي كان فيه الشرق الإسلامي منقسماً على نفسه كان الملك الفرنسي في عكا يسعى لتأليف حملة جديدة تهدف إلى امتلاك البيت المقدس. وحري بالذكر في هذا المجال أن المسيحيين في المعاقل اللاتينية في سورية وعلى رأسهم لويس كانوا يدركون حقيقة الحال في مصر والشام وكانوا ملمين إلماماً تاماً بأحوال العالم الإسلامي المضطربة إبان فترة الأنتقال هذه ، إذ سجل لويس في رسالته إلى شعبه أن هذا الشقاق قد انعش آماله[10]، كما وجد الفرصة مواتيه لتعويض ما خسره في مصر[11] ، ومما يدلنا على اهتمام الغرب المسيحي بما كان يجرى في الشرق الإسلامي من أحداث وقتذاك أن المؤرخين الغربيين المعاصرين لهذه الفترة أمثال جوانفيل وروتلان ووليم دي ناجي، ووليم دي شارتر، ومتى الباريزي وغيرهم، قد تتبعوا مراحل الخلاف بين مصر والشام، وسجلوا الكثير من ظروف الحال بينهما مما لا تقل قيمته عما خلفته لنا المصادر الإسلامية في هذا الشأن، وهي فضلاً عن ذلك تعطينا فكرة واضحة عن هذا النزاع من وجهة النظر المسيحية وعن موقف لويس منه[12]، من هنا يتضح أن مهمة الملك لويس التاسع في هذه الفترة بالذات التي قام فيها الخلاف بين بني أيوب في الشام والمماليك في مصر هي استغلال الفرصة ، وترقب الأمور عن كثب ، واتخاذ خطة السياسة والدهاء ، عساه أن يعوض من وراء ذلك ما فاته في حملته الفاشلة على الديار المصرية[13].

 ب ـ تردد السفارات بين ملوك مصر والشام ولويس التاسع:

هكذا ترددت الرسل وتعددت السفارات بين كل من أمراء مصر والشام وبين الملك الفرنسي في عكا وفي غيرها من بلاد الشام المحتلة وكل منهما يمنيه بالوعود المغرية طمعاً في كسبه إلى جانبه ، ولكنه اتخاذ سياسة الحرص والحذر، متوخياً في ذلك ماتمليه عليه المصلحة المسيحية قبل أن يتخذ قراراً حاسماً ، فقد كان بوسعه الإنضمام إلى أحد الفريقين أو الوقوف موقف الحياد أو أن يستمر على سياسة متأرجحة أملاً في استتراف قوى الفريقين إلى أقصى حد ممكن[14]، على أية حال ، لم يكد لويس يستقر في عكا حتى أرسل إليه الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب مبعوثين من قبله يسألونه أن يقف إلى جانب مولاهم في قتاله ضد المماليك البحرية الذين قتلوا قريبه السلطان المعظم تورانشاه وتعهد له الناصر إذا تحالف معه بإعادة بيت المقدس التي كانت تحت إمرته آنذاك إلى المسيحيين[15]، كان السلطان عز الدين آيبك يراقب الأحداث عن كثب وقرر مواجهة الخطر الأيوبي بالطرق السلمية أولاً وحتى يمتص نقمة الأيوبيين ، إختار بالاتفاق مع كبار أمراء المماليك صبياً صغيراً في العاشرة من عمره من بني أيوب ، هو الأشرف موسى بن المسعود بن الكامل محمد وأقامه سلطاناً ليكون شريكاً له في السلطة ، فكانت المناشير والتواقيع والمراسيم تخرج عنهما ، ويخطب باسميهما على منابر مصر وأعمالها ، وضُربت لهما السكة على الدنانير ، والدراهم[16]، ويبدو أن آيبك علم بأنباء المفاوضات بين الملك الناصر ولويس التاسع ، وخشي وقوع تقارب أيوبي صليبي ، فأرسل إنذار الى الملك لويس التاسع بأنه سوف يُقدم على قتل الأسرى الصليبيين الذين مازالوا في مصر منذ أيام الحملة الصليبية السابعة على دمياط ، وهم بانتظار دفع الفدية المقررة لإطلاق سراحهم ، إن قام بأي عمل عدائي ضده وأبدى في الوقت نفسه استعداده لتعديل معاهدة دمياط والتنازل له عن نصف الفدية المقررة مقابل تحالفه معه ضد الناصر يوسف ، غير أن الملك الفرنسي لم يشأ أن يلتزم بشيء نحو أي من الطرفين وإن كان يؤثر التحالف مع دمشق لما لها من أهمية عسكرية وسياسية ، لكن كان لزاماً عليه أن يفكر في أسرى الصليبيين الذين مازالوا في مصر[17] ، ولما يئس الناصر يوسف من إستقطاب الملك لويس التاسع ، زحف بجيوشه نحو مصر ، ونسي زعماء البحرية خلافاتهم الداخلية ، وتكتلوا وراء آيبك لصد الزحف الأيوبي الذي هدد مستقبلهم جميعاً ، وخرج آيبك من القاهرة على رأس الجيش المملوكي للتصدي للتقدم الأيوبي ، لكنه خشي من أن يقوم الصليبيون بمهاجمة دمياط مرة أخرى، مستغلين خلو مصر من المدافعين عنها فأمر بهدم ثغرها ، حتى خُرب كله ، ولم يبق من المدينة سوى الجامع وأكواخ من القش على شاطئ النيل يسكنها الصيادون وضعفاء الناس، وسموها * المنشية * [18].

يتبع

  [IMG]http://img137.imageshack.us/img137/913/w6w20060221105143ce8876fe3aa9j.gif[/IMG]

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق