إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

60 السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك


60

السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك

ثانياً سلطنة عز الدين آيبك

 7 ـ مقتل السلطان أيبك وشجرة الدر

يبدو أن أيبك أخذ يشعر بما بين زوجته شجرة الدر والمماليك البحرية بالكرك من مراسلات واتفاقات، فعزم على الزواج من غيرها وأرسل سنة 1256م ميلادية إلى بدر الدين لؤلؤ الاتابكي صاحب الموصل يطلب إليه حلفا زواجيا لم يعلم عنه إلا ما تداولته المراجع من خطبته أيبك لابنة بدر الدين وليس من المعقول أن تكون الخطبة قاصرة على مجرد الرغبة في الزواج إذ ربما أراد من وراء ذلك الحلف معرفة تحركات المغول عن طريق صاحب الموصل، وكيفما كان الأمر فقد كانت هذه المسألة بداية الخاتمة لعهد أيبك، وذلك لئن شجرة الدر لما علمت ما يبيت لها أخذت هي تتزعم حركة المعارضة الداخلية والخارجية لسلطنته، فقام بعض من بقي في مصر من البحرية بمعارضة مشروع الزواج، فقبض أيبك على عدد كبير، منهم أيدكين الصالحي، وسيرهم لقلعة الجبل لسجنهم في الجب، فلما وصلوا إلى قرب نافذه القصر السلطاني حيث سكنت شجرة الدر، احنى الأمير أيدكين رأسه احتراماً وقال بالتركية* والله يا خوند[59]ما عملنا ذنب وجب مسكناً ولكنه لما سير يخطب بنت صاحب الموصل، ما هان علينا لأجلك، فانا تربية نعمتك ونعمة الشهيد المرحوم"الصالح أيوب"، فلما عتبناه تغير علينا وفعل بنا ما ترين، فأومأت إليه شجرة الدر بمنديلها بما معناه"قد سمعت كلامك" وعندما نزلوا بهم إلى الجب قال أيدكين؛ إن كان قد حبسنا فقد قتلناه[60]، ومعنى هذا أن شجرة الدر كانت قد بيتت هي الأخرى لايبك جزاء وفاقاً، وأن قبضه على أولئك لم يكن مجرد معارضتهم في الزواج، بل لأنه علم بمؤامرتهم، فأراد أن يقضي على الحركة كلها بالفصل بين أمراء المماليك وزعيمتهم غير أن شجرة الدر كانت قد دبرت ما لم يكن في الحسبان إذ أرسلت سراً أحد المماليك العزيزية إلى الملك الناصر يوسف بهدية ورسالة تخبره فيها أنها عزمت على قتل أيبك والتزوج منه وتمليكه عرش مصر، ولكن الناصر أعرض عنها خوفاً أن يكون في الأمر خدعة، ولم يجبها بشيء وعلم بدر الدين لؤلؤ باخبار هذه المفاوضات السرية فبعث بها إلى أيبك ينصحه أن يأخذ حذره، وخاف أيبك على حياته فترك القلعة وأقام بمناظر اللوتي وصمم على قتل زوجته قبل أن تقضي عليه وأخذ الزوجان يتسابقان في نسج المؤامرات بعد القبض على البحرية في القاهرة، وانتهى السباق بانتصار المرأة في ميدانها، إذ أرسلت شجرة الدر إلى أيبك رسالة رقيقة تتلطف به وتدعوه بالحضور إليها بالقلعة، فاستجاب لدعوتها وصعد إلى القصر السلطاني بالقلعة حيث اعدت له شجرة الدر خمسة من الغلمان الأشداء لاغتياله، منهم محسن الجوجرى ونصر العزيزي، وسنجر وكان آخرهم من مماليك أقطاي[61]، وقد قام هؤلاء الغلمان بما أمروا به وقتلوه في الحمام في أبريل سنة 1257م،655هـ[62]، قال الذهبي عن السلطان المعز كان ديناً عاقلاً، كريماً، تاركاً للشرب[63].

حاولت شجرة الدر إخفاء واقعة القتل، وأمرت بتجهيز جثمان عز الدين أيبك بملابس لائقة ووضعه على فراشه، والإدعاء بأنه سقط من فوق جواده أثناء عدوه، وتسبب ذلك في إصابات أنهت حياته، وسرعان ما أنتشر نبأ وفاة السلطان وبدأ أمراء المماليك يتوافدون على القصر، وكانت شجرة الدر ما تفتأ تروي واقعة سقوطه من على ظهر جواده، لكنهم استمعوا إليها في ريبة، فقد شهد أيبك معارك كثيرة خاضها وهو يحارب من على ظهر جواده لكنها في كل مرة كانت تصر وتؤكد الواقعة[64]، وأحيط بشجرة الدر، وواجها أمراء المماليك فلم يكن أمامها إلا أن تعترف بأنها أرادت الإنتقام، لكن لم يخطر ببالها أبداً أن ذلك سيؤدي إلى وفاته وتشاور أمراء المماليك فيما يصنعون، لقد وقفوا مع شجرة الدر بادئ الأمر، وصنعوا منها ملكة وسلطانة، وأحاطوها برعايتهم وحمايتهم، حتى في أصعب الأوقات، وباركوا زواجها من عز الدين أيبك،  وساعدوها على أن تصبح زوجة السلطان، فكيف ترتكب هذه الفعلة النكراء؟ وتتنكر على هذا النحو البغيض على أنهم انقسموا على امرهم، وانحاز بعض الأمراء إلى جانبها وأعادوا ما كان لأيبك من قسوة وغلطة وجبروت، فضلاً عن أن وجود شجرة الدر يعتبر ضرورياً  كرمز للشرعية، فهي أرملة نجم الدين أيوب وأم أبنه خليل، ولها من الأيادي على مصر وعلى المماليك انفسهم الشيء الكثير البادي للعيان ورأى البعض الآخر أنها قد ارتكبت جريمة مرعبة، وكاد الأمر أن يتطور إلى حرب بين الفريقين، وأخيراً انتصر أعداؤها وحُبست في أحد أبراج القلعة، ونودي بعلي، بن عز الدين أيبك السلطان الراحل، سلطاناً جديداً ليخلف والده الراحل ويحدثنا أحد المؤرخين أن شجرة الدر كانت قوية في مواجهة الموت كما كانت قوية في مواجهة المدلهمات، فلمّا ايقنت من نهايتها أسرعت إلى خزانتها واستخرجت حليها ومجوهراتها جميعاً، وسحقتها سحقاً حتى لا تتزين بها غريمتها أم على زوجة السلطان الأولى وفي هذه الرواية شك كبير كذلك؛ فكيف لشجرة الدر، وهي سجينة في برج بالقلعة أن تسرع إلى خزنتها وتستخرج حليها، ثم تسحقها جميعاً حتى لا تتزين بها غريمتها أم على كما يقول المؤرخ[65]؟ وفي خارج القصر هدأت الجموع التي أثارها انتشار النبأ ورضي الجيش بالسلطان الجديد بعد أن كان قد انقسم على نفسه بين مؤيد لشجرة الدر ومنكر لها، وتوقفت أعمال الشغب التي كانت قد انتشرت في القاهرة، وتجنّب أمراء المماليك شبح الفتنة التي كانت، تتهددهم، واقتيدت شجرة الدر إلى بلاط السلطان الجديد حيث كانت غريمتها أم على، زوجة أيبك الأولى قد أصبحت منها أم السلطان الجديد، وتمايلت أم علي فرحاً فكانت تنتظر فرصة كهذه منذ سبع سنوات، منذ أن هجرها زوجها أيبك وهجر معهما أبنهما علي. إن ساعة الإنتقام قد أزفت، وأمرت خادمات القصر بالدخول على شجرة الدر وضربها بالقباقيب حتى تفارق الحياة[66]، يقول المقريزي: فضربها الجواري بالقباقيب إلى أن ماتت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندق، وليس عليها، سوى سروال وقميص، فبقيت في الخندق أياماً وأخذ بعض أراذل العامة تكة سراويلها ثم دفنت بعد أيام ـ وقد نتنت ـ وحملت في قفة، بتربتها[67]، قال عنها الذهبي: ودفنت بتربتها بقرب قبر السيدة نفيسة، وقيل: إنها أودعت أمولاً كثيرة فذهبت، وكانت حسنة السيرة، هناك لكن هلكت بالغيرة[68]، وقال ابن العماد فيها: كانت بارعة الحسن، ذات ذكاء وعقل ودهاء… نالت من السعادة أعلى المراتب، بحيث أنها خُطِبَ لها على المنابر، وملَّكوها عليهم أياماً، فلم يتم ذلك، وتملك المعز آيبك فتزوج بها وكانت ربما تحكم عليه، وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت[69]. وأما غريمتها أم السلطان الجديد، أم علي، فكانت قد نذرت أن تدعو كل سكان القاهرة، إلى وجبة من الحلوى في نفس اليوم الذي تتخلص فيه من غريمتها، وعندما ماتت شجرة الدر، أمرت طهاة القصر بإعداد تلك الوجبة، لكن الوقت لا يسمح بالإنتهاء في نفس اليوم، فجاءتهم بوصفة طهي بسيطة للغاية، كما كميات ضخمة الخبز، يجري تسخينها إلى درجة الإحمرار وتغمر في اللبن والعسل، ثم تغطى بطبقة سمكية من اللوز والزبيب والصنوبر، وإلي وجبة الحلوى اللذيذة التي تقدم في المطاعم في أيامنا هذه، وقد سميت بإسم أول من صنعتها، أم علي[70].

يتبع

  [IMG]http://img137.imageshack.us/img137/913/w6w20060221105143ce8876fe3aa9j.gif[/IMG]

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق