إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 أبريل 2013

76 السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك


76

السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك

ثانياً السلطان الناصر بين المقاومة والاستسلام

الملك الناصر يوسف الايوبي صاحب حلب

 4 ـ دمشق

 بعد سقوط حلب أرسل هولاكو رسلاً من قبله إلى دمشق دخلوها ليلة الإثنين السابع عشر من صفر سنة 658هـ/ فبراير 1260م وهم يحملون فرماناً منه تأمين المدينة وأهلها مقابل تسليمها، وقرئ هذا المرسوم على الناس بدمشق بعد صلاة الظهر[19].

 أ ـ موقف بيبرس البندقداري

وفي هذا الموقف الحرج أشار بعض كبار أهل دمشق وعلى راسهم الأمير زين الدين الحافظي، بمداراة المغول والدخول في طاعة هولاكو، لتجنيب دمشق وأهلها ما حل بحلب من الهلاك والدمار والخراب، ولكن ذلك الرأي لم يجد التأييد الكامل من أهل دمشق، حيث رفضه البعض[20]وعلى رأسهم ركن الدين بيبرس، وصاح في وجه زين الدين قائلاً: أنتم سبب هلاك المسلمين، ويبدو أن الملك الناصر كان على رأي زين الدين الحافظي، فحاول بعض أتباع بيبرس من طائفة المماليك البحرية، قتل الملك الناصر، وتولية حاكم آخر عالي الهمة، نافذ الرأي، يستطيع جمع الناس للجهاد في سبيل الله وقيادتهم في ميدان القتال لصد العدوان المغولي والدفاع عن الإسلام وأهله، إلا أن بيبرس تخلى عن دمشق وذهب مع جماعة من المماليك البحرية إلى غزة، حيث استقبله أميرها أحسن إستقبال، وفيها سير بيبرس رسولاً من قبله إلى السلطان المظفر قطز ليحلفه على إعطاه الأمان ونجح في المصالح مع قطز الذي وعده الوعود الجميلة، ثم سافر إلى بيبرس إلى مصر وانضم إلى قيادة قطز وأصبح من أكبر أعوانه الذين ساهموا للتخطيط لمعركة عين جالوت وقيادة الجيوش الإسلامية وتحيق ذلك النصر المؤزر الذي بدد أحلام المغول بكاملها[21].

 ب ـ تسليم دمشق

خرج الملك الناصر من دمشق ومعه جمع من أتباعه يريد غزة وترك دمشق في حالة يرثى لها، وقصد جمع من أكابر دمشق وأعيانها حضرة هولاكو ومعهم التحف والهدايا ومفاتيح بوابات دمشق، وأظهروا الطاعة والخضوع له، وسلموا المدينة، وأمر هولاكو قاده كيتوبوقا إلى دمشق لإختبار أهلها، فاستقبله أهل المدينة وطلبوا منه الأمان، ثم أرسل أعيانهم إلى بلاط هولاكو وهكذا دخل المغول دمشق بلا حصار ولا قتال وولى عليها هولاكو جماعة من المغول وعين ثلاثة من أهلها لمساعدتهم في تصريف الأمور بها[22]، وأما قلعة دمشق فقد استعصت على المغول، ورفض من بداخلها التسليم لهم، وفي هذا الوقت وصل إلى دمشق الملك الأشرف صاحب حمص من عند هولاكو ومعه مرسوم بأن نائب السلطة لدمشق والشام كلها، وتم حصار القلعة وضربها بالمنجنيقات وخرب من القلعة مواضع وطلب من بداخلها الأمان، ودخلها المغول ونهبوا ما كان فيها من الكنوز والدفائن وأحرقوا مواضع كثيرة منها، وهدموا عدداً كبيراً من أبراجها، وأتلفوا سائر ما بها من الآلات والعدد[23].

 ت ـ تسليم حماه

أما مدينة حماه فإن صاحبها الملك المنصور الثاني كان قد حضر إلى برزة ليتجهز مع الملك الناصر، فلما سمع أهل البلد في غيبته بأخذ حلب أرسلوا رسولاً من قبلهم إلى هولاكو، يسألونه العطف، وسلموا له البلد، فأعطاهم الأمان، وجعل عندهم شحنة من قبله، أما قلعة حماه فيبدو أن ما حل بحلب وأهلها وقلعتها من الأهوال فضلاً عن هروب الملك المنصور صاحبها قد دفع متوليها إلى المسارعة بالتسليم للمغول[24]. وبعد أن تم للمغول السيطرة على حلب ودمشق وحماه، وغيرها من البلدان المجاورة، أصبح إستيلاءهم على بقية مدن الشام مسألة وقت، كان على القائد المغولي أن يختاره متى شاء، وذلك بسبب ما حل ببلاد الشام من الأهوال والفزع والخوف، فضلاً عن تفرق كلمة الأمراء الأيوبيين، ففي الأسابيع القليلة التالية، أتم القائد المغولي كيتوبوقا الذي أوكل إليه هولاكو مهمة إتمام الإستيلاء على بلاد الشام بعد عودته من حلب إلى مدينة مراغة للمشاركة في إنتخاب الخان الجديد[25]، السيطرة على بلاد الشام حيث توجه إلى نابلس، وحينما حاول أهلها المقاومة جرى قتل عدد كبير منهم، ثم أغارت جموع المغول على سائر بلاد الشام، حتى وصلت إلى أطراف غزة، وبيت جبريل، والصلت، وبعلبك وبانياس وغيرها، واستولوا عليها وقتلوا وسبوا ما قدروا عليه، ثم عادوا إلى دمشق، فباعوا بها ما غنموه من هذه المدن[26].

 جـ ـ موقف النصارى في الشام

جاءت سيطرت المغول شديدة الوطأة على المسلمين في بلاد الشام، إذ أنهم بادروا قبل كل شيء إلى تدمير الاستحكامات والأسوار والقلاع في البلاد التي خضعت لهم مثل حلب ودمشق وحمص وحماه وبعلبك وبانياس وغيرها، وحققوا بذلك ما لم يستطع تحقيقه الصليبيون من قبل[27]، ولقد مال المغول منذ اللحظة الأولى لغزوهم للشرق الأدنى إلى العنصر المسيحي النسطوري، ولعل وصية منكو خان لأخيه هولاكو التي نصت على إستشارة هولاكو لزوجته دوقوز خاتون التي كانت مسيحية نسطورية خير دليل على ذلك، وقد أدى وجودها في ركاب زوجها هولاكو إلى التفاف المسيحيين الشرقيين حول المغول، إذ المعروف أن النساطرة إزداد عددهم في الجيش المغولي ووصلوا إلى حد قيادة الجيوش المغولية، فكيتوبوقا كان من عنصر النايمان النساطرة، وكان من الطبيعي أن يتآخى هؤلاء النساطرة مع الجماعات الأرمينية واليعاقبة وغيرهم التي تكاثر عددها في كبرى مدن الشام[28]، وقد أدى هذا التلاحم إلى مشاركة العنصر المسيحي على مستوى قيادة الجيوش في إقتحام مدن الشام، وهولاكو عندما اقتحمت جيوشه مدينة حلب كان بصحبته ملك أرمينية هيثوم الأول وصهره بوهيمند السادس أمير أنطاكيا، كما شهدت عاصمة الخلافة الأموية دمشق لأول مرة منذ ستة قرون ثلاث أمراء مسيحيين هم: كيتوبوقا وهيثوم وبوهيمند يشقون بمواكبهم شوارعها[29]، ويصح أن نؤكد أن غزو المغول لبلاد المسلمين في الشام إتخذ طابعاً صليبياً، وقد ذكر أن هولاكو عندما غزا بلاد الجزيرة قدم عليه جاشليق الأرمني ومنحه البركات، ولما كان هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى في إتصاله مع المغول يتحدث بإسمهم وإسم صهره بوهيمند السادس أمير أنطاكيا الصليبي فإن هذه الحملة قد إتخذت صفة حملة صليبية أرمينية ـ مغولية[30]، والواقع أن سقوط المدن الثلاث الكبرى، بغداد وحلب ودمشق في أيدي المغول يعتبر من الكوارث الفاجعة التي هزت العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وترتب على سقوط دمشق في أيدي المغول أن أعلن المسيحيون بها التمرد والشموخ، ولم يخفوا فرحتهم بما حل بالمسلمين من نكبة، ولم يخف القائد المغولي كيتوبوقا نفسه ما يكنه من الميل نحو هؤلاء المسيحيين وتردده إلى كنائسهم، وذهب بعضهم إلى هولاكو وأحضروا من عنده * فرماناً *  ينص على الاعتناء بأمرهم ودخلوا به البلد وصلبانهم مرتفعة وهم ينادون حولها بإرتفاع دينهم وانتضاع دين الإسلام، ورشوا الخمر على ثياب المسلمين وأبواب المساجد وألزموا المسلمين في حوانيتهم بالقيام للصليب، ومن لم يفعل ذلك أهانوه وأقاموه غصباً، وطافوا وهم يحملون الصلبان ويدقون النواقيس في الشوارع إلى كنيسة مريم، وقام بعضهم أثناء المسيرة بإلقاء الخطب فبجل دين المسيح وانتقص دين الإسلام، وضجر المسلمون من ذلك وصعدوا مع قضاتهم وشهودهم إلى نائب هولاكو بالقلعة، فلم يستجب لشكواهم وأخرجهم من القلعة بالضرب والإهانة، وأخذت نائب هولاكو موجة من الإهتمام بالنصارى ـ فجعل يزور الكنائس ويعظم رجالها على اختلاف مذاهبهم، فاشتدت ثائرة المسلمين، للانتقام لمقدساتهم، فقاموا باحراق كنيسة مريم، وخربوا جزءاً من كنيسة اليعاقبة[31].

ويمكن القول أن هذا التلاحم بين القوى المغولية والقوى المسيحية الشرقية، الذي أثمر استيلائهم على بلاد الشام، وتحطيم استحكاماتها، ومن ثم التطاول على المسلمين بها والاعتداء على مقدساتهم، كان أحد العوامل التي دفعت المسلمين في الأراضي المصرية إلى تدارك الأمر واستنفار كامل قواهم، ومن ثم إعلان حركة الجهاد الإسلامي المقدس ضد المغول وحلفائهم حتى تحقق لهم ذلك النصر العظيم في معركة عين جالوت[32].

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق