إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 أبريل 2013

75 السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك


75

السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك

ثانياً السلطان الناصر بين المقاومة والاستسلام

الملك الناصر يوسف الايوبي صاحب حلب

 3 ـ سقوط حلب

كانت مدينة حلب أول مدينة شامية واجهت العاصفة المغولية، فقد أصدر هولاكو أوامره لقواته بعبور نهر الفرات، ومهاجمة بلاد الشام، ووصل الخبر بذلك إلى حلب وكان يحكمها الملك المعظم تورانشاه نائباً عن الملك الناصر، فجحفل الناس خوفاً من المغول إلى دمشق، وعظم الخطب على من بداخلها، وقبل وصول القوات المغولية إلى حلب، أرسل هولاكو كعادته إنذاراً إلى صاحبها، إلا أن الملك المعظم الأيوبي رد علي بقوله:

ليس لكم عندنا إلا السيف[8]، ثم احترز على حلب حتى صارت في غاية الحصانة والمنعة، بأسوارها المحكمة البناء وقلعتها المنيعة، وبما نصبه عليها من آلات دفاعية[9]. وفي العشرة الأخيرة من ذي الحجة سنة 657هـ نوفمبر 1259م، قصد المغول مدينة حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية وامتدوا إلى قريتي حيلان والحاري وهما قري حلب، ثم سيروا فرقة من عسكرهم بإتجاه حلب، فخرج عسكر المسلمين ومعهم جمع غفير من العوام والسوقة، وأشرفوا على المغول وهم نازلون على تلك الأماكن، وقد ركبوا جميعهم لإنتظار عسكر حلب، فلما تحقق المسلمون كثرتهم كروا راجعين إلى المدينة وأصبح الملك المعظم تورانشاه بعد ذلك أوامره إلى قواته بالتحصن داخل حلب، وعدم الخروج منها[10]، وفي اليوم التالي تحركت القوات المغولية طالبة حلب، ولما وصلت جموع المغول إلى أسفل الجبل نزلت إليهم فرقة من جيش المسلمين لمقاتلتهم، فلما شاهد المغول ذلك تراجعوا أمام الجيش الإسلامي مكراً وخديعة لاجتذابهم بعيداً عن البلد، فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار، ثم كر الجيش المغولي وخرج من مكامنه فاندفع المسلمون أمامه إلى جهة البلد، والعدو في أثرهم، ولما حازوا جبل بانقوسا وعليه بقية الجيش الإسلامي إندفعوا جميعاً نحو المدينة والعدو مستمر في مطاردتهم، فقتل من المسلمين جمع كثير من الجند والعوام، ونازل المغول حلب ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا عنها إلى أعزاز فتسلموها بالأمان[11].

 أ ـ الإضطرار إلى التسليم

عاود المغول هجومهم على حلب في ثاني صفر من 658هـ/يناير 1260م وأحكموا حصارها بحفر خندق حولها عمقه قامة، وعرضه أربعة أذرع، وبنوا حائطاً بإرتفاع خمس أذرع، ثم نصبوا عليها عشرين منجنيقاً وشرعوا في رميها بالحجارة ونقب أسوارها ومهاجمتها من كل الجهات، حتى اضطرـ إلى التسليم في التاسع صفر من 658هـ/يناير 1260م، ولم ملكوها غدروا بأهلها وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، ونهبوا الدور وسبوا النساء والأطفال، ثم إستباحوا المدينة خمسة أيام عاثوا فيها فساداً حتى إمتلأت الطرقات بجثث القتلى، ويقال إنه أسر من حلب زيادة على مائة ألف من النساء والصبيان، ولم يسلم من أهل حلب إلا من إلتجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين أخي مردكين، ودار البازياد، ودار علم الدين قيصر الموصلي، والخانقاه التي لزين الدين الصوفي وكنيسة اليهود بفرمانات كانت بأيديهم وقيل أنه سلم بهذه الأماكن من القتل ما يزيد عن خمسين ألف نفس[12]

 ب ـ هدم أسوار المدينة وقلعتها ومساجدها

لجأ الملك المعظم تورانشاه إلى القلعة ومع جمع كثير من حلب، واستمر الحصار على القلعة وشدد المغول مضايقتهم لها نحو شهر[13]، ويبدو خيانة حدثت في جيش الملك المعظم سهلت للمغول مهمتهم في تشديد حصارهم للقلعة ومعرفة مواطن الضعف فيها، ومن ثم تثبيط همم المقاتلين داخلها، الأمر الذي ترتب عليه تسليم القلعة إلى المغول رغم حصانتها بكل سهولة، ودخل هولاكو بعد ذلك إلى القلعة وخربها، وهدم أسوار المدينة وجوامعها ومساجدها وبساتينها وعفى آثارها، حتى غدت بلدة موحشة، بعد أن كانت تعد من أزهى مدن الشام، وخرج إليهم الملك المعظم تورانشاه، ويذكر المقريزي أن هولاكو لم يتعرضه بسوء لكبر سنه[14]، ولا يستبعد أن يكون الملك المعظم قد أصيب خلال حصار المغول للمدينة والقلعة بجراح بالغة أو بمرض لم يعد يرجى برءه، أو أن هولاكو قد دبر قتله سراً، بدليل ما ذكره المقريزي نفسه من أن الملك المعظم توفي بعد ذلك بأيام قلائل[15].

 جـ ـ غنائم لحلفاء هولاكو من النصارى

لم يشأ هولاكو أن تمر فرصة إستيلائه على حلب دون أن يكافئ حليفه، هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى، وبوهيمند السادس الصليبي أمير أنطاكيا الذين ساعداه في ذلك العمل، حيث قام بإعطاء ملك الأرمن جزءاً من الأنفال، وأعاد إليه الأقاليم والقصور التي كان مسلمو حلب قد استولوا عليها منهم، كما رد إلى بوهيمند جميع الأراضي التي كان المسلمون قد اقتطعوها من إمارته، وعبر هيثوم عن إبتهاجه بذلك بإحراق الجامع الكبير في حلب بنفسه إنتقاماً من المسلمين[16]. وهكذا سقطت مدينة حلب في يد المغول، وحقق هولاكو بذلك ما لم يستطع تحقيقه الأمراء الصليبيون والأباطرة البيزنطيون وحطم حصناً عظيماً من حصون الإسلام، وغدت هذه المدينة، التي كانت تعتبر بحق من أروع وأزهى مدن الشام خربة يائسة، وعين عليها هولاكو حاكماً من قبله[17]، وقد أثار سقوط هذه المدينة التي كانت موطن حركة الجهاد ضد الصليبيين، الفزع والوجل في نفوس المسلمين ببلاد الشام، فوصل إلى هولاكو بحلب كثير من أمراء المسلمين، ليعلنوا ولائهم وخضوعهم، ومنهم الملك الأشرف موسى الأيوبي، صاحب حمص، الذي سبق أن إنتزع منه الناصر إمارته، فأعادها إليه هولاكو، على أن تكون إقطاعاً وراثياً له من قبل هولاكو، ولما رفض رجال حامية مدينة حارم الاستسلام إلا لقائد حامية حلب، إعتبر هولاكو ذلك إهانة له وإنتقاصاً من مكانته، فأمر بقتل أهل حارم عن آخرهم وسبي نسائهم وأطفالهم ثم ألحق بهم رجال الحامية جميعاً[18].

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق