إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 أبريل 2013

113 السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك


113

السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك

سادساً أسباب إنتصار المسلمين في عين جالوت

 5 ـ الإعداد وسنة الأخذ بالأسباب

إن إنتصار المسلمين في معركة عين جالوت، لأنهم عرفوا كيف يتعاملوا مع سنة الأخذ بالأسباب، وكان سلاطين المماليك أصحاب فقه عميق بسنة الأخذ بالأسباب، ويظهر ذلك من خلال حرصهم على العمل، وقوله تعالى: "واعدوا لهم من استطعتم من قوة ومن رباط الخيل…" * الأنفال ، آية : 60 * ، لقد فهم قادة المماليك أن أمر التمكين لهذا الدين يحتاج إلى جميع أنواع القوى على إختلافها وتنوعها، ولقد قاموا بشرح هذه الآية عملياً من خلال التدريب والتعليم والتخطيط والتنظيم…الخ .

لقد إهتم قادة المسلمين في مصر بتأهيل الفارس لكي يدخل الحرب وهو على أتم الإستعداد لها، وكان أغلب الملوك والسلاطين والأمراء من الفرسان المعدودين ومن الأبطال الشجعان الذين على علم بالرماية ولعب الرمح وضرب السيف وخفة الحركة في ساحة الميدان وبفنون القتال وباستخدام الأسلحة المعروفة في ذلك العصر، ولم تقتصر الفروسية على الوجهاء، بل كان أغلب الجنود أو قل جميعهم من الفوارس ومن المدربين على تلك الأعمال التي في نظرهم في مقدمة كل أمر، ومن أبرز الصفات عند الجيش المملوكي[36]، والتي كان يركز عليها عند القادة في وقت الإعداد والتدريب والأخذ بالأسباب:

أ ـ العمومية والشمولية: إن التدريب كان يشمل المؤخرة، كما يشمل المقدمة، والتشكيلات كما في القطعات والوحدات، والفرد كما في المجموعات، والجندي كالقائد، والبحرية كالقوات البرية، ولا يستثنى أحد، وكانت هذه التدريبات تتناول جميع أنواع التدريب وأشكاله وطرائقه، كما تتناول جميع أنواع الأسلحة المستخدمة في القتال، والتدريبات التي تحافظ على اللياقة البدنية، وترفع من قدرة الجندي القتالية، كألعاب السباق والمصارعة، وبهذه العمومية والشمولية توصل الجيش المملوكي إلى توازن قتالي بين صفوف قواته وإختصاصاتها المختلفة، وإلى وحدة الجيش الحربية، وإلى ثقل الضغط والخرق، فإن ركز جهوده الرئيسية إلى قطاع من دفاعات العدو تراه يجمع كل الجهود لهذا القطاع، كما حدث تماماً في معركة عين جالوت عندما خرق الدفاع وإستطاع أن ينفذ من اليمين والشمال وأن يصل خلف القوات المغولية بالرغم من الصمود وثبات الدفاع[37].

ب ـ ملازمة التدريب العقائدي مع التدريب القتالي: كان المماليك يدربون على أصول العقيدة وأحكامها ونظرتها إلى الجهاد تحت إشراف مدربين إشتهروا بالتربية والتعليم، وكان يعلمونهم القرآن الكريم حتى أن بعض المدربين كانوا يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب، وكذلك كانت علوم شرعية متنوعة في التفسير والحديث والسلوك واللغة، وبعد نجاحه في أمور العقيدة وإتمامه هذه المرحلة، وبعد أن يكبر، يسلم إلى مدربين في أمور الحرب والقتال، فيتدربون على ركوب الخيل ويتدرجون من السهولة إلى الصعوبة،فيقاتل على ظهرها بسلاح واحد ثم يصل إلى جميع الأسلحة ويتدرب في حالة الركض والوثوب عنها، ثم ينتقل إلى الرمي والدقة في الإصابة على القبق والضرب بالسيف والطعن بالرمح وإستخدام الدبوس ولعب الصولجان، ثم يتدرب على طرق القتال في الميدان وهذه هي أصعب مرحلة في التدريب يخرج من بعدها مقاتلاً قوياً في عقيدته قوياً في قتاله وهو بهذا لا ينقطع عن التدريب العقائدي أو القتالي بل يظل ينمي تدريباته، حتى يصل إلى أعلى مستوى من التدريب [38]المتلازم.

ج ـ التدريب بشكل متواصل: إن المقاتل المملوكي بعد أن ينهي هذه المراحل جميعها لا يتوقف عن التدريب ابدا، وإنما هناك الميادين المتعددة التي يلتقي فيها المقاتلون ليقوموا بتدريباتهم المعتادة ويوصل العسكري المملوكي تدريبه على جميع أنواع القتال وعلى اختلاف الأسلحة في جميع الظروف والأحوال الصعبة، ويبقى من الصباح حتى المساء حتى ولو كان الجو ماطراً أو بارداً أو حاراً[39]، فالمهم عنده تنفيذ البرنامج التدريبي المقرر وكذلك كان التدريب العقائدي فقد كان الموجهون المشايخ كثيرين، وكذلك فإن دور العلم التدريب كانت كثيرة وهي لا تخلو من المقاتلين الذين يلازمون هذه الأماكن التي كانت منتشرة بشكل واسع[40].

س ـ التخصص في التدريب: لقد شاع التخصص في الوظائف العسكرية في الجيش المملوكي فكل مادة لها مدربون خاصون بها، فالنشاب اختص به قادة عسكريون عرفوا به، فهم يقومون بتدريبه وتعليمه للفوارس المبتدئين، كما كانوا يؤلفون الكتب العديدة التي تبحث في هذا السلاح وقواعده رميه وأصوله وأجزائه التي يتألف منها وعمل كل جزء واستخدامه في الميادين وفي ساحات القتال التي تفرض عليه أن يتخذ أوضاعاً مناسبة لكل سلاح، على أن هذا التخصص زاد من المعارف، وأكسب المدربين والمتدربين الدقة والسرعة وأداء الحركات بكل اتقان وفنية عالية[41]، وكان المدرب يتدرج حسب خبرته وتحصيله للعلوم إلى ثلاث درجات الاولى يكون فيها معلماً والثانية أستاذاً. والثالثة رئيساً، ولا يرقى من درجة إلى درجة أعلى إلا إذا حصل على نجاح في الفحص وقدم شيئاً من مؤلفاته وخبرته في العلوم العسكرية[42].

لقد دخل المماليك المعركة بعد إعداد وأخذ بالاسباب وحققوا نصراً ساحقاً على المغول، لقد اتخذ قادة المماليك مجموعة من الاجراءات والأعمال كان الهدف منها التأثير على القوات المغولية في عين جالوت وكان من أهم هذه الاجراءات:

ـ الرد الفوري على الأنذار: درج المغول خلال حروبهم السابقة على توجيه إنذار قتالي إلى زعيم البلاد أو قادتها يحمله مراسلون يتضمن الأعمال المجيدة التي قام بها الجيش المغولي والبطش الذي إستخدمه، والشدة التي عامل بها تلك الجيوش التي تصدت له، مذكراً ما حل بالمعاندين من دمار وخراب ثم يدعوهم إلى الاستسلام والطاعة، فإن أبى الخصم ذلك إبتدأت المعركة على أشدها لا تبقي ولا تذر[43]، أما المماليك فقد كانوا يخشون لقاء المغول، ويتوجسون شراً من الاقتتال معهم، وقبل عين جالوت وصل رسل هولاكو وسلموا الإنذار إلى السلطان قطز زعيم البلاد، وفي هذا الإنذار من الوعد والوعيد وأهم ما يتضمنه الإستسلام، أو القتال، أو الجلاء عن البلاد[44]، إلا أن القيادة المملوكية ردت على هذا الإنذار بقتل الرسل وإعلان الحرب والاستعداد للمجابهة[45].

ـ مجلس الحرب: إنعقد مجلس الحرب في القوات المسلحة المملوكية مباشرة بعد الإنذار، ويتألف من السلطان القائد الأعلى رئيساً، وعضوية كل من أتابك العساكر وشيخ الإسلام وقضاة الإسلام وأمراء المئين، أي قادة التشكيلات المقاتلة وأعيان المشايخ، ومن مهمته النظر في مشروعية الحرب، وتعبئة الجنود، وإعلان النفير العام والتدريب، وتأمين الأسلحة والذخائر، وتحضير الأموال اللازمة وتعيين أمير التجريدة العام والأمراء الذين بصحبته والذين يشكلون أركان الجيش وقادة التشكيلات[46]، ودارت المناقشة التي كان يرأسها قطز، وكان كل عضو يعبر عن رأيه بكل صراحة ووضوح، وكانت المناقشة جادة ومسؤولة، وانفض المجلس على قرار تاريخي، وتحضير قتالي، وإستعداد مع هذا اللقاء الحاسم[47].

ومن الإجراءات التي تم العمل بها، التحضير والإعداد للحرب، تحشيد الناس، والتوجيهات العملياتية، وتقسيم المحاور القتالية والاهتمام بالطليعة والتحييد والحرص على التفوق الكمي والكيفي والإعتناء والإخفاء والتمويه، وإختيار مكان المعركة وزمانها، ومنطقة التمركز، ومخادعة العدو ونصب الكمائن والمطاردة، والتضليل الإستراتيجي والمحافظة على المقاتل والتقليل من الخسائر، الترتيب القتالي، والتشكيلات القتالية، والقتال الإستراتيجي بالجيوش المتلاقية والبريد الحربي ووسائط الاتصال، ومراعاة ميزان القوى، والتصميم للوصول للهدف، وتحقيق النصر السياسي الذي بدوره يقود إلى النصر العسكري[48]، وغير ذلك من الخطوات المهمة التي ساهمت في تحقيق النصر.

يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق