6
السّلطان سيْف الدّين قطز ومَعْركة عَيْن جالوت في عهد المماليك
الفصل الأول قيام دولة المماليك
المبحث الأول أصول المماليك ونشأتهم
أولاً: من هم المماليك؟
1 ـ نجم الدين أيوب والمماليك
ينسب إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب إدخال تشكيلات جديدة على القوة العسكرية التي كان يتكون منها جيش السلطان الأيوبي، فقد إتخذ جملة من الإجراءات العسكرية تبناها السلطان الملك الصالح نجم الدين لتقوية الجيش الذي كان يترأسه، ومن أهمها: إهتمامه الكبير بشراء المماليك والغلمان الأتراك بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ السلطة الأيوبية، فخلا مدة حكمه أضاف إلى الجيش في دفعة واحدة ما تعداه من أكثر من ألف مملوكاً تركياً جلبهم من إقليم التركستان --* خوارزم --* ، ومن مناطق شمالي البحر الأسود وبحر قزوين[25]، وغيرها من الأماكن، وقد أصبح العنصر التركي في عهد الملك الصالح هو الغالبية المتميزة للجيش الأيوبي وسرعان ما شكلوا نواة عسكرية ـ سياسية نشطة تحولت إلى دولة المماليك البحرية، بعد أقل من بضع سنين على وفاة الملك الصالح لتختفي تدريجياً العناصر المتكون منها الجيش الأيوبي، كالبربر والسودان، ومن أهم معالم التطوير في البنية العسكرية الأيوبية في عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب الآتي:
أ ـ الصالحية:
وهي القوة العسكرية الجديدة من المماليك الأتراك باسم --* الصالحية --* نسبة إلى الملك الصالح أيوب نفسه، ومن الواضح أن الملك الاصالح نجم الدين أيوب هو صاحب الفضل في تكوين هذه الفرقة الجديدة من المماليك التي تحمل أيضاً إسم البحرية، والتي قدر لها أن تنهض بدور خطير في تاريخ مصر السياسي لما يقارب من قرنين ونصف، ومما يقوله: ابن تغري بردي نقلاً عن ابن واصل مؤرخ الأيوبيين: اشترى من المماليك الترك ما لم يشتره أحد من أهل بيته حتى صاروا معظم عسكره وأرجحهم على الأكراد وأمرهم[26]، ويبدو أن الملك الصالح أراد أن يشكر المماليك في مساندتهم له للوصول إلى دست السلطنة، ولذلك عمل منهم جيش قوي يسانده في فرض إرادته على الأقاليم الأيوبية بعد أن لمس غدر الطوائف الأخرى من الجند المرتزقة مما دفعه إلى الاعتماد على تلك الفرقة الجديدة وترجيحهم على العناصر الأخرى السائدة[27]، وأما عن السبب في تسميةهذه الفرقة بالبحرية فالمرجح أن ذلك يرجع إلى إختيار السلطان الملك الصالح نجم الدين جزيرة الروضة على بحر النيل مركزاً لهم ولثكناتهم العسكرية وكان معظم هؤلاء المماليك من الأتراك المجلوبين من بلاد القفجاق شمال البحر الأسود ومن بلاد القوقاز، قرب بحر قزوين، وقد كان للأتراك القفجاق، ميزاتهم الخاصة بين طوائف الترك العامة من حيث حسن الطلعة وجمال الشكل وقوة البأس فضلاً عن الشجاعة النادرة، ولا شك في ولاء هؤلاء لسيدهم وقد كانوا قد شكلوا نواة لقوة عسكرية ضاربة في الجيش الأيوبي واحتلوا نتيجة لنيلهم ثقة واعتماد السلطان رتباً عسكرية كبيرة في جيش الملك الصالح نجم الدين أيوب مثل المكانة التي كان يتمتع بها مقدمهم ركن الدين بيبرس والذي لعب دوراً كبيراً في صعود الملك الصالح إلى السلطنة وفيما بعد في المعارك ضد الصليبيين الفرنج وخاصة معركة المنصورة[28].
ب ـ ثكنات المماليك الصالحية في جزيرة الروضة:
اتخذ الملك الصالح أيوب لمماليكه قاعدة في جزيرة الروضة تعرف قلعة الجزيرة أو قلعة الروضة، وجعلها مقراً لهم وشرع في حفر الأساس وبنائها بين عامي 637هـ/1239م و638هـ/1240م، ولتطوير هذه الثكنات هدم الكثير من الدور والقصور والمساجد التي كانت في الجزيرة وأدخلت في نطاق القلعة مشيداً فيها مبانٍ كثيرة منها ستين برجاً وأقام بها مسجداً وغرس بداخلها أنواعاً شتى من الأشجار، ومن شحنها بالسلاح وآلات الحرب وما يحتاج إليها من الغلال والأزواد والأقوات وقد أنفق السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب على عمارتها أموالاً كثيرة، وكان السلطان يقف بنفسه ويرتب ما يعمل بها، وقد عمل كل ذلك من أجل أن ينتقل من قلعة الجبال ويسكن مع مماليكه البحرية[29].
جـ ـ هل السلطان الصالح نجم الدين هو أول من سمّي المماليك البحرية بذلك؟
إن معظم المؤرخين السابقين والمحدثين أجمعوا عل أن السلطان الصالح نجم الدين أيوب هو أول من رتب المماليك البحرية وأول من سماهم بذلك نسبة إلى بحر النيل الذي أحاط بثكناتهم في جزيرة الروضة، غيرأن هذا الرأي لا يستند إلى أساس صحيح للأسباب التالية:
ـ المؤرخون المعاصرون للصالح أيوب أمثال ابن واصل وأبي شامة لم يشيروا إلى بحر النيل كأصل لكلمة بحرية، هذه النسبة أوردها بعض المؤرخين المتأخرين من أمثال المقريزي وأبي المحاسن[30].
ـ من المعروف أن الفاطميين من قبل كانت لهم طائفة من الجند تعرف بالغز البحرية، كذلك كان للسلطان العادل الأول جد الصالح فرقة من المماليك، أسماها البحرية العادلية، وهذا يدل على أن الملك الصالح أيوب لم يكن أول من اخترع هذا اللفظ.
ـ يروي الخزرجي أن سلطان اليمن نور الدين عمر بن رسول --* ت 647هـ --* الذي كان معاصراً للصالح أيوب في مصر، استكثر من المماليك البحرية حتى بلغت عدتهم ألف فارس وكانوا يحسنون الفروسية والرمي ما لا يحسنه مماليك مصر، وكان منهم في حلقته وعساكر أمرائه، هذا النص يدل عل أن لفظ بحرية استخدم في بلاد إسلامية بعيدة كل البعد عن بحر النيل[31].
ـ أطلق المؤرخون العرب المعاصرون على بعض الفرق المسيحية العسكرية التي جاءت من أوربا إلى الشام أثناء الحروب الصليبية إسم الفرنج الغرب البحرية، فيروي أبو شامة أنه في سنة 593هـ فتح الملك العادل يافا ومن عجيب ما بلغني أنه كان في قلعتها أربعون فارساً من الفرنج البحرية، فلما تحققوا نقب القلعة وأخذها دخلوا كنيستها وأغلقوا عليهم بابها وتجالدوا بسيوفهم بعضهم لبعض إلى أن هلكوا وكسر المسلمون الباب وهم يرون أن الفرنج ممتنعون فألقوهم قتلى عن آخرهم فعجبوا من حالهم[32]. فلفظ بحرية إذن لم يكن جديداً على مصر حينما أنشأ الملك الصالح أيوب فرقته البحرية، بل كان لفظاً عاماً أطلق على المسلمين والمسيحيين سواء، كما استخدم في مصر وفي خارج مصر قبل عهد الصالح أيوب، وهذا يؤيد القول بأن نسبة هذا اللفظ إلى بحر النيل أمر مشكوك في صحته، وأغلب الظن أنه سموا بحرية لأنهم جاءوا من وراء البحار[33]. وجوانفيل الذي حارب المماليك البحرية الصالحية في حملة لويس التاسع وأسر عندهم وتحدث إليهم، وروايته لها قيمتها بصفته رجلاً معاصراً وشاهد عيان، وإذا علمنا أن المماليك البحرية زمن الأيوبيين والمماليك عبارة عن فئة من الغرباء الذين جلبوا من اسواق النخاسة بالقوقاز وآسيا الصغرى وشواطئ البحر الأسود، ثم بحر القرم إلى خليج القسطنطينية ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث يسيرون فيه إلى ميناء الأسكندرية أو دمياط تأيدت لدينا عبارة جوانفيل[34].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تاريخ الطبري، عصر الدولة الأموية نقلاً عن بيت المقدس د. النقر صـ47.
[2] تاريخ بيت المقدس في العصر المملوكي للدكتور النقر صـ47.
[3] تاريخ المغول والمماليك صـ61 ـ 62، تاريخ بيت المقدس صـ47.
[4] المصدر نفسه صـ61.
[5] تاريخ المقدس صـ47.
[6] قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام صـ12.
[7] تاريخ المغول والمماليك مجموعة من المؤلفين صـ62.
[8] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين نقلاً عن تاريخ المغول والمماليك صـ62.
[9] الفخري في الآداب السلطانية لابن طباطبا صـ220.
[10] تاريخ المغول والمناليك صـ62.
[11] المواعظ والاعتبار للمقريزي نقلاً عن تاريخ بيت المقدس صـ84.
[12] تاريخ إيران بعد الإسلام، عباس إقبال صـ97 ـ 167.
[13] تاريخ بيت المقدس صـ48.
[14] المصدر نفسه.
[15] دولة آل سلجوق للأصفهاني صـ113، تاريخ المغول والترك صـ65.
[16] دولة آل سلجوق صـ76، تاريخ المغول والترك صـ66.
[17] تاريخ المغول والترك صـ66.
[18] صبح الأعشى (4/18)، تاريخ المغول والترك صـ66.
[19] أخبار الدولة السلجوقية صـ196، 197، تاريخ المغول صـ66.
[20] تاريخ المغول والترك صـ66.
[21] تاريخ بيت المقدس صـ49.
[22] المصدر نفسه صـ49.
[23] كتاب الروضتين (1/155)، تاريخ المغول والترك صـ68.
[24] تاريخ المغول والترك صـ69.
[25] الملك الصالح وإنجازاته السياسية والعسكرية صـ109.
[26] الملك الصالح أيوب وإنجازاته السياسية والعسكرية صـ110.
[27] المصدر نفسه صـ110.
[28] المصدر نفسه صـ110.
[29] الملك الصالح أيوب وإنجازاته السياسية والعسكرية صـ114.
[30] في التاريخ الأيوبي والمملوكي، أحمد مختار صـ85.
[31] الحملات الصليبية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة للصلابي صـ341.
[32] في التاريخ الأيوبي والمملوكي صـ86.
[33] المصدر نفسه صـ86.
[34] المصدر نفسه صـ87.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق