1194
قصة الحضارة ( ول ديورانت )
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> غزو البحر -> المنظور الجديد
4- المنظور الجديد
والآن بعد أن أضاء كولمبس الطريق اندفع مائة ملاح آخر إلى العالم الجديد، ويبدو أن هذا الاسم قد استخدمه لأول مرة تاجر فلورنسي يطلق اسمه الآن على الأمريكتين فقد أرسل آل مديتشي إلى أسبانيا أمير يجو فسبوتشي ليقوم على شئون مصرف فلورنسي وفاز عام 1495 بعقد ينص على إعداد اثنتي عشرة سفينة لفرديناند وأصيب بحمى الكشف وزعم في خطابات أرسلها فيما بعد(1503-1504) لأصدقاء في فلورنسا أنه قام بأربع رحلات إلى ما أسماه بالعالم الجديد وأنه في إحدى هذه الرحلات في اليوم السادس عشر من يونيه عام 1497، وصل إلى قارة أمريكا الجنوبية. ولما كان جون كابوت قد وصل إلى جزيرة كيب بريتون في خليج سانت لورانس في اليوم الرابع والعشرين من يونيه عام 1497 وشاهد كولمبس فنزويلا عام 1498 فإن قصة فسبوتشي تنسب له أنه أول أوربي وصل إلى قارة في نصف الكرة الغربي منذ عهد لايف أريكسون (سنة 1000) ولكن ما اتسمت به روايات فسبوتشي من عدم الدقة وما خالطها من اضطراب ألقى ظلالا من الشك على مزاعمه ومما يجدر ذكره أن كولمبس، والذي كان في وسعه عندئذ أن يحكم على مدى وثوق أخبار فسبوتشي عهد إليه عام 1505 بخطاب لتسليمه إلى دييجو ابن أمير البحر. وفي سنة 1508 نصب فسبوتشي كبيراً لجميع الربانية في أسبانيا واحتفظ بهذا المنصب حتى وفاته.
وقد نشرت نسخة لاتينية من إحدى رسائله في سان دييه (اللورين)
في أبريل عام 1507. واستشهد مارتن فالدسيمولر، أستاذ (الكوزموجرافيا) علم الكون بجامعة سان دييه، بهذا الخطاب في "مقدمة لعلم الكون" الذي نشره هناك في تلك السنة وقبل رواية فسبوتشي واعتبرها جديرة بالثقة واقترح أن يطلق اسم أمريجي على ما نسميها الآن أمريكا الجنوبية.
وفي سنة 1538 استخدم جير هاردوس ميركانور اسم "أمريكا" في إحدى خرائطه الشهيرة وأطلقه على كل نصف الكرة الغربي. ومن المتفق عليه أن فسبوتشي قام عام 1499 إن لم يكن عام 1497، مع ألونزو دي أوخيد بارتياد شاطئ فنزيلا وفي سنة 1500 عقب اكتشاف كابرال مصادفة للبرازيل ارتاد فيسنت Vicente بنزون، وكان رباناً للسفينة نينيا في رحلة كولمبس الأولى، الشاطئ البرازيلي واكتشف الأمازون. وفي سنة 1513 شاهد فاسكونونييزدي بالبوا المحيط الهادي واكتشف بونس دي ليون، فولريدا، وهو يحلم بالعثور على ينبوع الشباب. وكان للاكتشافات التي بدأها هنري الملاح وتبعه فيها فاسكودا جاما وبلغت أوجها في عهد كولمبس وانتهت بماجلان، أثر في قيام أعظم ثورة تجارية في التاريخ قبل اختراع الطائرة. فتحت البحار الغربية والجنوبية للملاحة والتجارة وأنهت عهد البحر الأبيض المتوسط في الحضارة وبدأت عهد الأطلنطي. وكلما ازداد تدفق الذهب من أمريكا إلى أسبانيا ازداد التدهور الاقتصادي في ولايات البحر الأبيض المتوسط بل وفي تلك المدن الواقعة في جنوب ألمانيا مثل أوجسبرج ولومبرج، التي كانت ترتبط تجارياً بإيطاليا. ووجدت دول الأطلنطي في العالم الجديد مخرجاً لفائضها من السكان ولطاقاتها الاحتياطية ولمجرميها هناك أسواقاً رائجة لبضائعها الأوربية. وازدهرت الصناعة في أوربا الغربية وطالبت بالاختراعات الآلية وبأشكال أحسن من الطاقة مما أدى إلى الثورة الصناعية. واستوردت نباتات جديدة من أمريكا لإثراء الزراعة الأوربية-البطاطس والطماطم والخرشوف والقرع العسلي
والذرة. وأدى تدفق الذهب والفضة إلى رفع الأسعار وتشجيع أصحاب المصانع وإنهاك قوى العمال وزيادة الدائنين والإقطاعيين وأثارت في أسبانيا حلم السيطرة على العالم وقضت عليه.
ولم تكن الآثار الأدبية والذهنية لهذه الاكتشافات بأقل من النتائج الاقتصادية والسياسية فقد انتشرت المسيحية فوق رقعة واسعة من نصف الكرة الأرضية وكسبت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية من الأنصار في العالم الجديد أكثر مما سلبهم منها الإصلاح الديني في العالم القديم. وتلقفت أمريكا اللاتينية اللغتين الإسبانية والبرتغالية اللتين أثمرتا أدبا قويا مستقلا. ولم تتمسك أخلاق الأوروبيين بهذه الاكتشافات إذ تدفقت وحشية الأوربيين، التي لا تخضع لقانون، إلى أوربا مع البحارة والمستوطنين العائدين وجاءت بالإفراط في العنف والشذوذ الجنسي. وتأثر الفكر الأوروبي كثيراً بالكشف عن هذه الشعوب والعادات والمعتقدات الدينية الكثيرة وعانت المذاهب الدينية من الاحتكاك المتبادل بل إنه في الوقت الذي كان البروتستانت والكاثوليك يشتبكون في حروب مدمرة من أجل مذاهبهم المتخاصمة فإن هذه المذاهب كانت تذوب في الشكوك التي يثيرها التثقيف وما يستتبع ذلك من تسامح.
يضاف إلى كل هذا أن الاعتزاز بالعمل الفذ ألهم العقل البشري في اللحظة التي كان فيها كوبرنيكوس على وشك أن يقلل من الأهمية الكونية للأرض وسكانها إذ شعر الناس أن شجاعة العقل البشري قد تغلبت على دنيا المادة. وأنكر الاختصار والشعار السائد في القرون الوسطى لجبل طارق- لا شيء خلفه - وأصبح هذا الشعار الآن - خلفه الكثير - وزالت كل الحدود وأصبح العالم مفتوحا وبدا كل شئ ممكنا. والآن بدأ التاريخ الحديث بموجة طاغية تتسم بالإقدام والتفاؤل.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق