1179
قصة الحضارة ( ول ديورانت )
قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> أسبانيا -> وسائل محكمة التفتيش
4- وسائل محكمة التفتيش
نحن اليوم غير متحققين ومختلفون في آرائنا حول أصل العالم والإنسان ومصيرهما حتى إننا أمسكنا في معظم البلاد، عن معاقبة الناس لمجرد أنهم يختلفون عنا في معتقداتهم الدينية. ونحن إنما نوجه تسامحنا الحاضر إلى أولئك الذين يناقشون مبادئنا السياسية والاقتصادية، ونحن نفسر مذهبنا الثابت المروع على أساس أن أي شك في وجه ادعائنا الذي نقيم عليه الدليل، يهدد تماسكنا وبقاءنا القوميين. ولقد كان المسيحيون واليهود والمسلمون
إلى منتصف القرن السابع عشر، اكثر تشبثا بالدين مما نحن عليه الآن، وكانت علوم الملام هي أثمن وأوثق ما يملكون، ونظروا إلى أولئك الذين ينكرون هذه المذاهب كأنما يهاجمون أصول النظام الاجتماعي وجوهر الحياة الإنسانية. واعتقاد كل جماعة بصحة مذهبها جعلتها متشددة إلى حد التعصب ودمغ الآخرين بأنهم كفار.
وانتشر مبدأ محكمة التفتيش في يسر بين الأشخاص الذين لم تتأثر مذاهبهم الدينية بالتعليم والرحلة، والذين كانت عقولهم أكثر خضوعاً لحكم العادة والخيال. واعتقد جميع مسيحي القرون الوسطى تقريباً عن طريق تعليمهم في الطفولة والوسط الذي عاشوا فيه بأن الكتاب المقدس من وحي اللّه بكل لفظ فيه، وأن ابن اللّه قد أنشأ الكنيسة المسيحية مباشرة. وبدا أنه ينتج عن هذه المقدمات أن اللّه يريد أن تكون جميع الأمم مسيحية وأن الإيمان بديانات غير مسيحية- أو ضد المسيحية على التحقيق- يعد كبيرة في حق اللّه. يضاف إلى ذلك، أنه ما دامت كل هرطقة مادية تؤدي بالضرورة إلى عقاب أبدي فإن المختصين منها قد يعتقدون (ويظهر أن كثيرين منهم قد اعتقدوا بإخلاص) أنهم بإرهاق روح هرطيق، إنما ينقذون الهدى الكامن فيه وربما أنفذوه هو نفسه من الجحيم الأبدي.
ومن المحتمل أن إيزابلا، التي عاشت في جو علماء الدين، قد شاركت في هذه الآراء. ولعل فرديناند، الذي كان رجلا صلبا من رجال الدنيا قد ارتاب في بعضها، ولكن يبدوا أنه اقتنع بأن توحيد العقيدة الدينية يجعل إسبانيا أيسر حكماً، وأقدر في التغلب على أعدائها. ولقد أصدر البابا سكستوس الرابع، بناء على رغبة فردينان وإيزابلا قراراً (أول نوفمبر 1478) يفوض لهما أن يعينا ستة قسس، من ملة الإجازات العليا في علوم الدين والشريعة، ليؤلفوا هيئة محكمة التفتيش ليحققوا تهم الهرطقة ويعاقبوا عليها. وأبرز شيء في هذا القرار هو إعطاء السلطة لملوك إسبانيا.
أن يعينوا هيئة محاكم التفتيش، التي كانت في صورها السابقة، تختار بوساطة رؤساء فرق الفرنسسكان والدومنيكان المحلية. وهكذا أصبح الدين هنا خاضعا للدولة مدى ثلاثة أجيال، وكان قضاة هذه المحاكم يرشحهم الملوك فقط من الناحية العملية، ثم يعينهم البابا، ويستمدون سلطتهم من هذا القرار البابوي، وظلت المنظمة كهنوتية، ووسيلة من وسائل الكنيسة وفي الوقت نفسه وسيلة من وسائل الدولة. وكان على الدولة أن تدفع نفقاتها وأن تحصل على دخلها الخالص ويراقب الملوك تفاصيل أعمالها، وإليهم قد تستأنف أحكامها. وآثر فرديناند بمحبته هذه الوسيلة من بين جميع وسائل حكمه. ولم تكن أهدافه أول أمرها مالية، فقد غنم من الأموال المصادرة للمحكوم عليهم ولكنه رفض رشاوى مغرية من الضحايا الأغنياء للتأثير على القضاة، وكان همه منصباً على توحيد أسبانيا.
وأعطى القضاة سلطة استخدام المعاونين من رجال الدين ومن المدنيين كمحققين ومنفذين للأحكام . ووضعت المنظمة برمتها بعد عام 1483 تحت إمرة وكالة حكومية، هي هيئة التفتيش العامة وتسمى عادة "مجلس محكمة التفتيش العليا والعامة "Concejo de la Suprema-y General Inquisicior، وشمل تشريع محكمة التفتيش جميع المسيحيين في أسبانيا، ولم تمس اليهود الذين لم ينتصروا، ووجهت أهوالها إلى المنتصرين الذين يشك أنهم ارتدوا إلى اليهودية أو الإسلام وإلى المسيحيين المتهمين بالهرطقة، وكان اليهودي غير المنتصر إلى عام 1492 آمنا على نفسه أكثر من المعمد. وطالب القس والرهبان والمتعبدون الإعفاء من التفتيش؛ ولكن مطالبهم رفضت، وقاوم اليسعيون تشريعها نصف قرن ولكنهم غلبوا على أمرهم أيضاً. والحد الوحيد لقوة الهيئة العليا إنما هو سلطة الملوك، بل
أن هذا الحد قد أهمل في القرون المتأخرة. وطالبت محكمة التفتيش وتلقت عادة التعاون من جميع الموظفين المدنيين.
وشرعت محكمة التفتيش القوانين والإجراءات الخاصة بها. وكانت قبل أن تقيم قضاتها في مدينة من المدن تذيع في الشعب عن طريق منابر الكنائس منشوراً دينياً "يطالب كل من له علم بهرطقة أن يكشف عنها لرجال التفتيش. وشجع كل امرئ على أن يكون شاهدا، ليبلغ عن جيرانه وأصدقائه وأقاربه. (ولم يكن يسمح في القرن السادس عشر مع ذلك باتهام الأقربين ووعد المبلغون بالسرية الخالصة والحماية التامة، وأوقع حرم صارم- أي حرمان ولعنة- على هؤلاء الذين يعرفون هرطيقاً ويخفونه. فإن ظل يهودي معمد يأمل في عودة المسيح، وإذا حافظ على قواعد الطعام التي في الشريعة الموسوية وإذا اعتبر السبت يوم عطلة وعبادة أو غير ملابسه لذلك اليوم، وإذا احتفل بأي وجه من الوجوه بيوم من أعياد اليهود، وإذا ختن أي واحد من أطفاله أو أسماه باسم عبري، أو باركهم دون أن تقوم بعلامة الصليب، وإذا صلى بحركات رأسه أو ردد مزموراً من مزامير الكتاب المقدس دون أن يضيف تمجيد الله في الأعالي، وإذا اتجه بوجهه إلى الحائط وهو يحتضر، فإذا فعل هذا وأمثاله، كانت عند رجال التفتيش من الشواهد على الهرطقة السرية التي لابد من إبلاغها إلى المحكمة فوراً. ولكل من يشعر بأنه اقترف هرطقة فله في خلال "مهلة صفح" أن يأتي إلى المحكمة ويعترف بها، فيحكم عليه بغرامة أو تفرض عليه كفارة ويصفح عنه بشرط أن يكشف عن كل ما يعرفه عن هراطقة آخرين.
ويلوح أن قضاة محكمة التفتيش كانوا يفصحون بعناية القرائن التي جمعها المبلغون والمحققون. حتى إذا اقتنعت المحكمة بالإجماع بإدانة شخص من الأشخاص فأنها تصدر أمراً بالقبض عليه. ويتحفظ على المقبوض عليه
في سجن انفرداي، حيث لا يسمح لغير عملاء محكمة التفتيش بالتحدث إليه، ولا يزوره أحد من أقربائه. وكان يقيد بالسلاسل عادة. ويطلب إليه أن يستحضر معه فراشه وملابسه، وأن يدفع جميع نفقات محبسه وطعامه. فإذا لم يقدم المال الكافي لهذا الغرض فإنه يباع القدر المناسب من متاعه ليفي بالمبلغ المطلوب. أما باقي أمتعته فيحجز عليه بوساطة مندوبي محكمة التفتيش حتى لا يخبأ أو يتنازل عنه هرباً من المصادرة. وفي معظم الأحوال يباع جانب منه لإعانة من يعجزون عن العمل من أسرة الضحية.
وعندما يدفع المقبوض عليه للحضور أمام المحاكمة فإن المحكمة وقد سبق وأن حكمت عليه بأنه مذنب، تلقى على كاهله عبء إثبات براءته. وكانت المحكمة سرية خاصة وعلى المدافع عن نفسه أن يقسم على أنه لن يشفى أية واقعة من الوقائع في حالة إطلاق سراحه. ولا يستدعى شهود إثبات التهمة إليه، ولا يذكر له اسم أحد، وبرز قضاة التفتيش هذا الإجراء بأنه ضروري لحماية مبلغهم. ولم يكن يخبر المتهم أولا عن التهم الموجهة ضده، وإنما يستدعى لمجرد الاعتراف بتقصيره كما تقضى بذلك العقيدة والعبادة الصحيحتان وأن يشي بكل الأشخاص الذين يتهمون بالهرطقة. فإن أقنع اعترافه المحكمة فقد يصدر عليه حكم غير الإعدام، وإذا أبى الاعتراف سمح له باختيار محامين للدفاع عنه، ويتحفظ عليه في الوقت نفسه في سكن انفرادي. وفي كثير من الأحوال كان يعذب ليكره على الاعتراف وتستمر القضية عادة شهوراً، ويكفي التقييد بالسلاسل في السجن الانفرادي غالباً للحصول على أي اعتراف.
ولم يكن يلجأ إلى التعذيب إلا بعد أن يقترع عليه أغلبية قضاة المحكمة على أساس أن الذنب محتمل، وإن كانت القرائن لا تقطع به. ويؤجل التعذيب الذي يحكم به على هذا النحو غالباً على أمل أن الفزع منه يدفع إلى الاعتراف ويبدو أن قضاة التفتيش اعتقدوا بإخلاص أن التعذيب خدمة
للمدافع عن نفسه وهو الذي سبق أن عد مذنباً، فقد يكسبه بالاعتراف عقاباً أخف، بل أنه إذا حكم بإعدامه بعد اعترافه يحصل من قسيس على المغفرة تنجيه من الجحيم؛ ومع ذلك، لم يكن الاعتراف بالذنب كافياً، فقد يلجأ إلى التعذيب مع مدافع عن نفسه لإكراهه على ذكر شركائه في الهرطقة أو الجريمة. وربما عذب الشهود المتناقضون للكشف عمن يذكر الحقيقة منهم؛ وقد يعذب العبيد ليقيموا الدليل على ساداتهم. ولم يكن هناك حد في السن ينقذ الضحايا، ذلك أن فتيات في الثالثة عشرة ونسوة في الثمانين قد ألزمن العذراء ، بيد أن قواعد محكمة التفتيش الأسبانية حرمت التعذيب بالنسبة للمراضع أو ذوي القلوب الضعيفة أو المتهمين بهرطقات صغيرة كالأخذ بالرأي الشائع الذي يقول إن الزنا خطيئة صغيرة يصفح عنها. ويجب أن يحال بين التعذيب وبين إصابة الضحية بعاهة مستديمة، ولا بد أن يوقف كلما أمر الطبيب المسئول، ولا ينفذ إلا بحضور قضاة التفتيش المنوط بهم القضية، وأحد الأعيان وكاتب للتسجيل وممثل للأسقف المحلي. واختلفت الوسائل باختلاف الزمان والمكان. وقد توثق يد الضحية خلف ظهرها ويعلق منهما أو يربط وثاقه حتى يعجز عن الحركة تماماً، ثم يقطر الماء في حلقه حتى يشرف على الاختناق؛ وقد تربط يداه ورجلاه بالحبال ربطاً وثيقاً حتى تقطع اللحم إلى العظام. ولقد أنبئنا أن وسائل التعذيب التي استعملتها محكمة التفتيش الأسبانية كانت أخف مما استخدمته محاكم التفتيش البابوية السابقة، أو مما توسلت به المحاكم المدنية في ذلك العصر. وكان أهم وسائل التعذيب السجن الطويل الأمد.
ولم تكن محكمة التفتيش تتألف من مدع وقاض ومحلفين فقط، ولكنها أصدرت أيضاً أوامر خاصة بالعقيدة والأخلاق وأنشأت مراتب للعقوبات وكانت رحيمة في معظم الأحوال، وتتسامح في جزء من العقوبة بسبب
سن المحكوم عليه أو جهله أو فقره أو سكره أو سمعته الحسنة بصفة عامة. وكانت أخف العقوبات هي التعنيف. وأقسى منها هو الإكراه على المجاهرة بالإقلاع عن الهرطقة أمام الناس- التي تترك حتى البريء ميسوماً بها إلى آخر حياته، وكان يطلب عادة إلى المعاقب بالأشغال الشاقة أن يحضر القداس بانتظام، ومرتدياً لباس الإدانة "sanbenito" وهو جلباب رسم عليه صليب برّاق. وربما عرض في الطرقات وقد جرد من ثيابه إلى وسطه وحمل شعار جريرته. وقد يحرم هو وذووه من المناصب العامة إلى الأبد. أو ينفى من مدينته، وقلما ينفى خارج أسبانيا. وقد يجلد من عشر جلدات إلى مائة جلدة إلى الحد الذي لا تزهق فيها روحه. وكانت هذه العقوبة تطبق على النساء كما تطبق على الرجال. وقد يلقى به في السجن أو يدفع به إلى السفن- وهو ما أوصى فرديناند بأنه أنفع للدولة، وربما دفع غرامة مادية أو صودرت أمواله. وقد اتهم بعض الموتى بالهرطقة في أحوال متعددة وحوكموا بعد الموت وحكم عليهم بالمصادرة فيفقد الورثة في هذه الحالة ميراثهم. وكان المبلغون عن الهراطقة الموتى يمنحون من 30% إلى 50% من المتحصل. ودفعت الأسر المفزعة من هذه المحاكمات ذات الأثر الرجعي للمبلغين في بعض الأحيان "مصالحات" تأميناً لهم من مصادرة ميراثهم فأصبحت الثروة خطراً على صاحبها وإغراء للمبلغين والمفتشين والحكومة. حتى إذا انسابت الأموال في خزائن محكمة التفتيش فإن موظفيها أصبحوا أقل اهتماماً بالمحافظة على العقيدة الصحيحة من الحصول على الذهب وانتشر الفساد انتشاراً مروعاً.
وكانت العقوبة القصوى هي الإحراق في المحرقة. وهي للذين حكم عليهم بأنهم اقترفوا هرطقة عظيمة، ولم يعترفوا قبل بدء المحاكمة، ولأولئك الذين اعترفوا في الوقت المناسب وخففت عنهم عقوبتهم أو صفح عنها ولكنهم ارتدوا إلى الهرطقة. وصرحت محكمة التفتيش نفسها بأنها لم تقدم
على القتل قط، وقصاراها أنها كانت تسلم المحكوم إليه إلى السلطات المدنية، وقد علمت أن القانون الجنائي يجعل في المحرقة نافذاً في جميع العقوبات على الهرطقة الكبيرة أو التي لا توبة عليها. وإن حضور رجال الكهنوت عند المحرقة يدل على مسؤولية الكنيسة، ولم يكن المشهد الخاص بالإيمان هو مجرد الإحراق، لكنه الاحتفال المؤثر المروع كله بالنطق بالحكم والتنفيذ. ولم يكن مقصوداً على ترويع المخالفين في السر، وإنما لتهذيب الشعب كأنما يطلعونها مقدما على الحساب.
وكان الإجراء في أول أمره بسيطاً فإن الذين يحكم بإعدامهم يقادون إلى الساحة العامة، وكانوا يوثقون بأربطة على كومة حطب، بينما يجلس قضاة التفتيش في أبهة على منصة تواجهها، ويطلب للمرة الأخيرة إلى المحكوم عليه أن يدلي باعترافه، وتقرأ عليه الأحكام، وتشعل النيران، ويبلغا الفزع منتهاه. بيد أن كثرة الإحراق وفقد بعض سلطانها النفسي، جعل الاحتفال أكثر تعقيداً ورهبة وعنى بإظهاره بكل أسباب العناية والنفقة، التي يتطلبها إخراج مسرحي كبير. وكان يحدد ميعاده كلما أمكن ذلك للاحتفال بالاعتلاء على العرش أو الزواج أو الزيارة من ملك أو ملكة أو أمير أسباني. وكان يدعى موظفو البلديات والحكومة وهيئة محكمة التفتيش والقسس والرهبان المحليون، بل في الواقع كان يطلب حضورهم. وفي أمسية التنفيذ ينضم هؤلاء الأماثل إلى موكب كئيب يسير في طرق المدينة الرئيسية ليضع صليب محكمة التفتيش الأخضر فوق مذبح الكاتدرائية أو الكنيسة الرئيسية. وتبذل محاولة أخيرة للحصول على اعترافات المحكوم عليهم، فيستسلم كثيرون منهم، وتخفف أحكامهم إلى السجن فترة من الزمن أو مدى الحياة. وفي الصباح التالي يساق المسجونون وسط الجموع الغفيرة إلى إحدى ساحات المدينة. وفيهم الدجالون والمجدفون في الدين والمضارون والهراطقة والمرتدون، وفي
الأيام المتأخرة كان يساق البروتستانت، وينتظم الموكب أحياناً دمى تمثل المحكوم عليهم غيابياً او- صناديق تحمل عاظم الذين حكم عليهم بعد الموت. وفي الباحة على مدرج مرتفع أو أكثر، يجلس قضاة محكمة التفتيش ورجال الدين من قساوسة ورهبان وموظفو المدينة والدولة، يرأسهم الملك بين حين وآخر. وتذاع عظة، يؤمر بعدها جميع الحضور بترديد يمين الطاعة لحكام محكمة التفتيش المقدس وعهد ينكر ويحارب الهرطقة بجميع أشكالها وفي كل مكان. ثم يساق المسجونون واحداً بعد واحد، أمام المحكمة، وتتلى عليهم الأحكام الخاصة بهم. ويجب علينا ألا نتخيل معارضة باسلة لذلك، وربما كان كل سجين في هذه المرحلة مشرفا على التلف الروحي والانهيار البدني. بل إنه قد ينقذ حياته في هذه اللحظة بالاعتراف. وفي تلك الحالة تقنع محكمة التفتيش بجلده ومصادرة أمواله وسجنه مدى الحياة، وإذا لم يعترف إلا بعد صدور الحكم عليه، فإنه يغنم الرحمة بشنقه قبل إحراقه، ولما كانت الاعترافات في اللحظة الأخيرة كثيرة، فقد أصبح إحراق الأحياء نادراً نسبياً، أما الذين يحكم عليهم بالهراطقة الكبيرة، وينكرون ذلك إلى النهاية، يحرمون ( وظل ذلك مرعيا إلى عام 1725) من الكنيسة المقدسة، ويتركون برغبة محكمة التفتيش للجحيم الأبدي. أما الذين تخفف أحكامهم فيعادون إلى السجن، والذين لم تقبل توبتهم فيدفع بهم إلى السلطة المدنية، مع تحفظ وردع بعدم إراقة دم. ويساقون إلى خارج المدينة وسط حشود تجمعت من مسافات بعيدة للفرجة على هذا المشهد من مشاهد العطلة. حتى إذا وصلوا إلى مكان التنفيذ شنق المعترفون ثم أحرقوا بينما يحرق المعاندون أحياء. وتظل النيران تغذى بالوقود حتى تصير العظام رماداً، ينتثر على الحقول والجدران. ثم يعود القساوسة والمشاهدون إلى مذابحهم ودورهم مقتنعين، بأن قرباناً قدم استعطافاً لإله غاضب من الهرطقة. وهكذا أعيد القربان البشري.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق