إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 28 أبريل 2014

1184 قصة الحضارة ( ول ديورانت ) قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> أسبانيا -> موت الملك 9- موت الملك





1184


قصة الحضارة ( ول ديورانت )

 قصة الحضارة -> الإصلاح الديني -> من ويكلف إلى لوثر -> إنجلترا ويكلف وتشوسر -> أسبانيا -> موت الملك

9- موت الملك


سبقت إيزابلا وزيرها الناشط في المغامرة الكبرى فقد كانت على الرغم من قساوتها، امرأة عميقة الإحساس، احتملت ملمات أشد وطأة من الحروب. فقد دفنت أمها عام 1496. ومات من أطفالها العشرة خمسة عند الولادة أو في سن الطفولة، ومات اثنان آخران في الشباب المبكر.

وفقدت ابنها الوحيد عام 1497، وهو أملها الوحيد في وراثة طبيعية للعرش، كما ماتت أحب بناتها عام 1498، وهي ملكة البرتغال، التي ربما وحدت شبه الجزيرة توحيداً سلمياً لو قدرت لها الحياة. وكابدت وسط هذه الضربات المأساة اليومية وهي تشاهد ابنتها جوانا، التي كانت وقتذاك ولية للعهد، تفقد عقلها ببطيء.
وكانت جوانا قد تزوجت فيليب الجميل، دوق برجندي وابن الإمبراطور مكسيمليان الأول (1946) وأنجبت منه إمبراطورين مقبلين هما شارل الخامس وفرديناند الأول. وأهمها زوجها فيليب إما لمزاجها المتقلب، أو لسفاهتها، واستمر على اتصال بإحدى سيدات بلاطها في بروكسل، وجزت جوانا شعرها الخلاب فأقسم زوجها ألا يضاجعها-وسمعت إيزابلا بهذا كله. فوقعت مريضة وفي الثاني من أكتوبر عام 1504 كتبت وصيتها. بأن يحتفل بجنازتها أبسط احتفال وأن المال المدخر من هذا الصنيع يجب أن يوزع على الفقراء، وأن تدفن في دير فرنسسكاني داخل الحمراء، وأضافت: ولكن إذا رأى مولاي الملك أن يكون جدثه في مكان آخر وصيتي أن ينقل جثماني إلى جواره، وأن الاتحاد الذي نعمنا به في هذه الدنيا، وقد تقتضي رحمة الله أن تتحد معاً روحانا مرة أخرى في الآخرة، ويمثله اتحاد جسمينا في الثرى" وماتت في الخامس عشر من نوفمبر عام 1504 ودفنت كما أوصت، حتى إذا مات فرديناند نقل جثمانها ليدفن إلى جواره في كتدرائية غرناطة. وكتب بيتر مارتير "لقد فقدت الدنيا أنبل زينتها، لا أعرف أحداً من جنسها في العصور القديمة أو الحديثة، جديرة على الإطلاق بأن يوضع اسمها مع هذه المرأة التي لا تضارع". (لقد كانت مرجريت ملكة السويد بعيدة عن مجال إدراكه، كما أن إليزابث ملكة إنجلترا كانت كذلك لم تأت بعد).
وقد عينت وصية إيزابلا، فرديناند ليكون نائب ملك على قشتالة

من أجل فيليب الذي تمثلته الأراضي الواطئة ومن أجل جوانا التي تسرع الخطى نحو الاعتصام بالجنون. وكان أمل فرديناند أن يمنع سقوط العرش الأسباني في يد آل هبسبرج، في شخص شارل بن فيليب، فبادر وهو في الثالثة والخمسين إلى الزواج (1505) من جرمين ده فوا، ابنة أخي لويس الثاني عشر، والبالغة من العمر سبعة عشر عاماً، ولكن الزواج ضاعف من سخط النبلاء القشتاليين على مولاهم الأرجواني. وماتت ثمرة هذا الزواج في سن الطفولة. فطالب فيليب بعرش قشتالة، ووصل إلى أسبانيا ورحب به النبلاء (1506) بينما انسحب فرديناند إلى مقره باعتباره ملكاً على أرجون. وبعد ذلك بثلاثة أشهر مات فيليب، واستعاد فرديناند ملك قشتالة باسم ابنته المخبولة. وظلت جوانا لالوكا، ملكة من الناحية القانونية، وعاشت إلى عام 1555، ولم تترك قصرها في تورديزبلاس إطلاقاً، بعد عام 1507، وكانت تأبى الاغتسال أو ارتداء الثياب ولم تكل يوماً عن النظر من خلال إحدى النوافذ إلى المدافن التي تضم رفات الزوج الخائن الذي لم تنقطع عن محبته.
وحكم فرديناند حكماً مطلقاً وهو نائب ملك أكثر مما كان وهو ملك فقد تحرر من تأثير إيزابلا الملطف، وتحولت عناصر الصلابة والانتقام في شخصيته إلى التصلب الصارم. وكان قد استعاد قبل ذلك روسيلون وسردينيا (1493) كما فتح جونز الو أمير قرطبة باسمه نابولي عام 1503. ونقض ذلك معاهدة وقعها فيليب مع لويس الثاني عشر في ليون تقسم مملكة نابولي بين أسبانيا وفرنسا: وأكد فرديناند للعالم بأن فيليب تجاوز تعليماته. وأبحر إلى نابولي واستولى بشخصه على عرشها (1506) وساوره الشك في رغبة جونزالو في العرش لنفسه! ولما عاد إلى أسبانيا (1507) أخذ معه القبطان الكبير وأسلمه إلى عزلة عدها معظم أهالي أسبانيا إذلالاً لا يستحقه.

وسيطر فرديناند على كل شئ إلا الزمن. وغاضت ينابيع الإرادة والنشاط فيه شيئاً فشيئاً. وطالت فترات راحته. وأصابه الإنهاك مبكراً، فأهمل شئون الحكومة، وأصبح نافذ الصبر قلقاً، سيئ الظن إلى حد المرض بأوفى خدامه له. وأضناه الأستسقاء والربو، وتعذر عليه التنفس في المدن ففر في يناير عام 1516 جنوبا إلى الأندلس، آملاً أن يقضي الشتاء في ريفه الطلق. ولكنه مرض في الطريق، وأقنع آخر الأمر بأن يتأهب للموت. فعين أكسيمينيس ليكون نائب الملك على قشتالة، كما عين ابنه غير الشرعي كبير أساقفة سرقسطة، نائب الملك على أرجون. وبات في الثالث والعشرين من يناير عام 1516 في السنة الرابعة والستين من عمره، والثانية والأربعين من حكمه.
ولا غرابة في أن يمتدحه ميكافلي: كان هنا ملك قام بدور الأمير قبل أن يفكر مؤلفه في كتابته. فقد جعل فرديناند من الدين أداة للسياسة القومية والحربية، وغمر وثائقه بعبارات التقوى ولكنه لم يسمح لاعتبارات الأخلاق قط أن يتغلب على مقاصد الضرورة أو الغنم. ولا يستطيع أحد أن يشك في قدرته وكفاءته في الإشراف على الحكومة، واختياره الفطن لوزرائه وقواده ونجاحه المستمر في الدبلوماسية والاضطهاد والحرب. أما من الناحية الشخصية فلم يكن جشعاً ولا مبذراً، وكانت شهرته تنزع إلى تحقيق السلطة أكثر من تحقيق الترف، وكان جشعه من أجل بلاده، يريدها موحدة قوية. ولم يؤمن بالديمقراطية، وتضاءلت في كنفه الحريات المحلية وماتت وكان مقتنعاً بأن النظم الإقليمية القديمة لا يمكن التوسع فيها بنجاح أمة تضم ولايات وعقائد ولغات جد كثيرة. وكان عمله وإيزابلا معه أن يحل الملكية محل الفوضى والقوة محل الضعف ومهد الطريق لشارل الخامس أن يحتفظ بالسيادة الملكية على الرغم من فترات غيبته الطويلة، كما مهد الطريق لفيليب الثاني ليركز الحكومة كلها في رأس واحد

قاصر. وكان آثماً من أجل تحقيق هذه الأغراض بما يعد في زماننا همجية وتعصباً وقسوة غير إنسانية، ولكن يعد عند معاصريه نصراً مجيداً من أجل المسيح.
وحافظ أكسيمنيس باعتباره نائب الملك بحماسة على حكم العرش المطلق، ولعله كان بديلا من الارتداد إلى الانقسام الإقطاعي. وهو وإن كان في الثمانين من عمره، فقد حكم قشتالة بإرادة صلبة، وقضى على كل محاولة من الإقطاع أو المجالس البلدية لاستعادة سلطاتها السابقة، فلما سأله بعض النبلاء بأي حق يمنع امتيازاتهم، لم يشر إلى وثيقة إسناد المنصب إلى شخصه وإنما أشار إلى المدفعية في فناء قصره. ومع ذلك كانت إرادة السلطة عنده نابعة لإحساسه بالواجب، لأنه استحث الملك الشاب شارك مراراً على أن يترك فلاندرز وأن يحضر إلى أسبانيا ليتولى ملكها. ولما جاء شارل (17 سبتمبر 1517) سارع اكسيمنيس شمالا لاستقباله. ولكن مستشاري شارل الفلمنكيين أيدوا نبلاء قشتالة في إعطائه تقريراً ضد إدارة الكاردينال وشخصيته، حتى بعث الملك، وكان لا يزال فتى غير ناضج في السابعة عشرة من عمره، إلى اكسيمنيس ورسالة يشكره فيها على خدماته، مرجئا مقابلته مطالبا إياه بأن يسحب إلى مقره الديني في طليطلة لينعم براحة يستحقها. وبعث بعدها برسالة أخرى يعفي المتزمت العجوز من جميع المناصب السياسية، وبلغته الرسالتان متأخرتين حتى لا يضاعفا من إذلاله، فقد مات في الثامن من نوفمبر عام 1517 بالغاً من العمر واحداً وثمانين عاماً. وعجب الناس من أنه على الرغم من صلاحه في الظاهر فقد جمع الثروة الشخصية الضخمة التي خلقتها وصيته إلى جامعة القلعة.
وختم لإسبانيا عصراً غنيا بالأمجاد والأهوال والرجال الأقوياء. ويوحي الأعقاب على هذه الأحداث بأن انتصار التاج على المجالس النيابية والولايات قد أزال الوسيلة التي كانت الإسبانية تستطيع بواسطتها أن تعبر وتحافظبانيا -> موت الملك


على استقلالها وتنوعها وأن توحيداً قد استتب في مقابل أن يسيطر على أسبانيا جهاز يعمل على قمع الفكر الأصيل في أوليات الأشياء وأواخرها، وأن إجلاء اليهود والمسلمين الذين لم يتنصروا، قد أنقص من القوة البشرية المعاملة في التجارة والصناعة في نفس الوقت الذي تطلب اكتشاف العالم الجديد فيه التوسع والتقدم الاقتصاديين، وأن تورط أسبانيا المستمر في سياسات وحروب فرنسا وإيطاليا (ثم فلاندرز وألمانيا وإنجلترا) وضعت أثقالا لا تحتمل على كاهل موارد الأمة في المال والرجال، بدلا من تحويل السياسة ولمغامرة في عهد فرديناند وإيزابلا باصطلاحات لا يستطيع شعب أوربي في عصرهما فهمهما. فقد اضطهدت جميع الفرق الدينية، اللهم إلا قليلا من المسلمين ومنكري تعميد الأطفال، المخالفة في الدين، واستعملت جميع الحكومات، إيطاليا وفرنسا الكاثوليكيتان وألمانيا وإنجلترا البروتستانتيان، القوة في توحيد العقيدة الدينية، واستشعرت جميع الدول الظمأ إلى ذهب جزائر الهند-الشرقية والغربية- وكلها توسلت بالحرب والدهاء الدبلوماسي لتؤكد بقاءها وتوسع حدودها أو تزيد من ثروتها.
ولم تكن المسيحية عند جميع الأمم المسيحية حكما بالوسائل وإنما كانت وسائل إلى الحكم، وكان المسيح أثيراً عند الشعب وميكافلي أثيراً عند الملوك. وقد حضرت الدولة الإنسان من بعض الوجوه، ولكن من ذا الذي يحضر الدولة؟.


يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق