1119
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
القسم الثاني المجلد الرابع
تاريخ ابن خلدون
من ص 268 حتى صفحة 435
دعوة زياد بالدعوة العباسية:
ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون، كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن زياد
بن أبي سفيان فاستعطف المأمون، وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله، وولاه على اليمن، وقدمها سنة ثلاث ومائتين. وفتح تهامة اليمن، وهي البلد التي على ساحل البحر الغربي. واختط بها مدينة زبيد، ونزلها وأصارها كرسياً لتلك المملكة. وولى على الجبال مولاه جعفراً، وفتح تهامة بعد حروب من العرب. واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل، واستولى على اليمن أجمع.
ودخلت في طاعته أعمال حضرموت والشحر وديار كندة، وصار في مرتبة التبابعة. وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حمير بقية الملوك التبابعة، استبدوا بها مقيمين بالدعوة العباسية، ولهم مع صنعاء سبحان ونجران وجرش. وكان أخوهم أسعد بن يعفر، ثم أخوه قد دخلوا في طاعة ابن زياد، وولي بعده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم، ثم أخوه أبو الجيش إسحق بن إبراهيم. وطالت مدته إلى أن أسن وبلغ الثمانين. وقال عمارة: ملك ثمانين سنة باليمن وحضرموت والجزائر البحرية. ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين، واستبداد الموالي على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين.
وفي أيامه خرج باليمن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية، جاء بها من السند، وكان جده القاسم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا، ومهلكه كما مرّ فلحق القاسم بالسند، وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين، ونزل صعدة وأظهر دعوة الزيدية، وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر، ثم استردها منه بنو أسعد، ورجع إلى صعدة. وكان شيعته
يسمونه الإمام، وعقبه الآن بها. وقد تقدّم خبرهم.
في أيام أبي الجيش بن زياد أيضاً ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعدن لاعة وجبال اليمن إلى جبال المديحرة سنة أربعين وثلاثمائة. وبقي له باليمن من السرجة إلى عدن عشرون مرحلة، ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل. ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنع أصحاب الأطراف عليه، مثل بني أسعد بن يعفر بصنعاء، وسليمان بن طرف بعثر، والإمام الرسي بصعدة فسلك معهم طريق المهادنة. ثم هلك أبو الجيش سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة بعد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه.
قال ابن سعيد: رأيت مبلغ جبابته وهو ألف ألف مكررة مرتين، وثلاثمائة ألف وستة وستون ألفاً من الدنانير العشرية ما عدا ضرابيه على مراكب السند، وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين، وعلى مغائص اللؤلؤ، وعلى جزيرة دهلك، ومن بعضها
وصائف. وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته. ولما مات خلف صبياً صغيراً إسمه عبد الله، وقيل إبراهيم وقيل زياد، وكفلته أخته ومولاه رشيد الحبشي، واستبد عليهم إلى أن انقرضت دولتهم سنة سبع وأربعمائة. ثم هلك هذا الطفل فولوا طفلاً آخر من بني زياد أصغر منه. وقال ابن سعيد: لم يعرف عمارة إسمه لتوالي الحجبة عليه، ويعني عمارة مؤرخ اليمن، وقيل هذا الطفل الأخير اسمه إبراهيم، وكفلته عمته ومرجان من موالي الحسن بن سلامة.
واستبد بأمرهم ودولتهم، وكان له موليان إسم أحدهما قيس، والآخر نجاح فجعل الطفل المملك في كفالته، وأنزله معه بزبيد. وولى نجاحاً على سائر الأعمال خارج زبيد، ومنها الكرارة واللجم. وكان يؤثر قيساً على نجاح، ووقع بينهما تنافر، ورفع لقيس أن عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها بإذن مولاه مرجان، ودفنها حية واستبد وركب بالمظلة، وضرب السكة. وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر، وبرز قيس للقائه فكانت بينهما حروب ووقائع، انهزم قيس آخرها، وقتل في خمسة آلاف من عسكره. وملك نجاح زبيد سنة عشر وأربعمائة. ودفن قيساً ومولاه مرجاناً مكان الطفل والعمة، واستبد وضرب السكة بإسمه. وكاتب ديوان الخلافة ببغداد فعقد له على اليمن. ولم يزل مالكاً لتهامة قاهراً لأهل الجبال، وانتزع الجبال كلها من مولاه الحسن بن سلامة. ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله علي الصليحي القائم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة إثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالأمر بعده بزبيد مولاه كهلان. ثم استولى الصليحي على زبيد وملكها من يده كما يذكر.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق