2449
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
صفحة 179 حتى صفحة 342
استيلاء أسد الدين على مصر ومقتل شاور
ولما ضرب الإفرنج الجزية على القاهرة ومصر، وأنزلوا بها الشحنة وملكوا أبوابها تمكنوا من البلاد، وأقاموا فيها جماعة من زعمائهم فتحكموا وأطلعوا على عورات الدولة، فطمعوا فيما وراء ذلك من الاستيلاء وراسلوا بذلك ملكهم بالشام، وإسمه مري، ولم يكن ظهر بالشام من الإفرنج مثله فاستدعوه لذلك وأغروه فلم يجبهم، واستحثه أصحابه لملكها. وما زالوا يفتلون له في الذروة والغارب، ويوهمونه القوة بتملكها على نور الدين، ويريهم هو أن ذلك يؤل إلى خروج أصحابها عنها لنور الدين فبقي بها إلى أن غلبوا عليه. فرجع إلى رأيهم. وتجهز وبلغ الخبر نور الدين فجمع عساكره، واستنفر من في ثغوره. وسار الإفرنج إلى مصر مفتتح أربع وستين فملكوا بلبيس عنوة في صفر واستباحوها وكاتبهم جماعة من أعداء شاور فأنسوا مكاتبتهم، وساروا إلى مصر ونازلوا القاهرة. وأمر شاور بإحراق مدينة مصر لينتقل أهلها إلى القاهرة فيضبط الحصار فانتقلوا وأخذهم الحريق، وامتدت الأيدي وأنتهبت أموالهم وإتصل الحريق فيها شهرين. وبعث العاضد إلى نور الدين يستغيث به فأجاب وأخذ في تجهيز العساكر فاشتد الحصار على القاهرة، وضاق الأمر بشاور فبعث إلى ملك الإفرنج يذكره بقديمه، ون هواه معه دون العاضد ونور الدين، ويسأل في الصلح على المال لنفور المسلمين مما سوى ذلك فأجابه ملك الإفرنج على ألف ألف دينار لما رأى من إمتناع القاهرة، وبعث إليهم شاور بمائة ألف منها، وسألهم في الإفراج فارتحلوا. وشرع في جمع المال فعجز الناس عنه ورسل
العاضد خلال ذلك تردد إلى نور الدين في أن يكون أسد الدين وعساكره حامية عنده وعطاؤهم عليه، وثلث الجباية خالصة لنور الدين فاستدعى نور الدين أسد الدين من حمص وأعطاه مائتي ألف دينار، وجهزه بما يحتاجه من الثياب والدواب والأسلحة، وحكمه في العساكر والخزائن ونقل العسكر عشرين دينارا لكل فارس، وبعث معه من أمرائه مولاه عز الدين مرعش، وعز الدين قليج، وشرف الدين مرعش وعز الدولة الباروقي وقطب الدين نيال بن حسان المنبجي. وأمد صلاح الدين يوسف بن أيوب مع عمه أسد الدين فتعلل عليه، واعتزم عليه فأجاب. وسار أسد الدين منتصف ربيع. فلما قارب مصر رجع الإفرنج إلى بلادهم فسر بذلك نور الدين، وأقام عليه البشائر في الشام.ووصل أسد الدين القاهرة ودخلها منتصف جمادى الأخيرة ونزل بظاهرها، ولقي العاضد وخلع عليه وأجرى عليه وعلى عساكره الجرايات والاتاوات. وأقام أسد الدين ينتظر شرطهم، وشاور يماطله ويعلله بالمواعيد. ثم فاوض أصحابه في القبض على أسد الدين واستخدام جنده فمنعه ابنه الكامل من ذلك فأقصر. ثم أشرف أصحاب أسد الدين على اليأس من شاور، وتفاوض أمراؤه في ذلك فاتفق صلاح الدين ابن أخيه وعز الدين خردك على قتل شاور وأسد الدين ينهاهم. وغدا شاور يوماً على أسد الدين في خيامه فألقاه قد ركب لزيارة تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، فتلقاه صلاح الدين وخردك، وركبوا معه لقصد أسد الدين فقبضوا عليه في طريقهم، وطيروا بالخبر إلى أسد الدين. وبعث العاضد لوقته يحرضهم على قتله فبعثوا إليه برأسه، وأمر العاضد بنهب دوره فنهبها العامة.وجاء أسد الدين لقصر العاضد فخلع عليه الوزارة، ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش. وخرج له من القصر منشور من إنشاء القاضي الفاضل البيساني، وعليه مكتوب بخط الخليفة ما نصه: هذا عهد لا عهد لوزير بمثله، فتقلد ما رآك الله وأمير المؤمنين أهلا لحمله، وعليك الحجة من الله فيما أوضح لك من مراشد سبله، فخذ كتاب أمير المؤمنين بقوة، وأسحب ذيل الفخار بأن اعتزت خدمتك إلى بنوة النبوة، واتخذ أمير المؤمنين للفوز سبيلا، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا. ثم ركب أسد الدين إلى دار الوزارة التي كان فيها شاور، وجلس مجلس الأمروالنهي وولى على الأعمال، وأقطع البلاد للعساكر، وأمن أهل مصر بالرجوع إلى بلادهم ورمها وعمارتها. وكاتب نور الدين بالواقع مفصلاً وانتصب للأمور. ثم دخل للعاضد ، وخطب الأستاذ جوهر الخصي عنه وهو يومئذ أكبر الأساتيذ فمال: يقول لك مولانا نؤثر مقامك عندنا من أول قدومك، وأنت تعلم الواقع من ذلك، وقد تيقنا أن الله عز وجل أدخرك لنا نصرة على أعدائنا فحلف له أسد الدين على النصيحة وإظهار الدولة. فقال
الأستاذ عن العاضد الأمر بيدك هذا وأكثر. ثم جددت الخلع واستخلص أسد الدين الجليس عبد القوي. وكان قاضي القضاة وداعي الدعاة واستحسنه واختصه. وأما الكامل بن شاور فدخل القصر مع أخوته معتصمين به، وكان آخر العهد به وأسف أسد الدين عليه لما كان منه في رد أبيه، وذهب كل بما كسب، والله تعالى أعلم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق