2496
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
من تاريخ العلامة ابن خلدون
المجلد الخامس
من صفحة 343- 412
حصار صور ثم صفد وكوكب والكرك :
لما فتح صلاح الدين القدس أقام بظاهره إلى آخر شعبان من السنة حتى فرغ من جميع أشغاله، ثم رحل إلى مدينة صور، وقد إجتمع فيها من الإفرنج عوالم وقد نزل بها المركيش وضبطها. ولما إنتهى صلاح الدين إلى عكا أقام بها أياماً فبالغ المركيش في الاستعداد وتعميق الخنادق وإصلاح الأسوار، وكان البحر يحيط بها من ثلاث جهاتها ؛ فوصل جانب اليمين بالشمال وصارت كالجزيرة. وسار إليها فنزل عليها لتسع بقين من رمضان على تل يشرف منه على مكان القتال، وجعل القتال على أقيال عسكره نوباً بين إبنه الأفضل وإبنه الظاهر وأخيه
العادل وابن أخيه تقي الدين، ونصب عليها المجانيق والعرادات وكان الإفرنج يركبون في الشواني و الحراقات ويأتون المسلمين من ورائهم فيرمون عليهم من البحر، ويقاتلونهم ويمنعونهم من الدنّو إلى السور فبعث صلاح الدين عن أسطول مصر من مرسى عكا، فجاء ودافع الإفرنج. وتمكن المسلمون من قتال الأسوار وحاصروها براً وبحراً. ثم كبس أسطول الإفرنج خمسة من أساطيل المسلمين ففتكوا بهم ورّد صلاح الدين الباقي إلى بيروت لقلتها فاتبعها أساطيل الإفرنج، فلما أرهقوهم في الطلب القوا بأنفسهم إلى الساحل وتركوها فحكمها صلاح الدين ونقضها، وجد في حصار صور فلم يفد وامتنعت عليه لما كان فيها من كثرة الإفرنج الذين أمنهم بعكا وعسقلان والقدس فنزلوا إليها بأموالهم وأمدوا صاحبها، واستدعوها الإفرنج وراء البحر فوعدوهم بالنصر، وأقاموا في انتظارهم.ولما رأى صلاح الدين إمتناعها شاور أصحابه في الرحيل فترددّوا، وتخاذلوا في القتال فرحل آخر شوال إلى عكا وأذن للعساكر في المشي إلى أوطانهم إلى فصل الربيع. وعادت عساكر الشرق والشام ومصر، وأقام بقلعة عكا في خواصه، وردّ أحكام البلد إلى خرديك من أمراء نور الدين. وكان صلاح الدين عندما اشتغل بحصار عسقلان بعث عسكراً لحصار صور فشددوا حصارها وقطعوا عنها الميرة، وبعثوا إلى صلاح الدين وهو بحاصر صور فاستأمنوا له ونزلوا عنها فملكها وكان أيضاً صلاح الدين لما سار إلى عسقلان جهز عسكراً لحصار قلعة كوكب يحرسون السابلة في طريقها من الإفرنج الذين فيها، وهي مطلة على الأردن، وهي للإستبارية. وجهز عسكراً لحصار صفد، وهي للفداوية مطلة على طبرية. ولجأ إلى هذبن الحصنين من سلم من وقعة حطين، وامتنعوا بهما. فلما جهز العساكر إليهما صلحت الطريق وإرتفع منها الفساد. فلما كان آخر ليلة من شوّال غفل الموكلون بالحصار على قلعة كوكب، وكانت ليلة شاتية باردة فكبسهم الإفرنج، ونهبوا ما عندهم من طعام وسلاح وعادوا إلى قلعتهم. وبلغ ذلك صلاح الدين، وهو يعتزم على الرحيل عن صور فشحذ من عزيمته. ثم جهز عسكراً على صور مع الأمير قايماز النجمي، وإرتحل إلى عكا فلما إنصرم فصل الشتاء سار من عكا في محرم سنة أربع وثمانين إلى قلعة كوكب . فحاصرها، وامتنعت عليه ولم يكن بقي في البلاد الساحلية من عكا إلى الجنوب غيرها وكير صفد والكرك. فلما إمتنعت عليه جهز العساكر لحصارها مع قايماز النجمي، ورحل عنها في ربيع الأول إلى دمشق ووافته رسل أرسلان وفرح الناس بقدومه، والله تعالى وليّ التوفيق.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق