1007
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
خبر قرامطة البحرين ودولة بني الجنابي منها:
وفي سنة إحدى وثمانين جاء إلى القطيعي من البحرين رجل تسمى بيحيى بن المهدي، وزعم أنه رسول من المهدي، وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلي بن أحمد الدبادي، وكان متغاليا في التشيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدي، وشنع الخبر في سائر قرى البحرين فأجابوا كلهم، وفيهم أبو سعيد الجنابي، واسمه الحسن بن بهرام، وكان منه عظمائهم. ثم غاب عنهم يحمى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم، ويأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل فدفعوها. ثم غاب وجاء بكتاب آخر يأمرهم أن يدفعوا إليه خمس أموالهم فدفعوا، وقام يتردد في قبائل قيس. ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين، واجتمع إليه القرامطة والأعراب، وسار إلى القطيف طالبا البصرة وكان عليها أحمد بن محمد بن يحمى الواثقي فأدار السور على البصرة، وبعث المعتمد على ابن عمر الغنوي، وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين، وضم إليه ألفين من المقاتلة، وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه، ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم واشره الجنابي واحتوى على
معسكره، وحرق الأسرى بالنار. من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنها إلى بغداد وسار أبو سعيد إلى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة، وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي. ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصا من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال: كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلاثمائة فنقل الكلام، وكان أبو سعيد عهد لابنه الأكبر سعيد فلم (1) به وثار به أخوه الأصغر والظاهر سليمان فقتله، وقام بأمرهم، وبايعه العقدانية، وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية. وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر، واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتطره فأعجلة مؤنس الخادم عن انتظاره، وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدئة. ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها، ورجع واضطربت بغداد، وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها. ثم زحف إ أليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها، وخرب الجامع وتركها خربة. تم خرج سنة اثنتي عشرة لاعتراض الحاج فأوقع بهم، وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم، وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون، واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا.ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد، ودخل الكوفة، وفعل فيها أشد من البصرة. وفي سنة أربع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينة الأحساء، وسماها المؤمنية فلم تعرف إلا به، وبنى قصره وأصحابه حوله. وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس، وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده. وبعث المقتدر عن يوسف بن ابي الساج من أذربيجان وولاه واسط، وبعته لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره. وأرجف أهل بغداد، وسار أبو طاهر إلى الأنبار، وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهارون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه، وتوافقوا ثم تحاجزوا، وعاد مؤنس إلى بغداد، وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه. وسار إلى هشت والكوفة، وقاتل الرقة فامتنعت عليه، وفرض الأتاوة على أعراب الجزيرة يحملونها إلى هجر، ودخل في دعوته جماعة من بني سليم بن منصور وبنى عامر بن صعصعة. وخرج إليه هرون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى
البرية، وظفر هارون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد.وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيرا من الحاج ومن أهلها، ونهب أموالهم جميعا، وقلع باب البيت والميزاب، وقسم كسوة البيت في أصحابه، واقتلع الحجر الأسود وانصرف به، وأراد أن يجعل الحج عنده، وكتب إليه عبيد الله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك، ويتهدده فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس، ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسمعيل من القيروان في رده فردوه، وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفاً من الذهب على أن يردوه فأبوا، وزعموا انهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته. وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشام بالغزو حتى ضربت له الأتاوة ببغداد وبدمشق على بني طغج. ثم هلك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه، ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور، وولى أخوه الأكبر احمد بن الحسن، واختلف بعض العقدانية عليه، ومالوا إلى ولاية سابور بن ابي طاهر، وكاتبوا القائم في ذلك فجاء جوابه بولاية الأخ احمد، وان يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر احمد في الولاية عليهم، وكنوه أبا منصور، وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه.
ثم قبض سابور على عمه ابي منصور فاعتقله بموافقة اخوته له على ذلك، وذلك سنة ثمان وخمسين. ثم ثار بهم أخوه فاخرجه من الاعتقال، وقتل سابور ونفى إخوته واشياعهم إلى جزيرة أوال. ثم هلك أو منصور سنة تسع وخمسين، يقال مسموماً على يد شيعة سابور، وولى ابنه أبو علي الحسن بن احمد ويلقب الأعصم، وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه، ونفى جمعا كثيرا من ولد ابي طاهر، يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة، وحج هذا الأعصم بنفسه ولم يتعرض للحاج، ولا أنكر الخطبة للمطيع.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق