1071
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
القسم الثاني المجلد الرابع
من تاريخ العلامة ابن خلدون
الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية
وأخبار بنية ومواليهم من بعدهم ومصائر أمورهم
كان فتح ميورقة سنة تسعين ومائتين على يد عصام الخولاني، وذلك أنه خرج حاجا في
سفينة اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسلوا بجزيرة ميورقة، وطال مقامهم هنالك، واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلمما رجع بعد فرضه أخبر الأمير بما رأى فيها، وكان من أهل الغناء عنده في مثلها فبعث معه القطائع في البحر. ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياما وفتحوها حصناً حصناً إلى أن كمل فتحها. وكتب عصام بالفتح إلى الأمير عبد الله فكتب له بولايتها فوليها عشر سنين، وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات. ولما هلك قدم أهل الجزيرة عليهم ابنه عبد الله، وكتب له الأمير بالولاية. ثم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجا وانقطع خبره، وذلك سنة خمسين وثلاثمائة. وبعث الناصر المرواني إليها الموفق من
الموالي فأنشأ الأساطيل وغزا بلاد الإفرنج، وهلك سنه تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر، وولي بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن الموفّق في جهاده. وهلك سنة تسع وثمانين أيام المنصور فوليّ عليها مقاتل من مواليه، وكان كثير الغزو والجهاد. وكان المنصور وابنه المؤيد يمدّانه في جهاده. وهلك سنة ثلاث وأربعمائه أزمان الفتنة. وكان مجاهد بن يوسف بن عليّ من فحول الموالي العامرييّن. وكان المنصور قد ربّاه وعلمه مع مواليه القراآت والحديث والعربية فكان مجيداً في ذلك. وخرج من قرطبة يوم قتل المهدي سنة أربعمائة، وبايع هو والموالي العامريّين وكثير من جند الأندلس للمرتضى كما قدّمناه. ولقيهم زاوي بفحص غرناطة فهزمهم وبددّ شملهم. ثم قتل المرتضى كما تقدّم، وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها. ثم تركها وانتقل إلى دانية واستقلّ بها، وملك ميورقة ومنورقة ويابسة واستبدّ سنة ثلاث عشرة. ونصّب العيطي كما مر فأراد الاستبداد، ومنع طاعة مجاهد، ومنعه أهل ميورقة من ذلك فبعث عنه، مجاهد، وقدّم على ميورقة عبد الله ابن أخيه فولي خمس عشرة سنة. ثم هلك وكان غزا سردانية في الأساطيل فاقتحمها وأخرج النصارى منها، وتقبضوا على أبنه أسيراً ففدّاه بعد حين، وولّى مجاهد على ميورقة بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وكان بين مجاهد صاحب دانية وبين خيران صاحب مرسية وابن أبي عامر صاحب بلنسية حروب إلى أن هلك مجاهد سنة ست وثلاثين. وولي إبنه عليّ وتسمى إقبال الدولة، وأصهر إلى المقتدر بن هود، وأخرجه من دانية سنة ثمان وستين ونقله إلى سرقسطة، ولحق إبنه سراج الدولة بالإفرنجة، وأمدّوه على شروط شرطها لهم فتغلب على بعض حصونه. ثم مات فيما زعموا مسموماً بحيلة من المقتدر سنة تسع. ومات عليّ قريباً من وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين. ويقال بل فرّ أمام المقتدر إلى بجاية، ونزل على صاحبها يحيى بن حمّاد، ومات هنالك. وأمّا الأغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحب غزو وجهاد في البحر. ولما هلك مجاهد استأذن ابنه عليّاً في الزيارة فأذن له، وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائباً عنه. وبعث على آل الأغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين. ثم مات فولّى على مكانه مبشراً وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الأندلس أسر صغيراً وّجّبه العدو وأقام بدانية محبوباً يجاهد في أسرى دانية وسردانية، واصطفاه فولاّه بعد مهلك سليمان فولي خمس سنين، وانقرض ملك علي، وتغلّب عليه المقتدر بن هود
فاستبد مبشر بميورقة، والفتنة يومئذ تموج بين ملوك الطوائف. وبعث إلى دانية في تسليم أهل سيده فبعثوا إليه بهم، وأولادهم جميلاً. ولم يزل يردّد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة الجموع، ونازله بميورقة عشرة أشهر. ثم افتتحها واستباحها * سنة من ولايته. وكان بعث بالصريخ إلى عليّ بن يوسف صاحب المغرب من لمتونة فلم يوافهم الأسطول بالمدد إلا بعد استيلاء العدوّ. فلما وصل الأسطول دفعوا العدّو عنها وولّى علي بن يوسف من قبله أنور بن أبي بكر اللمتوني فعسف بهم، وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصفدوه. وبعثوا إلى علي بن يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن عليّ بن إسحق بن غانية المستولي صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي من قرطبة، كان والياً عليها فوصل إلى ميورقة فصفد أنور، وبعث به إلى مراكش، وأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخوه يحيى وسلطانهم عليّ بن يوسف. واستقرّت ميورقة في ملك بني غانية هؤلاء وسلطانهم. وكانت لهم في زمن عليّ بن يوسف بها دولة. وخرج منها علي ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحّدين، وكانت لهم معهم حروب بإفريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة. وملك الأفرنج ميورقة من أيدي الموحّدين آخر دولتهم. والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء، وهو العزيز الحكيم.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق