1016
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
بنو قتادة
الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم
ثم عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد
كان من ولد موسى الجون الذي مر ذكره في بني حسن، عبد الله ابي الكرام، وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد: سليمان وزيد واحمد. ومنه تشعبت ولده. فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية، وأما احمد فولده بالدهناء، وأما سليمان
فكان من ولده مطاعن بن عبد الكريم بن يوسف بن عيسى بر سليمان. وكان لمطاعن إدريس وثعلب، بالثعالبة بالحجاز. فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة. فأما صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة، وأما قتادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز، وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن. فمن ولده حسن إدريس وأحمد ومحمد وجمان، وإمارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أميران يتداولان إمارتها من ولد إدريس بن حسن بن إدريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولد موالي عز أمراء مكة لهذا العهد. وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم بمكة وكانوا ظواعن بادية. ولما نشأ فيهم قتادة هذا جمع ذوي مطاعن، وأركبهم واستبد بإمارتهم، وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن، وبنو عيسى بن سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هؤلاء، وأميرهم أبو عزيز قتادة وأخرجهم، وملك ينبع والصفراء، واستكثر من الجند والمماليك. وكان على عهد المستنصر العباسي في أواسط المائة السادسة.وكان الأمراء يومئذ بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن الحسن بن محمد بن موسى بن أبي الكرام عبد الله، وقد مر ذكرهم. وكان أخرجهم مكثر بن عيسى بن قاسم الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيس، ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار قتادة إلى مكة، وانتزعها من أيديهم وملكها، وخطب للناصر العباسي، وأقام في إمارتها نحوا من أربعين سنة. واستفحل ملكه، واتسع إلى نواحي اليمن، وكان لقبه أبا عزيز. وفي سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبع التركي من مماليك الناصر، وفر من طريقه إلى مصر فنهب الركب. وفي سنة ثمان وستمائة وثب شخص من حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم، وقتلوا منهم خلقا. ثم بعث إليهم بالأموال من بغداد، وبعث قتادة بعض أولاده يستعتب فأعتب. وفي سنة خمس عشرة خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد الناصر الخليفة، وللكامل بن العادل بعدهما.وفي سنة ست عشرة كان خروج التتر، وكان قتادة عادلا وأمن الناس في أيامه، ولم يعد قط على أحد من الخلفاء ولا من الملوك، وكان يقول أنا أحق بالخلافة، وكانت الأموال والخلع تحمل إليه، واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب إليه:
ولي كف ضرغام أذل ببسطها واشري بها عز الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرجا ثم ابتغي خلاصا لها إني إذا لوضيع
وما أنا إلا المسك في كل بقعة يضوع وأما عندكم فيضيع
واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن، وبعض أعمال المدينة، وبلاد نجد، وكان يستكثر من المماليك. وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة، ويقال سمه ابنه حسن ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلا فخنق أباه، ثم قتلها وملك مكة، وامتعض لذلك ابنه راجح بن ابي عزيز قتادة، وشكاه إلى أمير حاج أقباش التركي عند وصوله فأشكاه، ووعده بالإنصاف منه فأغلق حسن أبواب مكة، وخرج بعض أصحابه إلى الأمير أقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه، وعلقوه بالمسعى.ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبه المسعود، وملك مكة، ونصب رايته، وأزال راية أمير الركب، وكتب الخليفة من بغداد يعاتب أباه على ذلك، وعلى ما فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه: برئت يا أقسى من ظهر العادل أن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فغرم ديات الشرفاء، وأصابه شلل في يده، ومضى حسن بن قتادة إلى بغداد صريخا بعد أن بقي طريدا بالشام والجزيرة والعراق. ثم جاء إلى بغداد دخيلا وهم الترك بقتله بأقباش أمير الركب فمنعوا منه. ومات ببغداد سنة اثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم. ثم مات المسعود بن الكامل بمكة سنة ست وعشرين،ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ، وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن علي بن رسول
وقصد راجح بن قتادة مكة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر الدين بن الشيخ، ولحق فخر الدين بمصر، ثم جاءت عساكر مصر سنة اثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل، وملكوا مكة، وهرب راجح إلى اليمن. ثم جاء عمر بن رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر، وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد المستنصر. ولما ملك التتر العراق سنة أربع وثلاثين، وعظم أمرهم وانتهوا إلى أربل ابطل المستنصر الحج من أمر الجهاد، وأفتاه العلماء بذلك.ثم جهز المعتصم الحاج مع أمه سنة ثلاث وأربعين وشيعها إلى الكوفة. ولما حجت ضرب تركي في الموسم شريفا وكتب راجح فيه إلى الخليفة فقطعت يده، وبطل الحج بعد ذلك. ثم قوي أمر الموطىء أمام الزيدية باليمن،
واعتزم على قطع الخطبة لبني الباس فضاق به المظفر بن عمر بن رسول، وكاتب المعتصم يحرضه على تجهيز الحاج بسبب ذلك. ثم قوي أمر الموطىء أمام الزيدية باليمن، وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشا على أبي سعيد، وسار إلى مكة فقتل أبا سعيد فرب الحرم، ونقض عهد الناصر، وخطب لصاحب اليمن.قال ابن سعيد: وفي سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن، وكان يسكن السدير على نحو اليمن فوصل إلى مكة، وأخرج منها جماز بن ابي عزيز فلحق بالينبع. قال: وفي سنة اثنتين وستين وصل الخبر إلى المغرب بأن أمر مكة دائر بين أبي نمى بن أبي سعيد الذي قتل جماز به على إمارة مكة، وبين غالب بن راجح الذي أخرجه أبوه جماز إلى الينبع. ثم استبد أبو نمي على أمر مكة، ونفى قتلة أبيه ابي سعيد إلى الينبع، وهم إدريس وجماز ومحمد، وقد كان إدريس منهم ولي أمر مكة قليلا فانطلقوا إلى الينبع وملكوه، وأعقابهم أمراؤه لهذا العهد. وأقام أبو نمى أميرا بمكة نحوا من خمسين سنة، وهلك على رأس المائة السابعة أو بعدها بسنتين، وخلف ثلاثين ولدا.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق