1046
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
القسم الثاني المجلد الرابع
من تاريخ العلامة ابن خلدون
أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة:
وكان في أوّل المائة الرابعة ملك على الجلالقة أردون بن رذمير بن برمند بن قريولة بن اذفونش بن بيطر. وخرج سنة اثنتين وثلاثمائة إلى الثغر الجوفي لأوّل ولاية الناصر، وعاث في جهات ماردة، وأخذ حصن الحنش. وبعث الناصر وزيره أحمد بن عبدة في العساكر إلى بلاده فدوخها. ثم أغزاه ثانية سنة خمس فنكث وقتل. ثم أغزى بدراً مولاه فدوخ ورجع. ثم غزا بنفسه بلاد جليقة سنة ثمان. واستنصر أردون بشانجة ابن غرسية ملك البشكنس وصاحب بنبولة فهزمهم الناصر، ووطىء بلادهم وخربها وفتح حصونها وهدمها وردّد الغزو بعد ذلك في بلد غرسية إلى أن هلك أذفونش وولي بعده إبنه فرويلة. قال ابن حيان: لما ملك فرويلة بن أردون بن رذمير ملك الجلالقة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة ملك أخوه أذفونش، ونازعه أخوه شانجة واستقل غرسية بليون من قواعد ملكهم، وظاهر أذفونش على أمره ابن أخيه، وهو أذفونش بن فرويلة، وصهره شانجة فانهزموا وافترقت كلمتهم. ثم اجتمعوا ثانية وخلعوا شانجة وأخرجوه عن مدينة ليون ففّر إلى قاصية جليقة، وولىّ أخاه رذمير بن أردون على ملكه بغربي جليقة إلى قلنسرية. وهلك شانجة أثر ذلك ولم يعقب. واستقل أذفونش، وخرج على أخيه رذمير، وملك مدينة سنت ماذكش. ثم أكثروا عليه العذل في نزوعه عن الرهبانية فرجع إلى رهبانيته. ثم خرج ثانياً وملك مدينة ليون، وكان رذمير أخوه غازيا إلى سمورة فرجع إليه وحاصره بها حتى اقتحمها عليه عنوة سنة عشرين وثلاثمائة فحبسه، ثم سمله في جماعة من ولد أبيه أردون، خافهم على أمره. وكان غرسية بن شانجة ملك البشكنس لما هلك قامت بأمرهم بعده أخته طوطة، وكفلت وٌلده. ثم انتقضت سنة خمس وعشرين فغزا الناصر بلادها وخرب نواحي بليونة، وردد عليها الغزوات. وفي أثناء هذه الغزوات نازل محمد بن هشام التجيبي سرقٌسطة، حتى أطاع كما مر، وكذا أمية بن إسحق في تسترين. وكان الناصر سنة إثنتين وعشرين قد غزا إلى وحنشمة، واستدعى محمد بن هشام من سرقسطة فامتنع ورجع إليه، وافتتح حصونه، وأخذ أخاه يحيى من حصن روطة. ثم رحل إلى ينبلونة فجاءته طوطة بنت أنثير بطاعتها، وعقد لابنها غرسية بن شانجة على ينبلونة. ثم عدل إلى البلة
وبسائطها فدوّخها وخرب حصونها. ثم اقتحم جلّيقة، وملكها يومئذ رذمير بن أردون فخام عن اللقاء، ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها، وهدم برغث وكثيرا من معاقلهم، وهزمهم مراراً ورجع. ثم كانت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه. وكان يرّدد الصوائف، وهابته أمم النصرانية. ووفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل صاحب القٌسطنطينّية وهديته، وهو يومئذ قسنطين بن ليون بن شل واحتفل الناصر للقائهم في يوم مشهود، وكتب(1) فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزي ّوزيّن القصر الخلافي ّبأنواع الزينة وأصناف الستور، وجمّل السرير الخلافي بمقاعد الأبناء والأخوة والأعمام والقرابة، ورتب الوزراء والخدمة في مواقفهم، ودخل الرسل فهالهم ما رأوا وقربوا حتى أدّوا رسالتهم. وأمر يومئذ الاعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل، ويعظموا أمر الإسلام والخلافة، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه، وذلّة عدوّه فاستعدوا لذلك. ثم بهرهم هول المجلس فرجعوا وشرعوا في الغزل(2) فارتج عليهم، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق، كان في جملة الحكم ولي العهد، وندبه لذلك استئثاراً لفخره، فلمّا وجموا كلهم قام منذر بن سعيد البلوطي من غير استعداد ولا رويّة، ولا تقدّم له أحد في ذلك بشيء فخطب واستخفر وعى في ذلك القصد، وأنشد آخره شعراً طويلاً ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس، وعجب الناس من شأنه أكثر من كل ما وقع. واعجب الناصر به وولاّه القضاء بعدها، وأصبح من رجالات العالم، وأخباره مشهورة، وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حيان وغيره. ثم انصرف هؤلاء الرسل، وبعث الناصر معهم هشام بن كليب إلى الجاثليق ليجدد الهدنة، ويؤكد المودة، ويحسن الإجابة. ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء، وجاءت معه رسل قسطنطين. ثم جاء رسل ملك الصقالبة، وهو يومئذ هوتو، وأخر من ملك اللمان، وأخر من ملك الفرنجة وراء المغرب، وهو يومئذ أفوه. وأخر من ملك الفرنجة بقاصية المشرق، وهو يومئذ كلدة. واحتفل السلطان لقدومهم، وبعث مع رسل الصقالبة ريفاً الأسقف إلى ملكهم هوتو، ورجعوا بعد سنتين. وفي سنة أربع وأربعين جاء رسول أردون بن رذمير، وأبوه رذمير، هو الذي سمل أخاه أذفونش، وقد مرّ ذكره، بعث
يخطب السلم فقعد له. ثم بعث في سنة خمس وأربعين يطلب إدخال قومس قشتيلية فردلند، وقد مرّ ذكره، ومال إلى أردون بن زذمير كما ذكرناه. وكان غرسية بن شانجة حافد الطوطه بنت أسنين، ملكة البشكنس فامتعضت لحل حافدها غرسية، ووفدت على الناصر سنة سبع وأربعين ملقية بنفسها في عقد السلم لها ولولدها شانجة بن رذمير الملك وأعانه حافدها غرسية بن شانجة على ملكه ونصره من عدّوة وجاء ملك جلّيقة فرّد عليه ملكه وخلع الجلالقة طاعة أردون، وبعث إلى الناصر يشكوه على فعلته وكتب إلى الأمم في ّالنواحى بذلك ،وبما غرتكبه فردلند خمس قشتيلة وعظيم قوامسه في نكسة ، ووثبه ، ونفر لذلك عند الامم ولم يزل الناصر على موالاته وإعانته إلى أن هلك .ولما وصل معه رسول كلدة ملك الإفرنجة بالمشرق كما تقدّم ،وصل معه رسول مغيرة بن شبير ملك برشلونة وطركونة، راغباً في الصلح فأجابه الناصر، ووصل بعده رسول صاحب رومة يطلب المودّة فأجيب.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق