1109
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
القسم الثاني المجلد الرابع
من تاريخ العلامة ابن خلدون
بقية أخبار صقلية:
وفي سنة ثمان وعشرين سار الفضل بن جعفر الهمداني في البحر ونزل مرسى مسينة وحاصرها فامتنعت عليه، وبث السرايا في نواحيها فغنموا. ثم بعث طائفة من عسكره وجاؤوا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه، وهمك مشغولون بقتاله فانهزموا، وأعطوا باليد ففتحها. ثم حاصر سنة إثنتين وثلاثين مدينة لسى، وكاتب أهلها بطريق صقلية يستمدونه فاجابهم، وأعطاهم العلامة بإيقاد النار على الجبل. وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل، وأكمن لهم من ناحيته فخرجوا، واستطرد لهم، حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم إلا القليل، وسلموا البلد على الأمان. وفي سنة ثلاث وثلاثين أجاز المسلمون إلى أرض انكبردة من البر الكبير، وملكوا منها مدينة وسكنوها وفي سنة أربع وثلاثين صالح أهل رغوس،
وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا جميع ما فيها. وفي سنة ثلاث وثلاثين توفي أمير صقلية محمد بن عبد الله بن الأغلب، واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم. وكتب له محمد بن الأغلب بعهده على صقلية، وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا، وتأتيه الغنائم. ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه، وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلية، وردد البعوث والسرايا إلى قطانية وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا، وافتتح حصونا جمة، وهزم أهل قصريانة، وهي مدينة ملك صقلية. وكان الملك قبله يسكن سرقوسة فلما فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة واخبر أن العباس كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم، ويرجع بالغنائم والأسارى. فلما كان في شاتية منها أصاب منهم أسارى، وقدمهم للقتل فقال له بعضهم وكان له قدر وهيبة استبقني وأنا أملك قصريانة، ودلهم علي عورة البلد فجاؤهاليلاً، ووقفهم باب صغير فدخلوا منه. فلما توسطوا البلد، وضعوا السيف، وفتحوا الأبواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة، وأصاب فيها ما يعجز الوصف عنه وذل الروم بصقلية من يومئذ. وبعث ملك الروم عسكراً عظيماً مع بعض بطارقته، وركبوا البحر إلى مرسى سرقوسة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم ثلاثة أو أكثر، وذلك سنة سبع وثلاثين. وافتتح بعدها كثيراً من قلاع صقلية، وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة، وزحف إليهم العباس من مكانه وهزمهم ورجع إلى قصريانة فحصنها وانزل بها الحامية. ثم سار سنة سبع وأربعين إلي سرقوسة فغنم ورجع واعتل في طريقه فهلك منتصف سنته. ودفن في نواحي سرقوسة، واحرق النصارى شلوه، وذلك لإحدى عشرة سنة من إمارته. واتصل الجهاد بصقلية والفتح، واجاز المسلمون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا ارض قلورية وانكبرده، وفتحوا فيها حصوناً وسكن بها المسلمون. ولما توفي العباس اجتمع الناس على إبنه عبد الله، وكتبوا إلى صاحب إفريقية، وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع؛ وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من إفريقية على صقلية في منتصف ثمان وأربعين، وأخرج ابنه محموداً في سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها، وخرج إليهم الروم فقاتلهم وظفر
ورجع. ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين وسار إلى سرقوسة وجبل النار، واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح إبنه محمداً في العساكر وسبى أهلها. ثم سار خفاجة إلى رغوس وافتتحها، وأصابه المرض فعاد إلى بليرم. ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فخرّب نواحيها، وأفسد زرعها، وبعث سراياه في أرض صقلية فامتلأت أيديهم من الغنائم. وفي سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لأهل صقلية فقاتله جمع من المسلمين وهزموه، وعاث خفاجة في نواحي سرقوسة، ورجع إلى بليرم. وبعث سنة خمس وخمسين إبنه محمداً في العساكر إلى طرميس، وقد دله بعض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب. وجاء محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مدداً للعدو فأجفلوا، ورآهم محمد مجفلين فرجع. ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرها وعاث في نواحيها، ورجع فاغتاله بعض عسكره في طريقه وقتله، وذلك سنة خمس وخمسين وولى الناس عليهم ابنه محمداً. وكتبوا إلى محمد بن أحمد أمير إفريقية فأقرّه على الولاية، وبعث إليه بعهده.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق