1062
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
تاريخ ابن خلدون
المجلد الرابع
صفحة 56 - 267
القسم الثاني المجلد الرابع
من تاريخ العلامة ابن خلدون
بنو حمود
الخبر عن دولة بني حمود التي أدالت من دولة بني أمية
بالأندلس و أولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلي أخرها
كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس، وهما القاسم وعلي ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن عبيد الله بن عمر، كانوا في لفيف البرابرة فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة. وبقي الفخر منهم بتاز غدره من غمارة فأجازوا مع البربر، وصاروا في جملة المستعين مع أمراء العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعلي منهما على طنجة وعملها، وللقاسم - وكان الأسن- على الجزيرة الخضراء. وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لأولاد إدريس متوارث من دولتهم بالعدوة كما ذكرناه. واستقام أمر علي بن حمود، وتمكن سلطانه، واتصلت دولته عامين إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان
وأربعمائه، فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود، وتلقب بالمأمون. ونازعه في الأمر بعد أربع سنين من خلافته يحيى ابن أخيه عليّ بسبتة، وكان أمير الغرب ووليّ عهد أبيه فبعث إليه أشياعهم من البربر مالاً مع جند الأندلس سنة عشر، واحتل بمالقة، وكان أخوه إدريس بها منذ عهد أبيهما فبعث إلى سبتة، ووصل إلى يحيى بن علي زاوى بن زيري من غرناطة، وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ فزحف إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة، وتلقب المعتلي، واستوزر أبا بكر بن ذكوان، وفرّ المأمون إلى إشبيلية، وبايع له القاضي محمد بن إسمعيل بن عباد. واستمال بعضا من البرابرة ثانية، واستجاشهم على ابن أخيه ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة. ولحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلب أخوه على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين، وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر، وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وبنيه، ويستودع بها ذخيرته، وبلغ الخبر إلى قرطبة بتغلبه على قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بني أمية فاضطرب أمر المأمون، وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته، وبايعوا للمستظهر، ثم للمستكفي من بني أمية كما ذكرناه. وتحيز المأمون وبرابرته إلى الأرباض فاعتصموا به، وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة خمسين يوماً. ثم صمم أهل قرطبة لمدافعتهم فأخرجوا عن الأرباض وانفضت جموعهم سنة عشرة. ولحق المأمون باشبيلية وبها ابنه محمد، ومحمد بن زيري من رجالات البربر فأطمعه القاضي محمد بن إسمعيل بن عبّاد في الملك، وأن يمتنعوا من القاسم فمنعوه، وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم. ثم اشتد ابن عباد وأخرج محمد بن زيري، ولحق المأمون ثحريش، ورجع عنه البربر إلى يحيى المعتلي ابن أخيه فبايعوه سنة خمس عشرة. وزحف إلى عمه المأمون بشريش فتغلب عليه، ولم يزل في حبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائه، واستقل يحيى المعتلي بالأمور، واعتقل محمداً والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة، ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة، وأقاما كذلك. ثم خلع أهل قرطبة المستكفي، وصاروا إلى طاعة المعتلي، واستعمل عليهم عبد الرحمن بن عطاف اليفرني من رجالات البربر، وفر المستكفي إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة سالم. ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة
سبع عشرة، وصرفوا عامله عليهم ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى. ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره، واستبد بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كما نذكره في أخبار ملوك الطوائف وأقام يحيى بن المعتلي يتخيفهم ويردد العساكر لحصارهم إلى أن اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له فلا سلطانه، واشتد أمره وظاهره محمد بن عبد الله البرزالي على أمره فنزل عنده بقرمونة يحاصر فيها ابن عباد باشبيلية، إلى أن هلك سنة ست وعشرين بمداخلة ابن عباد للبرزالي في اغتياله فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونة من جند ابن عباد، وقد أكمنوا له فكبا به فرسه وقتل. وتولى قتله محمد بن عبد الله البرزالي، وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة. وكان أحمد بن موسى بن بقية والخادم نجى الصقلي وزيري دولة الحموديين عند أولها فرجعا إلى مالقة دار ملكهم، واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة وبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة، وتلقب المتأيد بالله، وبايعه المرية وأعمالها ورندة والجزيرة، وعقد لحسن ابن أخيه يحمى على سبتة، ونهض معه نجى الخادم. وكان له ظهور على ملوك الطوائف، وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد، ومد يده إلى انتزاع البلاد من أيدي الثوار، وملك اشبونة وأستجة من يد محمد بن عبد الله البرزالي وبعث العساكر مع ابنه إسمعيل لحصار قزمونة فاستصرخ محمد بن عبد الله بالقائد هذا وبزاوي فجاء زاوي بنفسه، وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية فكانت بينهم وبين ابن عباد حروب شديدة، هزم فيها ابن عباد وقتل، وحمل رأسه إلى إدريس المتأيد، وهلك ليرمين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائه. واعتزم ابن بقية على بيعة ابنه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى الخادم، وبادر إليه من سبتة، ومعه حسن بن يحمى المعتلي فبايعه البربر، ولقب المستنصر، وقتل ابن بقبة، وفرّ يحيى بن إدريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع
وثلاثين، ويقال بل قتله نجى، ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها، ومعه ولد حسن بن يحيى صبيا، وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته به، وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس. وهلك حسن مسموماً بيد إبنة عمه إدريس، ثارت بأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى، وكتب إلى نجى وابن حسن المستنصر الذي كان عنده بسبتة ليعقد له. واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة، ودعى لنفسه. ووافقه البربر والجند ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسناً ومحمداً ابني قاسم بن حمود، ورجع خاسئاً فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم وقتلوه. وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفي، وقتل وأخرج إدريس بن يحمى المعتلى من معتقله، وبويع له سنة أربع وثلاثين، وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما ولقب العالي، وولى على سبتة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه. ثم قتل محمدا وحسنا ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة، وامتنعوا بالقصبة، وكانت العامة مع إدريس، ثم أسلموه. وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدي، وولى أخاه عهده ولقبه الساني. ثم نكر منه بعض النزعات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة، ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة، وزحف بإدريس من غرناطة منكراً على المهدي فعله فامتنع عليه، فبايع له وانصرف وأقام المهدي في ملكه بمالقة، وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين. وبويع إدريس المخلوع ابن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش، وبويع له بمالقة، وأطلق ايدي عبيده عليها لحقده عليهم ففرّ كثير منهم إلى أن هلك سن سبع وأربعين، وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد وتلقبه، وخطب له بمالقة والمرية ورندة. ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائه، وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعاً، واستدعاه أهل مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين، وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة ونواحيها. وهلك سنة(1) وأربعمائه. وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففرّ هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة، ولحق بالجزيرة الخضراء فملكها، وتلقب المعتصم إلى أن مات سنة أربعين. ثم ملكها بعده ابنه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين، وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد
وكان سكوت البرغواطي الحاجب مولى القاسم الواثق محمد بن المعتصم، ويقال مولى يحمى المعتلي واليا على سبتة من قبلهم، فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة، وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه، واتصلت الفتنة بينهما إلى أن كان من أمر المرابطين وتغلبهم على سبتة وعلى الأندلس ما سنذكره والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق