229
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
الفصل الستون
في أشعار العرب وأهل الأمصال لهذا العهد
إعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط، بل هو موجود في كل لغةٍ، سواء
كانت عربيةً أو عجميةً. وقد كان في الفرس شعراء وفي يونان كذلك، وذكر منهم أرسطو في كتاب المنطق: أوميروس الشاعر وأثنى عليه. وكان في حمير أيضاً شعراء متقدمون. ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين إعرابها، وفسدت اللغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة؛ فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة، وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات. وكذلك الحضر أهل الأمصار نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف، وخالفت أيضاً لغة الجيل من العرب لهذا العهد. واختلفت هي في نفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق، فلأهل المشرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره، وتخالفهما أيضاً لغة أهل الأندلس وأمصاره.ثم لما كان الشعر موجوداً بالطبع في أهل كل لسان، لأن الموازين على نسبةٍ واحدةٍ في إعداد المتحركات والسواكن وتقابلها، موجودة في طباع البشر؛ فلم يهجر الشعر بفقدان لغةٍ واحدةٍ؛ وهي لغة مضر؛ الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه، حسبما اشتهر بين أهل الخليقة. بل كل جيلٍ وأهل كل لغةٍ من العرب المستعجمين والحضر اهل الامصار، يتعاطون منه ما يطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع كلامهم. فأما العرب، أهل هذا الجيل، المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر، فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الأعاريض، على ما كان عليه سلفهم المستعربون، ويأتون منه بالمطولات مشتملة
على مذاهب الشعر وأعراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء، ويستطردون في الخروج من فن إلى فن في الكلام. وربما هجموا على المقصود لأول كلامهم. وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشاعر، ثم بعد ذلك ينسبون. فأهل أمصار المغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالأصمعيات، نسبةً إلى الأصمعي، راوية العرب في أشعارهم. وأهل المشرق من العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسى، وربما يلحنون فيه ألحاناً بسيطةً، لا على طريقة الصناعة الموسيقية. ثم يغنون به، ويسمون الغناء به باسم الحوراني ، نسبةً إلى حوران من أطراف العراق والشام، وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد.ولهم فن آخر كثير التداول في نظمهم يجيئون به معصباً على أربعة أجزاءٍ، يخالف آخرها الثلاثة في رويه ويلتزمون القافية الرابعة في كل بيت إلى آخر القصيدة؛ شبيهاً بالمربع والمخمس الذي أحدثه المتأخرون من المولدين. ولهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة؛ وفيهم الفحول والمتأخرون عن ذلك، والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد، وخصوصاً علم اللسان؛ يستنكر هذه الفنون التي لهم إذا سمعها ويمج نظمهم إذا أنشد، ويعتقد أن ذوقه إنما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها. وهذا إنما أتى من فقدان الملكة في لغتهم. فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم لشهد له طبعه وذوقه ببلاغتها إن كان سليماً من الآفات في فطرته ونظره؛ وإلا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة، إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه، سواء كان الرفع دالا على الفاعل والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس. وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام، كما هو في لغتهم هذه. فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة: فإذا عرف اصطلاح في ملكةٍ واشتهر صحة الدلالة؛ وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة. ولا عبرة بقوانين النحاة في ذلك. وأساليب الشعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم؛ فإن غالب كلماتهم موقوفة الاخر. ويتميز
عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب. فمن أشعارهم على لسان الشريف بن هاشم يبكي الجازية بنت سرحانٍ، ويذكر ظعنها مع قومها الى المغرب:
# قال الشريف ابن هاشم علي # يغز للأعلام أين ما رأت خاطري
# وماذا شكاة الروح مما طرا لها
# يحس إن قطاع عامر ضميرها
# وعادت كما خوارة في يد غاسل #تجابذوها اثنين والنزع بينهم
# وباتت دموع العين ذارفات لشانها #تدارك منها النجم حذراً وزادها
#يصب من القيعان من جانب الصفا
#هاذا الغنى حتى تسابيت غزوة
# ونادى المنادي بالرحيل وشدوا
# وشد لها الأدهم دياب بن غانم
ترى كبدي حرى شكت من زفيرها
يرد غلام البدو يلوي عصيرها
عداة وزائع تلف الله خبيرها
طوى وهند جافي ذكيرها
على مثل شوك الطلح عقدوا يسيرها على شوك لعه والبقايا جريرها
شبيه دوار السواني يديرها
مرون يجي متراكباً من صبيرها
عيون ولجاز البرق في غزيرها
ناضت من بغداد حتى فقيرها
وعرج عاريها على مستعيرها
على أيدين ماضي وليد مقرب ميرها
وقال لهم حسن بن سرحان غربوا وسوقوا النجوع إن كان أنا هو غفيرها
# ويركض وبيده شهامه بالتسامح وباليمين لا يجدوا في مغيرها
# غدرني زيان السيح من عابس وما كان يرضى زين حمير وميرها
# غدرني وهو زعماً صديقي وصاحبي وأناليه ما من درقتي ما يديرها
# ورجع يقول لهم بلال بن هاشم بحر البلاد العطشى ما بخيرها
# حرام علي باب بغداد وأرضها داخل ولا عائد ركيزه من نعيرها
# تصدف روحي عن بلاد ابن هاشم على الشمس أو حول الغظا من هجيرها
# وباتت نيران العذارى قوادح يلوذ وبجرجان يشدوا أسيرها
ومن قولهم في رثاء أمير زناتة أبي سعدى اليفرني مقارعهم بافريقية وأرض الزاب ورثاؤهم له على جهة التهكم:
# تقول فتاة الحي سعدى وهاضهـــا لها في ظعون الباكرين عويلُ
# أيا سائلي عن قبر الزناتي خليفـــة خذ النعت مني لا تكون هبيــلُ
# تراه يعالي وادي ران وفوقـــــــــه من الربط عيساوي بناه طويلُ
# أراه يميل النور من شارع النقـــــا به الواد شرقاً واليراع دليـــــلُ
# أيا لهف كبدي على الزناتي خليفـه قد كان لأعقاب الجياد سليـــلُ
# قتيل فتى الهيجا دياب بن غانـــــم جراحه كأفواه المزاد تسيـــــلُ
# أيا جائزاً مات الزناتي خليفــــــــه لا ترحل إلا أن يريد رحيـــلُ
# ألا واش رحلنا ثلاثين مـــــــــــرةً وعشراً وستا في النهار قليــلُ
ومن قولهم على لسان الشريف بن هاشم يذكر عتاباً وقع بينه وبين ماضي بن
مقرب:
# تبدى ماضي الجبار وقال لـــــــــــي
# أشكر أعد ما بقي ود بيننـــــــــــــــا
# نحن غدينا نصدفو ما قضى لنــــــا
# أشكر أعد إلى يزيد ملامــــــــــــــه
# إن كان نبت الشوك يلقح بأرضكم
أشكر ما نحنا عليك رضــــــاشِ
ورانا عريب عربا لابسين نماشِ
كما صادفت طعم الزباد طشـاشِ
ليحدو ومن عمر بلاده عـــــاشِ
هنا العرب ما زدنا لهن صيـــاشِ
ومن قولهم في ذكر رحلتهم إلى الغرب وغلبهم زناتة عليه:
# وأي جميل ضاع لي في الشريف بن هاشم وأي رجال ضاع قبلي جميلها
# لقد كنت أنا وباه في زهو بيتنــــا عناني بحجة وغباني دليلهـــــــــا
# وعدت كأني شارب من مدامــــةٍ من الخمر فهو ما قدر من يميلهــا
# أو مثل شمطامات مظنون كبدها غريباً وهي مدوخه عن قبيلهـــــــا
# أتاها زمان السوء حتى تدوحـت وهي بين عرباً غافلا عن نزيلهـــا
# كذلك أنا مما لحاني من الوجـــى شاكي بكبد باديتها زعيلهـــــــــــــا
# وأمرت قومي بالرحيل وبكـــروا وقووا وشداد الحوايا حميلهــــــــــا
# قعدنا سبعة أيام محبوس نجعنـــا والبدو ما ترفع عمود يقيلهــــــــــا
# نظل على حداب الثنايا نـــوازي يظل الجري فوق النضا ونصيلها
ومن شعر سلطان بن مطفر بن يحيى من الزواودة أحد بطون رياح وأهل الرياسة
فيهم، يقولها وهو معتقل بالمهدية في سجن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص أول ملوك أفريقية من الموحدين:
# يقول وفي بوح الدجا بعد وهنـــــة حرام على أجفان عيني منامهــــــــــا
# يا من لقلب حالف الوجد والأســـى وروح هيامي طال ما في سقامهــــــا
# حجازية بدوية عربيـــــــــــــــــــــة عداوية ولها بعيد مرامهــــــــــــــــــــا
# مولعة بالبدو لا تالف القـــــــــــرى سوى عانك الوعسا يؤتي خيامهـــــــا
# غيات ومشتاها بها كل شتــــــــــوة ممحونة بيها وبيها صحيح غرامهــــا
# ومرباها عشب الأراضي من الحيا يواتي من الخور الخلايا جسامهـــــــا
# تشوق شوق العين مما تداركـــــــت عليها من السحب السواري عمامهــــا
# وماذا بكت بالما وماذا تناحطــــــت عيون غزار المزن عذبا حمامهــــــــا
# كان عروس البكر لاحت تيابهــــــا عليها ومن نور الأقاحي خزامهـــــــا
# فلاة ودهنا واتساع ومنــــــــــــــــة ومرعى سوى ما في مراعي نعامها
# ومشروبها من مخض ألبان شولها غنيم ومن لحم الجوازي طعامها
# تفانت عن الأبواب والموقف الـــــــــذي يشيب الفتى مما يقاسي زحامهـــــــا
# سقى الله ذا الوادي المشجر بالحيــــــــا وبلا ويحيى ما بلي من رمامهـــــــا
# فكافأتها بالود مني وليتنــــــــــــــــــــــي ظفرت بأيام مضت في ركامهـــــــا
# ليالي أقواس الصبا في سواعـــــــــــــدي إذا قمت لم تحظ من أيدي سهامهـــا
# وفرسي عديد تحت سرجي مشاقـــــــــة زمان الصبا سرجاً وبيدي لجامهـــا
# وكم من رداح أسهرتني ولــــــــــم أرى من الخلق أبهى من نظام ابتسامهــا
# وكم غيرها من كاعب مرجحنـــــــــــة مطرزة الأجفان باهي وشامهــــــــا
# وصفقت من وجدي عليها طريحــــــة بكفي ولم ينسى جداها ذمامهــــــــا
# ونار بخطب الوجد توهج في الحشــــا وتوهج لا يطفا من الماء ضرامهـا
# أيا من وعدتى الوعد هذا إلى متـــــــى فني العمر في دار عماني ظلامهـا
# ولكن رأيت الشمس تكسف ساعــــــــةً ويغمى عليها ثم يبدأ غيامهمــــــــا
# بنود ورايات من السعد أقبــــــــــــــلت إلينا بعون الله يهفو علامهـــــــــــا
# أرى في الفلا بالعين أظعان عزوتـــي ورمحي على كتفي وسيري أمامها
# بجرعا عتاق النوق من فوق شامـــس أحب بلاد الله عندي حشامهــــــــــا
# إلى منزل بالجعفرية ّلّلــــــوى مقيم بها ما لذ عند ى مقامهـــــــــــــا
#ونلقى سراة من هلال بن عامــــــــــر يزيل الصدا والغل عني سلامهـــا
# بهم تضرب الأمثال شرقاً ومغربــــاً إذا قاتلوا قوماً سريع انهزامهـــــــا
# عليهم ومن هو في حماهم تحيــــــــة مدى الدهر ما غنى يفينا حمامهـــا
# فدع ذا ولا تأسف على سالف مضى فذي الدنيا ما دامت لأحد دوامهــــا
ومن أشعار المتأخرين منهم قول خالد بن حمزة بن عمر، شيخ الكعوب، ومن
أولاد أبي الليل، يعاتب أقتالهم أولاد مهلهل ويجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلهل، عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه:
# يقول وذا قول المصاب الذي نشا قوارع قيعان يعاني صعابها
# يريح بها حادي المصاب إذا سعــى فنونا من إنشاد القوافي عذابهــا
# محيرة مختارة من نشادهــــــــــــــا تحدى بها تام الوشا ملتهابهـــــا
# مغربلة عن ناقد في غضونهــــــــا محكمة القيعان دابي ودابهـــــا
# وهيض بتذكاري لها يا ذوي الندى قوارع من شبل وهذي جوابها
# أشبل جنينا من حباك طرائفـــــــــا فراح يريح الموجعين الغنا بها
# فخرت ولم تقصر ولا أنت عـــــــادم
# لقولك في أم المتين بني حمـــــــــــزةٍ
# أما تعلم أنه قد قامها بعدما لقـــــــــي
# شهاباً من أهل الأمر يا شبل خارق # سواها طفاها أضرمت بعد طفيه #وأضرمت بعد الطفيتين ألن صحــت
# وبان لوالي الأمر في ذا انشحابهــــــا
# كما كان هو يطلب على ذا تجنبـــــت
سوى قلص في جمهورها ما أعابها وحامى حماها عاديا في حرابهــــــــــــــا
رصاص بني يحيى وغلاق دابهـــــــــــا
وهل ريت من جا للوغى واصطلى بها واثنى طفاها جاسراً لا يهابهــــــــــــــــــا
لفاس إلى بيت المنى يقتدى بهــــــــــــــا
فصار وهي عن كبر الأسنة تهابها رجال بثي كعب الذي يتقي بهــــــــــــــــا
ومنا في العتاب:
# وليدا تعاتبتوا أنا أغنى لأننــــــي غنيت بمعلاق الثنا واغتصابهـا
# علي ونا ندفع بها كل مبضــــــع بأسياف ننتاش العدا من رقابها
# فإن كانت الأملاك بغت عرايس علينا بأطراف القنا اختضابهــا
# ولا بعدها الإرهاف وذبل ورزق كالسنة الحناش انسلابهـــــــــــا
# بني عمنا ما نرتضي الذل غلمـه تسير السبايا والمطايا ركابهــا
# وهي عالماً بان المنايا تنيلهـــــــا بلا شك والدنيا سريع انقلابهـا
ومنها في وصف الظعائن:
# قطعنا قطوع البيد لا نختشي العدا فتوق بحوبات مخوف جنابها
# ترى العين فيها قل لشبل عرائف وكل مهاةٍ محتظيها ربابهــــــــــــــا
# ترى أهلها غب الصباح أن يفلهـا بكل حلوب الجوف ما سدَّ بابهــــــا
# لها كل يوم في الأرامي قتائــــــل ورا الفاجر الممزوج عفو رضابها
ومن قولهم في الأمثال الحكمية:
# وطلبك في الممنوع منك سفاهـة وصدك عمن صد عنك صواب
# إذا رأيت أناساً يغلقوا عنك بابهم ظهور المطايا يفتح الله بــــــاب
ومن قول شبل يذكر انتساب الكعوب إلى برجم:
# الشيب وشبان من أولاد برجم جميع البرايا تشتكي من ضهادها
ومن قول خالدٍ يعاتب إخوانه في موالاة شيخ الموحدين أبي محمدٍ بن تافراكين المستبد بححابة السلطان بتونس على سلطانها مكفولة أبي إسحق ابن السلطان أبي يحيى وذلك فيما قرب من عصرنا:
# يقول بلا جهل لتى الجود خالــــــــــــدُ
# مقالة حبر ذات ذهن ولم يكــــــــــــــن
# تهجست معنا نابها لا لحاجـــــــــــــــةٍ
# وكنت بها كبدي وهي نعم صابــــــــة
# تفوهت بادي شرحها عن مــــــــآرب
# بنى كعب أدنى الأقربين لدمنـــــــــــتا
# جرى عند فتح الوطن منا لبعضهم # وبعضهم ملنا له عن خصيمــــــــــه
# وبعضهمو مرهوب من بعض ملكنا # وبعضهمو جانا جريحاً تسمحت #وبعضهمو نظار فينا بســـــــــــــــَّوةٍ
# رجع ينتهي مما سفهنا قبيحــــــــــه
# وبعضهمو شاكي من أوغاد قــــادر
# فصمناه عنه وأقتضي منه مــــورد
# ونحن على دافى المدى نطلب العلا # وحزنا حمى وطن بترشيش بعدمـــــا
# ومهد من الأملاك ما كانا خارجــــــاً
# بردع قروم من قروم قبيلنـــــــــــــــا
# جرينا بهم عن كل تأليف في العــــدا
# إلى أن عاد من لا كان فيهم بهمـــــة
# وركبوا السبايا المثمنات من أهلها #وساقوا المطايا بالشرا لا نسوا لــــــه
مقالة قوال وقال صـــــــــــــــــوابُ
هريجاً ولا فيما يقول ذهـــــــــــــابُ
ولا هرج ينقاد منه معـــــــــــــــابُ
حزينة فكبر والحزين يصـــــــــابُ
جرت من رجال في القبيل قــرابُ
بني عم منهم شايب وشبـــــــــــابُ
مصافاة ود واتساع جنــــــــــــــابُ
كما يعلموا قولي يقينه صــــــــوابُ
جزاعاً وفي جو الضمير كتـــــــابُ
خواطر منها للنزيل وهــــــــــــــابُ
نقهناه حتى ما عنا به ســــــــــــــاب
مراراً وفي بعض المرار يهــــــــاب
غلق عنه في أحكام السقائف بــــــاب
على كره مولى البالقي وديــــــــــــاب
لهم ما حططنا للفجور نقــــــــــــــاب
نفقنا عليها سبقاً ورقــــــــــــــــــــــاب
على أحكام والي أمرها له نـــــــــــاب
بني كعب لاواها الغريم وطــــــــــاب
وقمنا لهم عن كل قيد منــــــــــــــاب
ربيها وخيراته عليه نصــــــــــــــاب
ولبسوا من أنواع الحرير ثيــــــــــاب
جماهير ما يغلو بها بحـــــــــــــــلاب
# وكسبوا من أصناف السعايا ذخائر # وعادوا نظير البر مكيين قبــــــــــل ذا
# وكانوا لا درعاً لكل مهمـــــــــــــــــــة
# وخلوا الدار في جنح الظلام ولا اتقـوا
# كسوا الحي جلباب البهيم لستــــــــــره
# كذلك منهم حانس ما دار النبــــــــــــا
# يظن ظنوناً ليس نحن بأهلهــــــــــــــا
# خطا هو ومن واتاهُ في سوّظنه #فواعزوتى إن الفتى بو محمـــــــــــــــد
# ويرحت الأوغاد منه ويحسبـــــــــــوا
# جروا يطلبوا تحت السحاب شرائع # وهو لو عطى ما كان للرأى عــــارف
# وإن نحن ما نستأملوا عنه راحــــــــــة
# وإن ما وطا ترشيش يضياق وسعها # وأنه منها عن قريب مفاصـــــــــــــــل
# وعن فاتنات الطرف بيض كوانــــــج
# يتيه إذا تاهوا ويصبوا إذا صبوا #يضلوه عن عدم اليمين وربمـــــــــــــا
# بهم حازله زمه وطوع أوامــــــــــــــر
# حرام على ابن تافركين ما مضــــــــى
# وإن كان له عقل رجيح وفطنـــــــــــة
# وأما البدالا بّدها من فياعــــــــــــــــــل
# ويحمى بها سوق علينا سلاعـــــــــــه
# ويمسي كلام طالب ريح ملكنـــــــــــا
# أيا واكلين الخبز تبغوا أدامـــــــــــــــه
ضخام لحزات الزمان تصاب
وإلا هلالا في زمان دياب
إلى أن بان من نار العدو شهاب
ملامه ولا دار الكرام عتاب
وهم لو دروا لبسوا قبيح جباب
ذهل حلمي أن كان عقله غاب
تمنى يكن له في السماح شعاب
بالإثبات من ظن القبائح عاب
وهوب لآلاف بغير حساب
بروحه ما يحيى بروح سحاب
لقوا كل ما يستاملوه سراب
ولا كان في قلة عطاه صواب
وأنه بإسهام التلاف مصاب
عليه ويمشي بالفزوع لزاب
خنوج عناز هوالها وقباب
ربوا خلف أستار وخلف حجاب
بحسن قوانين وصوت رباب
يطارح حتى ما كأنه شاب
ولذة مأكول وطيب شراب
من الود إلا ما بدل بحراب
يلجج في اليم الغريق غراب
كبار إلى أن تبقى الرجال كباب ويحمار موصوف القنا وجعاب
ندوما ولا يمسي صحيح بناب
غلطتوا أدمتوا في السموم لباب
ومن شعر علي بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بني عامر لهذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بني عمه المتطاولين إلى رياسته:
# محبرة كالدر في يد صانــــــــــع إذا كان في سلك الحرير نظام
# أباحها منها فيه أسباب ما مضى وشاء تبارك والضعون تســـام
# غدا منه لأم الحي حيين وأنشطت عصاها ولا صبنا عليه حكـــام
# ولكن ضميري يوم بأن بهم إلينــا تبرم على شوك القتاد بــــــــرام
# وإلا كأبراص التهامي قـــــــوادح وبين عواج الكانفات ضــــــرام
# وإلا لكان القلب في يد قابـــــــض أتاهم بمنشار القطيع غشـــــــام
# لما قلت سما من شقا البين زارني إذا كان ينادي بالفراق وخــــام
# إلا يا ربوع كان بالأمس عامــــــــــــــــر بيحيى وحله والقطين لمــــــــــــام
# وغيد تداني للخطا في ملاعــــــــــــــــبٍ دجى الليل فيهم ساهرٌ ونيـــــــــام
# ونعم يشوف الناظرين التحامهـــــــــــــــا لنا ما بدا من مهرق وكظــــــــــام
# وعرود باسمها ليدعو لسربهـــــــــــــــــا وإطلاق من شرب المها ونعـــــام
# واليوم ما فيها سوى البوم حولهــــــــــــا ينوح على أطلال لها وخيـــــــــام
# وقفنا بها طورا طويلا نسألهــــــــــــــــا بعين سخينا والدموع سجــــــــــــام
# ولا صح لي منها سوى وحش خاطري وسقمي من أسباب أن عرفت أوهام
# ومن بعد ذا تدى لمنصور بوعلــــــــــي سلام ومن بعد السلام ســـــــــــلام
# وقولوا له يا بو الوفا كلح رأيكـــــــــــــم دخلتم بحور غامقات دهــــــــــــام
# زواخر ما تنقاس بالعود إنمـــــــــــــــــا لها سيلات على الفضا وأكـــــــام
# ولا قستمو فيها قياسا يدلكـــــــــــــــــــم وليس البحور الطاميات تعــــــــام
# وعانوا على هلكاتكم في ورودهـــــــــا من الناس عدمان العقول لئــــــــام
# أيا عزوة ركبوا الضلالة ولا لهــــــــــم قرار ولا دنيا لهــــــــــــــــن دوام
# إلا عناهمو لوترى كيف زايهــــــــــــــم مثل سراب فلاه ما لهن تمـــــــام
# خلو القنا يبغون في مرقب العــــــــــــلا مواضع ما هيا لهم بمقـــــــــــــام
# وحق النبي والبيت وأركانه العلـــــــــــى ومن زارها في كل دهر وعـــام
# لبر الليالي فيه أن طالت الحيــــــــــــــــا يذوقون من خمط الكساع مـــدام
# ولا برها تبقى البوادي عواكـــــــــــــف بكل رديني مطرب وحســـــــــام
# وكل مسافة كالسد إياه عابـــــــــــــــــــر عليها من أولاد الكرام غــــــــلام
# وكل كميث يكتعص عض نابـــــــــــــه يظل يصارع في العنان لجــــــام
# وتحمل بنا الأرض العقيمة مـــــــــــــدة وتولدنا من كل ضيق كظــــــــام
# بالأبطال والقود الهجان وبالقنـــــــــــــا لها وقت وجنات البدور زحـــــام
# أتجحدني وأنا عقيد نقودهــــــــــــــــــا وفي سن رمحي للحروب عـــلام
# ولحن كأضراس الموافي بنجعكــــــــم حتى يقاضوا من ديون غـــــــرام
# متى كان يوم القحط يا مير أبو علــــي يلقى سعايا صايرين قـــــــــــــدام
# كذلك بوحمو إلى اليسر أبعمــــــــــــــه وخفى الجياد العاليات تســـــــــــام
# وخل رجالاً لا يرى الضيم جارهـــــــم ولا يجمعوا بدهى العدو زفـــــــــام
# ألا يقيموها وعقد بؤسهــــــــــــــــــــــــم وهم عذر عنه دائمـــــــــــا ودوام
# وكم ثار طعنها على البدو سابـــــــــــــق ما بين صحاصيح وما بين حســام
# فتى ثار قطار الصوى يومنا علــــــــــى لنا أرض ترك الظاعنين زمـــــــام
# وكما ذا يجيبوا أثرها من غنيمـــــــــــــة حليف الثنا قشاع كل غيـــــــــــــام
# وإن جاء خافوه الملوك ووسعـــــــــــــوا غدا طبعه يجدي عليه قيـــــــــــــام
# عليكم سلام الله من لسن فاهــــــــــــــــــم ما غنت الورقا وناح حمـــــــــــام
ومن شعر عرب نمر بنواحي حوران لامرأة قتل زوجها فبعثت إلى أحلافه من قيس تغريهم بطلب ثأره لقول:
# تقول فتاة الحي أم سلامــــــــــــــــــة بعين أراع الله من لا رثى لهـــــا
# تبيت بطول الفيل ما تألف الكــــرى موجعة كان الشقافي مجالهمـــــــا
# على ما جرى في دارها وبو عيالها بلحظة عين البين غير حالهــــــــا
# فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكـــــــم ونمتوا عن أخذ الثأر ماذا مقالهــا
# أنا قلت إذا ورد الكتاب يسرنـــــــي ويبرد من نيران قلبي ذبالهـــــــــا
# أيا حين تسريح الذوائب واللحــــــى وبيض العذارى ما حميتو جمالها
الموشحات والأزجال للأندلس
وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية، استحدث المتأخرون منهم فناً منه سموه بالموشح، وينظمونه أسماطاً أسماطاً وأغصاناً أغصاناً، يكثرون منها، ومن أعاريضها المختلفة. ويسمون المتعدد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتالياً فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات. ويشتمل كل بيتٍ على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد. وتجارواً في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس جملة، الخاصة والكافة، لسهولة تناوله، وقرب طريقه. وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم ابن معافر القبريري من شعراء الأمير عبد الله بى محمد المرواني. وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه، صاحب كتاب العقد، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر، وكسدت موشحاتهما. فكان أول من برع في هذا الشأن بعدهما عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية. وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر بن زهير يقول: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:
# بدر تــم. شمس ضحا. غصن نقا.مسكٌ شم
# ما أتـــم. ما أوضحـــــا. ما أورقــا. ما أنــــم
# لا جرم. من لمحــــــــا. قد عشقـــا. قد حرم
وزعموا أنه لم يسبق عبادة وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمن الطوائف.
وذكرغير واحدٍ من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أنَّ
هذاالشلأنجاء مصلياً خلفه منهم ابن رافع، راس شعراء المأمون ابن ذي النون، صاحب طليطلة. قالوا وقد أحسن في ابتدائه في موشحته التي طارت له حيث يقول؛
# العود قد ترنم بأبدع تلحين وسقت المذانب رياض البساتين
وفي انتهائه حيث يعول:
# تخطر ولا تسلم عساك المأمون مروع الكتائب يحيي بن ذي النون
ثم جاءت الحلبة التي كانت في دولة الملثمين فظهرت لهم البدائع، وسابق فرسان
حلبتهم الأعمى الطليطلي، ثم يحيى بن بقي، وللطليطلى من الموشحات المهذبة قوله:
# كيف السبيل إلـــــــى صبري وفي المعالم أشجان
# والراكب وسط الفلا بالخرد النواعم قد بـــــــــان
وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشان بالأندلس يذكرون أن
جماعةً من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بأشبيلية، وكان كل واحدٍ منهم اصطنع موشحةً وتأنق فيها فتقدم الأعمى الطليطلي للإنشاد، فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله:
# ضاحك عن جمان سافر عن دُر ضاق عنه الزمان وحواه صدري
صرف ابن بقي موشحته وتبعه الباقون. وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول: ما حسدت قط وشاحاً على قول إلا ابن بقي حين وقع له:
# أما ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب فأرنا مثله يا مشرق
وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين أبو بكر الأبيض. وكان في عصرهما أيضاً الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة. ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة؛ فالقى على بعض قيناته موشحته التي أولها:
# جرر الذيل أيما جــر وصلِ الشكر منك بالشكر
فطرب الممدوح لذلك، فلما ختمها بقوله:
# عقد الله راية النصر لأمير العلا أبي بكــــــــر
فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت، صاح: واطرباه :وشق ثيابه وقال: ما أحسن ما بدأت وما ختمت، وحلف بالأيمان المغلظة لا يمشي ابن باجة إلى داره إلا على الذهب. فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهباً في نعله ومشى عليه. وذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جرى في مجلس أبي بكر بين زهر. ذكر أبي بكر الأبيض الوشاح المتقدم الذكر؛ فغص منه بعض الحاضرين فقال كيف تغص ممن يقول:
# ما لذ لي شرب راح،على رياض الأقاحٍ لولا هضيم الوشاح،إذا أسا في الصباح
# أو في الأصيل،أضحى يقــــــــــــــــول: ما للشمول،لطمت خــــــــــــــــــــدى؟
# وللشمال هبت فمـــــــــــــــــــــــــــــــال غصن اعتدال ضمه بــــــــــــــــردي
#مما أباد القلوبا،يمشي لنا مستريبـــــــــا يا لحظه رد ذنوباً ويا لماه الشنيبـــــــــــا
# برد غليل،صب عليـــــــــــــــــــــــــــل لا يستحيل،فيه عن العهــــــــــــــــــد
# ولا يزالُ،في كل حــــــــــــــــــــــــــال يرجو الوصال،وهو في الصـــــــــــــد
واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبي الفضل بن شرف. قال الحسن بن دويريدة: رأيت حاتم بن سعيد على هذا الافتتاح:
# شمس قاربــــــت بـــــــــــــــــــــــدراً راح ونديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم
وابن هردوس الذي له:
# يا ليلة الوصل والسعـــــــــــــــــــــود بالله عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــودي
وابن مؤهل الذي له:
# ما العيد في حلة وطاق وشم طيـــب وإنما العيد في التلاقي مع الحبيــــب
وأبو إسحق الرديني، قال ابن سعيد: سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول إنه دخل على ابن زهر، وقد أسن، وعليه زي البادية، إذ كان يسكن بحصن أستبه، فلم يعرفه، فجلس حيث انتهى به المجلس. وجرت المحاضرة فانشد لنفسه موشحةً وقع فيها:
# كحل الدجى يجري من مقلة الفجر على الصباح
# ومعصم النهر في حــــــــلل خضر من البطــاح
فتحرك ابن زفر وقال: أنت تقول هذا؟ قال: اختبر! قال: ومن تكون؟ فعرفه،فقال: ارتفع فوالله ما عرفتك. قال ابن سعيدٍ: وسابق الحلبة التي أدركت هؤلاء أبو بكر بن زهر، وقد شرقت موشحاته وغربت. قال: وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول: قيل لابنٍ زهيرٍ، لو قيل لك ما أباع وأرفع ما وقع لك في التوشيح ما كنت تقول؛ قال، كنت أقول:
# ما للموله؛من سكره لا يفيق. يا له سكران من غير خمر. ما للكئيب المشوق.
يندب الأوطان؟.
# هل تستعاد. أيامنـــــــــــــــــــا بالخليج. وليالينـــــــــــــــــــــا؟
# أو يستفاد. من النسيـــــــــــــم الأريج. مسك دارينـــــــــــــــــا
# أو هل يكاد. حسن المكان البهيج. أن يحيينـــــــــــــــــا؟
# روض أظله. دوح عليه أنيق. مورق الأفنان. والماء يجرى .وعائم وغريق.
من جنى الريحان.
واشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل المشهور قوله:
# يفوق سهمه كل حيــــــــــــنٍ بما شئت من يدٍ وعيــــــــــــــن
وينشد في القصيد:
# خلقت مليح علمت رامــــــي فليس تخل ساعٍ من قتــــــــــال
# وتعمل بذي العينين متاعـــي ما تعمل يديَّ بالنبـــــــــــــــــال
واشتهر معهما يومئذٍ بغرناطة المهر بن الفرس، قال ابن سعيدٍ، ولما سمع ابن زٍهير
قوله:
# لله ما كان من يوم بهيـــجٍ بنهر حمص على تلك المروج ثم # انعطفنا وعلى فم الخليــج نفض في حانه مسك الختام
# عن عسجدٍ زانهُ صافي المدامِ ورداء الأصيل ضمه كف الظلام
قال ابن زهرٍ: أين كنا نحن عن هذا الرداء وكان معه في بلده مطرفٌ. أخبر ابن
سعيدٍ عن والده أن مطرفاً هذا دخل على ابن الفرس فقام له وأكرمه، فقال لا تفعل! فقال ابن الفرس: كيف لا أقوم لمن يقول:
# قلوب تصاب بألحاظ تصيب فقل كيف تبقى بلا وجــــــــــــــــد
وبعد هذا ابن حزمون بمرسية. ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه
في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه، فقال له ابن حزمون: لا يكون الموشح بموشح حتى يكون عارياً عن التكلف، قال على مثل ماذا؟ قال على مثل قولي:
# يا هاجري هل إلى الوصال منك سبيلُ
# أو هل ترى عن هواك سالي قلب العليلُ
وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة. قال ابن سعيدٍ كان والدي يعجب بقوله:
# إن سيل الصباح في الشرق عاد بحراً في أجمع الأفق
فتداعت نوادب الورق
# أتراها خافت من الغرق فبكت سحرة على الورق
واشتهر بإشبيلية لذلك العهد أبو الحسن بن الفضل، قال ابن سعيدٍ عن والده، سمعت سهل ابن مالك يقول له: يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك: واحسرتا لزمان مضى عشية بان الهوى وانقضى
وأفردت بالرغم لا بالرضى وبت على جمرات الغضى
أعانق بالفكر تلك الطلول وألثم بالوهم تلك الرسوم
قال وسمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة، فما سمعته يقول له لله درك، إلا في قوله:
# قسماً بالهوى لذي حجر ما لليل المشوق من فجر
# جمد الصبح ليس يطرد ما لليلي فيما أظن غد اصح ياليل إنك الأبد
# أو قفصت قوادم النســر فنجوم السماء لا تسري
ومن محاسن موشحات ابن الصابوني قوله:
# ما حال صب ذي ضنى واكتئاب أمرضه يا ويلتاه الطبيــــــب
# عامله محبوبه باجتنــــــــــــــــاب ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب
# جفا جفوني النوم لكننـــــــــــــــي لم أبكه إلا لفقد الخيـــــــــــال
# وذا الوصال اليوم قد غرنــــــــي منه كما شاء وشاء الوصـال
# فلست باللائم من صدنـــــــــــــي بصورة الحق ولا بالمحــــال
واشتهر ببر أهل العدوة ابن خلف الجزايري صاحب الموشحة المشهورة:
# يد الأصباح قدحت زنـــــــــــــاد الأنوار في مجامر الزهــــــــر
وابن خرز البجائي وله من موشحة:
# ثغر الزمان موافــــــــــــــــــــــق حباك منه بابتســـــــــــــــــــــام
ومن محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل، شاعر أشبيلية وسبتة من بعدها؛ فمنها قوله:
# هل درى ظبي الحمى أن قد حمى قلب صب حله عن مكنسِ
# فهو في نار وخفق مثل مـــــــــــا لعبت ريح الصبا بالقبــسِ
وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب، شاعر الأندلس والمغرب لعصره، وقد مر ذكره فقال:
# جادك الغيث إذا الغيث همـــــــــــى يا زمان الوصل بالاندلــــــــــــــــــــــــــــس
# لم يكن وصلك إلا حًلمــــــــــــــــــا في الكرى أو خلسة المختلـــــــــــــــــــــــس
# إذ يقود الدهر أشتات المنــــــــــــى تنقل الخطو على ما ترســـــــــــــــــــــــــــم
# زمراً بين فرادى وثنـــــــــــــــا مثل ما يدعو الحجيج الموســــــــــــــــــــــــم
# والحيا قد جلل الروض سنـــــــــي فثغور الأزهار فيه تبســـــــــــــــــــــــــــــــم
# وروى النعمان عن ماء السمــــــا كيف يروي مالك عن أنــــــــــــــــــــــــــس؟
# فكساه الحسن ثوباً معلمــــــــــــــا يزدهي منه بأبهى ملبــــــــــــــــــــــــــــــس
# في ليالٍ كتمت سر الهـــــــــــوى بالدجى لولا شموس القــــــــــــــــــــــــــــدر
# مال نجم الكأس فيها وهــــــــوى مستقيم السير سعد الأثــــــــــــــــــــــــــــــــر
# وطر ما فيه من عيب سوى أنه مر كلمح البصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
# حين لذ النوم شيئاً أو كمـــــــــــا هجم الصبح هجوم الحــــــــــــــــــــــــــــرس
# غارت الشهب بنا، أو ربمـــــــا أثرت فينا عيون النرجــــــــــــــــــــــــــــــس
# أي شيء لا مرىء قد خلصــــا فيكون الروض قد كنن فيــــــــــــــــــــــــــــه
# تنهب الأزهار فيه الفرصــــــــا أمنت من مكره ما تتقيـــــــــــــــــــــــــــــــــــه
# فإذا الماء تناجى والحصــــــــى وخلا كل خليل بأخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
# تبصر الورد غيوراً برمــــــــــا يكتسي من غيظه ما يكتســـــــــــــــــــــــــــي
# وترى الآس لبيباً فهمـــــــــــــــا يسرق السمع بأذني فــــــــــــــــــــــــــــــرس
# يا أهيل الحي من وادي الغضـا وبقلبي مسكن أنتم بــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
# ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا لا أبالي شرقه من غربــــــــــــــــــــــــــــــه
# فأعيدوا عهد أنسٍ قد مضـــــــــــــــى تعتقوا عبدكم من كربــــــــــــــه
# واتقوا الله وأحيوا مغرمـــــــــــــــــــاً يتلاشى نفساً في نفـــــــــــــــــس
# حبس القلب عليكم كرمــــــــــــــــــــا أفترضون خراب الحبــــــــــــس
# وبقلبي منكم مقتــــــــــــــــــــــــــرب بأحاديث المنى وهو بعيــــــــــــد
# قمر أطلع منه المغــــــــــــــــــــــرب شقوة المضنى به، وهو سعيـــــد
# قد تساوى محسن أو مذنـــــــــــــــب في هواه، بين وعدٍ ووعيــــــــــد
# ساحر المقلة معسول اللمـــــــــــــــى جال في النفس مجال النفــــــــس
# سدد السهم وسمى ورمـــــــــــــــــــى ففؤادي نهبة المفتــــــــــــــــرس
# إن يكن جار وخاب الأمــــــــــــــــــل وفؤاد الصب بالشوق يـــــــذوب
# فهو للنفس حبيــــــــــــــــــــــــب أول ليس في الحب لمحبوب ذنـــوب
# أمره معتمل ممتثـــــــــــــــــــــــــــل في ضلوع، قد براها، وقلــــوب
# حكم اللحظ بها فاحتكمــــــــــــــــــا لم يراقب في ضعاف الأنفـــــس
# ينصف المظلوم ممن ظلمـــــــــــــــا ويجازي البر منها والمســـــــــي
# ما لقلبي كلما هبت صبـــــــــــــــــــا عاده عيد من الشوق جديــــــــــد
# كان في اللوح له مكتتبــــــــــــــــــــا قوله إن عذابي لشديــــــــــــــــــد
# جلب الهم له والوصبــــــــــــــــــــــا فهو للأشجان في جهدٍ جهيـــــــد
# لا عج من أضلعي قد أضرمـــــــــا فهي نار في هشيم اليبــــــــــــــس
# لم تدع في مهجتي إلا ذمـــــــــــــــا كبقاء الصبح بعد الغلـــــــــــــــس
# سلمي يا نفس في حكم القضـــــــــــا واعبري الوقت برجعي ومتاب
# وفى عي ذكر زمانٍ قد مضـــــــــى بين عتبى قد تقضت وعتـــــاب
# واصرفي القول إلى المولى الرضى ملهم التوفيق في أم الكتـــــــــاب
# الكريم المنتهى والمنتمـــــــــــــــــى أسد السرح وبدر المجلــــــــــس
# ينزل النصر علنه مثلمـــــــــــــــا ينزل الوحي بروح القـــــــــدس
وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات. ومن أحسن ما وقع
لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك التي اشتهرت شرقاً وغرباً وأولها:
# حبيبي ارفع حجاب النــــــــور عن العـــــــــــــــــــــــــذار
# تنظر المسك على كافـــــــــور في جلنـــــــــــــــــــــــــار
# كفلي يا سحب تيجان الربــــى بالحلى واجعلـــــــــــــــي
سوارها منعطف الجدول
ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور، لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعراباً. واستحدثوا فناً سموه بالزجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد، فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.
وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس؛ لكن لم يظهر حلاها، ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه. وكان لعهد الملثمين، وهو إمام الزجالين على الإطلاق. قال ابن سعيدٍ: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب. قال: وسمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلي، إمام الزجالين في عصرنا يقول:
ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة، وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال:
# وعريش قد قام على دكــــان بحــــــــــــــــــــال رواق
# وأسد قد ابتلع ثعبـــــــــــــــان من غلظ ســـــــــــــــاق
# وفتح فمه بحال إنســـــــــــان بيه الفـــــــــــــــــــراق
# وانطلق من ثم على الصفاح وألقى الصيـــــــــــاح
وكان ابن قزمان، مع أنه قرطبي الدار، كثيراً ما يتردد إلى إشبيلية ونيتاب نهرها،
فاتفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من أعلام هذا الشأن. وقد ركبوا في النهر للنزهة ومعهم غلام جميل الصورة من سروات أهل البلد وبيوتهم. وكانوا مجتمعين في زورق للصيد؛ فنظموا في وصف الحال، وبدأ منهم عيسى البليدي فقال:
# يطمع بالخلاص قلبي وقد فاتـو وقد ضمني عشقو لشهماتــــــو
# تراه قد حصل مسكين محلاتـو يغلق وكذاك أمر عظيم صاباتو
# توحش الجفون الكحل إن غابو وذيك الجفون الكحل أبلاتـــــــو
ثم قال أبو عمرو بن الزاهر الأشبيلي:
# نشب والهوى من لج فيه ينشب ترى ايش دعاه يشقى ويتعذب
# مع العشق قام في بالوان يلعـب وخلق كثير من ذا اللعب ماتوا
ثم قال أبو الحسن المقري الداني:
# نهار مليح يعجبن أوصافــــــــــــو شراب وملاح من حولي قد طافوا
# والمقلين يقول من فوق صفصافو والبوري أخرى فقلاتــــــــــــــــــو
ثم قال أبو بكر بن مرتين:
# الحق تريد حديث بقالي عــــــــاد في الواد النزيه والبوري والصياد
# لسنا حيتان ذيك الذي يصطـــــاد قلوب الورى هي في شبيكاتــــــــو
ثم قال أبو بكر بن قزمان:
# إذا شفر كمامو يرميهـــــــــــــــا ترى البوري يرشق لذاك الجيها
# وليس مرادو أن يقع فيهــــــــــا إلا أن يقبل بدياتــــــــــــــــــــــــو
وكان في عصرهم بشرق الأندلس فحلف الأسود، وله محاسن من الزجل منها
قوله:
# قد كنت منشوب واختشيت النشب وردني ذا العشق لأمر صعب
# حتى تنظر الخد الشريق البهـــــي تنتهي في الخمر إلما تنتهــــــي
# يا طالب الكيميا في عيني هــــــي تنظر بها الفضة وترجع ذهـب
وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس، وقعت له العجائب في هذه الطريقة،
فمن قوله في زجله المشهور:
# ورذاذ دق ينـــــزل وشعاع الشمس يضـــــرب
# فترى الواحد يفضض وترى الآخر يذهـــــــــــــب
# والنبات يشرب ويسكر والغصون ترقص وتطرب
# وبريد تجي إلينـــــــــا ثم تستحي وتهــــــــــــــرب
ومن محاسن أزجاله قوله:
# لاح الضيا والنجوم حيارى فقم بنا ننزع الكســـــــــــــل
# شربت ممزوج من قراعـا أحلى هي عندي من العسل
# يا من يلمني كما تقــــــــلد قلدك الله بما تقـــــــــــــــول
# يقول بان الذنوب تولــــــــــــــــــد وأنه يفسد العقــــــــــــــــــــــــــــول
# لأرض الحجازموريكن لك أرشد إيش ما ساقك معي في ذا الفضول
# مر أنت للحج والزيــــــــــــــــارا ودعني في الشرب منهمـــــــــــــــل
# من ليس لو قدره ولا استطـــــاع النية أبلغ من العمــــــــــــــــــــــــــل
وظهر بعد هؤلاء بإشبيلية ابن جحدرالدي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا:
# من عاند التوحيد بالسيف يمحــق أنا بري ممن يعاند الحـــــــــــــــــق
قال ابن سعيد لقيته ولقيت تلميذه المعمع صاحب الزجل المشهور الذي أوله:
# يا ليتني إن رأيت حبيبــــــــــــي أفتل أذنو بالرسيلا
# ليش أخذ عنق الغزيــــــــــــــــل وسرق فم الحجيلا
ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل ابن مالك إمام الأدب، ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية غير مدافع، فمن محاسنه في هذه الطريقة:
# امزج الأكواس واملالي تجدد ما خلق المال إلا أن يبدد
ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم:
# بين طلوع وبين نــــــــــزول اختلطت الغـــزول
# ومضى من لم يكـــــــــــــــن وبقي من لم يزول
ومن محاسنه أيضاً قوله في ذلك المعنى:
# البعد عنك يا بني أعظم مصايبي وحين حصل لي قربك سببت قاربي
وكان لعصر الوزير ابن الخطيب بالأندلس محمد بن عبد العظيم من أهل وادي
آش، وكان إماماً في هذه الطريقة وله من زجل يعارض به مدغليس في قوله:
لاح الضياء والنجوم حيارى بقوله:
# حل المجون يا أهل الشطــــــــارا مذ حلت الشمس في الحمــــــــــل
# تجددوا كل يوم خلاعـــــــــــــــــا لا تجعلوا بينها ثمــــــــــــــــــــــل
# إليها يتخلعوا في شنبـــــــــــــــل على خضورة ذاك النبـــــــــــــات
# وحل بغداد واجتاز النيـــــــــــــل أحسن عندي من ذيك الجهـــــات
# وطاقتها أصلح من أربعين مــل إن مرت الريح عليه وجــــــاءت
# لم تلتق الغبار أمــــــــــــــــــــارا ولا بمقدار ما يكتحــــــــــــــــــل
# وكيف ولاش فيه موضع رقاعا إلا ونسرح فيه النحــــــــــــــــــل
وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر، وفيها نظمهم
حتى أنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر، لكن بلغتهم العامية ويسفون الشعر الزجلي مثل قول شاعرهم:
# دهر لي نعشق جفونك وسنيـــــــــــن وأنت لا شفقة ولا قلب يليـــــن
# حتى ترى قلبي من أجلك كيف رجع صنعة السكة بين الحداديــــــــن
# الدموع ترشرش والنار تلتهـــــــــب والمطارق من شمال ومن يمين
# خلق الله النصارى للغـــــــــــــــــزو وأنت تغزو قلوب العاشقيـــــــن
وكان من المجيدين لهذه الطريقة لأول هذه المائة الأديب أبو عبد الله اللوشي وله
فيها قصيدة يمدح فيها السلطان ابن الأحمر:
# طل الصباح قم يا نديمي نشربو ونضحكو من بعد ما نطربو
# سبيكة الفجر أحكت شفـــــــــــق في ميلق الليل فقم قلبـــــــــو
# ترى عيارها خالص أبيض نقـــي فضة هو لكن الشفق ذهبو
# فتنتفق سكتوا عند البشـــــــــــــر
# فهو النهار يا صاحبي للمعــــاش
# والليل أيضاً للقبل والعنــــــــــاق
# جاد الزمان من بعد ما كان بخيل
# كما جرع مرو فما قد مضـــــى
# قال الرقيب يا أدباً إيـــــــــش ذا
# وتعجبوا عذالي من ذا الخبــــــر
# نعشق مليح إلا رقيق الطبـــــاع
# ليش يربح الحسن إلا شاعر أديب
# أما الكاس فحرام نعم هو حـــرام
# ويد الذي يحسن حسابه ولــــــــم
# وأهل العقل والفكر والمجـــــون
# ظبي بهي فيها يطفي الجمـــــــر
# غزال بهي ينظر قلوب الأســود
# ثم يحييهم إذا ابتسم يضحكــــوا
# فميم كالخاتم وثغر نقـــــــــــي
# جوهر ومرجان أي عقد يا فلان #وشارب أخضر يريد لاش يريد
# يسبل دلال مثل جناح الغراب
# على بدن أبيض بلون الحليب
# وزوج هندات ما علمت قبلها
# تحت العكاكن منها خصر رقيق
# أرق هو من ديني فيما تقول
# أي دين بقا لي معاك وأي عقل
# تحمل أرداف ثقال كالرقيب
نور الجفون من نورها يكسبو
عيش الغني فيه بالله ما أطيبو
على سرير الوصل يتقلبو
ولش ليفلت من يديه عقربو
يشرب بيننو ويأكل طيبو
في الشرب والعشق ترى ننجبو
فقلت يا قوم من ذا تتعجبوا
علاش تكفروا بالله أو تكتبوا
يفض بكرو ويدع ثيبو
على الذي ما يدري كيف يشربو
يقدر يحسن ألفاظ أن يجلبوا
يغفر ذنوبهم لهذا إن أذنبوا
وقلبي في جمر الغضى يلهبو
وبالوهم قبل النظر يذهبوا
ويفرحوا من بعد ما يندبوا
خطيب الأمة للقبل يخطبو
قد صففه الناظم ولم يثقبو
من شبهه بالمسك قد عيبو
ليالي هجري منه يستغربوا
ما قط راعي للغنم يحلبوا
ديك الصلا يا ريت ما أصلبو
من رقتو يخفي إذا تطلبوا
جديد عتبك حق ما أكذبو
من يتبعك من ذا وذا تسلبوا
حين ينظر العاشق وحين يرقبو
# إن لم ينفس غدر أو ينقشـــــــع في طرف ديسا والبشر تطلبو
# يصير إليك المكان حين تجــي وحين تغيب ترجع في عيني تبو
# محاسنك مثل خصال الأميــــر أو الرمل من هو الذي يحسبو
# عماد الأمصار وفصيح العرب من فصاحة لفظه يتقربو
# بحمل العلم انفرد والعمـــــــــل ومع بديع الشعر ما أكتبو
# ففي الصدور بالرمح ما أطعنه وفي الرقاب بالسيف ما أضربو
# من السماء يحسد في أربع صفات فمن يعد قلبي أو يحسبو
# الشمس نورو والقمر همتـــــــو الغيث جودو والنجوم منصبو
# يركب جواد الجود ويطلق عنان الأغنيا والجند حين يركبوا
# من خلعتو يلبس كل يوم بطيــب منه بنات المعالي تطيبوا
# نعمتو تظهر على كل من يجيــه قاصد ووارد قط ما خيبوا
# قد أظهر الحق وكان في حجاب لاش يقدر الباطل بعدما يحجبو
# وقد بنى بالسر ركن التقـــــــى من بعد ما كان الزمان خربو
# تخاف حين تلقاه كما ترجيه فمع سماحة وجهو ما أسيبو
# يلقى الحروب ضاحكاً وهي عابسة غلاب هولا شيء في الدنيا يغلبو
# إذا حبد سيفه ما بين الــــــردود فليس شيء يغني من يضربو
# وهو سمي المصطفى والإلـــه للسلطنة اختار واستنخبو
# تراه خليفة أمير المؤمنيـــــــــن يقود جيوشو ويزين موكبو
# لذي الإمارة تخضع الـــرؤوس نعم وفي تقبيل يديه يرغبوا
# بيته بقي بدور الزمــــــــــــان يطلعوا في المجد ولا يغربوا
# وفي المعالي والشرف يبعـــــــدوا وفي التواضع والحيا يقربوا
# والله يبقيهم ما دار الفلـــــــــــــــك وأشرقت شمسه ولاح كوكبو
# وما يغني ذا القصيد في عروض يا شمس خدر مالها مغربو
ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فناً آخر من الشعر، في أعاريض مزدوجة كالموشح، نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضاً وسفوه عروض البلد وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، فنظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلا قليلاً مطلعها:
# أبكاني بشاطي النهر نوح الحمـــــــام على الغصن في البستان قريب الصباح
# وكف السحر يمحو مداد الظـــــــــلام وماء الندى يجري بثغر الأقاح
# باكرت الرياض والطل فيها افتـــراق كثير الجواهر في نحور الجوار
# ودمع النواعير ينهرق انهــــــــــــراق يحاكي ثعابين حلقت بالثمار
# لووا بالغصون خلخال على كل ساق ودار الجميع بالروض دور السوار
# وأيدي الندى تخرق جيوب الكمـــــام ويحمل نسيم المسك عنها رياح
# وعاج الصبا يطلى بمسك الغمــــــام وجر النسيم ذيلو عليها وفاح
# رأيت الحمام بين الورق في القضيب قد ابتلت أرياشو بقطر الندى
# تنوح مثل ذاك المستهام الغريـــــــب قد التف من تربو الجديد في ردا
# ولكن بما أحمر وساقو خضيــــــــب ينظم سلوك جوهر ويتقلدا
# جلس بين الأغصان جلسة المستهام جناحا توسد والتوى في جناح
# وصار يشتكي ما في الفؤاد من غرام منها ضم منقاره لصدره وصاح
# قلت يا حمام أحرمت عيني الهجوع أراك ما تزال تبكي بدمع سفوح
# قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع بلا دمع نبقى طول حياتي ننوح
# على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع ألفت البكا والحزن من عهد نوح
# كذا الوفا وكذا هو الزمــــــــــــــــــام انظر جفون صارت بحال الجراح
# وأنتم من بكى منكم إذا تم عام يقــــــول عناني ذا البكا والنواح
# قلت يا حمام لو خضت بحر الضنــــــى كنت تبكي وترثي لي بدمع هتون
# ولو كان بقلبك ما بقلبي أنــــــــــــــــــــا ما كان يصير تحتك فروع الغصون
# اليوم نقاسي الهجر كم من سنــــــــــــــاً حتى لا سبيل جملة تراني العيون
# ومما كسا جسمي النحول والسقـــــــــام أخفاني نحولي عن عيون اللواح
# لو جتني المنايا كان يموت في المقــام ومن مات بعد يا قوم لقد استراح
# قال لي لو رقدت لأوراق الريـــــــاض من خوفي عليه وذا النفوس للفؤاد
# وتخضبت من دمعي وذاك البيــــــاض طوق العهد في عنقي ليوم التناد
# أما طرف منقاري حديثو استفــــــاض بأطراف البلد والجسم صار في الرماد
فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته، وتركوا الإعراب الذي ليس
من شانهم، وكثر سماعه بينهم واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافاً إلى المزدوج والكازي والملعبة والغزل. واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها. فمن المزدوج ما قاله ابن شجاع من فصولهم وهو من أهل تازا:
# المال زينة الدنيا وعز النفـــــــــــــوس يبهي وجوها ليس هي باهيا
# فها كل من هو كثير الفلـــــــــــــــوس ولوه الكلام والرتبة العاليا
# يكبر من كثر مالو ولو كان صغيـــــر ويصغر عزيز القوم إذ يفتقر
# من ذا ينطبق صدري ومن ذا تغيـــــر وكان ينفقع لولا الرجوع للقدر
# حتى يلتجي من هو في قومو كبيــــــر لمن لا اصل عندو ولا لو خطر
# لذا ينبغي يحزن على ذي العكــــــوس ويصبغ عليه ثوب فراش صافيا
# اللي صارت الأذناب أمام الـــــرؤوس وصار يستفيد الواد من الساقيا
# ضعف الناس على ذا وفسد ذا الزمان ما يدروا على من يكثروا ذا العتاب
#اللي صار فلان يصبح بو فـــــــــــلان ولو رأيت كيف يرد الجواب
# عشنا والسلام حتى رأينا عيــــــــــان أنفاس السلاطين في جلود الكلاب
# كبحار النفوس جذا ضعاف الأسوس هم ناحيا والمجد في ناحيا
# يرو أنهم والناس يروهم تيـــــــــوس وجوه البلد والعمدة الراسيا
ومن مذاهبهم قول ابن شجاع منهم في بعض مزدوجاته:
# تعب من تبع قلبو ملاح ذا الزمــــان أهمل يا فلان لا يلعب الحسن فيك
# ما منهم مليح عاهد إلا وخـــــــــــان قليل من عليه تحبس ويحبس عليك
# يهبوا على العشاق ويتمنعــــــــــــوا ويستعمدوا تقطيع قلوب الرجال
# وإن واصلوا من حينهم يقطعــــــوا وإن عاهدوا خانوا على كل حال
# مليح كان هويتو وشت قلبي معــــو وصيرت من خدي لقد مونعال
# ومهدت لو من وسط قلبي مكــــان وقلت لقلبي أكرم لمن حل فيك
# وهون عليك ما يعتريك من هوان فلا بد من هول الهوى يعتريك
# حكمتوا علي وارتضيت بو أميـــر فلو كان يرى حالي إذا يبصرو
# يرجع مثل در حولي بوجه الغدير مرديه ويتعطس بحال انحرو
# وتعلمت من ساعاً بسبق الضميـر ويفهم مرادو قبل أن يذكرو
# ويحتل في مطلو لو أن كــــــــان عصر في الربيع أو في الليالي يريك
# ويمشي بسوق كان ولو بأصبهان وإيش ما يقل يحتاج لو يجيك
حتى أتى على آخرها.
وكان منهم علي بن المؤذن بتلمسان، وكان لهذه العصور القريبة من فحولهم بزرهون من ضواحي مكناسة رجل يعرف بالكفيف، أبدع في مذاهب هذا الفن. ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن وبني مرين إلى إفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان، ويعزيهم عنها ويؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهم على غزاتهم إلى إفريقية في ملعبة من فنون هذه الطريقة
يقول في مفتتحها، وهو من أبدع مذاهب البلاغة في الأشعار بالمقصد في مطلع الكلام وافتتاحه ويسمى براعة الاستهلال:
# سبحان مالك خواطر الأمرا ونواصيها في كل حين وزمان
# إن طعناه اعظم لنا نصـــرا وان عصيناه عاقب بكل هوان
إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص:
# كن مرعى قل ولاتكن راعـــــي فالراعي عن رعيته مسؤول
# واستفتح بالصلاة على الداعــي للإسلام والرضا السني المكمول
# على الخلفاء الراشدين والأتبـاع واذكر بعدهم إذا تحب وقول
# أحجاجا تخللوا الصحـــــــــــــرا ودوا سرح البلاد مع السكان
# عسكر فاس المنيرة الغـــــــــرا وين سارت بو عزايم السلطان
# أحجاج بالنبي الذي زرتـــــــــــم وقطعتم لو كلاكل البيدا
# عن جيش الغرب حين يسألكم المتلوف في افريقيا السودا
#ومن كان بالعطايا يزودكم ويدع برية الحجاز رغدا
#قام قل للسد صادف الجزرا ويعجز شوط بعدما يخفان
#ويزف كر دوم تهب في الغبرا أى ما زاد غزالهم سبحان
#لو كان ما بين تونس الغربا وبلاد الغرب سدّ السكندر
#مبني من شرقها إلى غربا طبقا بحديد أو ثنايا بصفر
#لا بد للطير أن تجيب نبا أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر
#ما أعوصها من أمور وماشرا لو تقرا كل يوم علي الديوان
#لجرت الدم وانصدع الحجرا وهوت الخراب وخافت الغزلان
#أدرلي بعقلك الفحاص وتفكر لي بخاطرك جمعا
#ان كان تعلم حمام ولا رقاص عن السلطان شه وقبله سبعا
#تظهر عند المهيمن القصاص وعلامات تنشر علي الصمعا
ثم أخذ في ترحيل السلطان وجيوشه، إلى آخر رحلته ومنتهى أمره، مع أعراب إفريقية، وأتى فيها بكل غريبة من الإبداع. وأما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبة أيضاً على لغتهم الحضرية، إلا أن أكثره رديء ولم يعلق بمحفوظي منه شيء لرداءته.
الموشحان والأزجال في المشرق:
وكان لعامة بغداد أيضاً فن من الشعر يسمونه المواليا، وتحته فنون كثيرة يسمون منها القُوما، وكان وكان، ومنه مفرد ومنه في بيتين، ويسمون دوبيت على الاختلافات المعتبرة عندهم في كل واحدٍ منها، وغالبها مزدوجة من أربعة أغضانٍ. وتبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب، وتبخروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضرية، فجاؤوا بالعجائب، ورأيت فم ديوان الصفي الحلي من كلامه (أن المواليا من بحر البسيط، وهو ذو أربعة أغصان وأربع قوافي، ويسمى صوتاً وبيتين. وأنه من مخترعات أهل واسط، وأن كان وكان فهو قافية واحدة وأوزان مختلفة في أشطاره: الشطر الأول من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلا مردفة بحرف العلة وأنه من مخترعات البغداديين. وأنشد فيه لنا:
بغمز الحواجب حديث تفسير ومنو أوبو، وأم الأخرس تعرف بلغة الخرسان إنتهى كلام الصفي. ومن أعجب ما علق بحفظي منه قول شاعرهم:
# هذي جراحي طريــــــا والدما تنضــــــــــــــــــــح
# وقاتلي يا أخيــــــــــــــا في الفلا يمــــــــــــــــرح
# قالوا ونأخذ بثــــــأرك قلت ذا أقبـــــــــــــــــــــح
# إلى جرحتي يداوينــــي يكون أصلــــــــــــــــــح
ولغيره:
# طرقت باب الخبا قالت من الطارق فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق
# تبسمت لاح لي من ثغرها بـــــارق رجعت حيران في بحر أدمعي غارق
ولغيره:
# عهدي بها وهي لا تأمن علي البين وإن شكوت الهوى قالت فدتك العين
# لمن يعاين لها غيري غلام الزيـــن ذكرتها العهد قالت لك علي دين
ولغيره في وصف الحشيش:
# دي خمر صرف التي عهدي بها باقي تغني عن الخمر والخمار والساقي
# قحبا ومن قحبها تعمل على إحراقـــي خبيتها في الحشى طلت من أحداقي
ولغيره:
# يا من وصالو لأطفال المحبة بــح كم توجع القلب بالهجران أوه أح
# أودعت قلبي حوحو والتصبر بـح كل الورى كخ في عيني وشخصك دح
ولغيره:
# ناديتها ومشيبي قد طواني طــــي جودي علي بقبلة في الهوى يا مي
# قالت وقد كوت داخل فؤادي كـي ما ظن ذا القطن يغشى فم من هو حي
ولغيره:
# راني ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه ماط اللثام تبدي بدر في شرف
# أسبل دجى الشعرتاه القلب في طرقه رجع هدانا بخيط الصبح من فرقه
ولغيره:
# يا حادي العيش ازجر بالمطايا زجــــــر وقف على منزل أحبابي قبيل الفجر
# زجر وصي في حيهم يا من يريد الأجر ينهض يصلي على ميت قتيل الهجر
ولغيره:
# عيني التي كنت أرعاكم بها باتت ترعى النجوم وبالتسهيد اقتاتت
# وأسهم البين صابتني ولا فاتــــت وسلوتي عظم الله أجركم ماتت
ولغيره:
# هويت في قنطرتكم يا ملاح الحكــــر غزال يبلى الأسود الضاريا بالفكر
# غصن إذا ما انثنى يسبي البنات البكر وإن تهلل فما للبدر عندو ذكر
ومن الذي يسفونه دوبيت:
# قد أقسم من أحبه بالباري أن يبعث طيفه مع الأسحار
# يا نار أشواقي به فاقتدي ليلاً فعساه يهتدي بالنار
واعلم أن الأذواق كفها في معرفة البلاغة إنما تحصل لمن خالط تلك اللغة وكثر استعماله لها ومخاطبته بين أجيالها، حتى يحصل ملكتها كما قلناه في اللغة العربية. فلا يشعر الأندلسي بالبلاغة التي في شعر أهل المغرب؛ ولا المغربي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمشرق؛ ولا المشرقي بالبلاغة التي في شعر أهل الأندلس والمغرب. لأن اللسان الحضري وتراكيبه مختلفة فيهم، وكل واحدٍ منهم مدرك لبلاغة لغته وذائق محاسن الشجر من أهل جلدته. {وفي خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم آيات للعالمين} .
خاتمة
وقد كدنا أن نخرج عن الغرض، ولذلك عزمنا ان نقبض العنان عن القول في
هذا الكتاب الأول، الذي هو طبيعة العمران، وما يعرض فيه، وقد استوفينا من مسائله ما حسبناه كفاء له. ولعل من يأتي بعدنا، ممن يؤيده الله بفكر صحيحٍ وعلمٍ مبينٍ، يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا؛ فليس على مستنبط الفن إحصاء مسائله، وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله، وما يتكلم فيه، والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده شيئاً فشيئاً إلى أن يكمل. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.قال مؤلف الكتاب عفا الله عنه: أتممت هذا الجزء الأول، المشتمل على المقدمة بالوضع والتأليف، قبل التنقيح والتهذيب، في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعين وسبعمائة. ثم نقحته بعد ذلك وهذبته، وألحقت به تواريخ الأمم كما ذكرت في أوله وشرطته. وما العلم إلا من عند الله العزيز الحكيم.
تم طبع المجلد الأول المعروف بمقدمة ابن خلدون،
ويليه المجلد الثاني. أوله الكتاب الثاني في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم،منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق