إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 ديسمبر 2014

228 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) الفصل التاسع والخمسون في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر



228


تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )

الفصل التاسع والخمسون

في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر

إعلم أن الشعر كان ديواناً للعرب، فيه علومهم وأخبارهم وحكمهم. وكان رؤساء العرب متنافسين فيه، وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده وعرض كل واحدٍ منهم ديباجته على فحول الشأن وأهل البصر، لتمييز حوكه. حتى انتهوا إلى المناغاة في تعليق أشعارهم بأركان البيت الحرام، موضع حجهم، وبيت أبيهم إبراهيم؛ كما فعل امرؤ القيس بن حجر، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد، وطرفة بن العبد وعلقمة بن عبدة، والأعشى وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع. فإنه إنما كان يتوصل إلى تعليق الشعر بها، من كان له قدرة



على ذلك بقومه وعصبيته ومكانه في مضر، على ما قيل في سبب تسميتها بالمعلقات. ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام، بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحي، وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه، فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النظم والنثر زماناً. ثم استقر ذلك وأونس الرشد من الملة. ولم ينزل الوحي في تحريم الشعر وحظره، وسمعه النبي ? وأثاب عليه، فرجعوا حينئذٍ إلى ديدنهم منه. وكان لعمر بن أبي ربيعة كبير قريش لذلك العهد مقامات فيما عاليةٌ وطبقةٌ مرتفعةٌ، وكان كثيراً ما يعرض شعره على ابن عباس فيقف لاستماعه معجباً به. ثم جاء من بعد ذلك الملك الفحل والدولة العزيزة، وتقرب إليهم العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها. ويجيزهم الخلفاء بأعظم الجوائز على نسبة الجودة في أشعارهم ومكانهم من قومهم، ويحرصون على استهداء أشعارهم، يطلعون منها على الآثار والأخبار واللغة وشرف اللسان. والعرب يطالبون ولدهم بحفظها. ولم يزل الشأن هذا أيام بني أمية وصدراً من دولة بني العباس. وانظر ما نقله صاحب العقد في مسامرة الرشيد للأصمعي، في باب الشعر والشعراء تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك، والرسوخ فيه والعناية بانتحاله، والتبصر بجيد الكلام ورديئه وكثرة محفوظه منه. ثم جاء خلق من بعدهم لم يكن اللسان لسانهم، من اجل العجمة وتقصيرها باللسان، وأنما تعلموه صناعة، ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لهم طالبين معروفهم فقط، لا سوى ذلك من الأغراض، كما فعله حبيب والبحتري والمتنبي وابن هانىء ومن بعدهم إلى هلم جرًّا فصار غرض الشعر في الغالب إنما هو للكدية والاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للأولين، كما ذكرناه آنفاً. وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخرين، وتغير الحال فيه وأ صبح تعاطيه هجنةً في الرئاسة ومذمةً؛ لأهل المناصب الكبيرة. والله مقلب الليل والنهار.






يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق