إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 ديسمبر 2014

225 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) الفصل السادس والخمسون في أن صناعة النظم والنثر إنما هي في الألفاظ لا في المعاني


225

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )

الفصل السادس والخمسون

في أن صناعة النظم والنثر إنما هي في الألفاظ لا في المعاني

إعلم أن صناعة الكلام نظماً ونثراً إنما هي في الألفاظ لا في المعاني، وإنما المعاني تبع لها وهي أصل. فالصانع الذي يحاول ملكة الكلام في النظم والنثر



 إنما يحاولها في الألفاظ بحفظ أمثالها من كلام العرب، ليكثر استعماله وجريه على لسانه، حتى تستقر له الملكة في لسان مضر، ويتخلص من العجمة التي ربي عليها في جيله، ويفرض نفسه، مثل وليدٍ نشأ في جيل العرب ويلقن لغتهم كما يلقنها الصبي، حتى يصير كأنه واحدً منهم في لسانهم. وذلك أنا قدمنا أن للسان ملكة من الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها على اللسان حتى تحصل شأن الملكات، والذي في اللسان والنطق إنما هو الألفاظ، وأما المعاني فهي في الضمائر. وأيضاً فالمعاني موجودة عند كل واحدٍ وفي طوع كل فكرمنها ما يشاء ويرضى؛ فلا تحتاج إلى تكلف صناعةٍ في تأليفها. وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه وهو بمثابة القوالب للمعاني. فكما أن الأواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب والفضة والصدف والزجاج والخزف، والماء واحدُ في نفسه. وتختلف الجودة في الأواني المملوءة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء. كذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه، باعتبار تطبيقه على المقاصد. والمعاني واحدة في نفسها؛ وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه، على مقتضى ملكة اللسان، إذا حاول العبارة عن مقصوده، ولم يحسن، بمثابة المقعد، الذي يروم النهوض ولا يستطيعه، لفقدان القدرة عليه. والله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق