223
تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )
الفصل الرابع والخمسون
في أنه لا تتفق الإجادة في فني المنظوم والمنثور معاً إلا للأقل
والسبب في ذلك أنه كما بيناه ملكةٌ في اللسان؛ فإذا سبقت إلى محله ملكة أخرى، قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة. لأن قبول الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل وأيسر. وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعةً لها في المدة القابلة وعائقةً عن سرعة القبول، فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكة. وهذا موجود في الملكات الصناعية كلها على الإطلاق. وقد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا البرهان. فاعتبر مثله في اللغات، فإنها ملكات اللسان، وهي بمنزلة الصناعة. وانظر من تقدم له شيء من العجمة، كيف يكون قاصراً في اللسان العربي أبداً. فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي علي ملكة اللسان العربي، ولا يزال قاصراً فيه ولو تعلمه وعلمه. وكذا البربري والرومي الإفرنجي قل أن تجد أحداً منهم محكماً لملكة اللسان
العربي. وما ذلك إلا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللسان الآخر، حتى إن طالب العلم من أهل هذه الألسن إذا طلبه بين أهل اللسان العربي ومن كتبهم جاء مقصراً في معارفه عن الغاية والتحصيل، وما أتى إلا من قبل اللسان. وقد تقدم لك من قبل أن الألسن واللغات شبيهة بالصنائع. وقد تقدم لك أن الصنائع وملكاتها لا تزدحم. وإن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد أخرى أو يستولي فيها على الغاية. والله خلقكم وما تعلمون.
يتبع
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق