إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 11 ديسمبر 2014

221 تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون ) الفصل الثاني والخمسون


221

تاريخ ابن خلدون ( ابن خلدون )

الفصل الثاني والخمسون

في أن أهل الأمصار علي الإطلاق قاصرون فم تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم أبعد عن اللسان العربي

كان حصولها له أصعب وأعسر

والسبب في ذلك ما يسبق إلى المتعلم، من حصول ملكة منافية للملكة المطلوبة، بما سبق إليه من اللسان الحضري الذي أفادته العجمة، حتى نزل بها اللسان عن ملكته الأولى إلى ملكة أخرى هي لغة الحضر لهذا العهد ولهذا نجد المعلمين يذهبون إلى المسابقة بتعليم اللسان للولدان. وتعتقد النحاة أن هذه المسابقة بصناعتهم، وليس كذلك، وإنما هي بتعليم هذه الملكة بمخالطة اللسان وكلام العرب. نعم صناعة النحو أقرب إلى مخالطة ذلك. وما كان من لغات أهل الأمصار أعرق في العجمة وأبعد عن لسان مضر قصر بصاحبه عن تعلم اللغة المصرية وحصول ملكتها لتمكن المنافاة حينئذ. واعتبر ذلك في أهل الأمصار.فأهل إفريقية والمغرب لما كانوا أعرق في العجمة وأبعد عن اللسان الأول، كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم. ولقد نقل ابن الرقيق أن بعض كتاب القيروان كتب إلى صاحب له: يا أخي ومن لا عدمت فقده، أعلمني أبو سعيد كلاماً أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأتي، وعاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج. وأما أهل المنزل الكلاب من أمر الشين فقد كذبوا هذا باطلاً، ليس من هذا حرفاً واحداً. وكتابي إليك وأنا مشتاق إليك إن شاء الله. وهكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري، وسببه ما ذكرنا. وكذلك أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة، ولم تزل كذلك، لهذا العهد. ولهذا ما كان بإفريقية من



 مشاهير الشعراء، إلا ابن رشيق وابن شرفي. وأكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها، ولم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الآن ماثلة إلى القصور. وأهل الأندلس أقرب منهم إلى تحصيل هذه الملكة، بكثرة معاناتها وامتلائهم من المحفوظات اللغوية نظماً ونثراً. وكان فيهم ابن حيان المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة ورافع الراية لهم فيها، وابن عبد ربه والقسطلي وأمثالهم من شعراء ملوك الطوائف؛ لما زخرت فيها بحار اللسان والأدب وتداول ذلك فيهم مئين من السنين، حتى كان الانفضاض والجلاء أيام تغلب النصرانية. وشغلوا عن تعلم ذلك، وتناقص العمران فتناقص لذلك شأن الصنائع كلها، فقصرت الملكة فيهم عن شأنها حتى بلغت الحضيض.وكان من آخرهم صالح بن شريف، ومالك بن المرحل من تلاميذ الطبقة الإشبيليين بسبتة وكانت دولة بني الاحمر في أولها. وألقت الأندلس أفلاذ كبدها، من أهل تلك الملكة بالجلاء إلى العدوة، من عدوة إشبيلية إلى سبتة، ومن شرق الأندلس إلى إفريقية. ولم يلبثوا إلى أن انقرضوا وانقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة، لعسر قبول العدوة لها وصعوبتها عليهم، بعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية، وهي منافية لما قلناه.ثم عادت الملكة من بعد ذلك إلى الأندلس كما كانت، ونجم بها ابن بشرين وابن جابر وابن الجياب وطبقتهم؛ ثم إبراهيم الساحلي الطويجن وطبقته، وقفاهم ابن الخطيب من بعدهم الهالك لهذا العهد شهيداً بسعاية أعدائه. وكان له في اللسان ملكة لا تدرك واتبع أثره تلميذه من بعده. وبالجملة فشأن هذه الملكة بالاندلس أكثر، وتعليمها أيسر وأسهل، بما هم عليه لهذا العهد كما قدمناه من معاناة علوم اللسان ومحافظتهم عليها وعلى علوم الأدب وسند تعليمها. ولأن أهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم إنما هم طارئون عليهم. وليست عجمتهم أصلاً للغة



 أهل الأندلس والبربر في هذه العدوة، وهم أهلها ولسانهم لسانها إلا في الأمصار فقط. وهم فيها منغمسون في بحر عجمتهم ورطانتهم البربرية؛ فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللسانية بالتعليم بخلاف أهل الاندلس. واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدولة الأموية والعباسية؛ فكان شـأنهم شأن أهل الأندلس في تمام هذه الملكة وإجادتها، لبعدهم لذلك العهد عن الاعاجم ومخالطتهم إلا في القليل. فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم، وكان فحول الشعراء والكتاب لعهدهم أوفر لتوفر العرب وأبنائهم بالمشرق.وانظر ما اشتمل عليه كتاب الأغاني من نظمهم ونثرهم، فإن ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم، وفيه لغتهم وأخبارهم وأيامهم، وملتهم العربية وسير نبيهم لمجز وآثار خلفائهم وملوكهم، وأشعارهم وغناؤهم وسائر مغانيهم له، فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب. وبقي أمر هذه الملكة مستحكماً في المشرق في الدولتين، وربما كانت فيهم أبلغ ممن سواهم ممن كان في الجاهلية كما نذكره بعد. حتى تلاشى أمر العرب ودرست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم، وصار الأمر للأعاجم والملك في أيديهم والتغلب لهم. وذلك في دولة الديلم والسلجوقية. وخالطوا أهل الأمصار وكثروهم فامتلأت الارض بلغاتهم، واستولت العجمة على أهل الأمصار والحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي وملكته، وصار متعلمها منهم مقصراً عن تحصيلها. وعلى ذلك نجد لسانهم لهذا العهد في فني المنظوم والمنثور، وإن كانوا مكثرين منه. والله يخلق ما يشاء ويختار، والله سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق لا رب سواه.




يتبع

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق