635
كيف انحرف العالم ؟
كيف جعلونا نمسك الجمر:
ثالثا - التعليم
3 الخطأ في النظريّة قبل أن يكون في التطبيق
2 ملابسات ظهور التعليم الإلزاميّ
البعض يدافع عن التعليم الإلزاميّ خاصة في السعوديّة لعدم وجود اختلاط بها، وهو لهذا يدّعي أنّ هذا التعليم لا يحتوي على مخالفات شرعية!
علما بأنّ الكلّ يعرف جيدا أنّ هذا النمط من التعليم ليس من وضع الرسول ولا الصحابة ولا الخلفاء الراشدين ولا الأمويين ولا العباسيين ولا الأتراك..
هذا النوع من التعليم نشأ في الغرب، ونقله للوطن العربيّ محمد علي باشا، وساهمت مصر وأبناء مصر في ترسيخه في باقي الوطن العربيّ!
ولهذا النمط من التعليم ظروف يجب فهمها:
فالحاجة إلي مثل هذا التعليم الطويل التخصّصيّ، نشأت مع ثورة البخار، وما واكبها من خطوط إنتاج تعتمد على الآلة، ممّا استوجب وجود عمال مهرة على خطوط التجميع، ومهندسين يفهمون عمل هذه الآلات جيدا، وعلماء يستطيعون تطوير هذه الآلات.
وهذا أوجد الحاجة لتعليم يدرّب الطلاب على ما يلي:
1- المعلومات الأساسيّة كالقراءة والكتابة والحساب.
2- النظام والطاعة، لأنّهم سيصيرون أجزاءً في منظومة إدارية تسلسلية.
3- الصبر على أداء الأعمال الرتيبة المملة لفترات طويلة، لأنّ هذا هو العمل الذي سيقومون به: الوقوف أمام آلة في مصنع طوال النهار، أو توقيع الأوراق خلف مكتب... إلخ.
4- احترام الوقت: وهذه هي أوّل فترة في التاريخ يبدأ الإنسان فيها في حساب الوقت بالثانية!!.. لأنّ أيّ تأخير من أيّ عامل قد يعطل خطّ الإنتاج كلّه، مما يؤدي لخسائر فادحة.
لمثل هذه الاحتياجات اتخذ التعليم ذلك المظهر الذي تراه: عمليّة طويلة مملّة رتيبة، تروّض الطالب على عدم الاختيار وعلى السمع والطاعة للمدرس، والجلوس في نفس الفصل لساعات طويلة خانقة، في مواعيد يومية إلزامية!
فإذا كان هذا قد أدّى غرضه في الغرب، على حساب كلّ الكوارث الأخلاقيّة التي نراها (والغرب كان أكثر تشدّدا دينيا من أيّ مكان آخر!!)، فإنّ النكتة في الموضوع ما يلي:
بينما انتهى عصر هيمنة الموجة الصناعيّة ودخل الغرب في موجة حضاريّة جديدة، لم ندخل نحن حتّى الآن عصر الصناعة!!
يعني بوضوح: تعليمنا عجز عن إيجاد ثورة صناعيّة في مجتمعاتنا.. فقد كان أكثر تأخرا بكثير!!
والآن علينا ألا نستمر في المراهنة عليه.. علينا أن نستفيد من طفرة الاتصالات لتغيير بنية التعليم، وبالتالي القفز إلى الموجة الثالثة من الحضارة مباشرة.
لا يعقل أن نعيد اختراع العجلة بعد كلّ هذا الوقت!!
هذا ما أحاول اقتراحه هنا.
فلا يجب علينا أن ندافع عن نظام تعليم بائد، هو أصلا نظام غربيّ بعيد عن الإسلام، ولا علاقة له بتاريخنا وثقافتنا، بل ثبت بالدليل القاطع بالتجربة العملية في معظم العالم الإسلاميّ والدول العربيّة، أنّه غيّر شخصيات المتعلمين وبنية المجتمع.. إلى الأسوأ!
ولنسأل أنفسنا: من أين ظهر كل هؤلاء العلمانيين الذين يسيطرون الآن على صحف السعوديّة التي يرى البعض أنّها طبقت الشريعة الإسلاميّة (قدر المستطاع)؟!
نظام التعليم حرث تربة خصبة بداخلهم، بعزلهم عن أهاليهم، وتغيير طريقة تفكيرهم، ودفعهم لتذوق أنماط معينة من الآداب والفنون والفكر مليئة بالخراب!
ولا يجب أن تتوقّف أذهاننا عند النصوص المباشرة في الإسلام لتحريم أو تحليل أيّ شيء.. ولا يجب أن تكون الأخطاء ظاهرة ومباشرة حتّى نقول إنّ هناك حرمة.
الإسلام دين عقل.. والشريعة تحقّق النفع.
لهذا كان أحد أسئلتي: هل يمكن عقلا أن يؤدي تطبيق الشريعة في السعوديّة إلى نتائج مشابهة لتطبيق العلمانية في باقي الدول؟
والإجابة لا تتعلّق بالشريعة.. بل بمؤسسات غربيّة مستوردة، عملت كالفيروس الخبيث في أجساد مجتمعاتنا دون أن نلحظ ذلك.. وللأسف: ظهور أعراض المرض تعني أنّه تجاوز فترة الحضانة!
والآن يجب أن نعي جيّدا:
حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا: هو اعتراض الكفرة وأعداء الحقيقة.. أمّا ما يجب أن يكون عليه المسلم، فهو التفكير والتأمّل وتطويع الظروف لخدمة دينه ووطنه ونفسه.. لا تطويع نفسه لقبول كلّ ما هو ضار لمجرد أنّه نشأ ووجده هكذا!!
إنّ الإسلام نزل ليورثنا الأرض.. لا ليجعلنا عبيد الأمم!!
ولم نصِر هكذا إلا عندما انتهى العلم والتفكير من أرضنا.. ولن نخرج مما نحن فيه إلا بإعادة استخدام عقولنا.
الإسلاميون يقولون: إنّ ما أوصلنا لما نحن فيه هو ضعف الإيمان.
ولكن أنا أتساءل تساؤلا أبعد: ما الذي جعل الأجيال الجديدة أضعف إيمانا أصلا؟.. ألسنا نولد على الفطرة؟
انظر لقول نوح عليه السلام:
(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا {27})
والذي يؤكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
(ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)
فالأهل لهم دور في صياغتنا.. والمجتمع له دور في صياغتنا.. هذا هو ما أتحدّث عنه.
مع ملاحظة أنّ حتميات الوراثة والتربية والبيئة لم ترفع التكليف عن أيّ منّا.. هذا معناه أنّ لدينا القابلية لمواجهة كلّ هذه العوامل.. كأفراد..
ولكن هل الإسلام مجرّد دين أفراد؟.. أمّ أنّه دين عالميّ جاء بشريعة ليصنع حضارة شاملة؟
بل هو دين أفراد وشريعة ودولة وحضارة.
ولكن لو تركنا كلّ إنسان وضميره، فلن نضمن أبدا حدوث أيّ تغيير في المجتمع.
لماذا؟
لأنّ المجتمعات تنهض على أكتاف الشباب.. وظروف مجتمعاتنا الحالية تفسد عقول وضمائر وشخصيات هؤلاء، فتضيع طاقتهم هدرا في مراهقات وسذاجات.. بعد ذلك قد يتوب هذا أو ذاك.. في الأربعين أو الخمسين أو الستين.. وقد يختم له بخير ويدخل الجنة.. ولكنّه لم يغيّر شيئا من الواقع من حوله!
لهذا فإنّ المنطق يقول: لكي يتغيّر المجتمع، يجب أن يحدث التغيير في الأفراد بطريقة متزامنة.. وبطريقة تضمن نشوء جيل جديد له هدف وتتوافر الظروف التي تدفعه للسعي نحوه (غير القمع الذي نعانيه الآن)!
وهذه الظروف لا تتوافر إلا بوسائل صناعة الوعي: الإعلام والتعليم ونوعية الصفوة والقدوة، ونوعية المؤسسات ومدى تحكمها في وقت الفرد وسلوكه.. وقبل كلّ شيء: مدى تدخّل الأبوين في تربية الطفل وصياغة سلوكه وأهدافه في الحياة.. وهو ما حطمته المدنية الحديثة بشتى السبل (ومنها عمل المرأة المؤسسيّ).
لهذا ما زلت أقول وألحّ:
نحن نحتاج إلى منظومة حضارية جديدة..
منظومة حضارية تنقذنا من براثن تعليم عقيم وإعلام مفسد واقتصاد ربوي وقوانين ضد الحق!
بغير هذا لا معنى لأيّ شيء!
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق