683
كيف انحرف العالم ؟
متناقضات الحرّيّة:
اولا - لا توجد حرية!
أحبّ أن أقرّر هنا حقيقة مفزعة:
لا توجد في الحياة حرّية!
فنحن لم نختر أنفسنا!
ولا آباءنا..
ولا مواطننا..
ولا تواريخ ميلادنا..
ولا أجسادنا..
ولا أسماءنا..
ولا بيئاتنا..
.....
ونحن عبيد ملايين القوانين الفيزيائيّة والحيويّة التي من المستحيل اختراقها..
ونحن مقيدون بقوانينَ جمعيّةٍ وأعراف مجتمعيّة..
ومقيدون بمن نحبهم ونخاف عليهم.. بل وبمن نكرههم ونخاف منهم!..
ومقيدون برؤية محدودة للحقائق في ظلّ مؤثرات معرفيّة وعمريّة بل وفيزيائيّة (نحن نفهم العالم الآن أفضل ممّا فهمه أسلافنا.. وسيفهمه أحفادنا أفضل منّا... )
وأولا وأخيرا نحن مقيدون بقدر الله..
والهامش الضئيل المتاح بعد كلّ هذا، وهو ما نسميه "حرّيّة" ونتقاتل عليه، يكاد ينحصر في حرّيّة ردّ الفعل!
مهمّ جدّا أن يتأمّل كلّ منّا في الموضوع من هذا المنظور لتتضح له لعبة التوازنات التي تقوم عليها الدنيا:
لا شيء بلا ثمن..
لا شيء يزداد في جانب إلا وينقص أمامه شيء آخر في جانب آخر..
السعادة والحرّيّة والقوّة و... و... كلّها كلمات لحظيّة ونسبيّة.. فهي لا تدوم لأحد.. وكثيرا ما تكون متعارضة.. متشاحنة!
والأمثلة كثيرة على ما أقول..
فالحبّ مثلا ضدّ الحرّيّة!
والزواج ضدّ الحرّيّة!
والأبوّة ضدّ الحرّيّة!
والمنصب ضدّ الحرّيّة!
والشهرة ضدّ الحرّيّة!
والقانون ضدّ الحرّيّة!
والدين ضدّ الحرّيّة!
والانتماء ضدّ الحرّيّة!
وأيّ قاعدة وكلّ نظام ضدّ الحرّيّة!
(بالمناسبة: منظومة الإعلام ونظام التعليم والعمل المؤسسيّ ضدّ الحرّيّة.. كما أنّ حريّة المرأة ضدّ حرّيّة الرجل!!..)
تذكّرت قصّة لإحسان عبد القدوس، ذهب بطلها ليبلغ قيادة الجيش عن مؤامرة للانقلاب من بعض كبار الضباط، فما كان إلا أن أودعوه السجن لعدّة سنوات!
بعد ذلك أطلقوا سراحه واعتذروا له، لأنّ مجابهة كبار ضباط الجيش كان من الممكن أن تُدخل البلاد في حرّب أهليّة.. فاكتفوا بتسريب معلومات لهم عن القبض عليه ليتراجعوا عن مخططهم، بعد ذلك عملوا على استئصالهم من الجيش بالتدريج.
والسؤال الآن: لو كنت مكان هذا الرجل، فهل كنت تضحّي بحرّيتك (أو بمعنى أصحّ تقبل أن يضحّي آخرون بك وبحرّيّتك) من أجل الوطن (من أجل الجميع)؟.. أم تضحّي بالوطن وأمنه واستقراره (وأمنك واستقرارك ومصير من تحبّهم ضمنا) لتحصل على هذه الحرّيّة التعيسة؟
إذن فنحن نتكلّم عن كلمة تمثّل أكبر مغالظة عرفها الإنسان في تاريخه!
مغالطة نفاها الإسلام بعشرات الوسائل.. ولكنّ يبدو أنّ الكثيرين لم ينتبهوا:
وأبسط وأهمّ مظهر لذلك هو عدم تحريم الإسلام للاسترقاق والعبوديّة!
وهو ما يوغر صدر أيّ مستغرب أو متأمرك.. لأنّه ببساطة لم يفهم..
لم يفهم أنّ الإسلام يرسّخ النظام والتسلسل القياديّ وقيم العدل والحقّ.. مهما كانت ضدّ الحرّيّة!
لهذا لا يجب أن تغضب امرأة لو قلنا لها إنّها أمة لزوجها.. بصورة من الصور!
ولا يجب أن يتذمّر ابن لو أخبرناه أنّه عبد لأبويه بصورة من الصور..
والشعب عبد لحكامه بصورة من الصور..
وهكذا في دوائر متصاعدة متداخلة..
فالعبوديّة هي الدخول في طاعة السيد.. كم ألفا من الأسياد نحن مرغمون على طاعتهم شئنا أم أبينا؟
فإنّ كان هناك ما يسمّى حقّا حرّيّة، فهي هناك.. في أعمق أعماق كلّ منّا.. في معتقداتنا.. في خيالنا.. في مشاعرنا..
إنّ العالم الحرّ لم ولن يوجد على هذه الأرض.. ولكنّه يولد ويعيش ويتمدّد في أعماق كلّ منّا..
يلمع في أعين حالم..
ويبرق في ذهن عالم..
وينساب في كلمات شاعر..
ويتأرّج في أنفاس زاهد..
وينداح في وجدان امرأة تتفانى قي حبّ زوجها وأولادها..
ويتأجّج في قلب فلسطينيّ يواجه دبابة بحجر..
وفي روح فدائيّ ينسف نفسه ليمزق قيود جلاديه..
لهذا كان الإنسان أغلى شيء في الوجود.. وقتله قتل للناس جميعا.. وإحياؤه إحياء لهم جميعا!
هذه هي الحرّيّة الحقيقية التي تفعل ماديّة الغرب السقيمة كلّ ما تستطيع لخنقها وإبادتها، وتشويهها باعتبارها حماقات وهلاوس شعراء وفلاسفة تخالف الواقع!
مرّة أخرى أكرّر:
ما يجب أن نبحث عنه هو العدل.. وليس الحرّيّة! (لا أعني بذلك الاستسلام للاحتلال، فهو أجلى صور القهر والظلم!.. أعتقد أنّ كلماتي واضحة!)
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق