إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 25 يوليو 2015

692 كيف انحرف العالم ؟ متناقضات الحرّيّة: عاشرا - عالم جديد رائع



692


كيف انحرف العالم ؟
 
متناقضات الحرّيّة:

عاشرا - عالم جديد رائع



"عالم جديد رائع" هي رائعة من الخيال العلميّ للأديب الإنجليزي (ألدوس هيكسلي)..

وهي ليست مجرّد رواية من الخيال العلميّ، فهي تطرح أفكارا فلسفية عميقة.. وقد يكون دافعه لكتابتها انتقاد الشيوعية والنظم الاشتراكية الشمولية القمعية..

وإن كانت من وجهة نظري أنا، انتقادا أكثر حدّة للمنظومة الغربية كلها: الرأسماليّ منها قبل الشيوعي!

ولن أحاول هنا أن ألخص الرواية.. فمعظم أحداثها لم أعد أتذكرها..

ولكنّي سأتوقّف عند الفكرة العامة لها:

تفترض الرواية أحداثا مستقبلية، وتبدأ بزيارة رحلة من طلبة العلم المراهقين لأحد المختبرات الوراثية.. حيث يتمّ تعريفهم بالآلية التي يتمّ بها إنتاج البشر وتقسيمهم إلى فئات على حسب دورهم في المجتمع!

في البداية يعتذر المرشد لاضطراره لقول لفظيين نابيين أمام الطلاب.. وما إن قالهما حتّى احمرت وجنات الطلبة والطالبات في خجل شنيع!

فيا ترى ما هاتان الكلمتان؟

هاتان الكلمتان هما.... أب وأم!

فقد انتهى تماما النظام المتخلف المعروف بالأسرة، ويتم إنتاج البشر في المعامل بالهندسة الوراثية، حيث يتمّ تعديلهم وراثيا لإنتاج ثلاث فئات:

الفئة أ: وهي الفئة الحاكمة، وتتميز بسمات عقلية متميزة.

الفئة ب: وهي فئة تعادل الطبقة المتوسطة من المديرين والموظفين.

الفئة ج: وهي فئة العمال، وتتميز ببنية قوية وعقول ساذجة!

ولا يقتصر الأمر على الهندسة الوراثية لصياغة هذه الفئات.. فهناك وسائل أخرى تتدخل لصنعهم:

1-   الاقترانات الشرطية:

فمثلا شاهد الطلبة طفلا صغيرا يحبو بسعادة نحو كتاب.. ولكن فور أن لمسه صعقه تيار كهربي خفيف.. وعلّل المرشد لهم ذلك بأنّ هذا الطفل من الفئة ب ومن المهم أن يتم دفع أفراد هذه الفئة لكراهية القراءة، لأنّ عليهم أن ينفذوا ما يملى عليم بدون تساؤل.. طفل آخر اتجه ليلمس وردة جميلة، فانطلقت أجراس وأصوات مزعجة.. وعلّل المرشد لهم ذلك بأنّ هذا الطفل من الفئة ج (فئة العمال) ومن المهم دفعهم لكراهية الطبيعة والخضرة والجمال، لأنّ حياتهم كلها يجب أن يقضوها في المصنع دون أيّ احتياج لإجازات أو رحلات تعطّل الإنتاج!

2-   الإيحاء:

حيث يتم وضع سماعات فوق رءوس الأطفال، تستمرّ في تريد عبارات معينة طوال فترة نومهم، لترسيخها في لا وعيهم.. عبارات من نوعية: أنا من الفئة ج، سعيد بعملي وجسمي القوي، وأشعر بالامتنان لأنّني لا أضطر لإرهاق ذهني بالتفكير كما تفعل الفئات الأخرى التي عليها أن تفكّر من أجلي!

3-   التربية:

حيث يتم تربية الأطفال في بيئة يحرّم فيها ذكر أيّ ألفاظ نابية (كالأب والأم والآلهة... إلخ!)

هذا مع إيجاد الألعاب التي ترسخ مفاهيم معينة لديهم.. فمثلا جاءت طفلة تشتكي أن طفلا أصغر منها بعامين يبكي ويرفض أن يلعب معها لعبة الجنس!!!.. فتمّ إرساله للأطباء النفسيين لتقويم بوادر سلوكه المنحرف!!!

طبعا الإباحية طابع لهذه المدنية.. ولكن مع وسائل منع الحمل!

هذا بخلاف توزيع نوع من الحبوب المخدرة على الجميع، يعتبرونها جائزة في نهاية يومهم الشاق، حيث تضعهم في حالة قريبة من السكر، تمنحهم الشعور بالرضا عن الحياة، وتساعدهم ليستمتعوا بباقي الملذات!

بخلاف هذا لا توجد شيخوخة في هذا العالم (على ما أذكر يقتلونهم عند سن معينة!)



من هذه الأرضية تبدأ الرواية.. حيث تذهب بطلتها في رحلة لمنطقة نائية عزلوا فيها بقايا الهمج من الهنود الحمر، الذين ما زالوا يعيشون تبعا لقواعد العالم المتخلّف البائد!

وتحبّ هذه الفتاة أحد هؤلاء الهمج، والذي ولد لأمّ أوروبية كان الهمج قد اختطفوها في رحلة سابقة.. حيث ظلت تعاني من قبح الشيخوخة وآلامها وكآبة هذا العالم الذي اضطرت للبقاء به، بعد أن رفض عالمها استعادتها!

وتأخذ الفتاة الهنديَّ معها لعالمها (على سبيل الاختبار).. ولكنه يعجز عن الاندماج في هذا العالم، حيث يزدري ما فيه من إباحية، ويكره أعماله الفنية الموجهة للغرائز، وتخنقه ماديته التي تقتل الروحانيات.. ويفر منهم إلى منطقة نائية في نهاية المطاف، حيث يأخذ في جلد نفسه عقابا لها على مخالفة قيم العالم النقيّ الذي جاء منه.



ما يهمنا هنا ليس أحداث الرواية.. ولكن الفكرة الخطيرة التي تطرحها:

هل حقا يمكن صناعة البشر؟ (لا أقصد بيولوجيا)

هل يمكن تزييف وعيهم؟

هل يمكن مسخ فطرتهم؟

هل يمكن قلب مفاهيمهم ليصبح الفطريّ مخجلا، والفاحش واجبا؟

هل يمكن تخديرهم وإقناعهم بأنّ ما هم فيه من حضيض العبودية، هو قمة الحرية وتحقيق الذات؟

ألا تتفقون معي في أنّ الحضارة الغربية تقوم بهذا ـ لكن بشكل مختلف قليلا ـ عن طريق صناعة البشر وتزييف وعيهم وتخديرهم حسيا وعقليا عبر الإعلام والتعليم والأدب والفن ومؤسسات المجتمع وإشاعة الإلحاد والفاحشة؟

أنصح بقراءة موضوع "الأسنان الزرقاء".







 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق