691
كيف انحرف العالم ؟
متناقضات الحرّيّة:
تاسعا - الأسنان الرزقاء
واحدة من أحدث تقنيات الشبكات Networks هي تقنية Blue tooth.. والسِنّة الزرقاء قد لا تكون ترجمة حرفية مناسبة لهذه التقنية، فهذا الاسم هو اسم أحد ملوك أوروبا القدماء، كان يحكم أكثر من دولة معا..
والفكرة ببساطة تتلخص في وجود نظام محدد بمنطقة معينة.. فإذا دخل أحد الأجهزة نطاق هذا النظام، يلتقط النظام إشارة لاسلكية منه تحدد هويته، فيبدأ تعريفه كجزء من هذا النظام ليتم تبادل البيانات بين الطرفين لاسلكيا.
وأبسط تطبيق للفكرة، استخدام أجهزة كمبيوتر تتصل بوحداتها لاسلكيا.. بحيث مثلا لا تحتاج لتوصيل طابعة بجهاز معين.. كلّ ما عليك وضعها على مسافة قريبة منه ليتم تعريفها تلقائيا بحيث تصبح جاهزة للاستخدام كجزء من هذا الجهاز.. فإذا أقصيتها عنه، يلغى تعريفها.
نفس هذا يمكن تخيله مع أجهزة الكمبيوتر عند إضافتها لاسلكيا للشبكات (لا تنس أنّ هناك أجهزة كمبيوتر محمولة، بل وأجهزة كمبيوتر يدوية Hand Held).
والآن.. أريد أن أشبّه البشر بهذه الأجهزة القابلة للتوصيل Pluggable لاسلكيا، وآلاف النظم والمؤثرات من حولهم بأنظمة blue tooth!
ولي منطق في هذا التشبيه.. لهذا فضلته على أن أشبه البشر بشحنات موضوعة في مجال كهرومغناطيسي.. فمثل هذه الشحنات لا تملك أيّ إرادة في هذه الحالة على الإطلاق!
أمّا في التشبيه الأوّل، فإنّ بإمكان كلّ جهاز أن يتصرف بنوع من الاستقلالية، وأن يندرج في العديد من الأنظمة، وأن ينفصل عنها.
ولو حدث خلل في بعض هذه الأجهزة فإنّها قد لا تتفاعل مع النظام الأكبر، عن طريق رفض إشاراته أو عدم استقبالها أصلا!
هذا مشابه كثيرا لمواقفنا في الحياة..
بعضنا يصبح تلقائيا وبدون وعي تقريبا جزءا من أنظمة لا يفهما، تسيطر على حواسه وحركته في الحياة!
إمّا لأنّه ولد فيها..
وإمّا لأنّها استحوذت عليه، فضعفت مقاومته لها تدريجيا بحكم الألفة أو السلبية والاستسلام!
ولو قدّر له الخروج من تأثير هذه الأنظمة لفترة، فهناك احتمال أن يتغير سلوكه.
والأمثلة لا حصر لها: الإعلام.. التعليم.. الأعراف.. العادات والتقاليد.. العقائد.. بل وحتّى المراحل العمرية بتأثيراتها المختلفة.
بل وأصغر من ذلك: فرد واحد فقط قد يعمل كنظام مسيطر.. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"
ولن نجاوز لو قلنا:
فلينظر أحدكم ماذا يقرأ..
فلينظر أحدكم ماذا يشاهد..
فلينظر أحدكم ماذا يسمع..
فلينظر أحدكم ماذا يعتقد.
الخلاصة:
لسنا مستقلين.. وإلا صرنا معصومين!
كما أنّنا لسنا معدومي الإرادة والذاتية.. وإلا انعدم التكليف!
نحن مزيج من هذا وذاك.. نمتلك الوسائل التي تمكّننا من البحث عن الحق، والعقل الذي يمكّننا من تقييمه، والغرائز والعواطف التي تحدّ من هذا، والضغوط والإغراءات التي تجبرنا على الاستسلام لها!
ولكنّ أهمّ ما نملكه هو القدرة على تصحيح الذات والتعلم من الأخطاء.. إنّنا ببساطة قادرون على إعادة صياغة أنفسنا ـ جزئيا ـ فقط لو توفرت اللحظة المناسبة لذلك.
هذه اللحظة قد تكون وقفة مع النفس.. أو إرادة صادقة.. أو معرفة صحيحة.. أو وعظا مؤثرا.
وقد تكون تغيرا شاملا في مفاهيم النظام المحيط كله تؤثر في أفراده.
وحتما يؤدي توفير الظروف الملائمة على مستوى النظم، إلى إتاحة الفرصة للأكثرية للارتقاء بنفسها.
أمّا لو كانت النظم مفسدة ـ كما نعيش هذه الأيام ـ فإنّ الغالبية تنحرف.. مهما كان نقاء سريرتها (برنامجها الداخلي).. بل ومهما كان تأنيب ضمائرها (إشارات التحذير)!
فمن ينقذنا من هذه "الأسنان الزرقاء".. المفترسة؟
(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)
(بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ {15})
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق