720
كيف انحرف العالم ؟
متناقضات الحرّيّة:
الثالث عشر - الحرية في الحضارة الغربية
2 أوهام الديمقراطيّة
5 التسلّطُ الأمريكيّ
6 الأطماعُ الأمريكيّةُ في العالمِ الإسلاميّ[1]
لم تَظهرِ (الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ) كدولةٍ فاعلةٍ على مسرحِ السياسةِ العالميّةِ إلا في نهايةِ القرنِ الثامنِ عشر، ولم تبدأْ بالزحفِ خارجَ حدودِها إلا في النصفِ الثاني من القرنِ التاسعِ عشر، فسعتْ للحصولِ على امتيازاتٍ جمركيّةٍ وتجاريّة.
وفي غضونِ القرنِ التاسعِ عشر، كانَ النفوذُ الأمريكيُّ يتفشّى تدريجيًّا في بلدانِ العالمِ الإسلاميّ، من خلالِ البعثاتِ الدبلوماسيّةِ والشركاتِ التجاريّةِ والإرساليّاتِ التنصيريّةِ والهيئاتِ العسكريّةِ والثقافيّة.
وقد تركّزَ اهتمامُ (الولاياتِ المتّحدةِ) في عَلاقتِها مع الإمبراطوريةِ العثمانيّةِ على الاهتمامِ بأحوالِ اليهودِ في (فلسطين) وقضايا الاستيطانِ والهجرةِ الصهيونيّتينِ، تحتَ شعارِ الامتيازاتِ الأجنبيّةِ والقضايا الإنسانيّة.. وقد برزَ تسلّلُ نفوذِ الحركةِ الصهيونيّةِ في الإدارةِ الأمريكيّةِ في كونِ آخرِ ثلاثةِ سفراءَ أمريكيّينَ في (الأستانةِ) منَ اليهود، وفي قيامِ الحركةِ الصهيونيّةِ بدورٍ مهمٍّ في الحملةِ الانتخابيّةِ للرئيس (ويلسون) عامَ 1912.
ثمَّ استغلَّ الصهاينةُ هذا الدورَ، ودفعوا الرئيسَ (ويلسون) إلى الموافقةِ على الصيغةِ المقترحةِ لوعدِ (بلفور)، وعلى تقسيمِ الدولةِ العثمانيّة، وعلى التراجعِ عنِ المبادئِ التي أعلنَها والتي عُرفتْ باسْمِه، حولَ إقرارِ السلامِ وضمانِ حقِّ الشعوبِ في تقريرِ مصيرِها[2].
وفي بدايةِ العشريناتِ، أدّتْ معارضةُ الحزبِ الجمهوريِّ لسياسةِ (ويلسون) الانفتاحيّةِ إلى اكتفاءِ (الولاياتِ المتّحدةِ) برعايةِ الأنشطةِ غيرِ السياسيّةِ ثقافيّةً واقتصاديّة، وفقًا لسلّمِ أولويّاتِ مصالحِها، فعملتْ على دعمِ الإرسالياتِ التعليميّةِ للشرقِ الأوسط، مثلِ تحويلِ "الكلّيّةِ السوريّةِ البروتستانتيّةِ" التي أنشئتْ عامَ 1866 إلى "جامعةِ بيروتَ الأمريكيّةِ" عامَ 1920، وأسّست جامعةً مماثلةً لها في (القاهرة) عامَ 1919.
وقد توسّعتْ شبكةُ مدارسِ الإرساليّاتِ في (لبنانَ) و(سوريا) و(العراق)، وجذبتْ إليها أعدادًا متزايدةً منَ المسلمين.
وإلى جانبِ ذلك، برزتْ نشاطاتٌ طبّيّةٌ تمثّلتْ في مصحِّ جبلِ (لبنانَ) والمركزِ الطبّيِّ في ديرِ الزور وعدّةِ مستشفياتٍ في العمارةِ في (العراق).
كما شهدتْ فترةُ ما بينَ الحربينِ العالميّتينِ غزوًا استعماريًّا من نوعٍ آخر، وهو غزوُ البعثاتِ الأثريّةِ الاستكشافيّة.
وعلى الصعيدِ الاقتصاديِّ رفضتِ (الولاياتُ المتّحدةُ) استمرارَ صفقةِ توزيعِ المصالحِ بينَ (فرنسا) و(بريطانيا)، فحصلتْ على ترضيةٍ اقتصاديّةٍ خاصّةٍ عامَ 1924، تمثّلتْ في معاهدةٍ عُقدتْ معهما، أقرّتْ بمساواتِها بالامتيازاتِ الاقتصاديّة، ولا سيّما على صعيدِ الامتيازاتِ النفطيّة، التي بدأتْ أهمّيتُها الحيويّةُ تبرزُ بعدَ الحربِ العالميّةِ الأولى، التي جعلتِ الدولَ الكبرى تُبدي حساسيةً خاصّةً لاحتياجاتِها النفطيّة.. وكانَ النفطُ الإيرانيُّ هو النفطَ الوحيدَ المُكتشَفَ في هذه الفترة، ثمَّ لم يلبثْ أن اكتُشفَ منذُ العشريناتِ في كلٍّ منَ (العراقِ) و(البحرينِ) و(الكويت)، ثمِّ في الثلاثيناتِ في (الحجاز).
وقد خشيَ الأمريكيّونَ أن يؤدّي الانتدابُ الأوروبّيُّ على البلدانِ الإسلاميّةِ إلى سيطرةٍ أوروبّيّةٍ مطلقةٍ على المواردِ الطبيعيّةِ فيها، خصوصًا بعدَ اتفاقيّةِ سان ـ ريمو عامَ 1920، والتي اعتبرها الأمريكيّونَ تواطؤًا فرنسيًّا بريطانيًّا للهيمنةِ على المواردِ النفطيّةِ في هذه المنطقة، الأمرُ الذي أدّى عامَ 1921 إلى إجراءِ مفاوضاتٍ بينَ الاحتكاراتِ النفطيّةِ البريطانيّةِ والفرنسيّة، والاحتكاراتِ النفطيّةِ الأمريكيّة، لتسويةِ موضوعِ تقاسمِ الحصص.. وهكذا تمَّ في عامِ 1928 توقيعُ اتفاقيّةٍ نهائيّةٍ سُمّيتْ باتفاقيّةِ "الخطِّ الأحمر"، نصّتْ على مساواةِ المصالحِ الأمريكيّةِ بمصالحِ الشركاتِ الأخرى: فرنسيّةً وإنجليزيّةً وهولنديّة.
وبهذه الطريقةِ عادَ الأمريكيّونَ لإبداءِ المزيدِ من الاهتمامِ السياسيِّ والاستراتيجيِّ بالمنطقة، ولا سيّما إثرَ الحربِ العالميّةِ الثانية، والصراعِ بينَ دولِ المحور، الأمرُ الذي أخرجَ (الولاياتِ المتّحدةَ) عن سياسةِ الاكتفاءِ بالتنافسِ الاقتصاديِّ فقط.
فبحلولِ عامِ 1943، كانَ النفطُ الأمريكيُّ يمثّلُ أكثرَ من 70% من مواردِ الطاقةِ المستخدمةِ في الحربِ ضدَّ دولِ المحور، ونظرًا لاستحالةِ استمرارِ إنتاجِ النفطِ الأمريكيِّ بهذه المعدّلات، فقد تطلّعتِ (الولاياتُ المتّحدةُ) إلى الأقطارِ الغنيّةِ بهذه الموارد، ولا سيّما في الخليجِ العربيِّ وشبهِ الجزيرة.. ولهذا أعلنَ الرئيسُ الأمريكيُّ (روزفلت) في 18 فبراير 1943، أنَّ (السعوديّةَ) أصبحتْ من الآنِ فصاعدًا ذاتَ ضرورةٍ حيويّةٍ للأمنِ القوميِّ (للولاياتِ المتّحدة)، ممّا أدّى لزيادةِ الاحتكاكِ مع المصالحِ البريطانيّة، خاصّةً مع بدايةِ مشروعِ مدِّ خطِّ أنابيبِ "التابلاين"، المموّلِ أمريكيًّا.
وكانَتْ نتيجةُ هذا التنافسِ انحسارَ المدِّ الاستعماريِّ البريطانيِّ، وتقدّمَ المدِّ الأمريكيّ، الذي بدأَ يتأهّبُ لوراثةِ القوى الاستعماريّةِ التقليديّةِ في المنطقة، بأسلوبِ الزحفِ المتواصلِ وخطبِ وُدِّ الشعوبِ بادّعاءِ تشجيعِ الاستقلالِ الوطنيّ!
الاستراتيجيّةُ الأمريكيّةُ في الشرقِ الأوسط:
عرّفَ (بروس بالمر) المصالحَ العليا الأمريكيّةَ بأنّها تكمنُ في احتفاظِ (الولاياتِ المتّحدةِ) بمستوى معيشتِها الراهنِ المتفوّق، وتصاعدِه مع الزمنِ بنسبةٍ مقبولة، بالإضافةِ إلى الاحتفاظِ بطريقتِها في الحياة، من حيثُ نظمِها السياسيّةِ والاقتصاديّةِ والاجتماعيّة.
وبناءً على هذا التعريف، يرى (بروس) أنَّ منطقةَ الشرقِ الأوسطِ ـ وهي حسبَ تعريفِهم تضمُّ شرقَ المتوسّطِ وبلدانَه الساحليّة، و(ليبيا) و(مصر) والقرنَ الأفريقيّ، وشبهَ الجزيرةِ العربيّة، والخليجَ الفارسيَّ و(العراقَ) و(إيران)، وخليجَ عمان وبحرَ العرب ـ يرى أنّها من أكثرِ المناطقِ استراتيجيّةً في العالم.
وهكذا أخذتِ (الولاياتُ المتّحدةُ) على عاتقِها عدّةَ التزاماتٍ طوعيّةٍ، تمثّلتْ بالمعاهداتِ والتحالفاتِ متعدّدةِ الجوانب، واتّفاقيّاتِ الأمنِ المشترك، وطرحتِ الإداراتُ الأمريكيّةُ المتعاقبةُ سلسلةً منَ المبادئِ السياسيّةِ والأمنيّةِ للشرقِ الأوسط، تضمّنت في أغلبِ الأحيانِ الإشارةَ الواضحةَ إلى حقِّ (أمريكا) في التواجدِ أو التدخّلِ العسكريِّ فيما إذا تعرّضتْ مصالحُها الحيويّةُ في الشرقِ الأوسطِ للخطرِ من قِبَلِ أعداءٍ داخليّينَ أو خارجيّين، وهما مصطلحانِ يُشارُ بهما إلى الثوراتِ والانقلاباتِ أو المدِّ الشيوعيّ.
وقد سعتِ (الولاياتُ المتّحدةُ) أيضًا إلى القيامِ بمشاريعَ مختلفةٍ من أجلِ "تطويرِ" اقتصاديّاتِ دولِ المنطقة، وإضفاءِ الطابعِ "الحضاريِّ" للحياةِ الأمريكيّةِ على المجتمعاتِ المحلّيّة، من خلالِ المشاريعِ الاقتصاديّةِ، أو الإرساليّاتِ والجامعاتِ والمستشفياتِ وغيرِها.
الحربُ الباردة:
بعدَ عامِ 1945 صعدتِ الأهميّةُ الاستراتيجيّةُ للشرقِ الأوسط، بعدَ أن أصبحتِ الحربُ الباردةُ وسياسةُ احتواءِ (الاتحادِ السوفيتيّ) تُشكّلُ مصدرَ الاهتمامِ الرئيسيِّ للحكومةِ الأمريكيّة، باعتبارِ هذه المنطقةِ رأسَ جسرٍ هامٍّ ومنطقةً مُلحقةً بالجناحِ الجنوبيِّ لحلفِ شمالِ الأطلنطيّ (الناتو).
وقد كانَ خروجُ (فرنسا) و(انجلترا) منهكتينِ من الحربِ العالميّةِ الثانيةِ، وقيامُ (الولاياتِ المتّحدةِ) بمساعدتِهما عبرَ مشروع (مارشال)، عاملا أساسيًّا لكي تضعَ (أمريكا) يدَها على المنطقةِ لما تُمثّلُه من بُعدٍ حيويٍّ كبير.. ومنذُ العامِ 1941 كانَ الرئيسُ (فرانكلين روزفلت) يُعلنُ أنَّ الدفاعَ عنِ (تركيا) والشرقِ الأوسطِ يُعتبرُ حيويًّا للدفاعِ عنِ (الولاياتِ المتّحدةِ).
وفي عامِ 1947 صدرَ مبدأُ (ترومان) الذي ينصُّ على قيامِ أحلافٍ عسكريّةٍ وسياسيّةٍ أمريكيّة، وتقديمِ المساعداتِ للأطرافِ المعاديةِ (للاتحادِ السوفيتّيّ)، وينصُّ أيضًا على دعمِ الوجودِ الصهيونيِّ في (فلسطين) كعنصرٍ إيجابيٍّ وحيويٍّ بالنسبةِ للمصالحِ الاستراتيجيّةِ الأمريكيّة.
وفي عامِ 1957 أعلنَ (أيزنهاور) أنَّ (الولاياتِ المتّحدةَ) مستعدّةٌ لاستخدامِ قوّاتِها المسلّحةِ لمساعدةِ أيِّ أمّةٍ أو مجموعةٍ من الأممِ تطلبُ منها المساعدةَ ضدَّ عدوانٍ مسلّحٍ يشنُّه أيُّ بلدٍ من البلدانِ التي تسيطرُ عليها الشيوعيّة.
وبموجبِ هذه السياسةِ قدّمتِ (الولاياتُ المتّحدةُ) مساعداتٍ عسكريّةً لدعمِ الانقلابِ الملكيِّ في (الأردن) عامَ 1957، وأرسلتْ قوّاتٍ لدعمِ الأنظمةِ المواليةِ لها في (الأردن) و(لبنان) عقبَ ثورةِ 1958 في (العراق).
[1] أنا أستفيدُ هنا منَ المعلوماتِ التي وردتْ في كتاب "السراب: كيف خرجتِ القواتُ متعدّدةُ الجنسيّاتِ من لبنان"، في باب "بدايةُ الاهتماماتِ الاستعماريّةِ في العالمِ الإسلاميّ".
[2] لمزيدٍ منَ التفاصيلِ اقرإِ المقالَ المعنونَ بـ "الأخطبوط اليهوديّ".
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق