615
كيف انحرف العالم ؟
كيف جعلونا نمسك الجمر:
ثالثا - التعليم
1 أخطاء هيكلية في التعليم
4 الدائرة المغلقة
بعض الاقتراحات الطموحة لإصلاح نظام التعليم الحاليّ، تذكّرني بطريقة تفكيري في المرحلة التي كنت أعتبر فيها أنّ الخطأ ناتج عن التطبيق، وليس عن النظريّة!
ولذلك كنت أجهد ذهني للتفكير في عشرات الحلول للمشاكل التي أبدا لا تنتهي!
ثمّ اكتشفت أنّنا ندور في دائرة مغلقة..
فدمج بعض المناهج وفصل البعض الآخر ما هو إلا تغيير في الشكل، تمّ التلاعب به كثيرا في مصر تحت مسمّى "تطوير التعليم".. ولكنّه في الواقع كان مجرّد تنويع على فعل!!
أمّا المطالبة المشروعة بحذف الحشو من بعض المناهج كالجغرافيا مثلا، فإنّها ستؤدّي في النهاية إلى حذف الجغرافيا نفسها!
فهي تتعلّق بطبيعة الأرض والمناخ، وتأثيرها على الأنشطة البشريّة.. والأماكن والنسب جوهريّة فيها..
ولكن هل معنى هذا أن نطالب بحفظها؟
لقد كانت هذه المادّة هي ومادة الأحياء سببا جوهرّيا في تغيير نظرتي للتعليم (الآن تبدو لي هذه ميزة)!!
المشكلة هي كيف نقنع القائمين على التعليم بأنّ حفظ هذه النسب لا يقدّم أو يؤّخر!
ولكنّ هذا سيدفعهم للتساؤل عن وسيلة أخرى للتقييم.. وهذا سيتطلّب تغييرا جذريّا في فلسفة التعليم وكيفيّته.. مع توفير المعامل والأجهزة والدراسات الميدانيّة والبحوث التي يدرس فيها الطالب مشاكل بيئته..
وهذا يحتاج لتمويل ضخم، وجيوش جرّارة من المعلّمين، ليتمكّن كلّ منهم من متابعة مجموعة لا تزيد عن 15 طالبا.
وهذا يستحيل في ظلّ الملايين التي يتمّ تعليمها معا كأنّها معلّبات على خطّ إنتاج مصنع، أهمّ شيء ملؤها وتخريجها!
ولو افترضنا القدرة على إيجاد كلّ هذا العدد من المدرسين والمدارس والمعامل والتجهيزات.. فإنّ هذا سيحوّل العمليّة التعليميّة إلى عمليّة مستنزفة للاقتصاد (أكثر ممّا هي أصلا)، بحيث ستفلس الدولة قبل تحقيق أيّ نتيجة!
بالمناسبة: هل من الاقتصاد تضييع نقود الدولة والشعب، لإجبار كلّ التلاميذ على تعلّم كلّ شيء، علما بأنّه من المستحيل أن يتقن كلّ هؤلاء كلّ هذا المناهج والمعارف؟.. أليس هذا سببا رئيسيا في خراب بلادنا اقتصاديّا؟
الحلّ إذن أن يتمّ إنشاء مدارس تجريبيّة صغيرة والتوسّع فيها مع الزمن..
حدث هذا في مصر منذ عهد (عبد الناصر)، وحقّقت هذه المدارس نتائج مبهرة.. ولكن تم إهمال التجربة خاصة بعد النكسة، ممّا جعل كلّ تطوير يتوقّف، في حين ازداد تدهور المدارس التقليديّة باستمرار..
ولو عدنا لتبنّي هذه التجربة، فستحتاج إلى قرن على الأقلّ حتّى نحلم بتحوّل كلّ المدارس إلى مدارس نموذجيّة!
وفي هذا القرن ستظهر مشكلة من يدخل المدارس التجريبيّة؟
وأنتم تعرفون طبعا أنّ أبناء الأغنياء وأصحاب النفوذ والوساطة سيحتكرون هذه المدارس.. وهذا سيهبط بأدائها تلقائيّا.. كما هو الحال في المدارس الخاصة!!
بل إنّ خريجيها سيصيرون طبقة عليا جديدة في المجتمع، تحتكر الوظائف الرفيعة والمناصب القياديّة!
وهكذا نكتشف أنّنا نلفّ في دائرة مغلقة، فالوقت في غير صالحنا، وهناك تغذية مرتدّة بين الاقتصاد والتعليم وقيم المجتمع!
هذا بخلاف أنّنا أهملنا التدخّل الأجنبي في السياسة التعليميّة لأسباب لا تخفى على أحد!
أرجو أن ندرس هذا الكلام.. فقد جئنا متأخرين، بعد أن ظلّ مئات المفكرين والمصلحين يدعون لتطوير تعليمنا خلال نصف القرن الماضي بلا جدوى..
وهذا يستدعي أن نوفّر على أنفسنا الوقت في تكرار نفس مشوارهم، وأن نبدأ في التفكير بطريقة مغايرة.
عموما... يجب أن نتفق على شيء هامّ:
كلّ ما نتحدّث عنه هنا يظلّ أحلام يقظة!
فلم يحدث في تعليمنا، ولن يحدث أبدا إلا ما تمليه علينا أمريكا!
والأنظمة التي تحكمنا موجودة بالفعل منذ نصف قرن.. ولو كانوا أرادوا جعلنا دولا عظمى لجعلونا.. ولكنّهم على ما يبدو كانوا ((أذكى)) من صدّام في هذا الأمر!
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق