614
كيف انحرف العالم ؟
كيف جعلونا نمسك الجمر:
ثالثا - التعليم
1 أخطاء هيكلية في التعليم
3 التعليم: من سيء لأسوأ
كتب (إبراهيم سعده) رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المصريّة، مقالا في الصفحة الأولى للعدد الصادر يوم السبت 24 مايو 2003، بعنوان: "اعترافات د. حسين كامل بهاء الدين"، تخيّل فيه أنّ وزير التعليم يعترف أمام رئيس الجمهوريّة بمدى التردّي الذي وصل إليه التعليم المصريّ..
وطبعا، نسب كلّ الأخطاء للوزير ومن سبقوه، على عادة منافقينا في إلصاق الأخطاء وأسباب الكوارث بمن لا يهشّ ولا ينشّ!!!
وسألخّص هنا أهمّ الانتقادات التي وجّهها (إبراهيم سعده) للتعليم المصريّ، متجاهلا اتهامه لشخص الوزير، الذي يعرف الجميع أنّه لا ينفّذ إلا ما يملى عليه من أمريكا!!!
وأهمّ ما ورد في المقال، هو التذكير بما كان عليه التعليم في الثلاثينيات والأربعينيات:
((كان التلاميذ في الريف يلتحقون بالكتاتيب.. يحفظون القرآن الكريم ويتعرّفون على اللغة العربيّة وكلماتها واستخداماتها وجمال ألفاظها وعباراتها..
معظمنا التحق بالمدارس الحكوميّة، ووجد الجدّيّة لدى المدرسين، الذين أحبّوا المهنة فتفانوا في تعليمنا، وقضاء أكبر وقت ممكن لإرشادنا والاستماع إلينا وحلّ مشاكلنا، وترسيخ كلّ ما هو طيّب وصالح وجميل في حياتنا.
كانت المدرسة تكمل دور البيت في حسن تربيتنا، فالمدرس يغرس فينا احترام الكبير وأهمّيّة طاعة الأب والأم والتمسّك بالعادات الحميدة والتقاليد الموروثة..
كانت الدراسة في المرحلة الابتدائيّة متعة ما بعدها متعة.. التلاميذ يتسابقون لدخول المدرسة قبل دقّ الجرس.. وكان من النادر جدّا أن يتغيّب طالب، وإذا تغيّب فهناك أسباب لذلك أهمّها المرض.. وفي جميع الحالات كان أولياء الأمور يتلقّون خطابات موقّعة من ناظر المدرسة، يسألهم فيها عن سبب تغيّب أولادهم.. وأحيانا يصرّ الناظر على حضور وليّ أمر التلميذ للتأكّد من جدّيّة سبب الغياب.
ونادرا أيضا ما كنّا نلاحظ "تزويغ" الطلاب وهروبهم من المدرسة، فالعقاب الأسريّ والمدرسيّ لم يكن وحده الذي يعامل به التلميذ المزوّغ، وإنّما العقاب الأقسى كان يأتيه من زملائه في الفصل، الذين ينبذونه ويبتعدون عنه، خوفا من أن يقال عنهم إنّهم يصادقون التلاميذ الفاشلين.
ولم نكن نسمع وقتئذ عن الدروس الخصوصيّة ولم يجرؤ مدرّس على عرض نفسه للبيع أمام تلاميذه.. وحتّى الطالب الذي كان يستعين بدرس خاص، كان يحرص على اختيار مدرس من غير مدرسته، وكان يخفي هذه العورة، خوفا من سخرية زملائه!
وكانت وزارة التربيّة والتعليم قبل الثورة وحتّى نهاية الخمسينات، تهتمّ حقيقة ـ وليس كذبا وافتراء وادعاء ـ بالعمليّة التربويّة التعليميّة.. فالمناهج الدراسيّة ترتقي إلى مستوى أعرق مثيلاتها في باقي الدول الكبرى، ويدرّسها أساتذة جادّون، تحت رعاية وعناية أساتذتهم الكبار من وكلاء ونظّار المدارس..
وكان الطالب الذي ينهي دراسته الابتدائيّة يجيد القراءة والكتابة بلغة عربيّة سليمة، ويحفظ العديد من دواوين الشعر القديم والحديث.. ليس هذا فقط، بل ويجيد أيضا الإنجليزيّة أو الفرنسية، أو اللغتين معا في بعض المدارس النموذجيّة.
وكان حامل الشهادة الابتدائيّة يحصل على لقب "أفندي" فور تعيينه موظّفا محترما بإحدى المصالح الحكوميّة وبمرتّب خياليّ يصل إلى ستّ’ جنيهات في الشهر، وهو الدخل الذي كان يسمح لصاحبه بالتقدّم للزواج وفتح بيت وتكوين أسرة، يكون على رأسها الأب الوقور والمحبوب والمهاب من الجميع.
ومع استمرار الطالب في الدراسة والانتقال إلى المرحلتين الإعداديّة والثانويّة، كان تقدّمهم التربويّ والتعليميّ يتعاظم سنة بعد سنة، وفي الوقت نفسه يزداد ارتباطهم بأساتذتهم ومدارسهم، ويتسابقون فيما بينهم لتحقيق التفوّق والتميّز.. ليس فقط في تحصيل العلوم.. وإنّما أيضا في كلّ النشاطات الاجتماعيّة والترفيهيّة والرياضيّة التي كانت المدارس توفّرها للطلاب)).
واستمرّ المقال في سرد مزايا المسابقات الرياضيّة وجماعات الأشغال الفنّيّة والخطابة والشعر والصحافة، وفرق الكشافة.....
إلى أن وصل المقال إلى ترك الماضي الجميل، والتحدّث في الواقع المذهل.. وطبعا أفاض المقال في إرجاع كلّ الأخطاء لوزراء التربيّة والتعليم، الذين يتسابقون في القفز إلى كرسيّ الوزارة، ويعمد كلّ منهم إلى تحطيم إنجازات سابقه، للفت النظر إليه..
وهي نظريّة سقيمة، تتردّد في مصر منذ نصف قرن، وكأنّ رؤساء الجمهوريّة لا يختارون إلا هذه النوعيّة المنحطّة من وزراء التعليم (والتعليم وزارة سياديّة تخضع لرئيس الجمهوريّة مباشرة!!!)..
فلو صحّت نظريّة فساد وزراء التعليم، فهذا يشير بوضوح إلى سوء اختيار رؤساء الجمهوريّة المتتابعين، وعدم صلاحيتهم للإشراف على الوزارات السياديّة!!!!
ولكن..
يبدو أنّ هذه هي النظريّة الوحيدة المتاحة لدى صحفيينا العباقرة، فمن المستحيل أن يشيروا لدور المركز الأمريكيّ ((لتطوير)) التعليم، ولا للتخريب المتعمّد للتعليم من قبل الحثالة من أنصاف المثقّفين التي تسيطر على البلد!!
وإن كان المقال قد اقترب من ذلك حينما قال:
((ماذا حدث حتّى تنقلب الصورة رأسا على عقب.. كيف يمكن أن تنهار العمليّة التعليميّة في بلادنا، كما انهارت وتهاوت، حتّى أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن؟.. إنّني لا أغالي لو قلت إنّ هناك مؤامرة قد خطّط لها الأعداء، ووجدوا من ينفذها بحذافيرها.. وإلا فبماذا نفسّر المصيبة التي حدثت، والكارثة التي لحقت بكلّ فكرة توصّلنا إليها، وكلّ سياسة تربويّة ابتكرناها، وكلّ مناهج تعليميّة اخترعناها؟؟
لقد أعلنا الحرب ضدّ الأمّيّة منذ عقود عددية مضت.. ولكنّنا فوجئنا برئيس منظّمة العلوم والفنون والآداب التابعة للجامعة العربيّة، يصدر تقريرا خطيرا، يؤكّد فيه أنّ مكافحة الأمّيّة في الأمّة العربيّة طوال نصف القرن الماضي تمخّضت عن زيادة الأمّيّة عمّا كانت عليه قبل نشوب الحرب!!!))
ولا أدري أيّهما أسعد حظّا: الأمّيّ الذي لم يتعلّم، أم الأمّيّ نتاج التعليم!!!!!
ويتكّلم المقال بأسلوب ساخر عن تسهيل الامتحانات للوصول لنسب نجاح تصل إلى 99.99%!!!.. على حساب جهل الخريجين، الذين لا يجيد الكثير منهم القراءة والكتابة، بل ولا يعرف الألف من كوز الذرة!!
بخلاف خرّيج الجامعة الذي لا يستطيع كتابة جملة كاملة تستقيم على قواعد أيّ لغة بما فيها العربيّة!!
وتطرّق المقال لواحدة من قضايا فساد الضمير والسرقة والعمولات، حينما قال:
((والدليل على ذلك مئات الملايين التي دفعتها الوزارة لناشر وطابع واحد لبنانيّ الجنسيّة، لتزويد طلابنا بكتب تعليم الإنجليزيّة، وتصادف أنّ هذا الناشر الأوحد المحظوظ، هو والد السيدة الفاضلة قرينة الدكتور (يوسف بطرس غالي) وزير التجارة الخارجيّة!))
الجدير بالذكر أنّ هذا الوزير يحمل الجنسيّة الأمريكيّة، وله فضائح أخرى نتيجة مخالفات رئيس البورصة!!!
وما زالت المهزلة مستمرّة!!
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق