639
كيف انحرف العالم ؟
كيف جعلونا نمسك الجمر:
ثالثا - التعليم
3 الخطأ في النظريّة قبل أن يكون في التطبيق
6 عودونا على الفشل.. ربونا على اليأس
بقلم: صافي القلب
تبدأ حياة مواطننا العربي، بطفولةٍ بريئةٍ ما زالت تستكشف الحياة المجهولة.. وفجأة... وكأنه فخ، يزج بهذا المسكين خلف قضبان نافذة المدرسة.. ويصبح ومن دون مقدمات بين أبوين جاهلين ينفيانه لهذا المعسكر، ليتخلصا من إزعاجه وفضوله المخرب، وبين معلم يؤدي واجبه تجاه الدولة ـ وتحت ضغوطه المعيشة ـ في قمع بدايات التفكير الصادقة والفضولية ـ التي يخاف منها سجانو بلادنا ـ ليزرع بدلها موضة التقليد الأعمى والحشو من العلوم المسمومة.. ويتجاهل هذا المعلم الجندي أنّ من يتعلم التقليد لا ينتج التجديد، فيعلمه الطاعة لحامل العصا، والتهكم على من ينوي العظة.. يعلمهم بأن حقوقهم كأطفال لا ينالونها إلا مسارقة من خلف القانون.. حقوقهم كلها إذن لا تؤخذ إلا من خلف القانون وتحته!
المشهد إذن مجمع علم، مصنع لأفراد الحضارة.. والمحتوى حياة بلا معنى، ومستقبل من غير مغزى.. وأكتفي بهذه الصورة الموجزة عن مقدمة حياتنا نحن العرب.
***
يكبر الطفل ويصبح فتيّ.. ويزداد انشغاله بدراسة ما تأخر به من المواد الدراسية المتراكمة ـ ينسى ماضيها باستمرار!
صعوبة على صعوبة.. ألغازها البعيدة عن الواقع، وخلوها من الهدف هو ما يجعلها مستعصية على العقل، لأن العقل لا يحتفظ إلا بما يحس بأنه مفيد وذو جدوى لمن يحمله.
ولكن في الفتى نيرانٌ تتقد وقلبٌ ينتفض.. فما هذا الإحساس؟
إنه إحساس الفتوّة.. إحساس الرعونة التي تولّد الإرادة لتضع صاحبها على قمة مكانه ومكانته في المجتمع الذي سيستقر فيه.. نعم إنها الإرادة التي تصنع المستقبل المشرق العظيم.. إنها إرادة الشعوب التي يسأل الناس عن سبب اختفائها في حاضرنا!
ففي القديم كان البشر يحرزون أكبر الإنجازات في هذا العمر الذي تكون منه البداية للإنجاز.. فقد كان أول ما يفكر به الفتيان حينما يبلغون، أن يسافروا مع القوافل العريبة إلى البلاد البعيدة، ليلتقطوا علما، أو يجمعوا بالتجارة أكياس ذهبٍ ومال، أو يتقنوا فنا من فنون القتال.. وهو في سن يسبق العشرين يغامر في السفر إلى المجهول، ويتعلم من الحياة كل ما يعطيه الخبرة التي يدخرها لباقي حياته المستقرة.. وفي جميع الحالات يكون قد استفاد من هذه الإرادة، أنه قد حصل من مجاهدته في بضع سنين على ما يؤمن له استقراره في باقي الحياة الهانئة.
لكن الأمر مختلف الآن.. فبدل أن يُطلب من الفتيان أن يقدموا الأمجاد لحضارتهم، يطلب منهم أن ينتظروا حتى يكبروا، فهم ما زالوا صغارا عاجزين عن العمل، وهذه الإرادة التي يملكونها ليست إلا (مراهقة).. هذا المصطلح الجديد الغريب الذي أراهن أنه مدسوس من قبل أعدائنا، وما رافقه من أمثال تتهكم على إرادة الشباب (يا أرض انهدي، ما عليكِ قدي).
أريد أن أعرف ما هي الصورة المفضلة التي يحبها آباؤنا.. أن نصبح مثلهم بحياتهم التي عرفنا خنوعهم بها واستسلامهم المطبق للظلم المطلق؟.. ماذا نالوا هم من حياتهم غير عائلات مرتبكة وزوجات متكبرة وأولاد متمردين؟.. ماذا استفادوا وهم يعملون طيلة النهار ليكملوا بعضا من مصاريف البيت التي لم يأخذوا منها سكينةً ولا استقرارا؟!
حسنا إنها مراهقة لأنك تنمو جنسيا!
ما هذا التفسير القبيح؟
ثم لماذا لم يحاولوا تفسير هذا الهيجان، أنه ربما يكون من إطلاعهم على أشياء لا يصحّ لهم أن يطلعوا عليها (والتلفاز ومطبوعات الحكومة لها النصيب الأكبر في ذلك)؟!
لماذا يا آباءنا لم تفكروا مليا في أمر أبنائكم ولو قليلا؟
ألسنا نحن كل ما لكم ـ كما تقولون؟
فما تفعلون إذن لو فقدتمونا في فشل حياتنا؟
أم أنكم أذعنتم لما يقوله المثقفون المنافقون الأبناء غير الشرعيين لحكامنا، ورضيتم بتفسيرهم من غير استشارة قلوبكم؟!
لا مناص لقد ظلمتمونا وظلمتم أنفسكم.. أهلكتم أنفسكم وأهلكتمونا معكم!
ماذا أقول فيكم إذن؟
ستقولون إنكم بذلتم الغالي والرخيص من أجلنا.. ولكني أرى أنكم بذلتم كل الغالي ليعيش النظام العالمي الجديد الغريب!
- حسنا إنها المراهقة اللعينة.. دس عليها يا ولدي.. دس على طموحك يا ولدي وأقتل كل صفة تميّزك من أجل الدراسة.. ادرس فأنت في مرحلة صعبة.. في حربٍ يسقط فيها ثلثي الشباب في قبور الفشل والنسيان.. واصبر على عنادك وإصرارك.. قاوم هذا التفكير الذي سيجعلك شاذا عند الناس وتلاطمك أمواج النهر المندفعة التي تسير أنت عكس اتجاهها.
- يا أبتِ إن النهر ينتهي بأعلى شلالٍ في العالم.. يا أبتِ إن رأس النهر في قمة الجبل فوق الغيوم!
- يا بني من الذي أدخل في رأسك هذه الترانيم الفارغة؟.. صحيح فأنت طفل تقتنع بأي كلام!!.. يا بني أطعني مرة وخالفني الدهر كله.. أبوك يريد مصلحتك.. يريدك دكتورا يفاخر به الناس.. يريدك شرفا أمام علية القوم وأدناهم.
- ولكن يا أبي: هل تعتقد أني سأكون راضيا وقد أهملت ما أحب، لأمثل الدور الذي يحبه الناس؟.. هل ستكون هانئا في قبرك عندما ترى ولدك يحسده الناس على سعادته المرسومة، من دون وجودها بذاتها؟.. هل يسعدك يا والدي أن ترى ابنك يعصره الحزن والألم، القهر والندم، والناس تحسده على الرفاه والغناء والسمعة وكثرة ما يملك من أشياء؟.. أرأيت؟.. إنها مجرد أشياء، لا تعرف إحساس الروح ولا تروي نبض القلب.. لماذا يا أبتِ.. لماذا تصدقهم وتكذب ابنك؟.. لماذا تأخذ منهم العصا لتضرب أبنك؟.. ألم تقل إنهم أعداء الأمة؟.. ألم تقل إنهم سبب الغمة؟.. فتسلمني لهم لأصبح منهم، ثم أعود إليك نسخة منهم فتحاربني؟... أبي العزيز إن أرت الشرف فالشرف لمن أخذوا من غير عناء لقب من عانى وتعذب، وقاسى وتكبد، ليعطي الحياة الجديدة بمفهومها الجديد من فكرٍ جديد لأممٍ تائهة ضائعة، متمسكة بتقليدٍ أعمى ومفاهيم ضالة.. عذبوه لأنه أراد الخير لهم، فهجر مدارسهم وجامعاتهم ليدخل دائرة الفاشلين، ويصنع منها علوما جديدة وكتبا أصبح الدكتور الذي تتكلم عنه يدرسها الآن في الجامعات، ويتشرفون بها.. مع أنهم عادوا ليجعلوها دينا ومذهبا، لتصبح كلمات لا تتعدى الدفتر من جديد!!!
لكن وعلى كل حال فلن يستقر قرار صاحبنا على خيارين يمكن الجمع بينهما من دون النجاح في أحدهما مع العلم أنهما أساسيتان..
فإهمال الذات والخضوع للاءات المجتمع يولّد لنا فردا بلا شخصية متفردة ولا عقل منتج ولا حتى قلب مقاتل.
كما أن الخضوع لهواجس الذات وإهمال قوانين المجتمع، التي تعاقب بهجومها الشفهي والاعتباري على هذا المسكين الممزق، تولّد لنا شخصا منعزلا يعاني من الهشاشة وعدم الثقة بالنفس.. يحس نفسه غريبا في شارعه وفي منزله وحتى في غرفته!!
وهنالك حقيقة علمية تقول: إن صفات الإنسان وخلقياته تتأثر بقوة لتقيم مجتمعه واعتباراتها نحوه.. أي أن صاحبنا في هذا الخيار سيتحول رغم إرادته إلى النموذج التافه، الذي يفترضه المجتمع المحيط به ساذجا ومسكينا (أهبل).
***
حسنا.. دعونا نسير إذن على الخيار الذي تسير عليه الأغلبية الساحقة في أوساطنا العربية، فماذا سيحدث في حالة الخضوع التام
لهذه المؤامرة في إكمال الدراسة وإلغاء الذات؟
ماذا تنتج لنا المدرسة من أيدي عاملة؟.. ولماذا هذا الهزل المعرفي في طلابها الخريجين؟
إنه شيء في غاية القبح أن تعلم المدرس في نقطة بداية العلم "كيف تكره العلم"!!
وأنا أتحدى كل من في هذا المنتدى، إن لم تكن هذه الكلمة (العلم) تثير اشمئزازه!!
ففي الحقيقة، ورغم أني أمارس ـ في الخفاء ـ مهنتي الخاصة في البحوث الفلسفية والإنسانية والطبيعية، خارج دراستي الجامعية في الحاسوب، إلا إنني أشمئز بالفعل من ذكري لهذه الكلمة، التي ذهب معناها عن لفظها.. وإني أرى أن هذا المصطلح ـ مثله مثل كثير غيره ـ يجب أن يتم استبداله كي لا يتوه المعنى عن العاني.
وعلى ذكر النهاية المدرسية.. فما سيحدث هنا هو سلسلة من الامتحانات التي تختبر تخمر العقل، وتفقده الجزء الأكبر من التفكير الذي تحول إلى تذكير.. أما من لم تتخمر عقولهم بعد.. فسيتم إقناعهم بأنهم أغبياء، لأنهم رسبوا ـ أو على الأصح حصلوا نتيجة سيئة بالمقارنة مع زملائهم الحفيظة ـ وصار لزاما عليهم أن يعيدوا حساباتهم، ليتخلوا عن نهج التفكير ويتبنوا نهج التذكير!!
***
وأخيرا تكون مرحة التصفية الوطنية.. إنها ليست لعبة كرة القدم بل هي حقيقة بشعة تطبق على شبابنا، ليحكم على أغلبهم بالفشل.. كأن المجتمع الآن لا يحتاج لهذه الحثالة من الساقطين (لاحظ هذه الألقاب)، الذين لا تنفعهم أيديهم ولا أرجلهم في المساهمة في بناء غدٍ مشرق!!
هكذا نكون قد قضينا على معظم شبابنا صانعي الغد، واستلمتهم ألسن الناس لتجهز على ما تبقى من أملٍ في قلوبهم.. وبعد ذالك نرى الردود على الاعتراضات ضّد وزارة التربية والتعليم، لتجيب في آخر المطاف: "ما زال أمامهم أمل في الامتحانات التالية فإن لم ينجح أيضا يُعِدِ الكَرّة"!!.. كأن كرامتهم كالثياب تتّسخ وتغسل فلا أسهل!!
حتى إذا ما نجح أخيرا، يكون القلب قد خوى و الفؤاد قد جفا.
وهنا أذكر أن أسلوب تصفية الامتحانات يطبق في كل مراكز دولنا، مثل الحصول على رخصة قيادة، و الجامعات واختبارات العمل.. وفوق كل ذالك يدخل مفهوم الواسطة ليزيد حدة التنافس احتداما على ما تبقى.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق